الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا سني غير معتزلي إذن أنا أفكر

محمد الحمّار

2012 / 8 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعود تخلفنا كمسلمين بنسبة عالية إلى افتقارنا لملكة التفكير. والتواكل قد عوّض التفكير لدينا، كما يتجلى ذلك في كون المسلمين دوما بانتظار أن يرحمهم الحاكم أو المعلم أو الفقيه في الدين أو الوالي أو المعتمد أو رئيس البلدية أو العمدة بفكرة أو بقرار أو بموقف، ما يُتقبل بكل ارتياح. إنّ هذه الاستقالة تعود في رأينا إلى نبذ العقل من أساسها ونبذ كل ما اتصل به من ملكة التفكير وحكمة ومنطق وغيرها. وكون العقل عند معشر المسلمين مرتبط بالدين، بل كون عقلنا في ديننا كما بينّاه في دراسات سابقة، لا ينتقص وقيّة واحدة من هذا العقل. إلا أنّ سبب نبذ العقل يكمن في وضعية شرحناها في دراسة أخيرة ("أيشترط أن نكون معتزلة لنقدم العقل على النص؟"). وهي الوضعية التي حكمت ضمنيا على العقل بالفناء كرّدة فعل تاريخية على موقف المعتزلة (القرن 9) القاضي بتقديم العقل على النقل وذلك تبعا لعقيدة نُبذت هي بدورها وهي القائلة بخلق القرآن أي بثبوت تغيره مما حمَل الفكر المعتزلي على تغليب العقل عليه. والسؤال هو: هل أنّ فشل أهل السنة والجماعة في عقلنة الفكر الإسلامي حجة على لزوم مداومة المسلمين في وضع اللاتفكير، وهل أنّ فشلهم في الفصل بين عقيدة المعتزلة والمنحى العقلاني لنفس الفرقة حجة على عدم وجود مخرج للإشكال؟

نحن إذ نتخذ موقفا مغايرا تماما من موقف المعتزلة، فإننا نتفق معهم فقط في ضرورة إعادة الاعتبار للعقل وللتفكير. كما نختلف مع مناهضي الفكر المعتزلي (من أهلنا، أهل السنة والجماعة) لا لشيء إلا لكونهم لم يأتوا بالجديد بخصوص إعادة الاعتبار للعقل كنتيجة لمناهضتهم للمعتزلة. أو بعبارة أخرى لأنهم ثبّتوا العقل في وضع التدهور الموروث بتعلة أنّ المنهج العقلاني لا يمكن أن يكون صالحا طالما أنّ فرقة المعتزلة، التي يرفضونها، هي دون سواها التي أسست لريادة العقل. ولئن سمحَت لنا بحوثنا بهذا الاختلاف فإنّ موقفنا العملي يتمثل في تجاوزه وذلك ابتغاء تحقيق هدف العقلنة في الإسلام. ويتلخص طرح التجاوز في جملة من النقاط من أهمها نذكر:

أولا، ليس بوسعنا إثبات خلق القرآن من عدمه. بل نبقى مرتاحين للتمادي في الإيمان بأنه كلام الله الأزلي والقديم والدائم (وهي الرؤية السنية الأشعرية). أما ما يزيد في ارتياحنا فهو توصلُنا بعون الله إلى مخرجٍ لقضية رد الاعتبار للعقل وما آل إليه من تسليمٍ بنفي الحاجة إلى دحض العقل كلما تعلق الأمر بدحض الفكر المعتزلي.

ثانيا، إنّ المخرج الألسني الذي توصلنا إليه والقاضي بثبوت التناظر والتطابق بين اللغة والدين من جهة وبين الكلام والتدين من جهة أخرى يجعلنا واثقين من إمكانية ادخار الجهود التي لطالما بذلها الفقهاء والمفكرون المناهضون للفكر المعتزلي لغاية نقضه وتجريمه وحتى تحريمه. وبالتالي يُمَكننا المخرج النمذجي (نسبة للنمذجة بواسطة التناظر والتطابق) من تخصيص ذلك الجهد المدخر لرتق الشرخ أو القطيعة الحاصلة في العقل العربي الإسلامي.

ثالثا، ثبوت التناظر والتطابق يعني أنّ عدم التسليم بعدم خلق القرآن/كلام الله لا ينفي خلق اللغة ولا ينفي خلق العقل الذي يختزن اللغة. كما أنّ ذلك الثبوت يعني أنّ الكلام البشري (بما أنه فردي وخصوصي) ، على عكس اللغة (بما أنها كلية وجامعة)، هو الذي ليس مخلوقا. ونستنتج من ذلك أنّه إذا كان كلام البشر ليس مخلوقا فكيف نسمح لأنفسنا بالخوض في مسألة خلق كلام الله من عدمه؟ هذا إن لم نقل إنّه ليس من المنطق بمكان أن يخلق سبحانه وتعالى كلامه جل وعلا ولا يخلق كلام البشر. بالمحصلة، يكفينا إيمانا بأنّ كلام البشر مخلوق لكي تجاوز النقطة الخلافية المتعلقة بخلق كلام الله من عدمه.

رابعا، أن يكون كلام البشر في نفس الوقت غير مخلوق ومستخرجا من صفة مخلوقة (اللغة/العقل) يضفي طابعا ربانيا على فعل التخاطب/الكتابة /السلوك (وهو الكلام بالمعنى الألسني). ومنه فقدسية الكلام عقلانيةٌ طالما أنها موَلَّدة من العقل اللغوي للناطق باللغة.

بالنهاية نتخلص إلى قول ما يلي: تطبيقيا ستسمح هذه المبادئ للمسلمين بالشعور أنهم صاروا ضالعين في التفكير في الواقع/الإسلام، أي فهمها وتفسيرهما، بصفة فردية و كذلك بصفة مما تؤسس لطريقة جماعية للتفكير. وهل نحن بحاجة إلى أكثر من هذا للانطلاق في تأسيس خطاب ديني متناظر ومتطابق مع علم سياسي للمسلمين، ومنه لتصورِ ثم تجسيدِ النمط المجتمعي بما فيه نظام الحكم، واستهلال التقدم الحضاري؟

محمد الحمّار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اول الطريق للالحاد
ليث ( 2012 / 8 / 10 - 01:03 )
اخي الكاتب العزيز لقد مررت بمثل مراحل تفكيرك هذه من قبل وعندما عرفت ان اصل التخلف هو في الدين نفسه تراجعت وانا الان مستقل لااؤمن بدين معين وارى ان كل مصائبنا بسبب الدين ..صدقني انك ستأخذ وقت طويل فتنقد الشيعه ومن ثم المعتزله ومن ثم الصوفيه وستتوصل في النهايه الى حقيقه واحده ..ماكل هذا الهراء؟؟


2 - ليتك تقراء فى الانجيل المقدس
حكيم العارف ( 2012 / 8 / 10 - 04:32 )
ليث العزيز .. ليتك تقراء فى ماكانوا يخيفونك منه عندما كنت مسلما ... -الانجيل المقدس-


3 - حكيم العارف
ليث ( 2012 / 8 / 10 - 09:27 )
لايوجد شيء مقدس لاانجيل ولاغيره ..كله كلام بشر والانجيل اكثر ضعفا من القران .. فهوليس له مؤلف واضح او منهج واضح ومليئ بالتناقضات..واذا كان محمد يطلب مني ان اؤمن به على انه رسول او نبي فأن المسيح يريد مني ان اعتبره اله او ابن اله او غيرها من الخرافات,,يااخي كفى خرافات وكفى غسيل ادمغه


4 - القران كلام الله وليس لغة الله
شاهر الشرقاوى ( 2012 / 8 / 10 - 13:55 )
استاذى الجليل محمد الحمار
تحياتى لك وشكرا على المقال الرائع والفكر الاروع..لكن اسمح لى ان اوضح رأيى المتواضع فى مسألة اللغة والكلام ..وايهما ازلى وايهما مخلوق
بخصوص اللغة عموما فهى مخلوق.
الله سبحانه لا تحكمه لغة ...ولا يتكلم بلسان ...تعالى الله سبحانه عن ذلك علوا كبيرا
فهواحد صمد ..لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ...ليس كمثله شئ وهو السميع البصير
وعندما نقول ان القران كلام الله الازلى ...فانما يكون القصد هو مراد الله ..وصفات الله ..وحكم الله ..
كلام الله حكم ومواعظ واشارات ...وليس احرف وكلمات وجمل وعبارات استاذى الجليل

الحق كلمة الله ...العدل كلمة الله ...السلام ..العلم ...العقل ....النور ..الايمان ..الرحمة ..القوة ...الانبياء وقصصهم وما نتعلمه منهم ..كلمة الله ....التدبر والتفكر .والتقل ...كلمة الله ...السلام ...المساواة ..الخير ..والتعاون على البر والاحسان ...كل هذا هوكلام الله ....اما اللغة فهى وسيلة ..خلقها الله سبحانه وعلمها للبشر كى يتواصلوا فيما بينهم او كى يعرفهم من خلال الانبياء بمراده منهم ...
هذا لا يعنى مطلقا ان القران من تاليف محمد ..ولكنه اوحى اليه لفظا ومعنى ..


5 - آخر الطريق إلى الإيمان
محمد الحمّار ( 2012 / 8 / 10 - 18:09 )
الأخ ليث
آسف لست من هؤلا الذي يضيعون وقتهم لنقد المعتزلة ولا الشيعة ولا غيرهم من المذاهب الإسلامية. غاية ما في الأمر أني أساهم في تفعيل الإيمان بالله وباليوم الآخر ومد المسلمين بطريقة لإنجاز ذلك التفعيل آليا. وهذه الطريقة ترتكز على أن العقل وحي وبالتالي فاعتماده لتكميل التفسير النقلي ضرورية ملحة. ولا علاقة بين ما أنجزه والإلحاد.أبدا


6 - اللغة البشرية
محمد الحمّار ( 2012 / 8 / 10 - 18:14 )
الأستاذ شاهر
نعم كل ما قلته صحيح. بقي أني أؤكد على اللغة البشرية كمخلوق من عند الله من الممكن أن بساهك في تفعيل الإيمان ودعم الفهم الحضرفي للنص الشرعي.

اخر الافلام

.. ألبوم -كهان الكاف -: قصائد صوفية باللهجة التونسية على أنغام


.. 71-An-Nisa




.. 75-An-Nisa


.. 78-An-Nisa




.. 79-An-Nisa