الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عائشة ج3

محمد الحداد

2012 / 8 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



نكاح الصغيرة:
زواج النبي من عائشة وهي صغيرة، أدى بالمسلمين الى اتخاذ ذلك الزواج قدوة بأعمالهم، واعتبروه سنة من سنن نبيهم، مع كثرة المآخذ على هذا الزواج الغير متكافئ في العمر، والذي ينتج عنه بالغالب عدم تكافئ في الرغبات، وبالتالي كثرة المشاكل، وكل مطلع على الأخبار الاجتماعية لكثير من البلدان الإسلامية يعرف بالضرورة ما نعنيه من مشاكل أسرية يسببها هذا الزواج، وما هي المشاكل النفسية التي تحملها المرأة التي يضعها قدرها بمثل هكذا زيجة.
ولا نعرف بالضبط لم أقدم النبي على هكذا زواج، فهو كان يعاني الوحدة، وفاقد للزوجة التي تعتني به، وببيته، وبأطفاله، فهو ليس بحاجة لطفلة كي يكمل تربيتها، وهو بحاجة لمن يعينه، لا أن يأتي بطفلة ليعينها ويعلمها، وكان يكفيه زواجه من سؤدة بنت زمعة، الثيب الأرملة، أن تكفيه كل ذاك، بدل إضافة طفلة لأسرته.
ولكن هناك من يقول إن إقدامه على الزواج من عائشة بنت ست سنين هو للتشريع لهذا الزواج، أي التشريع للزواج من الصغيرات، ولكي تبقى تعيش بعده العديد من السنين، تروي للناس أقواله، وهذا ما حدث مع عائشة.
فأجيب وأقول هو تشريع لخطأ، تشريع لاغتصاب الأطفال، تشريع لإنشاء مشاكل أسرية عديدة، تشريع ذكوري بحت لا يمت للإنسانية بشيء، تشريع ضد الطفولة ونموها السليم، تشريع ضد المرأة السوية الكاملة النضوج.
أما بالنسبة للرواية، فمن الذي يستطيع أن يؤكد أنها روت بالضبط ما حدث، أو لم يكن الأجدر بالنبي أن يكتب روايته بنفسه كما كان يفعل بقرآنه بدل أن يتركها لمن بعده ؟!!
مجرد تساؤل يشير أن لا حكمة تذكر بهذا الزواج، سوى أنه تصريح بالاغتصاب.
يقول أحد كتاب عصرنا التالي الذي يؤمن بما فعله النبي :
شرع الله الزواج، فجعله مُصانًا بجملة من الأركان والشروط، كما حاطَه بكثير من الآداب والفضائل، وجعل الرسول الأسوة الحسنة التي ينبغي الاقتداء بها، فتزوج البكر والثيِّب، الصغيرة والكبيرة، واختارهن من خيرة النساء خُلُقاً وأفضلهن سيرة وديناً، ( لا أدري أي خلق تحمله طفلة عمرها 6 سنوات، وأي دين ذاك، كما أنه أتخذ القبطية واليهودية زوجات وهن على غير دينه) ، حتى يَقتفي خطاه المسلمون في اختيار ذوات الدين والخُلق، وعاشرهن على اختلاف طبائعهن بالحسنى، حتى يُقتدى به فتَسلَمَ الأسَر من ويلات الشقاق، فلم تكن سيرته العطرة مع أزواجه الطاهرات مما اختص به وانفرد.
ولقد كثُر الجدل في وقتنا حول زواجه من عائشة لست سنين، فريق لما بادر بالاجتهاد ـ لطبيعة الشريعة الإسلامية ـ رأى في تطبيق ذلك إحياءً للسنة النبوية، وفريق آخر لما تثاقل عن الاجتهاد نظر إلى المسألة على أنها من خصائصه عليه السلام، والناظر إلى تاريخ التشريع الإسلامي لا يجد كثير الكلام حول هذه المسألة، وكأن الفقهاء قديما ـ على سعة علومهم ـ اعتبروا ذلك مما تُمليه الفطرة السليمة، ذلك أنه تزوج عائشة لست سنين، ثم بنى بها لتسع، لحديثها : تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ بِمَكَّةَ مُتَوَفَّى خَدِيجَةَ، وَدَخَلَ بِي وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ بِالْمَدِينَةِ.
وما رواه عنها عروة : تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ.
والذي نفهمه من الحديثين أن عائشة عقد عليها الرسول الله لست سنين، ثم دخل بها لتسع، وكثيرة هي النصوص الحديثية التي تؤكد هذا الخبر، وليس من الإسلام نفي ذلك أمام كثرة المرويات التي وصلت حد التواتر.
والعلماء لم يختلفوا في الأخذ بظاهر هذه النصوص، فقالوا بجواز نكاح الصغيرة دون أن يُبيِّن أحدهم العُمرَ المتعين لذلك، فالسرخسي من الحنفية قال: وبلغنا عن الرسول أنه تزوج عائشة وهي صغيرة بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين، وكانت عنده تسعاً، ففي الحديث دليل على جواز نكاح الصغيرة.
ومن المالكية ابن عبد البر قال : وأنكح أبو بكر ابنته عائشة وهي صغيرة بنت ست أو سبع من الرسول، وللرجل أن يزوج ابنته الصغيرة بكراً كانت أو ثيباً ما لم تبلغ المحيض بغير إذنها.
وأيضا الإمام الشافعي في معرض حديثه عن استئذان الصغيرة بالزواج قال : زوَّجه إياها أبوها ( يقصد أبا بكر ) فدل ذلك على أن أبا البكر أحق بإنكاحها من نفسها، لأن ابنة سبع سنين وتسع لا أمر لها في نفسها. ( لا أمر لها بنفسها لصغر عمرها، لذا يزوجها وليها دون استئذانها، وتكون بنفس الوقت صاحبة خلق ودين، ما هذا التناقض ؟!!).
ومن الحنابلة ابن قدامة قال : وأما الحرة فإن الأب يملك تزويج ابنته الصغيرة البكر بغير خلاف، لأن أبا بكر زوَّج عائشة للنبي وهي ابنة ست.
ويكمل فيقول، فهذه النصوص وغيرها أبلغ دلالة على تشريع إنكاح الصغيرة، ومنْ طعن فيها بالتأويل فقد خالف الإجماع، إلا أن العلماء في ذلك جاءت أقوالهم عامة في كل صغيرة، فلم يقل أحد من المعتمدين منهم إن العلة في إنكاح الصغيرة عُمرها ست سنين كما قد يُتوهم من ظاهر الأحاديث المروية عن عائشة. ولا قال إن العلة حيضُها، لأنه تعالى جعل للصغيرة التي لم تحض بعدُ عدة عند طلاقها، مما يعني أن زواجها قبل الحيض مشروع بدليل قوله تعالى: " واللاَّئِي يَئِسْن مِنَ اَلْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُم إِن ارْتَبْتُم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ وَاَللاَّئِي لَمْ يَحِضْن ( سورة رقم 65 الطلاق، آية 4 ).
قال السرخسي :"فاللاَّئي لَم يحضن بعدُ هُنَّ الصَّغيرات"
بل إن علة إنكاح الصغيرة صلاحها للوطء ـ وهذا ما سنقيم عليه الدليل ـ فكان الإجماع منعقداً على هذا الفهم، قال ابن عبد البر في معرض حديثه عن استئذان الصغيرة بالزواج : أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها، لتزويج الرسول عائشة وهي بنت ست سنين.
إلا أن عبد الله بن شبرمة الذي توفي سنة 144هـجرية منع ذلك، وزعم أن زواج الرسول من عائشة وهي بنت ست سنين من خصائصه. وهذا بعيد عن فقه الحديث، لأن النصوص التي تختص بالرسول عليها دليل، ولم يسبق لأحد من الصحابة ولا من التابعين أن قال إن زواج الرسول من عائشة من خصائصه، بل حتى الأئمة المعتمدون أنكروا هذا الكلام على ابن شبرمة ولم يلتفتوا إليه. لذا ليس لعبد الله بن شبرمة ولا لتابعيه المعاصرين حجة قوية عليها عوَّلوا، فقد يفتحوا المجال على عاتقه للمستهزئين بسيرته العطرة حتى يُقال إن رسول الإسلام كان ميَّالا إلى التزويج بالصغيرة حاشاه، رغم أن العلة الحقيقة في هذا النكاح الشريف لا زالت جارية، فزواجه من عائشة وهي ابنة ست سنين - وفي رواية سبع سنين - كان عقداً عليها فقط دون إرادة البناء بها، وبعد مُضيِّه إلى المدينة والسُكنى بها دخل بها وعمرها آنذاك تسع سنين، ( على أساس أن التسع سنين دليل على نضوج الطفلة عائشة وكونها أصبحت امرأة لمجرد قدرتها بوقتها على الوطء، فهل كل بنات التسع سنين بقادرات على ذلك، وعجبي على التفسير) ، ولا شك أنها كانت عادة العرب أن يعقد الواحد على البنت الصغيرة دون أن يدخل بها، وقد أقرها الرسول، فلو أنه انفرد بذلك دون عامة العرب لوصلنا سؤال الصحابة عنه، لذا فهو عرف كان جارياً وقتها، فمتى بلغت المرأة مبلغاً تكون معه قادرة على الوطء وتوابعه من حمل ووضع جاز الدخول بها، ولقد دخل النبي بعائشة لما بلغت هذا المبلغ، بدليل أنه لمَّا عقد عليها لم يُشترط أن يتم البناء بها لتسع سنين.
ولقد استدل الإمام البخاري على تجويز إنكاح الصغيرة بالكبير بشرط القدرة على الوطء فقال :"لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء" ، وبالتالي فإن العلة في إنكاح الصغيرة ليست العُمر كما قد يُتوهم، بل العلة هي حصولها على قدرة النكاح وتوابعه، أو ما يصطلح عليه بصلاحها للوطء، أما الوصف الصحيح لهذه العلة فهو بلوغ البنت الصغيرة الكمال الجسدي، ودليلنا على صحة التعليل بهذا الوصف دون غيره من الأوصاف ما رُوي بالنقل الصحيح عن أم رُومَانَ زوجة أبي بكر لما تكلم رسول الله على ابنتها عائشة وهي بنت ست أو سبع سنين بادرت إلى إطعامها القثَّاء من أجل إسمانها كفاية، حتى تُعجِّل بدخولها على النبي، لحديث عائشة قالت: "كَانَتْ أُمي تُعَالِجُني، تُريدُ لتُسَمِّنَني بَعْضَ السِّمَنِ، لِتُدْخِلَني عَلى رَسُولِ اللهِ، فَمَا اسْتقامَ لَهَا بَعْضُ ذَلِكَ حَتى أَكلتُ التَّمْرَ بِالقثَّاءِ فَسمنْتُ عَلَيْهِ كَأَحْسَنِ مَا يَكُونُ مِنَ السِّمَنِ" . وفي رواية قالت : "ثُمَ أَرَادَتْ أُمي أَنْ تُسمِّنَنِي لِدُخولِي عَلى رَسُولِ اللهِ، قَالت فَلمْ أَقبَل عَليْها بِشَيءٍ مِما تُريدُ حَتى أَطْعَمَتْنِي القثَّاءَ بِالرَّطب فَسَمنْتُ عَليْه كَأَحْسنِ السِّمَنِ" . ( وكأن البلوغ الجنسي يكون بالأكل والسمن، وهذا دليل آخر على عقم التفكير ).
من هنا نفهم بأن زواجه من عائشة جاء بعدما سمنت غاية السِّمَنِ، وليس من عبارة أدق من هذه دالة على أن عائشة أدركت مبلغ النساء لتسع سنين. ( بسبب السمن وليس البلوغ الجنسي )، والملاحظ أنها كانت تفخر - ومن حقها ذلك - بزواجها من رسول الله في سن مبكر كقولها : "تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا بِنْتُ سِتٍّ، وَدَخَلَ عَلَيَّ وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَكُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ" . وقولها : "تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ كنَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي" . وهي إشارة إلى أنها استوت مبكرا، وإلا عمَّا يكون فخرها.
وبعد طول مطاف يمكن القول إن العلة في تزويج الصغيرة بنية الدخول بها ليست العُمُر، بل الاستطاعة على الوطء وتوابعه، حتى إن الكتب الفقهية على غزارة ما تضمنته من النوازل والأحكام لم يسبق وأن وجدنا فيها بنداً يجعل من العُمُرِ شرطاً للزواج، ومن استدل بحديث : "إِذاَ أَتى عَلَى اَلْجَاريَّة تِسْعُ سِنينَ فَهِيَ اِمْرَأَةٌ" . ليجعل العلة في إنكاح الصغيرة العُمر فقد تقوَّل على رسول الله، لأن في إسناد الحديث مجاهيل منهم عبد الملك بن مهران، قال العقيلي في الضعفاء :"عبد الملك بن مهران صاحب مناكير، غلب على حديثه الوهم لا يقيم شيئا من الحديث" ، فكيف بمن قال إذا لم تبلغ الجارية ثمان عشرة سنة فهي غير صالحة للزواج. وكل الروايات التي تخبرنا ببنات تزوجن وحملن لتسع سنين يدخلن في كونهن بلغن مبلغاً من الكمال يقدرن معه على النكاح وعلى الوضع، وما عداهن لا يمكن أن نطبق عليهن ذلك لفقدانهن هذه العلة. ومن ادعى بأن العلة هي الحيض فقد خالف قوله : "واللاَّئِي يَئِسْن مِنَ اَلْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُم إِن ارْتَبْتُم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ وَاَللاَّئِي لَمْ يَحِضْن" . دليل على جواز نكاح الصغيرة قبل حيضها، وإلا كيف يجعل الله تعالى لهن عدة الطلاق ثلاثة أشهر، ونكاحها باطل، ومن قال هو مخصوص بالنساء اللاتي بلغن سناً متأخرة ولم يحضن فنطالبه بدليل التخصيص. قال أبو بكر الجصاص معلقا على الآية : فَحَكم - الله تعالى - بصحة طلاق الصغيرة التي لم تحض، والطلاق لا يقع إلا في نكاح صحيح، فتضمنت الآية جواز تزويج الصغيرة.
لذا فإن الحق ما قاله الله تعالى، وما سنَّه رسوله، وما دون ذلك فحق يراد به باطل، فلما قال عبد الله بن شبرمة إن زواجه من عائشة من خصوصياته فلعله - وهو الفقيه العراقي - أخذ بما يعلمه من العرف السائد في العراق، فلو أنه سمع عن أخبار البنات اللاتي بلغن كمالا في سنَّ مبكرة بالدول الإسكندنافية وجزر الأنتيل وبلاد الأندلس، لخشي عليهن وأمرهن بالإحصان ولرجع عن قوله. ولعله السبب الذي دفع بإمام الأندلس ابن حزم إلى أن يقول : الحجة في إجازة إنكاح الأب ابنته الصغيرة البكر، إنكاح أبي بكر النبي من عائشة وهي بنت ست سنين، وهذا أمر مشهور غنينا عن إيراد الإسناد فيه، فمن ادعى أنه خصوص لم يلتفت قوله لقول الله : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر... فكل ما فعله الرسول فلنا أن نتأسى به فيه، إلا أن يأتي نص بأنه له خصوص.
من هذا كله نعلم كيف تم التأسيس لزواج الصغيرات اللواتي لم يبلغن حتى دون أخذ اذنهن المسبق، وبهذا نعلم أيضاً من أين أتى هذا الأمر، فهو من زواج النبي من عائشة، ودعمه نص قرآني، ولم يلاقي أي اعتراض من قبل مجتمع الصحابة أو اللاحقين.

07. 08. 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطوائف المسيحية الشرقية تحتفل بأحد القيامة


.. احتفال نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل من الإخوة المسيحيين بقدا




.. صلوات ودعوات .. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسي


.. زفة الأيقونة بالزغاريد.. أقباط مصر يحتفلون بقداس عيد القيامة




.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: شفاعة المسيح شفاعة كفارية