الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنكيران أفيون الشعب

المريزق المصطفى

2012 / 8 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



رغم العديد من الدراسات التاريخية التي أكدت أن المجتمع هو الذي ينتج الظواهر الدينية و يستهلكها، و أن هذه الظواهر بكل أنواعها و أشكالها ليست فوق النقد و الدراسة، و رغم أن كل الديانات حملت معها عدة تناقضات و تمايزات داخلية وفقا لتوجهات إيديولوجية، ليبرالية و أصولية، محافظة و منفتحة، متزمتة و متطرفة، وفقا للطبقات الاجتماعية المكونة لأي مجتمع من المجتمعات؛ لابد من الاعتراف بكون "القضية الدينية" ثمرة صراع معقد و مرير في إطار علاقة الإنسان بالكون و بربه.

و تجدر الإشارة هنا، إلى ضرورة التأكيد على "الزمن الديني" الذي يقودنا إلى مناهج و مقاربات و رؤية للوجود الاجتماعي و التاريخي للأديان، و يدلنا على صراع الحضارات من بدايته إلى نقطة البحث عن الوحدة بين العلم الوضعي و الشرائع الدينية، مرورا بالصراعات الساخنة و الحروب الدموية أحيانا...(أنظر:
Pierre REHM, Histoire générale des religions : Religions primitives, Mythologie, Judaïsme, Islamisme, Catholicisme, Bouddhisme, Brahmanisme, Ed. Quillet, 1924.﴿

و لكي نفهم أسباب النزعات المتطرفة و العنيدة التي ترفض الاعتراف بالفلسفات و العلوم و الفنون كأساس لكل الحضارات، لا بد من البحث في مسألة توظيف رجال الدين و خبرائه و علمائه في المجتمعات عبر التاريخ. ( أنظر في هذا الصدد: د. عبد الرحمان بدوي، شخصيات قلقة في الإسلام، سينا للنشر، الطبعة الثالثة 1995).

و كما هو معلوم، حورب العلم قبل انتصاره الحالي، (انظر في هذا الصدد: مقال المريزق المصطفى، التاريخ و الدين و المدرسة، جريدة الصباح،ع. 3767، ص 6)، كما حورب علم الاجتماع و ميادينه، و من بينها علم الاجتماع الديني، بكل أنواع الأسلحة في البلدان العربية و الإسلامية، و التي اعتبرته من المحظورات و من العلوم التي تقود إلى الكفر و الزندقة و ما إلى ذالك من التصنيفات المبنية على المحرمات.

هكذا صمدت حضارات الشعوب بعلومها و فلسفاتها كحضارة في ذاتها، ككائن عام، و ليس ككائنات فردية. و لشرح هذه الخلاصة المكثفة، لابد من استحضار المراحل التاريخية التي قطعها الاهتمام بالظاهرة الدينية و بدورها التاريخي، كما شرح ذلك العديد من العلماء و الفلاسفة و علماء الاجتماع في العديد من المناسبات. و هو ما يتطلب البحث في الدراسات و الأبحاث التي اجتهدت في تقديم لوحات متعددة عن المجتمعات القديمة، و ما شكلته الأسطورة التي اشتهر بها اليونانيون القدماء و غيرهم من تصور مفترض للقدرة و القوة في التاريخ بارتباط مع المعتقدات الدينية، و القائمة على القوة الدنيوية و على هيمنة الآلهة و قدسيتهم و الحكمة و التفكير و الإبداع. (أنظر في هذا الصدد، ملف حول الأسطورة، من إعداد مجلة عالم الفكر، ع. 4، المجلد 40 أبريل-يونيو 2012).

و هذا ما ينقصنا لطرق ليس أبواب الحقيقة فقط، بل أدوات البحث عنها. لكن للأسف لا زالت المدرسة في مجتمعنا تكرس نموذج "العلم المحتجب"، و تغيب الأنشطة النقدية و تحجب التاريخ الحقيقي، و تحرم المتعلمين من التجارب الاجتماعية التي عاشها الآخرين، و لا زال مجتمعنا تنخر جسمه جريمة الأمية، و كل أنواع التشكيلات الاقتصادية و الاجتماعية المشوهة، و الغير المتجانسة في العالم القروي كما في العالم الحضري.

و إذا أضفنا لكل هذه العوامل، عوامل أخرى كالهشاشة و الفقر و الخوف و الرعب و الاستبداد، و كل ما ينطلي على الفقراء و البسطاء، فيمكن القول أن الطريق لا زالت معبدة لسلطة الفتاوي و الدعاوي، للمزيد من تجهيل المجتمع و إبعاده عن التفكير الحقيقي في برنامج تحرره الاجتماعي و السياسي و الثقافي.

و باختصار، الجميع ينتظر اليوم من بنكيران أن يعرض على الشعب المغربي نظام الحكم و الأسلوب السياسي الذي يتبناه، والنظم الاقتصادية والتعليمية و الإسكانية التي يرعاها، وأولويات السياسة العمومية، و هذه نقطة ضعفه الكبرى. فبدلا من الاعتراف بعقم سياسته، يواصل الاجتهاد في العقم. و بدلا من تمكين المجتمع من أدوات و آليات الدفاع عن نفسه، يستمر في تشجيع الأنشطة الرعائية بدل الأنشطة التنموية، و يرفع راية التخويف من خلال ممارسة العنف الرمزي المقنع عبر وسائل الإعلام، ليزيد ألما للجماهير الشعبية التي يحتقرها في كل مناسبة و يظهرها و كأنها بليدة، لا تعرف مصلحتها، و لا قوة لها غير التبعية لمن يشحنها بالخطب ويرشها بالوعود و الأكاذيب. و ما قيل – في مناسبات عديدة- في حق المرأة و المعطلين، و المهاجرين، و الطبقة الوسطى، و الأمازيغية، و الأساتذة الجامعيين و الطلبة، و جمعيات المجتمع المدني، و الإعلاميين، و الفنانين، الخ,. لأكبر دليل على ما نقول.

إن "العفريت" الكبير و الحقيقي – و ليس الوهمي- الذي يشغل بال بنكيران، يوجد مختبئا بين دفتي الاقتصاد و الدين، إذا كان يريد القبض عليه. لهذا، يجب أن يعلم أن الاقتصاد سابق على الدين،كما أنه لولا الإصلاح الديني، و لولا صياغة موقف مسيحي جديد أمام المال، لما عاشت أوروبا الحديثة حلقاتها المتميزة، طبعا دون إغفال عوامل أخرى متعددة.

نعم، إذا أراد السيد رئيس الحكومة أن يكون ذلك " الإسلامي الناشط"، و الخادم لله و لأخوانه و أخواته بفضل نشاطه، فهذا من حقه. أما تسيير شؤون الناس، فيستلزم إبراز الموقف المتخذ من التجار البنكيين و من المدخرات و من الودائع التي تستحق الفوائد، و من التجار الكبار و الأثرياء وملاكي الأراضي و العقار و المحتكرين للربح و للقيمة الزائدة و المضافة، و تفسير "العقل الاقتصادي" المغربي لكل المغاربة، بدل النهيق و البكاء و تكليب الجهلة و دفعهم لتنزيل "الدعوة البنكرانية" بدل إعمال الدستور الجديد الذي جاءت به صيرورة النضال المتصل.

إن خصوصية المجتمع المغربي، لا تقبل بسجع الألفاظ الرثة و شقشقات البلاغة، للاختباء و راء الأخلاق الدينية وشحن أفعال الناس، و التأثير في نفوسهم، و استغلال جهلهم و عطشهم للعدالة و الماء و الخبز.

علينا، كما يقول أنطونيو غيدنز، أن نعي المستقبلات البديلة المتاحة لنا. و هذا لن يتسنى إلا إذا عملنا على نقل الظاهرة الدينية من الظلام إلى النور، و التعامل معها، كما يقول المختصين في علم الاجتماع الديني، كظاهرة ساطعة، و اضحة كالنور في السلوك الاجتماعي و في نظام المجتمع و حتى في سياسته و أدائه الاقتصادي و هويته الثقافية (أنظر بهذا الصدد: د. يوسف شلحت، نحو نظرية جديدة في علم الاجتماع الديني: الطوطمية، اليهودية، النصرانية، الإسلام. دار الفرابي، 2003).

إن ما يهدف إليه بنكيران هو محاولة الانفلات من ماضيه الذي يؤرقه، باحثا عن طرق و أشكال توزيع الخلاص و النعمة الربانية على الجماعة البشرية التي تشڱل في حضنها. كما تهدف سياسته إلى تبرير نظم بقايا الإقطاع و الخنوع و الاستبداد، و تبرير القمع ضد المطالبين بالحقوق الاجتماعية و الاقتصادية، كما أظهرت الأحداث الأخيرة في العديد من المدن المغربية.

إن الحقيقة المؤلمة التي أصبحت توجع المغاربة اليوم، هي السطو على التراكمات الحقوقية و السياسية و الاجتماعية التي قاوموا من أجلها منذ الاستقلال، مقابل أفيون قوي التأثير على الشعب كي يقبل تعاسة الدنيا في انتظار وعود الآخرة.

و أخيرا، يحز في النفس أن نرى بلادنا تسير نحو نكوص فكري، سياسي، ثقافي و حقوقي. و أن من وصلت به صناديق الاقتراع إلى بيت الرئاسة، يحتقر المكتبات و المسرح و السينما و الحفلات الموسيقية و زيارة المتاحف، و يطبل و يهلل للسلطة التي تضفي الشرعية على منتجي اللامساواة المجتمعية، مستبدلا الأرض بالسماء، حائرا بين عجزه البنيوي في إدارة الشأن العام و بين الاعتذار للسلطان!

أما البديل الحقيقي في المرحلة الحالية، هو جعل كل التنظيمات الاجتماعية، بكل وظائفها، في خدمة حرية الأفراد، و محاربة الفساد بكل أنواعه و تحرير الطاقات في كل المجالات للنهوض أولا و قبل كل شيء بالتعليم و الصحة و الايكولوجيا. كما بات من اللازم تكوين تكتل عريض يظم كل الديمقراطيين من مختلف أطيافهم ضد الفزاعة التي بات يتخذها رئيس الحكومة و أتباعه ليهووا بسيوفهم التي لم يدخلوها في أغمادها- كما صرح بذالك هذا الأخير في الأيام الأخيرة- على أحرار هذا البلد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حول مسؤولية المؤسسة التعليمية
محمد قشيقش ( 2012 / 8 / 20 - 00:42 )
الزميل العزيز لقد اطلعت على مقالك .أدعم فكرة وردت فيه وهي تشغلني المؤسسة التعليمية عندنا في وضعية قلقة بفعل منتوجها في تغيير التصورات والتربية على المواطنة التي هي التلقيح السليم ضد كل اشكال الخطابات المموهة وترسيخ العقلانية .
لذلك المطلوب هو مراجعة الذات .كما انها مسؤولية الأحزاب الحقيقية وليس أشباه الأحزاب كما نلاحظ اليوم في عدة أحزاب عندنا التي انعدمت فيها القيم التي تدعي أنها تدافع عليها الديموقراطية والتشبيب والإلتساق بالجماهير وتاطيرها.للحديث بقية .مع تحياتي الصادقة .محمد قشيقش

اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل