الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاجة العالم لدين جديد

امال رياض

2012 / 8 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد ألقى حضرة بهاء الله بالمهمة التي تضمن لرسالته اهتمام الناس بها في كلِّ مكان على عاتق أولئك الذين اعترفوا به. وكان هذا بالطبع ما شغل الجامعة البهائية طوال تاريخ الأمر الكريم ، غير أنّ الانهيار المتسارع للنظام الاجتماعي القائم يطالب بإلحاحٍ شديد بتحرير الروح الدينية من تلك الأصفاد التي كبّلتها ومنعتها من أن تجتذب ما هي قادرة عليه من تأثيرٍ شافِ للعلل .
وإذا كان للبهائيين أن يستجيبوا لحاجة العالم، عليهم أن يفهموا فهمًا عميقًا ذلك السياق الذي تتطور بموجبه حياة الجنس البشري الروحية.
وتتحفنا آثار حضرة بهاء الله الكتابية بنظرة ثاقبة تساعد على السمو بمستوى النقاش بشأن القضايا الدينية فوق الاعتبارات المذهبية العابرة. أما مسئولية الاطلاع على هذا المصدر الروحي بالنسبة إلى كل مؤمن فلا يمكن فصلها عن نعمة الإيمان ذاتها . وينذرنا حضرة بهاء الله قائلا :
{ إن التعصب الديني والبغضاء نار تلتهم العالم ومن العسير إطفاؤها. ولا سبيل إلى إنقاذ البشرية من هذا البلاء العقيم إلا بيد القدرة الإلهية . }
ويجدر بالبهائيين ألا يخالجهم الشعور بأنهم من دون معين أو نصير في مساعيهم هذه لسد ما تحتاجه البشرية اليوم ، لأنهم سوف يقدِّرون حق التقدير، وعلى نحوٍ مطرد ، أنّ الأمر الذي يقومون على خدمته هو بمنزلة رأس حربة لنقطة روحية عمت الناس في كل مكان ، أكانوا من خلفيات دينية أو ممن لا ميول دينية لهم .
وقد دفعتنا تأملاتنا في ما يواجه العالم من تحديات إلى تكليف هيئة خاصة أعدت تحت إشرافنا ما يأتي من الشرح والتعليق ، وفي هذا التعليق بعنوان " دين الله واحد " عرض لمقتطفات من كتابات حضرة بهاء الله ومن الكتب المقدسة للأديان الأخرى ، لها صلة وثيقة بخلقيات الأزمة الراهنة .
دين الله واحد

كل المؤشرات تدعونا إلى الثقة بأن الحقبة التاريخية التي بدأ فجرها ينبثق الآن سوف يكون استعدادها للتجاوب مع الجهود المبذولة لنشر رسالة حضرة بهاء الله، أكبر مما كان عليه الحال في القرن المنصرم.
فالدلائل كلها تشير إلى أن تحولا جوهريًا بالنسبة للوعي البشري بات الآن قائمًا على نحوٍ ناشط .
في باكورة القرن العشرين جاءت الفلسفة المادية بتفسير للحقيقة خاص بها. ورسخ في الأذهان هذا المفهوم المادي بصورةٍ تامة أصبح فيها كأنه الدين العالمي المسيطر إلى حدٍ ما على الاتجاهات التي يسلكها المجتمع. وضمن هذا السياق قد انتُزعت بكل عنف عوامل التربية الإنسانية من عوالمها التي عرفتها آلاف السنين.
فالبنسبة إلى معظم أهل الغرب كان المرجع الإلهي هو المصدر الرئيسي للهداية والرشاد برغم تفاوت التفاسير المتعلقة بطبيعة ذلك المرجع وجوهره ، ولكن سرعان ما تلاشى كل ذلك وفقد الغرب مرجعه الأصيل بكل بساطة . فتُرك الفرد إلى حدٍ ما بعيدًا حرًا ليتخذ لنفسه ما يعتقد أنه الرابط بين حياته كفرد ، وبين ذلك العالم الذي يتخطى الحدود المادية للوجود . أمّا المجتمع بأسره فقد استمر بثقة متزايدة ، في تمزيق روابط اعتاده على مفهوم للكون اعتبره بعض الأشخاص في أفضل الحالات من صنع الخيال وفي أسوئها أفيونًا يتعاطاه الناس . وفي كلا الحالين شُلّ التقدم وتعطل الرُقي ، وهكذا تولت الإنسانية زمام أمورها بيدها ، إذ تبادر إلى أذهان الناس وصُوِّر لهم أنهم قد توصلوا بواسطة الاختبارات العلمية والحوار الفكري ، إلى حل جميع المعضلات المتعلقة بالقضايا الرئيسية الخاصة بتطوير الإنسان وتدبير شئونه السياسية .
وقد دعم هذا الموقف ذلك الافتراض القائل إن القيم والمثل والضوابط الأخلاقية التي تعلمها الإنسان على مدى القرون ، قد ترسخت الآن على نحوٍ يُعتمد عليه وأصبحت من مزايا الطبيعة الإنسانية الثابتة . وكل ما احتاجته هذه المزايا هو مجرد صقلها عن طريق التربية والتعليم وتعزيزها بما يُشرَّع من قوانين. فتراث الماضي من الفضائل والأخلاق تلخص في ما يلي:
إن إرث الإنسانية الذي لا يمكن نقضه لم يعد بحاجة إلى أي إسهام ديني لبقائه. وما لا يمكن إنكاره أن أفرادًا أو جماعات أو حتى أممًا من الخارجين على القانون والنظام سيستمرون في تهديد استقرار النظام الاجتماعي وسلامته ، مما يدعو إلى تصحيح الأوضاع وضبط الأمور ، فالحضارة العالمية التي سعت كل قوى التاريخ إلى تحقيقها وقادت الجنس البشري نحوها ، صارت تبرز إلى الوجود دون أن يعيقها عائق ، وقد استمدت إلهامها من المفاهيم العلمانية للحقيقة . وهكذا بدت سعادة البشر كأنها نتيجة طبيعية لما تحقق من تحسن في مجالات الصحة والغذاء والتربية بالإضافة إلى تحسنظروف الحياة والمعيشة ، وأصبح كل هذا الآن في متناول يد مجتمع إنساني تسيطر عليه فكرة واحدة تركزت في السعي إلى تحقيق مثل هذا التحسن وأهدافه التي لا ريب في أنها مستحبة ومطلوبة .
اما في ذلك الجزء من العالم حيث تقطن غالبية سكان الأرض ، فلم يُعر أحد من الناس اهتمام بذلك التصريح الأرعن الذي أعلن أن " الله قد مات " فالخبرات التي مرت بها شعوب أفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية ودول المحيط الهادي ، والتي طالما أرسخت إيمانها بذلك الرأي القائل إن الطبيعة الإنسانية ليست فقط رهن المؤثرات الروحية ، بل هي أيضًا ذات هوية روحية في جوهرها ، وكما كان الحال عليه دومًا استمر الدين نتيجة لذلك يؤدي وظيفته مرجعًا أخيرًا في حياة الناس . وفي حين أن الثورة الأيديولوجية الدائرة رحاها في الغرب لم تتصد لتلك المعتقدات مباشرة ، إلا أنها نجحت بالفعل في الإقلال من شأنها وتميشها بالنسبة إلى تبادل العلاقات وتفاعلها بين الأمم والشعوب . ومن ثمّ هبّ المذهب المادي بعصبيته فغزا مراكز القوى والإعلام المهمة في الكرة الأرضية بأسرها واستولى عليها . وهكذا ضمن المذهب المادي لنفسه السيطرة الكاملة بحيث لم يعد في مقدور أية أصوات مناقشة الاعتراض على ما يقدمه من مشاريع اقتصادية استغلالية تستهدف العالم بأسره .


علاوة على ذلك فإن الأضرار الثقافية التي نجمت عن قيام حكم استعماري دام قرنين من الزمان ، أضيف إليهما انفصام مرير أصاب جماهير الناس المتأثرة بهذه الأحداث جعلت حياة الفرد الروحية الداخلية تبدو منفصلة عن الحياة الدنيوية الخارجية ، وهي الحالة التي أصابت في واقع الأمر كل مظهر من مظاهر الحياة . ومن ثمَّ وجدت هذه الجماهير نفسها عاجزة عن التأثير تأثيرًا فعالاً في رسم معالم مستقبلها ، كما أنها وجدت نفسها عاجزة عن المحافظة على سلامة أبنائها وبناتها من الناحية الأخلاقية ، وهكذا غرق هؤلاء الناس جميعًا في أزمةٍ خانقة ، ولئن اختلفت هذه الأزمة عن تلك التي كانت ستجمع قواها لاجتياح أوربا وأميركا الشمالية ، فإنها في كثير من النواحي كانت أزمة أشد بطشًا ودمارًا . ومع أنَّ الدين احتفظ بدوره الرئيسي في وعي هؤلاء الناس، فقد بدا عاجزًا عن التأثير في مجريات الأحداث .
وفيما كان القرن العشرين يقترب من نهايته، لم يكن هناك من أمر محتمل الحدوث أبعد من إحياء الدين ليغدو موضوعًا يستأثر بالأهمية وليصبح الشغل الشاغل لأهل الكرة الأرضية. لكن إحياء الدين هو ما حدث الآن بالضبط متمثلاً في موجة عارمة من مشاعر القلق وعدم الرضا ، وهي مشاعر لا تزال في معظمها مبهمة من حيث إدراكها الفراغ الروحي الباعث على هذه الحالة . والظاهر أن الصراعات المذهبية والطائفية القديمة باتت مستعصية إزاء حلول تطرحها مهارات دبلوماسية تتسم بالصبر والأناة ، فعادت هذه الصراعات وبرزت بشكلٍ كبير من الشراسة والضراوة لا يقل عنفًا عما عرفه البشر سابقًا ، فالمواضيع الرئيسية الواردة في الكتب المقدسة ، وظواهر العجائب والمعجزات ، والعقائد اللاهوتية ، كل هذه الأمور التي اعتبرت من وقتٍ قريب من مخلفات عصر يتسم بالجهل وعدم المعرفة ، غدت اليوم مادة البحث والاستقصاء تعرضها وسائل الإعلام ذات النفوذ بالوقار والاحترام ، وإن كان اختيار ما يُعرض مشوشًا غير متجانس . وفي كثير من البلدان صارت المؤهلات والكفاءات المكتسبة في ميدان الشئون الدينية عاملاً جديدًا ذا أهمية قصوى للمرشحين الطامعين في الفوز بالمناصب السياسية .
وأما العالم الذي افترض أنه بسقوط حائط برلين انبثق فجر عصر السلام العالمي ، فقد أُنذر علنًا بأنه قابع في قبضة حرب دائرة الرُحى بين الحضارات ، معالمها الرئيسة تنافرات وصراعات دينية لا سبيل إلى حلها ، ناهيك عما تبذله المكتبات ومنصات الجرائد والمجلات ومواقع الشبكة العالمية للمعلومات والمكتبات العامة من جهدٍ في سبيل إشباع نهم جمهور من الواضح أنه لا سبيل إلى إرضاء تطلعاته ؛ فهو يطالب بالحصول على مزيد من المعلومات بشأن المواضيع الدينية والروحية . ولربما كان العامل الأكثر إلحاحًا في خلق هذا التحول والتغيير ذلك الاعتراف المتردد القائل إنه ليس هناك من بديل حقيقي للإيمان الديني كقوة يمكنها خلق الانضباط النفسي وإحياء الالتزام بالسلوك الأخلاقي .
أضف إلى أن الاهتمام الديني بعثه الدين في صورته المعروفة قد بدأ يُركز الآن على إحياء البحث عن الروحانية على نطاق واسع . ولعل في الإمكان تعريف هذا الاهتمام بوجهٍ عام على أنه رغبة مُلحة في اكتشاف الذات وتحديد الهوية الشخصية بعيدًا عن مجرد كونها وجودًا ماديًا ، وشجع هذا التطور عديدًا من أنشطة كانت في طبيعتها إيجابية وسلبية . ومن جهةٍ أخرى تقصي العدالة والترويج لقضية السلام العالمي من شأنهما أن يؤثرا أيضًا في خلق مفاهيم جديدة حول دور الفرد في المجتمع. ومع أن حركة الدفاع عن سلامة البيئة أو حركة المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة ،
ركّزتا اهتماماتها على تعبئة الرأي العام بغية دعم تغييرات مفتوحة بخصوص كيفية اتخاذ القرارات المتعلقة بشئون المجتمع، فقد أوحتا إلى الناس بإعادة النظر في ما يشعرون به تجاه أنفسهم والتساؤل عن الغرض من حياتهم. ثم هناك اتجاه جديد نجده في كل الجامعات الدينية الكبرى متمثلاً في تهافت المؤمنين المنتمين إلى الفروع التقليدية لدينهم الأساسي ، على الانضمام إلى فرق دينية فرعية تولي اهتمامًا أساسيًا في البحث عن الروحانية في التجارب الشخصية الخاصة بأعضائها . وفي المقابل برزت مظاهر جديدة مثل مشاهدات الكائنات غير الأرضية ، وانتهاج أساليب في المعيشة تهدف إلى معرفة الذات ، ثم الاعتكاف في الخلوات البرية ، والمساهمة في حلقات الذكر والتهاليل الدينية الحاشدة المُهيِّجة للنفوس ، والاندفاع بحماسة وتوق نحو اعتناق الأنماط المختلفة التي جاء بها عصر الروحانية الجديد ، إضافة إلى انتشار تعاطي المخدرات وعقاقير الهلوسة كمنبهات للعقل الواعي لها فاعليتها وأثرها ، وقد اجتذبت كل هذه المنازع أتباًا فاقوا عددًا وتنوعًا أولئك الذين اجتذبهم في القرن الماضي مذهب الروحانيات والحركة الثيوصوفية عند نقطة تاريخية مشابهة لهذه المرحلة ، أمَّا بالنسبة إلى الفرد البهائي فإنه ، وإن كان انتشار الفرق الدينية الخاصة ، وازدياد المراسم والطقوس المذهبية يثيران الاشمئزاز والنفور في أذهان عدد كبير من الناس ، يعتقد أن هذه الشواهد تُذكِّر بالنظرة الثاقبة التي تضمنتها الحكاية القديمة عن المجنون الذي كان يبحث في التراب عن محبوبته ليلى ، ومع أنه كان يعلم تمامًا أنها مجرد روح ، فقد أنشد قائلاً : " وعن ليلى أبحث في كل دربٍ علَّني أجد لها مكانًا " .

من كتاب دين الله واحد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ببراءة
حائر ( 2012 / 8 / 14 - 10:25 )
هل هناك فرق بين من -يبشر- لاي دين وبين ما ينشر في هذه الزاوية؟
فالديانات في جوهرها متشابهة ،اليس كذلك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


2 - هذا تبليغ وليس دعوة
امال رياض ( 2012 / 8 / 15 - 01:10 )
الأخ الفاضل حائر
نحن لا ندعو احد الدعوة الحقيقية هى التحلى بكل الفضائل .. نحن بلغ الناس فقط بما اتانا من علم بوصول دين جديد يحمل الخير والسلام والصلاح للبشرية .
نعم الديانات فى جوهرها واحد ودين الله واحد .. دبن الله هو التوحيد والتقوى والصدق والأمانه والعمل الصالح وغيرها من فضائل ما كان على وجه الأرض اى قوة استطاعت ان تغير نفوس البشر إلا قوة الدين .. اذن هو حلقات متصلة فى سلسة روحانية لهداية النفوس .. شكرآ لوجودك

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي