الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسباب ومظاهر قصور المنظومة التربوية حسب تقرير الخمسينية

سامر أبوالقاسم

2012 / 8 / 7
التربية والتعليم والبحث العلمي


إذا كانت المنظومة التربوية المغربية قد نجحت إلى غاية نهاية السبعينيات في توسيع ولوج المغاربة إلى التربية والتعليم وتزويد الإدارة والاقتصاد الوطنيين المحدثين بأطر مغربية، وفي أن تشكل قناة حقيقية للحراك الاجتماعي والانفتاح على العالم وولوج العصرنة وتكريس التماسك الاجتماعي، فمع تزايد الإقبال على التعليم وكثرة الصعوبات الاقتصادية والمالية والدخول في أزمة التشغيل بدأ مسار التراجع وبدت مظاهر وتجليات الضعف وعدم تكيف المنظومة واضحة المعالم فيما بعد.
لذلك، فإن مواطن العجز لم تبق محصورة في المنظومة التربوية، بل تعدتها لتجد صداها في جل ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويمكن اليوم الرجوع إلى تقييم مسار النشأة والتطور لهذه المنظومة ليتم الوقوف على ما طبعها من سمات من قبيل التردد وعدم استقرار الثوابت في الاختيارات الاستراتيجية ومشاكل عميقة في تركيبة المنظومة ذاتها وضعف جودة المردودية ذات الصلة بضعف نجاعة العلاجات المقترحة في مختلف المراحل والمحطات.
ولعل أبرز ملاحظة يمكن الخروج بها، وقد وقف عليها تقرير الخمسينية، هي أن المشاكل المتواترة التي تتخبط فيها المنظومة التربوية المغربية واضحة للعيان من حيث التشخيص، لكن القصور الذي نعاني منه هو قصور مرتبط بطبيعة وشكل الوصفات العلاجية المقدمة في كل وقت وحين.
تعاني منظومتنا التربوية من اختلال العلاقة بين التربية والاقتصاد، وقد كانت خلفية هذا الاختلال كامنة في سياسة التقويم الهيكلي مع بداية الثمانينيات والأزمات التي شهدتها المدن والارتفاع الديموغرافي والهجرة القروية والاستحقاقات السياسية المؤجلة والإنهاك الذي عرفه القطاع العمومي، إضافة إلى انسحاب الدولة من القطاعات المنتجة وتحقيق إشباع احتياجاتها من الأطر العديدة من كل الأصناف، فتمظهر هذا الاختلال في بنية المجتمع على مستوى بطالة الأعداد الغفيرة الآخذة في التصاعد وبطالة حاملي الشواهد. وعلى الرغم من مباشرة الإصلاحات المحدودة التي اعتمدت خلال العشرية اللاحقة (بدءا من 1993)، فإنها لم تحل دون تفاقم الصعوبات.
وهي صعوبات عملت على تغذية موقف سلبي من المدرسة وإشاعة الإحساس بلا جدوى التربية لدى الساكنة المحرومة، وفقدان الثقة في المدرسة من لدن الطبقات الميسورة، مما أدى إلى تكريس ازدواجية مسيئة للمنظومة التربوية الوطنية، من خلال اللجوء المتزايد إلى أصناف عديدة من التعليم الخصوصي من جهة، وإلى المزيد من إضعاف المدرسة العمومية من جهة أخرى، حسب خلاصات تقرير الخمسينية ذاته.
وحسب التقرير فإن اتساع الهوة الاجتماعية، مع تفاقم مظاهر الشرخ التربوي واللغوي، أدى إلى اختلال العلاقة بين المدرسة والاقتصاد وإلى انفصالها على المجتمع، فوقع العجز عن بلوغ سقف حاسم من الساكنة المتعلمة، وتم تكريس بقائها داخل الحلقة المفرغة للنمو.
إن تقرير الخميسنية أرجع عناصر التشخيص إلى خمس اختلالات أساسية تلخص مسلسل تراجع التعليم بالمغرب:
• الإخفاق في مجال محاربة والأمية.
• ضعف القدرة الإدماجية للمنظومة التربوية.
• تعثر الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية للمنظومة التربوية.
• التقهقر التدريجي للمردودية الداخلية، اللاتمدرس واستفحال ظاهرة التسرب بدون تأهيل.
• التذبذب في تدبير السياسات اللغوية.

إن مجمل إنجازات السياسات والإصلاحات التربوية بالمغرب هي حصيلة تردد متواصل طبع وضع الاختيارات الاستراتيجية، لذلك كانت نتيجة نصف قرن من تبني المبادئ الأربعة الأساسية (التوحيد ـ التعميم ـ المغربة ـ التعريب) أننا لم نتمكن من التحقيق التام لأي واحد من هذه المبادئ، باستثناء المبدأ الكمي المتعلق بمغربة التأطير التربوي.
وقد غذى عامل التردد المشار إليه سابقا تشكيل المدرسة حقلا للاستقطاب الإيديولوجي والسياسي وفضاء للتعبير عن الصراعات السياسية والتوترات الاجتماعية والنقابية، مما أدى إلى حصول عدم القدرة على الحسم في مشاريع إصلاح المنظومة التربوية، والإكثار من الندوات واللجان وصياغة التوصيات والمخططات العديدة دون التخلي عن التردد.
• التصور حول دور المدرسة كانت تتنازعه ثلاثة اتجاهات متناقضة:
o الاتجاه العصري المنفتح.
o الاتجاه الإصلاحي المستوحى من القومية العربية.
o الاتجاه التقليدي المتجه إلى الحفاظ على البنيات العتيقة.
• مواضيع الاستقطاب الأخرى كانت محاورها تتعلق بـ:
o النخبوية مقابل الدمقرطة.
o المجانية مقابل المساهمة المالية للأسر.
o محتويات البرامج والمناهج والكتب المدرسية، خاصة مسألة اللغة ومشروع التعريب والمنظومة القيمية.
• التردد على مستوى تنفيذ الإصلاحات، وعدم استقرارها وهشاشتها وضعف تجذرها:
o التعامل الانتقائي في التطبيق، والنزوع نحو الأبعاد الكمية والتأجيل المستمر للجوانب النوعية المتعلقة بالقضايا الصعبة وذات الحساسية.
o عدم الاستقرار على مستوى من تعاقبوا على رأس وزارة التربية الوطنية؛ 41 وزيرا وكاتب دولة أو نائب كاتب دولة.
o عدم تجانس مقاربة من تعاقبوا على رأس هذا القطاع.
o افتقار سياساتهم للقدرة الكافية على الاستمرارية.
وهنا لابد من التأكيد على أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين لسنة 1999 تمكن من تجميع كافة القوى الحية للبلاد وتعبئتها حول مرجعية شمولية وخيارات استراتيجية أقل غموضا وأكثر واقعية، كما مكن من جعل النقاش السياسي حول المسألة التربوية متجاوزا للأهواء، ومبتعدا عن خطاب الأزمة.
فقد تضمن الميثاق الوطني للتربية والتكوين قسمين كما أسلفنا الذكر، خصص القسم الأول للمبادئ الأساسية التي تضم المرتكزات الثابتة لنظام التربية والتكوين والغايات الكبرى المتوخاة منه، وحقوق وواجبات كل الأفراد والجماعات والتعبئة الوطنية لتجديد المدرسة، أما القسم الثاني فقد احتوى ستة مجالات للتجديد تضم نشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي والتنظيم البيداغوجي والرفع من جودة التربية والتكوين والموارد البشرية والتسيير والتدبير والشراكة والتمويل.
لكن تنفيذه جعله يشبه باقي الإصلاحات التي سبقته، إذ كشف التنفيذ عن صعوبات في التطبيق، ولم يسلم هو الآخر من الاختيار الانتقائي لقرارات معينة على حساب أخرى، لتصبح المنظومة معه متسمة بالتعقيد وبعدد من مكامن القصور، وهو ما يجعل من الإصلاح مهمة صعبة ومتشعبة.
ومن ثم ارتأى تقرير الخمسينية أن مداخل تحسين النظام المدرسي تكمن في:
o ترسيخ الطابع المحلي والجهوي لمنظومة التربية والتكوين، مع مراعاة تنوعها.
o بلوغ هدف الجودة والامتياز والتفوق على صعيد كل مؤسسة.
o قابلية منظومة التربية والتكوين للحكامة تتطلب:
 مسؤولية هيئة التدريس ووضعها القانوني.
 تحديث عميق لإدارة التربية الوطنية.
 إعادة التأهيل الشامل لهيئة المدرسين.
 تقويم منتظم للمنظومة.
 إطلاع المجتمع ومختلف الفاعلين والرأي العام على إنجازاتها ومواطن قصورها ومكامن قوتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة