الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفاق العلمانية في العراق والمنطقة... بضع ملاحظات.. [ 1 ]

عزيز الحاج

2012 / 8 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ربما يبدو الحديث عن آفاق الديمقراطية في العراق والمنطقة العربية بمثابة حديث عن أمنية مستعصية التحقق. وهذا إذا أخذنا بالحسبان ما يسود العراق والمنطقة من ظلمات الإسلاميين، وهيمنتهم السياسية والفكرية والاجتماعية، وانقياد الشارع لهم. وكنت منذ الأسابيع الأولى لانتفاضتي تونس ومصر قد أبديت في الحوار المتمدن وصحف أخرى شكوكي وهواجسي عن مآل الانتفاضتين وكل انتفاضة عربية قادمة، وذلك أخذا بالنظر مدى التخلف الاجتماعي والفكري، ومدى قوة نفوذ الإسلام السياسي والمرجعيات الدينية على اختلافها، وتضامن التيارات والقوى الإسلامية مع بعض في كل الميادين ولاسيما ماليا، سواء كانت في المعارضة والحكم. وثمة عامل مهم آخر وهو اتجاه إدارة اوباما والغرب عموما لاستثمار الإسلاميين، كما يحسبون، بدلا من تعزيز العلاقة مع القوى العلمانية العربية، في تناس لدروس أفغانستان وإيران والعراق. وفي الوقت نفسه يجب النظر لمدى تفكك وتهميش التيارات والقوى العلمانية والديمقراطية في العقود الأخيرة لأسباب كثيرة ليس الآن مجال التعرض لها.

بعض ملاحظاتي تلك لم ترض عددا من المعقبين، وأغضبت بعض المتفائلين المتحمسين. وها نحن نعرف النتيجة، سواء في مصر وهيمنة الإخوان والسلفيين، أو في تونس والظاهرة نفسها. أما ليبيا فالوضع مفتوح على عدة احتمالات، ولكن نسجل أن أول قرار للمجلس الانتقالي هو الأخذ بأحكام الشريعة وإباحة تعدد الزوجات خلافا لقرارات القذافي التي لعلها كانت فضيلته الفريدة. وأما سوريا، فالمعركة مستمرة ولست متفائلا أيضا! وفي مقالي لأوائل كانون الأول 2011 عن العراق، بعنوان " أيديولوجية الإسلام السياسي: استئصال الآخر وهدم الثقافة" عرضت لوحة عن سير العراق بخطوات نحو الأسلمة، وحيث توسعت دائرة المحظورات، وحتى الموسيقى والغناء والنحت والنوادي الليلية، فضلا عن محلات شرب الخمور والتنكيل بأصحاب حوانيتها- ناهيكم عن تحجيب البنات وحتى غير المسلمات. ومنذ ذلك الوقت تسارعت هذه التطورات المقلقة، فإذا بالجامعات البغدادية تقيم مسابقات " شموس الجامعة"، وهن المتحجبات حجابا طالبانيا كثيفا، وإذا بالمسؤولين يحضرون مراسيم تحجيب الفتيات اليتيمات، وإذا بشباب الإيمو يطاردون ويقتلون بمنتهى الوحشية وكأنهم كانوا يهددون أمن البلاد، وإذا بالمظاهرات السلمية تقمع، وينكل بالشباب المتظاهر. وفي حديثه في يوم تأسيس حزب الدعوة، تباهى المالكي بتعاليم المرحوم السيد محمد باقر الصدر وكيف أنها سلاح لمحاربة "العلمانية والحداثة والماركسية" بوصفها "إلحادا". ومع ذلك، فإنه راح يردد اليوم، وكإحدى مناوراته المعروف بها، بأنه يريد تأسيس قائمة تتجاوز الانتماءات الدينية والعرقية والحزبية، وربما قد يصدقه بعض اليساريين الطيبين!!

إن القوى الإسلامية، التي استطاعت الوصول للسلطة في الدول العربية والإسلامية[ إيران والسودان وطالبان وغزة مثلا]، ليست فقط لم تبن دولة ديمقراطية علمانية، بل قامت بتصفية بعض مظاهر الديمقراطية والعلمنة للعهود السابقة ولاسيما ما يخص حقوق المرأة والحرية الدينية. وهذا، في رأيي، منتظر حدوثه في دول " الربيع العربي" على مراحل وبخطوات. وأرجو أن أكون على خطأ. والملفت للنظر في الحديث عن مصر أن بعض المثقفين العلمانيين المصريين كانوا في الشهور الأولى للانتفاضة يتجنبون حتى ذكر كلمة علمانية وذلك بحجة عدم استفزاز الإخوان المصريين! وقد ارتفع شعار "الدولة المدنية" دون قرنها بالديمقراطية والعلمانية، فسارع الإخوان المسلمون لخطف الشعار وإفراغه من المحتوى المقصود حين أضافوا " دولة مدنية بمرجعية إسلامية".

إن إشكالية العلمانية هي في كونها قد جرى تشويهها بقوة، لاسيما من جانب الإسلاميين، وذلك على مدى عقود وعقود، وقرنوها بمحاربة الأديان والحرية الدينية. وشوهها أيضا حكام مستبدون أخذوا ببعض مظاهر العلمانية، كدرجة من فصل الدولة عن المؤسسات الدينية والسماح بدرجة من الحرية الدينية، ولكنهم مارسوا سياسات استبدادية، واضطهدوا الأقليات القومية [إن وجدت]، وقمعوا الحريات العامة، وتساهلوا مع الفساد. والعلمانية هي بطبيعتها ديمقراطية، والدولة العلمانية الحقة هي ديمقراطية بامتياز، ولا يمكن الفصل والعزل والتجزئة. ولننظر كييف حاول أردوغان تسويق مفهومه وحزبه للعلمانية لشعوب الانتفاضات العربية في الوقت الذي تواصل فيه حكومته الإسلامية تقليص الحريات الصحفية، ولم تنفتح بعد على حل ديمقراطي مقبول للقضية الكردية، كما ثمة ظاهرة التضييق في تركيا على الذين لا يعترفون بالهوية السنية للدولة التركية. وسنعود لموضوع الحالة التركية.

نعم، لقد جرى تشويه مبادئ ومصطلحات ومفاهيم تنويرية عديدة، ككلمات "الحرية" و"الديمقراطية" و"العدالة" و" الرفاه" و"التمنية" و"النهضة"، ولكن العلمانية كانت الأكثر تعرضا لحملات التشويه والتشويش، خصوصا وإن تعريف العلمانية كان موضع نقاش حتى في الغرب لكونها مجموعة مركبة من المبادئ والقيم تشمل حقوق الإنسان والديمقراطية وحريات الضمير والحرية الدينية والعدالة وإرادة التحديث والتقدم والإيمان بالعلم والحق في الاختلاف [ ولكن ليس الاختلاف في الحقوق؟] وكون أن الحقيقة نسبية. ومع هذه الصعوبة، فثمة شبه إجماع على تلخيص كل ذلك في تعريف العلمانية بكونها تعني فصل الدولة عن الدين، [أو السلطة المدنية الدنيوية عن السلطة الروحية]، بينما الإسلاميون يوحدون بين الدين والدولة [ عارض ذلك الشيخ علي عبد الرازق فحاربه الأزهر]، كما كانت الكنيسة الأوروبية تفعل ذلك في القرون الوسطى، وحتى بعدها. ونقول إن هذا التعريف مهم جدا ولكنه غير كاف، إذ لابد من توضيح أن الدولة العلمانية محايدة تجاه الدين ولكنها تحترم الأديان وكل المعتقدات وحرية الضمير، وعلمانية الدولة لا تعني علمانية المجتمع. كما أن للمدرسة دورا استثنائيا، إذ يجب أن تكون محايدة أيضا بينما كانت الكنيسة تعمل على الهيمنة على المدرسة كما يفعل الإسلاميون عندنا [ لاحظوا حرص حزب الدعوة في العراق على احتكار وزارتي التربية والتعليم العالي]. وفي أواخر القرن التاسع عشر أخذت فرنسا بشعار " المعلم في المدرسة، ورئيس البلدية في البلدية، والقس في الكنيسة".

ومن الصعوبات الأخرى بالنسبة للعلمانية وإمكان التشويش عليها أن تطبيق العلمانية يتخذ صيغا وأشكالا مختلفة في الدول الديمقراطية الغربية رغم أن المشترك فصل السلطتين المدنية والروحية والأخذ بالديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذا ما أراد الرئيس التركي استغلاله حين نصح عرب الانتفاضات بالأخذ بعلمانية الانكلو- سكسون وليس بالعلمانية الفرنسية، التي وصفها بالإلحادية مع كونه يعلم جيدا بأن في فرنسا حوالي 2000 مسجد فضلا عن الكنائس وغيرها.

الحوار المتمدن في 3 آب 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لدي سؤال؟؟
اسماعيل الجبوري ( 2012 / 8 / 3 - 20:48 )
تحية للاستاذ عزيز الحاج
الاسلاميون يعتبرون انظمة البعث في العراق سابقا ونظام القذافي وامبارك وابن علي وعلي عبدالله صالح ونظام بعثية سوريا انظمة علمانية وحتى الكثير من الكتاب والمثقفين اليسارين واللبرالين ايضا يصفون هذه الانظمة بالعلمانية في حين لانرى هذه المبادئ العلمانية التي اشرة اليها بمقالك القيم تتوفر في هذه الانظمة؟؟ فالسؤال هو هل تعتبر هذه الانظمة علمانية او انظمة قبلية وعشائرية وقريبة الى الاسلام؟؟كل دساتيرها(ماعدى نظام صدام لم يتواجد فيه دستور لان صدام كان يعتبر نفسه الدستور) تعتبر الاسلام المصدر الرئيس للتشريع وكل قوانين الاحوال الشخصية تشريعاتها مستمدة من الشريعة الاسلامية؟؟
مع خالص تحياتي


2 - الانفصام بين الحقوق والواجبات
محمد سعيد ( 2012 / 8 / 3 - 21:34 )
السيد الكاتب المحترف كلام صحيح , ولكن الجميع يحتاج الي مراجعه فكريه حقيقه بل ربما نحتاج الي ثوره علي الذات , خصوصا من قبل تلك القوي التي حاولت دائما تبرير استحقاقات الشعوب من خلال التضليل ورفع شعارات وهميه و هلاميه, اعتقادا منها انها ترمي ترقيتها ودفعها الي مصافي ومراحل متقدمه في عمليه ما يطلق عليه الحريه و تقرير المصير, دون التعمق جدليا في مديات هذه الشعوب واستعدادها في تقبل ذلك او انها حقا واعيه ومدركه في العلاقه الجدليه بين الحقوق والواجبات وعلي المستويات المختلفه من الفرد الي العائله وصعودا الي المجتمع برمته.
فكافه مقالات الاثاره الثوريه ساهمت في خلق الانفصام الموضوعي بين الحقوق والوجبات وتمكنت نخب في استغلال ذلك لمصالحها الانانيه والذاتيه , لهذا تعيش بلداننا من -مواطنه -تطغي عليها مطالب بحقوق وامتيازت ضاعت وهدرت عبر القهر والاستبداد دون ا ن يكون هناك اناس مناضلون عليهم واجبات اتجاه الذات والمجتمع . فمثل هذا الانفصام في التثوير عمل بجد في تعميق التخلف الفكري الاجتماعي واضاع ما يطلق عليه الوعي ا الاجتماعي


3 - عدم فهم ألأسلام وتعريته سبب المشكلة-1
أحمد حسن البغدادي ( 2012 / 8 / 4 - 15:01 )
إن سبب المشكلة والمحنة الحالية،هو عدم دراسة ألأسلام وفهمه بل وإهماله لعقود طويلة ، وعدم بيان مساوئه من النصوص الأجرامية بحق ألأنسانية في القرآن والحديث، والتي هي جوهر الأسلام وحقيقته، وإستغلال أحاديث وقرآن مكي يتحدث عن العدالة وإحترام خيارات الآخرين تبين لنا فيما بعد هي أحاديث ضعيفة وآيات نسخها محمد أو نساها إلهه (( وما نسخ من آية أو ننسها، نأت بمثلها أو بأحسن منها )).

لقد إستغل ألأسلاميون القرآن المكي وألأحاديث الغير صحيحة،أبشع إستغلال، لتبيان إنسانية الأسلام على إنها من القرآن والحديث ، وأوهموا شعوب المنطقة بها وأوهموا حتى العلمانيون في نقاشاتهم، علماً أن الأسلام كان يتربص ويخطط بشكل ممنهج للأنقضاض على دولنا، وبعد إستيلائهم على الحكم، يظهرون قرآنهم المدني، وإن كلام العدل وإحترام الآخر ظهر لنا بأنه كلام منسوخ أي ملغي، وأحاديث المحبة والأحترام هي أحاديث ضعيفة، ونحن كنا من المخدوعين.


4 - عدم فهم الأسلام وتعريته، سبب المشكلة-٢
أحمد حسن البغدادي ( 2012 / 8 / 4 - 15:07 )
لذلك نقول علينا بجيل من الكتاب يفهم الأسلام ويبين بشاعته للشعوب كي لاترتمي كالأعمى في شباك الأسلام.

هل تعرفون إن القاعدة وطلبانهي ألأسلام الحقيقي؟؟؟

وذلك بتأييد آلاف الآيات والأحاديث وكتب السيرة المحمدية التي تدعم ما يقولونه؟؟

لذلك نقول فهم ألأسلام، يدلك على خطر يواجه البشرية أخطر بآلاف المرات من قنبلة هيروشيما.
لأنه دين مخادع، يصافحك بيد، ويخفي خنجره المسموم باليد الأخرى، (( وأخشيناهم وهم لايعلمون...قرآن )) .

عندما يعرف المواطن عجز ألأسلام عن حماية إنسانيته، وإن الأسلام يؤمر بالعبودية وليس التحرر كما تدعي ماكنته الأعلامية الضخمة، ضخمة عددياً ومادياَ.
عندها نستطيع بناء دول تبنى على المواطنة، وتبدأ عجلة التقدم بالدوران،
عندها نفهم لماذا نحن نتراجع وغيرنا تقدم.
ألأوربيون درسوا كل حرف في الأنجيل بعقل مفتوح، وإنتقدوا ما إنتقدوا، وحين وضع الأنجيل على الرف، تقدموا بخطوات ثابتة.

ونحن يجب أن نسير على نفس الدرب، كي لاتنتكس جهود بناء الدولة الحديثة مرة أخرى.

إننا بحاجة ليس فقط لأتتاتورك ثاني، بل أتاتورك فاهم لخطر الأسلام وتوثيق الخطر آية آية، وحديث بحديث.


5 - تحية للحاج
سلام محمد ( 2012 / 8 / 4 - 17:49 )
أتمنى من كل قوى اليسار العراقي أن يحذو حذو الحاج في نقد الوضع الاجتماعي والسياسي ,ويطرح بقوة مفاهيما نحن أحوج اليها الان ,من أجل زرع بذرة تنمو وتكبر ,لكي تحاول الوصول الى عقل المواطن العربي وخاصة العراقي ,الذي تناسى وعيه منذ زمن بعيد .تحية للمفكر والمناضل الحاج .


6 - لافائدة
خالد علوكه ( 2012 / 8 / 5 - 06:53 )
عزيزي الحاج ( لاديمقراطية على ارضية الشريعة ) وكذلك { لاعلمانية عندنا لانها يعدونها ارتداد} وابحثوا عن مخرج اخر ! وكما ان العالم لايهمه حسب كيسنجر من ياتي للسلطة ومهما كانت ايدولوجيتها المهم لاتتعارض مع مصالحها قالها زمن الشيوعية ولامشكله للغرب بسهولة التعامل مع خرائف الربيع العربي. وكذلك لامشكلة في وصول الاخوة الاسلاميين للسلطة بالنسبة لاميركا والغرب. . ...

اخر الافلام

.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با


.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط




.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-