الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لاوقت للتثاؤب

لطيفة الشعلان

2005 / 2 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كل أزمات العرب الكبرى أنتجت أدبياتها ومصطلحاتها وخطابها الخاص، لذا نجد اليوم مقولة "الاسلام دين رحمة ينبذ العنف" وشبيهاتها وتوابعها وتفصيلاتها قد اصبحت من أكثر الشعارات حضورا في كتابات المثقفين وتصريحات الرسميين و دردشات العوام، حتى دخلت باحة مكرور القول. فحقيقة لا وجود البتة لدين يدعو إلى سفك الدم وارهاب الأبرياء، فالعلة ليست نابعة من الدين أو من المبادئ المسطورة في تضاعيف نصه حتى نبادر لتنزيهه و الدفاع عنه. لكن الدين -­أي دين- في جوهره الاجتماعي المؤثر أو مفاعيله الحقيقية هو فهم الناس وممارساتهم على الأرض في شؤون حياتهم كافة، بما في ذلك علاقاتهم البينية ومع الأغيار.

فحينما ننزه الاسلام من العنف فإنما ننزه قيمه ولا نفطن إلى كون الدين ليس قيما سكونية بل هو ماوعاه الانسان وتمثله في حياته وسخره لأفكاره ومصالحه. فالدين والاستغلال البشري له، أو النص ومافعله الانسان بالنص تفسيرا وتسخيرا صنوان لايفترقان. والتأثير الأشد وطأة في العقول والنفسيات يكون أكثر مايكون من جهة التفاسير الغالية بحمولاتها التراثية والمعاصرة، أما النصوص المتعالية فهي لاتنطق بذاتها بل بحاجة إلى رجال كما وصفها علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).

ومن ثم فالخروج من الأزمة يبدأ بالخروج من مفردات خطابها الثقافي والاعلامي الذي ساد في السنين الأخيرة وتشتد وتيرته بعد كل حادث ارهابي، وإعادة النظر في كل مااعتبرناه مفروغا منه أو محسوما ونهائيا في ذلك الخطاب التطهيري الذي يغلب فيه الايديولوجي على المعرفي والآني على المستقبلي. ومراعاة ان فئة من متصدري هذا الطنطنة الاعلامية الهادفة إلى تبرئة الاسلام من التشدد هم أنفسهم غلاة في معظم رؤاهم الاجتماعية والثقافية فكأن الاعتدال قصرا على الرؤى السياسية والتشنج لكل ماعداها.

إن الاضبارة الشائكة التي لابد من فتحها أو التحدي الكبير الذي لامناص من خوض غماره هو اعادة تفسير النص. أما الدعوة للقفز فوقه فهذه لا تتجاوز المماحكات أو السجال الأيديولوجي الفاره بين الفرقاء. فمن الخطل الاعتقاد بإمكانية تجاوز النص أو نسفه بتعلة عدم الموائمة مع قيم العصر. وأصحاب هذه الدعوات الراديكالية في سوقهم للشواهد ومقارناتهم واحالاتهم الحضارية والتاريخية أزعم انهم ينطلقون من فهم مشوش لابتاريخ الاسلام وطبيعته التشريعية وحسب، بل وبسيكولوجية مجتمعاته وذهنية أتباعه كذلك.ّّ

معضلة التفسير والفقه ترتبط من ناحية بكون هذه العلوم قد خلقت وقائعا وأحكاما هي أكثر تشددا من منطوق النصوص ذاتها التي قامت عليها. ومن ناحية أخرى ترتبط بتاريخيتها السياسية والثقافية والاجتماعية، فلا يجب ان يغيب عن بالنا الظروف أو الشروط الموضوعية التي تخلقت فيها، اضافة إلى تسخيرها كأداة غير تقليدية في لجة الصراعات السياسية والمذهبية قديما وحديثا. إنها كأي علوم انسانية أخرى، تتأثر بالبيئة وبالحضارة وبالتجربة وبالمسبقات، وبذاتية الانسان نفسه: فكرا وتحزبا وميلا وأهواء. ولاأجد لذلك قولا أفضل من قول علي أومليل "إن الأفكار والمفاهيم لاتقوم بسباحة حرة فوق الأزمان".

التكييف النصي -إن صح التعبير- ينبغي النظر إليه كاشكالية داخلية مؤجلة حان زمنها، وهو كذلك بالفعل، لا أحد الاستحقاقات المفروضة من خارجنا ليستفز المقاومة أو التشكيك.

علينا ان نحسم قضية اعتبرها أحد أهم شروط بقاءنا جزءا حيا من هذا العالم وإلا فهو الفناء فلن نملك عما قريب ترف الوقت للتثاؤب القروسطي.. تلك القضية تتلخص في ان التراث هو الذي يتحتم عليه ان يتوافق مع حداثتنا وتطورنا وحاجاتنا الانسانية المتغيرة وليس العكس. فمأساتنا معرفية وإلا لما تجاورت أعظم مكتسبات الحداثة في التكنولوجيا والتقانة جنبا إلى جنب مع أكثر المفاهيم والممارسات بداءة.

وسيكون أول مايسائل في هذا السياق تلك العملية التي أشار اليها معظم نقاد التراث، وتم من خلالها رفع تفسير النص إلى مرتبة النص نفسه من حيث القداسة، أو تم بها هدر الفاصل بين النص الالهي وتفسيره البشري حتى تطابقا. كما لن يكون بمنجاة من المساءلة الحالة التي تحول فيها الاسلام من تدين بسيط فطري قبل (الصحوة) إلى ايديولوجية تنطوي طبقا لمكسيم رودنسون على كل مثالب الأيديولوجيات التي عرفها الانسان من شوفينية واحتكار وترذيل للخصوم. الحالة التي لم يعد فيها الاسلام هوية ثقافية جماعية وإنما مشروعا لعسف المجتمع وقولبته في نمط واحد يتعارض مع طبائع اجتماع البشر وحكمته سبحانه حين جعل الاختلاف من آياته.

تكييف النصوص مع متغيرات العصر فوق انه يخايلنا بما يمكن ان يجترحه من حلول لمشكلات الواقع الملحة التي لاتبدأ بوضع المرأة ولا تنتهي بتفجر الارهاب، فإنه هو المقاربة الوحيدة أو المعقولة في ظل الثقافة السائدة للبدء في خلق حياة مدنية طبيعية بعد ان أجهضت الأدلجة بذور الحداثة وممكناتها.

هذا سيستلزم مناخا حرا للتفكير في اللامفكر فيه بتعبير أركون، بعد ان ننفض عن كواهلنا التشدد الذي يشل حياتنا الثقافية والاجتماعية، والانتقائية أو البراجماتية في اختيار الأدلة حتى أصبحت الأحكام محددة سلفا. مناخ ينزاح فيه التقابل الالغائي لصالح التعددية الثقافية حيث يصبح الاختلاف ضرورة للتكامل. ويقبل بالأخذ من المذاهب الفقهية الأخرى فالحق ليس قصرا على مذهب واحد وما زعم أحد من أئمة هذه المذاهب (رحمهم الله) العصمة لنفسه. ويشجع حرية البحث والاجتهاد جاعلا من فقه الواقع وتقديم الأيسر على الأحوط وتخليص الدين مما تماهي معه من العادات الموروثة أولوية.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah