الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرطة الدينية

فريدة النقاش

2012 / 8 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



تزايدت في الأيام الأخيرة ومع صعود الإسلام السياسي إلي سدة الحكم ممارسات «الشرطة الدينية»، من قتل طالب السويس لأنه كان يسير مع خطيبته أو صديقته بدعوي أن الاختلاط بين النساء والرجال حرام شرعا، وما جري في محافظة الشرقية من قتل اثنين من الموسيقيين لأن الموسيقي والغناء محرمان أو مكروهان شرعا.

هذا إضافة إلي مئات من ممارسات التحرش ضد النساء بسبب ملابسهن أو لكونهن نساء يري فيهن المتطرفون عورات لابد من السيطرة عليها وإخفائها، وثار جدل طويل حول وجود جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عدمه، وتواصل مؤسسات وهيئات أساسية عملية التضييق علي حرية الاعتقاد في تواصل موضوعي مع ممارسات المتطرفين الذين قيل لنا إنهم لا يمثلون قوة كبيرة ولا تيارا رئيسيا وأنهم يثيرون غضب المجتمع ومن ثم يمكن محاصرتهم ومواجهة أفكارهم بسهولة.

أما المؤسسة الوسطية التي من المفترض أن تتولي هذه المواجهة بما لها من ثقل معنوي وتاريخ وطني ونفوذ فهي مؤسسة الأزهر.

واحتراما لهذا الثقل والنفوذ والقبول العام لابد من مراجعة الأزهر في موقفه من حرية الاعتقال، ففي تصريحات أخيرة أصدر الأزهر ما يشابه الفتوي التي يعترف فيها بحقوق معتنقي الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام في إقامة شعائرهم وبناء دور عباداتهم.

أما معتنقو الديانات الأخري مثل البوذية والهندوسية وهم يشكلون أكثر من نصف سكان العالم فلا حرية لهم ولا حقوق، ونحن نعرف علي الصعيد العملي أن العمالة الوافدة من هذه البلدان إلي مصر تتزايد في سياق العولمة ووجود فروع للشركات متعددة الجنسية في البلاد، وأن هؤلاء لابد أن يكون لهم الحقوق ذاتها في ممارسة عباداتهم وشعائرهم وبناء معابدهم بدلا من أن يضطروا إلي ممارسة هذه الشعائر سرا مما يولد مشاعر العزلة عن المجتمع والغضب منه وصولا إلي معاداته.

بل إن تضييق الأزهر لحرية الاعتقاد وصل إلي حد التحذير من انتشار التشيع في مصر واعتبار هذا التشيع خطرا علي الإسلام رغم أن الشيعة مسلمون، ورغم حقيقة أن الإسلام السني انتشر في البلاد رغم فترة الحكم الطويلة للشيعة الذين استقروا في مصر لزمن طويل، ثم غيرت مصر اختيارها ليبرز بعد ذلك إسلامها السني المتسامح والمعتدل والذي يحمل ملامح خاصة لحضارة مصر.

ويثير الدهشة حقا أن يعبر الأزهر عن مخاوف من خطر الشيعة علي الإسلام السني في مصر وأن يصدر من هذه المؤسسة العريقة ما يشابه التحريم لفرع من فروع الإسلام يعتنقه ملايين البشر.

وعلي ما يبدو فإن مخاوف الأزهر تخلط بين مسألتين: الأولي هي حرية الاعتقاد التي لابد من احترامها لكل البشر سنة وشيعة، مسيحيين ويهودا ومسلمين وبوذيين وهندوس ولا دينيين، والمسألة الأخري هي المشروع السياسي الإمبراطوري الإيراني التوسعي والذي لابد من مقاومته والحذر منه وشرع مخاطره لا علي الإسلام وإنما علي استقلال بلدان الخليج علي نحو خاص، وهناك ضرورة للفصل بين المسألتين والتعامل مع كل منهما في سياقها.

إن قضية الحريات العامة لا تتجزأ، وقد توصلت البشرية إلي مجموعة من القيم العليا في هذا الميدان جسدتها في المواثيق الدولية التي استلهمت كل الديانات والثقافات والفلسفات التي أنتجها البشر كلهم جميعا دون تفرقة، وأصبح احترام هذه المواثيق والمعاهدات هو معيار التزام الدول والشعوب بحقوق الإنسان، ومرارا وتكرارا سقنا هذه الحقائق حول مشاركة العرب مسيحيين ومسلمين في صياغة هذه المواثيق حين شارك عالم الاجتماع اللبناني المسيحي شارك مالك والفقيه القانوني المصري محمود عزمي في وضع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي انبثق منه العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية وللحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتوالت الأجيال المختلفة من المواثيق والمعاهدات وصولا إلي الاتفاقية الدولية لإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة التي شاركت في وضعها الرائدة النسائية المصرية عزيزة حسين.

باختصار لنا نحن العرب نصيب وافر في بلورة قيم الحريات العامة وحقوق الإنسان وعلي رأسها حرية الاعتقاد، ولا يعني الانتقاص من هذه الحريات في بلد من البلدان أو في ظل نظام من نظم الحكم إلا العدوان علي المشترك الإنساني وشرعنة التطرف والعنف والتمييز ضد بشر باسم عقيدة أو عنصر أو فكرة أو جنس ومعني ذلك أن القيود التي يضعها الأزهر علي حرية الاعتقاد تمنح شرعية ضمنية لكل أشكال التطرف باسم الدين لأن الفروق بين الأزهر والمتطرفين تصبح في هذه الحالة فروقا في الدرجة وليس في المبدأ.

وتتفاقم ظاهرة التطرف وانتشار ما نسميه بـ «الشرطة الدينية» في هذا السياق الملتبس الذي يحتاج لمناقشة مجتمعية جدية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وانقلب الازهر
مجدي سعد ( 2012 / 8 / 16 - 08:49 )
اولا تحية سيدي علي مقال ممتاز رغم انني لا اميل الي موافقت سيادتكم علي حجم مشاركة العرب ولكن لا بأس

أما عن الازهر الذي تناسي تماما اصوله الشيعية و بناته ومؤسسية الفاطميين الشيعة فقد اثبت نفاقه وانتهازيته مرارا وتكرارا


العرب علي دين حكامهم

فلو حكمنا غدا بوذي لأنقلب الازهر الي أكبر معبد لكريشنا

ونزل شيوخه الي الشارع يهللون هاري كيشنا....هاري راما


2 - مصر
بلبل عبد النهد ( 2012 / 8 / 16 - 09:20 )
خطا كبير ان تكون مصر تحت سيطرة حكومة ملتحية مصر هي ام الدنيا مصر هي الحضارة مصر هي الفن بكل الوانه مصر ليست للمصريين فقط مصر ليست للاسلاميين فقط مصر للجميع للمسلم لليهودي للبودي للمسيحي للا ديني للملحد مصر لكل من يحب السلام اما ان تكون رهينة بين ايادي بوليس ديني فالخوف عليها يزيد الخوف على فنها على ثقافتها على اقتصادها على تاريخها على اهراماتها مصر الان في حاجة الى ثورة هادئة اكثر من اي وقت مضى ثورة يقودها المثقفون الفنانون المتسامحون المصريون الذين يريدون ان تكون بلادهم كونية وليس سلفية متحجرة متقوقعة متخلفة


3 - الأستاذة فريدة النقاش المحترمة
ليندا كبرييل ( 2012 / 8 / 16 - 10:42 )
ننتظر صوتك القوي دوماً
عجباً كيف فات الأزهر أن الشيعة من أسسوه وفضّلوا عليه ؟ إذا كانت هناك شرارات فتن طائفية فابحثوا عنها لتجدوا الأزهر ( بعمّاله ) وراءها ، فهو معمل تفريخ التطرف وإثارة الهمج بتفاسيره وشروحه وفتاويه، ولم يُعرف عنه اعتدال
ثم يقولون لنا ما سبب الحروب في العالم ؟ ولماذا يكرهونا ؟
أتمنى لك النشاط الدائم وتقبلي تحيتي واحترامي


4 - الازهر لقد فاتكم القطار
تيسير عثمان ( 2012 / 8 / 16 - 17:35 )
ماذا قدم الازهر لمصر وللامه الاسلاميه باستثناء اثارة الفتن والنعرات من هنا وهناك يجب ان تتنبه الجماهير المصريه الى ما آلت اليه مفسدة الازهر وتحشيد الجماهير تمهيدا لالغائها فقد اصبح ضررها اكثر من نفعها وما فتوى هاشم اسلام احد مشايخ الازهر المعاقين فكريا لدليل صارخ على عدائية هذه المؤسسه لكل المعتقدات والحريات وكل ما هو حديث وهي سياسه يتبناها من يتربع على قمة هرم الازهر .


5 - الشرطة الدينية
ناس حدهوم أحمد ( 2012 / 10 / 17 - 19:10 )
ما يحدث في مصر يحدث في الدول العربية الأخرى
لقد أصبح التطرف الديني شبه موضة يتشبث بها المغفلون والأوغاد
الذين يفرضون خراءهم على الناس المختلفين عنهم
وأصبح الأحرار في حطر ولكن مادام المتأسلمون وصلوا إلى الحكم
فكل هذه التطورات الخطيرة سوف تستفحل وستكون هناك حربا أهلية
لا محالة مما يعني أننا العرب علينا أن نمر من الطريق التي مر منها
الغرب قبل أن يتحرر
إذن فليكن
فالأحرار مستعدون لمواجهة المخاطر ومواجهة الموت من أجل حريتهم
وكرامتهم وتعبيد الطريق نحو مستقبل الأجيال العربية الحرة

اخر الافلام

.. لماذا| ما أثر قانون -مكافحة الانفصالية الإسلامية- على المسلم


.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا




.. 251-Al-Baqarah


.. 252-Al-Baqarah




.. 253-Al-Baqarah