الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحت تأثير إيروس

ابراهيم هيبة

2012 / 8 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الجنس هو اكبر أكذوبة صنعتها الطبيعة. فلكي تضمن هذه الأخيرة تكاثر الأنواع، لم تجد أفضل من هذه الرغبة العمياء التي تدفع كل كائن نحو البحث عن نصفه الآخر. لم يسبق لي في حياتي أن رأيت شيئا ينخدع به بنو البشر مثل انخداعهم بالجنس، فترى الرجل منهم يتكبد المشاق، ويتحدى الصعاب، ويفعل المستحيل ، فقط لكي يحظى بهذه المرأة أو تلك. ففي الجنس، وكل ما يلحق به من حب وتعلق ورومانسية، يظن الإنسان بأنه هو الفاعل، فيما هو في العمق مفعول به. والحق أنه في خضم حرارة الأجساد وتشنجات الأعصاب وهذيانات اللذة يمكن لأي كان أن يقارن نفسه بالله. ولكن العملية كلها، بإشراقاتها الأيروتيكية وتمظهراتها الإستيتيكية، ليست إلا خدعا فيزيولوجية يراد بها تصريف فائض طاقاتنا البهيمية وفسح الطريق أمام خلف جديد- فما يتحكم بالطبيعة، هو وهم إرادة الحياة، وليست أذواق البشر وهياماتهم.
إيروس إله خطير، وسلطته الجنسية لا ترحم. إنها تستطيع أن تتلاعب بأشد العقول رجاحة، و أن تقض مضجع النفوس الأكثر هدوءا وسكينة. كما يمكنها أن تدمر أكثر العلاقات متانة، فتجعل من الحكيم طفلا و من الصديق خائنا ومن القديس ذئبا... الجنس، بالنسبة للطبيعة، خدعة لا بد منها؛ أما بالنسبة إلي، فهو أشبه بهاوية لا قرار لها أو بحلقة مفرغة تبدأ بالحاجة المؤلمة وتنغلق بالإحباط وعدم الرضا.
إن ما يخيفني في الجنس لا يكمن في تولُّده وموته التكراري، بل هو يكمن في هذا الإحساس المابعد-جنسي بالوجود: ضجر يمزق القلب، ندم وحسرة على جهود استثمرها المرء في نشاط خاسر، سخافة لا تلبث تتجدد مدى الحياة.
قال كونفوشيوس، ذات مرة، بأنه لم يسبق له، ولو لمرة واحدة في حياته، أن قابل رجلا يحب الفضيلة كحبه للجنس. مسكين هذا الكونفوشيوس ! إنني أراهن على أنه لن يجد رجلا مثل ذاك، حتى ولو عاش لعشرة قرون أخرى. لنكن صرحاء، الجنس والفضيلة لا يلتقيان. فالأول شيء غريزي يضرب بجذوره عميقا في كيان الإنسان، بينما الثانية شيء تاريخي حديث – أي أمر مضاف إلى هويته. ولهذا السبب تجد الرجل منا يحب المرأة الطاهرة لكنه يفضل العيش مع المومس.
ورغبة منها في احتواء مشكلة الجنس، اخترعت الأديان ميكانيكا أخلاقية تتنوع أشكالها بين الزواج والعفة والصوم. وإذا كانت هذه الميكانيكا تتمكن أحيانا من لجم جموح الليبيدو واندفاعاته، فإنها عندما تفشل تتولد عن ذلك نتائج فاضحة ، تتنوع هي الأخرى بين لواط وعهر وزنى محارم، بالإضافة إلى حماقات أخرى.
ما من شك في أن الليبيدو حرارة مزيفة؛ وليس كذلك بخاف على أحد بان إشباع رغبات الجسد أصعب من إدارة دواليب إمبراطورية، ولكن هذا هو الجنس: سخافة تفرض نفسها. وكل من يرغب في إجتثاته يكون إما حالما أو أنه لا يفهم شيئا في ميكانيكا الأشياء؛ ذلك أن إجتثات الجنس يعني إجتثات الذات، وإلا ماذا يكون الإنسان في مجموعه سوى ركاما من الدوافع والرغبات؟ فيما يخصني، لم أحلم أبدا بهزيمة جسدي، فأقصى ما أصبو إليه هو أن يتركني وشأني لبعض الوقت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشهوه ليست الا خطاء ربانى او عقاب مقصود
د/ على الصياد ( 2012 / 8 / 21 - 12:39 )
لماذا خلق الله الشهوات فى الانسان.و فى نفس الوقت وضع لها حدودا
اليس فى ذلك تناقض لغرض
قيل انها للتكاثر....فالخليه البدائيه تتكاثر بالانقسام...و الانسان ينمو بالانقسام....فلماذا وضعت فى تلك المستعمره المترابطه...هذه الخواص ...فهل يطلب اصبعى الشهوات هذه اذا كان منفصلا عن جسدى......فعلاقته بالجسد فقط هو التزود بسبل المعيشه ..غذاء و اكسجين ..و بعض و سائل الدفاع
الله خلق شئ ..يؤدى الى مشاكل لمخلوقاته كما يدعى فلماذا لم يكون بسيطا فى التناسل...علما بانه يحمل كما يدعى فرويد اغلب مشاكل البشريه بينها و بين الاديان
هل خلق الله الانسان لعبه يتسلى بها؟؟؟؟؟


2 - الساديه الالاهيه
د/ على الصياد ( 2012 / 8 / 22 - 14:07 )
هل الله سادى يستمتع بمعاقبتك باشياء هو اجبرك على الدخول اليها
الشهوات كلها ..الجمال ..الغقل و التفكير ...الحريه
ثم يطلب منك ان تعبده و بشروط الا تفعل...فهل يستمتع بعذاب الناس الذين فضلهم على ملائكته ذات يوم؟؟؟؟

اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا