الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الربيع

سليم سوزه

2012 / 8 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لكل شيء فلسفة ولربيعنا العربي فلسفته الخاصة التي قد تبدو للوهلة عصية على الفهم عند بعضهم في حين واضحة ومعلومة عند آخرين.

ساتناول ثورات العرب بترف ربما لكنها الحقيقة التي لا تتشكل الا بعد تفحص وتروي ومتابعة وقراءة جيدة لمرحلة مابعد تلك الثورات.

ساتناول القضية من وجهة نظر "فكر مابعد الحداثة" من حيث علاقة الفرد بالمجتمع وعلاقة ذلك المجتمع مع المجتمعات الاخرى وكيف تصاغ "الحقائق" سلطويا لتعبئة "الهوامش" البشرية لمعركة كبرى طاحنة بين الايديولوجيات المتقاطعة.

الحقيقة ان فكر مابعد الحداثة لا يعترف باي حقيقة مسبقة بل ينظر لها على انها مفهوم مشكل بنص سلطوي اعلى يبرر لفعل ما، وان هده الحقيقة دائما ما تختلف من حقبة لحقبة اخرى كما تريدها "السلطة" ... ولهذا لايمكن فهم ما يجري حولنا بمعزل عن ذلك "التاريخ" وبعيدا عن تلك "السلطة".

السلطة والتاريخ هما اهم الادوات لفهم حركة المجتمعات خصوصا مجتمعات دول الشرق الاوسط اذ ليس فيها مجتمع لا يخضع لحتمية التاريخ او يتشكل خارج تراتبية السلطة، واقصد بها اي سلطة، سلطة السياسة، الاخلاق، الدين، الجنس، التقاليد، اللغة وهكذا دواليك.....

كنت ولازلت من اشد المتحمسين والداعمين للربيع العربي او ثورات العرب ضد ملوكهم ورؤسائهم ومنها ثورة تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا وربما في المستقبل تنضم دول اخرى لقائمة "الربيع" هذه، وسر دعمي لها انها ثورات انطلقت بعفوية جميلة ضد دكتاتورية الطبقة السياسية الحاكمة في الدول العربية بغض النظر عما اذا كانت تلك الثورات ذات صبغة علمانية او اسلامية او باي نكهة اخرى، اذ لا يعنيني هنا سوى مقدار وقيمة صحوة الشعوب العربية وخروجها عن طاعة سلطانها الحاكم وهو لعمري حدث ليس بالهين على شعوب ادمنت التصفيق للحاكم المطلق حتى على بطلانه وجوره. لعل مايحدث اليوم في بلادنا العربية شيء يشبه ما حدث في اوربا ابان الثورة الصناعية وكيف ان شعوب تلك الدول بدأت تنقلب على المفاهيم البرجوازية التي اطرت شكل الحياة السياسية في اوربا طوال عقود طويلة، على الاقل هذا ماكنت اظنه واتأمله منذ اللحظة الاولى التي انطلقت فيها هذه الثورات.

لكن للاسف هناك دوما شيطان يكمن في التفاصيل كما يقولون وشيطان تلك الثورات ظهر من بين الانقاض ونفض عنه غبار الف واربعمائة عام مضت ليعيد لنا خطابا كنا فد ظننا انه اندثر ولم يعد له وجود في المخيلة، نفس هذا الخطاب اليوم شكل لشعوبنا المفهوم الثوري الجديد ورسخ بعمق اكبر هيمنة السلطة على تصوراتهم السياسية، لكن هذة المرة سلطة رجال الدين وليس رجال السياسة!

فالثورات العربية وان بدت انها ثورات ضد حكوماتهم الا انها في الحقيقة حروب مؤجلة بالنيابة عن "الطائفة" في حين المفروض ان تكون بالنيابة عن "وطن" مسلوب و"ارادة" مقهورة سلبتها الحكومات العربية الدكتاتورية.

لعل الامور كانت مشوشة وغير واضحة في ثورات تونس وليبيا ومصر واليمن، لكنها اصبحت اكثر وضوحا في تجربتي سوريا والبحرين اذ ان هاتين الثورتين كانتا السبب وراء كشف "المسكوت عنه" في خطاب الطائفتين الاسلاميتين الكبيرتين "السنة" و"الشيعة". بنيويا السنة مع ملك البحرين ضد ثورة البحارنة والشيعة مع بشار الاسد ضد ثورة السوريين وكلٌ له ليلاه يبكياه في هذه الميلودراما.

اعرف جيدا تبريرات الفريقين ولماذا اتخذا هذين الموقفين لكن لا يعنيني هذا بل ما يعنيني هو مصير تلك الثورات وكيف ستتم صياغة مستقبل المنطقة العربية بعد هذه التحولات الجذرية.

النص الشيعي ومنذ مئات السنين كان نصا يدغدغ مشاعر الفقراء والمظلومين في العالم وينحاز دوما للمضطهدين الباحثين عن الحرية انطلاقا من فلسفة اسس اركناها الامام الحسين في ثورته ضد حكومة يزيد الظالمة، نرى اليوم هذا النص يتخبط ويفشل في تفسير حقيقة موقف "رموز التشيع" من ثورة سوريا وكيف ان هذا "النص" قد قدم لنا رؤية "سلطان" كاحد ابرز تجليات "السياسة" وليس "الدين" كما المفروض ان يكون. فيما ان "اللامفكر فيه" في الخطاب الثوري "السني" الحالي يدعو الى ثورة لكسر عظم "الهلال" الشيعي والتخلص من تراث واضرحة ائمة المذهب الجعفري كما نسمع من "خطباء" ثورة سوريا المستوردين خصوصا لهذا الشأن من المملكة العربية السعودية. الثورة ضد حكم الدكتاتور بشار الاسد لكن تحمل في ثناياها اجندة تاريخية لحسم معركة الخلاف مع "الآخر" وفق رؤية "السلطة" التي تدير الثوار في سوريا، اما ذلك "الآخر" فله ادواته ايضا في مواجهة هكذا تحدي من خلال اعادة انتاج "حقيقة" جديدة مؤداها بان النظام السوري دكتاتور اي نعم، لكن بسقوطه ستسقط عروش "المقاومة" في لبنان وحكم "التشيع" في ايران و"حلقة الوصل" بينهما في العراق.

وبين هاتين السلطتين ضاع الافق في تقديم "ثورة" حقيقية من اجل حرية وكرامة الانسان، ثورة يحيا فيها الانسان من اجل نفسه لا من اجل "ارشيفه" المشكل رغما عنه، ثورة يكون فيها هو السلطة لا تابع هامشي لسلطة الاخرين، ثورة لا يقتنع فيها الانسان العربي باي خطاب او نص مسبق، ثورة يفكك فيها كل رموز "العبث" التي وردت في لغته، ثورة تتجانس فيها "الحقيقة" مع النص، لا مجرد قراءة مصطنعة مفبركة لنص قاصر ومشوش يرى "الحقيقة" متغير زمني لا ثابت اخلاقي.

في ظل هكذا مناخ، اعتقد ان القادم سيكون اسوأ حيث ان المنطقة العربية ستكون مهددة بحروب طويلة الامد بين السنة والشيعة ليكون الخاسر الوحيد فيها هو "الانسان" وليس شيء غيره للاسف الشديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا