الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر :4-4)

عقيل الناصري

2012 / 8 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر :4-4)
انقلاب 8 شباط 1963


12- دعى البيان الأول إلى أن النظام [سيحافظ على المكتسبات التقدمية وفي مقدمتها الإصلاح الزراعي وتطويره لمصلحة الشعب وإقامة اقتصاد وطني يهدف إلى تصنيع البلد وزيادة إمكانياته المادية]. في البدء يعترف البيان وواضعوه أن المرحلة القاسمية قد حققت مكاسب ذات طابع تقدمي شمل قطاعات واسعة مست أكثر من 50 - 60% من السكان وبخاصة الفلاحين وسكنة الريف؛ فقراء وكادحي المدن؛ النساء والانتلجنسيا؛ وقطاعات واسعة من الفئات الاجتماعية الوسيطة، الذين أمسوا جميعهم يمثلون القاعدة الاجتماعية للحكم.
في حين انخفضت قيمة الإنتاج الزراعي الإجمالي في عام 1963، بالقياس إلى الأعوام: 1953,1959,1960,1961,1962. كما افتقر قادة الانقلاب، من سياسيين وعسكريين، [لبرنامج لإدارة البلاد أو الحكومة. فحسب ما يشير حنا بطاطو فقد انكبت القيادة الجديدة بالحماقات المتسرعة والسخافات المبتذلة كما انساقت وراء الأوهام والنزوات المتمثلة بالعداوات الشخصية، الارتجال والعفوية، التراكض وراء المناصب العليا والرواتب الضخمة. فافتقار الحزب لبرنامج محدد عمق معضلة النظام، التي أصبحت عملية حلها أو التصدي لها ميؤوساً منها. فبدلاً من هذا البرنامج امتلك الحزب عموميات أو أفكارعامة غير ناضجة، كانت بعيدة عن التفكير المنظم الواعي لأوضاع الحياة في البلاد وبكلمات أخرى، فالبعثي الذي يتصفح عبثاً أدبيات حزبه، سوف لن يجد تحليلاً موضوعياً لمشكلة مفردة، تكتنف أو تعالج مسيرة العراق... ] .
واستكمالاً لهذه المقارنة، يرى الأكاديميان بينروز بصدد آراء الزعيم قاسم ومعالجة أوضاع البلد: [... فمن الصعب أن ننكر، أن هذه الأراء، هي الأصلح للعراق مما كان يريده خصومه في فرض آرائهم على من يخالفونهم فيها. وكانت النتيجة خرقاً لما كانوا يدعون إليه. فكانت العواطف دائمة التكرار في خطب قاسم وفي دعوته للعراقيين أن ينبذوا خصوماته واختلافاتهم من أجل خير الوطن. كانت غريزة قاسم أصح من غريزة خصومه... وبالنسبة إلى الشؤون الداخلية، أبدى قاسم نظرة أكثر تقدماً من جميع أسلافه وخلفائه... وكانت أعماله تنسجم مع دعواته المتكررة والملحة إلى ضرورة الوحدة الداخلية في العراق... فقد كان دائم الاهتمام برفع مستوى الحياة للطبقات الفقيرة والضعيفة اقتصادياً وخاصةً في تحويل الصرائف إلى دور يتوفر فيها الماء والكهرباء... ].
أن توقف النمو المضطرد لواقع البناء الاقتصادي والذي تبينه الأرقام الصماء للناتج الاجتماعي الوطني، تؤشر بقوة الموضوعية، إلى نسب النمو المتقهقرة، والتي انعكست في تعمق قانون التفاوت الاقتصادي للطبقات الاجتماعية والمناطق الجغرافية؛ وازدياد عدد العاطلين عن العمل والمطرودين منه لأسباب سياسية؛ ونمو عسكرة البلد (ارتفاع نسبة العاملين بالمؤسسة العسكرية لكل ألف من السكان) حيث بلغت في حدود 11 %، في حين أن النسبة العالمية المعتمدة في الاوضاع غير الحربية لا تتجاوز 7%؛ كذلك إزدياد الهجرة غير الطبيعية من الريف إلى المدينة؛ وهروب رؤوس الاموال الوطنية والعقول العلمية نحو الخارج بسبب انعدام الاستقرار السياسي.
أن البيان وواضعوه أشبعوا الناس شعارات جوفاء لم تسفر سوى عن تعميق الاستلاب والاغتراب وزادها عمقاً الإرهاب المادي والمعنوي الذي أمسى هو الحالة العامة وليست الاستثنائية.. ولهذه الأسباب ولغياب البرنامج المحدد لتنمية البلاد، وانطلاقاً من ضرورة قيام الحكومة بإنجاز وظائفها الاعتيادية، استمر النظام الجديد بتنفيذ الخطة الاقتصادية التفصيلية لعهد الزعيم قاسم.
ومن العرض السابق للبيان الأول وطبيعة السلطة وممارستها، يمكننا القول أنها عكست السمات العامة للدولة البيروقراطية التسلطية والتي يمكن استخلاصها من مفهوم (القوة التسلطية) المستمدة من تنسيق البنى التحتية للمجتمع. بعبارة أخرى أن هذا المفهوم يعني ثلاثة أسس لا تستهدف العملية التنموية حسب، بقدر ما تستهدف إدامة نظام الحكم، وهي:
[1 - احتكار مصادر القوة والسلطة في المجتمع؛ (وهكذا تم اختراق المجتمع المدني)
2 - بقرطة الاقتصاد إما من خلال توسعه للقطاع العام (الأحرى الحكومي - الناصري) وإما بإحكام السيطرة عليه بالتشريع واللوائح (أي رأسمالية الدولة التابعة)؛
3 - كون شرعية نظام الحكم تقوم على القهر من خلال ممارسة الدولة للإرهاب المنظم ضد المواطنيين...]
وعندما ندرس من الناحية النظرية أدوات الحكم التسلطي التي هي:
[أ - النخبة المتسلطة (عسكرية ومدنية)، وفي بعض الحالات الحزب الحاكم؛
ب - التركيبة البيروقراطية - العسكرية للدولة؛
ج - البنى الموازية لنظام الحكم كالتضامنيات القبلية والطائفية والمهنية، أوالترتيبات غير المؤسسية كمجلس قيادة الثورة مثلاً، التي تعتبر امتداداً لسلطة الدولة؛
د - البنى المساعدة كالحرس الوطني والبوليس السري والمباحث والاستخبارات والميليشيات الطائفية أو القبلية.
إن هناك عنصراً إضافيا للدولة التسلطية في العالم الثالث وهو أن لها حضارة مميزة، وهي حضارة الطبقات الوسطى أو الحضارة الاستهلاكية. كما أن للدولة التسلطية بيئة مميزة هي بيئة المجتمع الجماهيري. وللدولة التسلطية كذلك نظام اقتصادي خاص هو النظام الرأسمالي التابع، وبمعنى أدق: رأسمالية الدولة التابعة... ].
وعند مقارنة هذه الابعاد النظرية بالممارسات العملية لحكومة انقلاب 8 شباط، نصل إلى أنها كانت سلطة تسلطية استبدادية.
وقد أعترف أحد أعضاء القيادة القومية بذلك، عندما وصف ممارسات الحكم آنذاك، بأنها قد اتسمت: [... بارتجال عجيب وترك للعناصر المستعجلة أن تستولي على اتجاهات بضعة ضباط هنا وهناك باسم الحزب؟ هيأ بعد ذلك لإنحراف خطير ظهرت آثاره بعد ذلك حين تولى الحزب الحكم في العراق وسورية.
لقد كنا نتخبط في التناقضات بسبب الخلافات الحزبية، كل ذلك كان يقتضينا في بحث النقطة الصغيرة غير المهمة ساعات وساعات من الجدل العقيم في جو من الاتهام والتهديد وإنهاك الأعصاب واليأس والرغبة في الخلاص من هذا كله. ويجب أن أعترف هنا بأنني كنت غريباً في مثل هذا الجو فقد قضيت زهرة سني حياتي في الحزب و لكنني لم أرَ مثل هذه الأجواء إطلاقاً كان السجن أهون عندي من النزول إلى هذا الدرك ولطالما فكرت بالاستقالة ... إن طابع حكم البعث كان طابعاً عسكرياً مباحثياً يستند إلى أجهزة القمع أكثر بكثير من استناده إلى ثقة الجماهير به وثقته بالجماهير، وبرغم أن الحكم كان ينادي بأنه حكم الجماهير وحكم العمال والفلاحين، كانت (الجماهير) تعيش في ظل حكم عسكري مباحثي وأن السلطة الحقيقة هي بيد ضباط الجيش والمخابرات.. وكيف يمكن أن يقتنع الشعب بأن هذا الحكم حكمه... وهو يعلم أنه ليس له طريق، أي طريق، لإيصال رأيه إلى الدولة فضلاً عن اشتراكه في حمل المسؤولية التي يتولاها بضعة عشر رجلاً في رأس الدولة، يأمرون وينهون في غرف مقفلة لا يطلع الشعب على ما يدور فيها إلا من خلال ما يصدر عنها من أوامر وتعليمات وقوانين... ]

الهوامش

- الموضوع مبحث مستل من الكتاب الثالث، من ماهيات سيرة عبد الكريم قاسم: عبد الكريم قاسم في يومه الأخير – الانقلاب التاسع والثلاثون، والمعد للطبع في طبعته الثانية المنقحة .
2- راجع د. عباس النصراوي، الاقتصاد العراقي: النفط. التنمية. الحروب. التدمير. الافاق. 1950 - 2010، ترجمة محمد سعيد عبد العزيز، دار الكنوز الادبية، صص 56 - 65

3- الاكاديميان بينروز، مصدر سابق، ص 454.

4 - د. خلدون حسن النقيب، الدولة التسلطية، مصدر سابق، ص 32 - 33.

5 -) منيف الرزاز، التجربة المرة، مصدر سابق، ص 39.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
nomak ( 2012 / 8 / 18 - 06:47 )
شكر خالص على المقال الرائع بأجزاءه الاربعة

و هل هناك تكملة لانتقاد الثورة و ما بعدها ؟
و هل ستنشر هذه المقالة في كتاب

مع الشكر الجزيل


2 - شكر
عقيل الناصري ( 2012 / 10 / 5 - 07:31 )
شكرا لك ايها العزيز
نعم سينشر بشكل كتاب بجزئين اذا كانت الصحة على ما يرام
وهو الجزء الثالث من ثلاثية اطلقت عليها أسم: عبد الكريم قاسم من ماهيات السيرة وقد صدر الكتاباتن الأوللان وحتى هذا الثالث صدر ولكن هذا المبحث هو منقح ومزيد
دما رفيقا للكتب

اخر الافلام

.. المدرجات تُمطر كؤوس بيرة في يورو ألمانيا.. مدرب النمسا يُحرج


.. لبنان يعيش واقعين.. الحرب في الجنوب وحياة طبيعية لا تخلو من




.. السهم الأحمر.. سلاح حماس الجديد لمواجهة دبابات إسرائيل #الق


.. تصريح روسي مقلق.. خطر وقوع صدام نووي أصبح مرتفعا! | #منصات




.. حلف شمال الأطلسي.. أمين عام جديد للناتو في مرحلة حرجة | #الت