الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألإنفعال يقطع ألاتصال بين العربي والإعتدال

سامي بن بلعيد

2012 / 8 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ألانفعال ظاهرةٌ عربيّةٌ مستفحلة منذ ألأزل جعل من العرب إسطورة تأريخية غريبة ألأطوار تعيش بين مدارت الحقيقة والخيال , وجعل حياتهم أشبه بأحلام نائمٌ لم يستيقظ من سباته أو كشاعرٍ هيمان لا يلوذ له العيش في أي زمانٍ ومكان

ألإنفعال جعل من الطبيب والمريض , العالم والجاهل , الرجعي والمنفتح , ألأب والابن , المرأة والرجل ... الخ يعيشون على صعيد واحد

شراكة إجتماعية ...نعم .. كوادر .. نعم ... ثورات .. نعم ... حراك ثقافي سياسي إجتماعي .. نعم ... ولكن النتائج عكسيّة ومأساوية ٌ تماماً

كان لي ولا زال ثلاثةٌ من ألاصدقاء
ألدكتورة أمل وألاستاذ أحمد والقاضي محمد

كُلٌ منهم يحمل من المعرفة ما يكفيه ويزيد

السيدة أمل _ دكتورة في الطب _ عقليّة متحررةٌ ونأشطةٌ نسوية في مجال حقوق المرأة
أ , دكتور أحمد _ أستاذ جامعي في مجال البحث العلمي _ ناشط سياسي يساري
القاضي محمد _ عضو في محكمة عليا _ يميل الى الليبرالية

جمعتهم لقاءات وحوارات ونشاطات وطنية عامة
وكان ألاختلاف هو السائد على طول الخط الى درجة ألإساءة في الغالب
فيتم التصالُح ألقصير والذي عادةٌ ما يتمم بالاختلاف الذي صار سيد الموقف

أتدخّل كصديق للجميع لأمر الصُّلح والمراجعة ولكن دون جدوى أو إمكانية للخروج مما يُعكِّر
الصفو بين ألاصدقاء المثقفين

حاولت ألإنفراد بهم واحداً واحد , كُنت التمس صداقة وحميمية عالية
وعندما أسأل الدكتورة أمل لماذ تجرحين كثيراً في أصدقائك ؟
وتقول لي لحظة ضعف غاب فيها عقلي

وعندما أوجه نفس السؤال للأستاذ الجامعي أحمد يرد عليا بنفس ألإجابة
وعندما أسأل القاضي محمد يأتيني من نفس ألإتجاه
وكأنهم متفقين ومدركين ما يقولوه إلاّ شيئ واحد كان الجميع يجهله وهو
لماذا يتكرر ذلك المشهد بإستمرار ؟

تؤكّد علوم الصحة النفسية إن الشخص المُنفعل عندما تأتيه حالة الانفعال والغضب
تحصل عملية فصل بين ألإنسان وعقله الواعي _ المحايد الذي يرى الحقيقة كما هي عليه في الواقع _ مهما
كانت درجة أهلية الشّحص

تلك المشكلة المحورية المكرّسة في واقع الانسان العربي لم تكن جديدة بل إنها نتاج لمخاض زمني طويل
ترتب عليه إندفاع ألانسان العربي نحو العاطفة والانفعال بعيداً عن مسارات العقل الواعي الذي يصنع المعرفة
وبالتالي أصبحت ألأُمةَ تتحرّك على عكس حركة الحياة الحضارية للشعوب برغم إنّها تقدّم من الاعمال المضنية
أكثر مما تقدمّة كثيراً من الشعوب الأُخري والسبب إنها تنطلق من ميادين العاطفة ومن ميادين لا تمُت بصلة
الى ميدانها الحقيقي ( كيانها الثقافي )

ونتيجة ذلك التراكم الذي ينتجه العقل المجتمعي _ ذاكرة المجتمع _ تظهر المفارقات المضحكة المبكية
التي تجعلنا مندفعين نحو الهدف بين مدافعين عن تراثنا وعاداتنا ومعتقداتنا او مدافعين عن آمالنا وطموحاتنا
ومستقبلنا وفي الواقع الملموس نحن نمثّل ألاراء والأفكار التي تدور في ذاكرتنا المجتمعية الجبّارة التي
نقدّم أنفُسنا ضحايا وقُرباناً لها

ومع ذلك فإن العقل الواعي قد لا يموت لدى فئةٍ من الناس في جزء مما يسميه فرويد العقل الباطن
وعندما يثور أولئك ألافراد ضد ما هو قديم وما تنتجه ماكنات العقل المجتمعي بجانبها السلبي يلقى
أولئك المميزين الكثير من الصد والعقاب والتعذيب الذي يصل الى درجة القتل

وأولئك المميزين أدركوا إن هناك عقل مجتمعي منفعل وقاهر وعقل واعي ينظُّر الى ذلك العقل ويهدف
الى التصحيح والتغيير وهذه المرحلة هي ما أسماها الجابري مرحلة التفكير بالعقل في العقل

والتفكير بالعقل في العقل يشكِّل نوعاً من إنعكاس الفكر على ذاته ... فتصبح الذات موضوعاً للبحث
الفكري المُمنهج بدل إن يكون الموضوع _ العقل الانفعالي _ ميداناً للعمل الفكري في الاحوال الموروثة

وهذا ألأمر يضعنا أمام لحظة مراجعة بالملكة التي تصنع المعرفة للملكة ذاتها كأداه لأنتاج المعرفة
ويكون ذلك أفضل بمليار مرّه من أن نجعل وسائل إنتاج المعرفة مجرّد وعاء يحفظ تأريخ وتراث الماضي
او يقلّد ألآخر وينقل عنه المعرفة دون تمحيص أو تبيئه تعطي العقل النقدي حقّه في التفكير والتحليل
ويبقي الجميع داخل دائرة الجمود المتحرّك بقوّة قاتلة

لأن كل الجهود التي تبذلها الشعوب ونخبها ستظل في عالم ألأماني والأُمنيات إن لم تقُم ثورة فكريّة قيمية
تقلب طاولة المفاهيم رأساً على عقب وتقوم بعملية تفكيك ممنهج مع إنتزاع كل بالي وسلبي وبطريقة مرادفة
تقوم بعملية بناء علمي وممنهج لكل جديد ... ما عدأ ذلك ستصبح جهود ألاستاذ أحمد والدكتورة أمل والقاضي
محمد سراباً يذهب مع أدراج الرياح وعلى نفس الطريق الذي تنحدر اليه الشعوب









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - موضوع مفصلي
نزار الحافي ( 2012 / 8 / 19 - 10:20 )
كل ما تيت اليه هو كلام صحيح ونعيشه كل يوم في حياتنا معا اصحابنا واهلنا ومدراء اعمالنا
ولتندني ثقافتي واعتمادي على ما اقرأه في معظم الحالات ولكن لا اخفيك ان موضوع مقالك قد اخذ من تفكيري حيز كبير وتساؤل دائم
عندما اناقش اي موضوع مع من هم غير العرب اجد انه يتناقش بهدوء وبدون انفعالات ولو اتى النقاش ضد ما يريد والنقيض يحصل دائما عندما تناقش العرب بغظ النظر عن المستوى التعليمي او الثقافي
تحليلي البسيط واللذي لا اجزم بصحته هو تراكم الثقافه من جيل الى جيل بالغرب واللذي يمتد في بعض حالاته الى قرون من الاسرالمتعلمه واللتي آثرت الاعتراف بالآخر وثقافته وحريته والتخلص من العبء الديني والتقاليدي والانفتاح على كل العلوم اللتي لا زال معضمها محرما في عالمنا العربي كتعليم الثقافه الجنسيه للاطفال وعلم الاستنساخ وعلم المواد الغذائيه المعدله وراثيا
في عالمنا العربي تجد دكتورا احد والديه او كلاهما لا يقرأ او يكتب نسبة الجهل لازالت عاليه جدا تصل في بلد كمصر 40 في المائه وعوامل الاديان والتقاليد الموروثه والعادات كلها عوامل توقظ عفريت الانفعال والتخلي عن الثقافه والعوده للموروث السيء


2 - ألأُستاذ الجليل نزار الحافي
سامي بن بلعيد ( 2012 / 8 / 21 - 05:17 )
أشكرك على هذه ألإضافة الثريّة والواقعيّة
التي أظهرت الموضوع بقوّة وهذا إنصاف أنا أحييك عليه
لا لإستحسانك للطرح فحسب بل لواقعيتك في التعاطي
لأننا في أغلب الحالات نجد الإستعلاء يلغي الإنصاف
وحتى لو طُرحت أي أفكار تستحقي المناقشة أو ألاعتراف
تجد ذلك صعب جداً بيننا كعرب فيفضل الناس الشرود عن ذلك
وكأن التوافق في ألآراء فيه شيئ من الاستنقاص للعربي
أُكرر شكري وتقديري العميقين لشخصك الكريم

اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح