الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية معلمة

سيمون نبيل

2012 / 8 / 19
التربية والتعليم والبحث العلمي


حكاية معلمة
كتبتْ لها الأقدار أن تعيش في مساحة جغرافية تصالحتْ عليها المصائب وسَخَت الطبيعة عليها بالنوائب . فمن الزلازل والبراكين خلال الأزمنة الغابرة إلى الفيضانات والأعاصير إلى شحّ في الثروات المائية في هذا الزمن التعيس التي هي إحدى نعم الإنسان المعمّر للكون . تلكم هي قصة معلمة قدمت من بقعة جادتْ عليها الطبيعة بالعطايا والمزايا في مدينة الدارالبيضاء الكبرى لتجد نفسها مرمية في أحضان جبال أيت عيسي الوعرة قرب مدينة الصويرة .منطقة شقت الطبيعة عليها وعلى ناسها البسطاء لاحركة إلا السّكينة والهدوء إنها أشبه بأرض مهجورة ومحاصرة بجدار صيني عظيم ،لا تسمع إلا أصوات حوافر البغال والحمير تتسلق أعالي الجبل بحثا عن نقطة ماء وسط مطفية تلفها العناكيب، وتحرسها الثعابين، وتلهو وسطها الذئاب ليلا ، كل يوم لا تطيق المعلمة أن تتحمّل المكان ،لا ماء عندها ولا كهرباء ولا زاد لتدويل معاناة الزمن ،ومع ذلك تجدها محبة لعملها ومتفانية فيه لدرجة الجنون .تكافح من أجل تلامذتها فهي لاتبخل عليهم بالعمل كل صباح ومساء ولا تحرمهم من العطف والحنان حتى من بعض القشفات أحيانا تعاملهم وكأنهم جزء لا يتجزؤون من ذاتها ، تعود كل مساء إلى بيتها الذي تكتريه وسط الدوار الصغير والذي هو أشبه بتكنة عسكرية مهجورة، تجمع ماتيسّر من ماء فتجدها وهي تقف أمام موقد الغاز تنتظر غليان الماء لتحضير الشاي لعلها بكأس مشحّرً قد تقايض قسوة الطبيعة ومعه قليل من الضحكات والقشفات مع نفسها لتنسيها كذلك مرارة واقعها التّعيس. كل يوم تعيش فصولا من القسوة والحرمان تارة برد وحر وتارة حنين لبيتها وأهلها وتارة ندم وحيرة على اختيار مهنتها وتارة طموح وأمل بتغيّر واقعها. وإذا ما هبّت عليها ريح في أحد ليالي البرد القارس تجدها مسكينة تجحط عينيها وتوقف شهقات صدرها من شدة الخوف. و إذا سمعت عويلا أو نباحا بالقرب من بيتها ينذر الرعّب في جسدها لا أحد يغيتها حتى وان كانت في أمسّ الحاجة إلى نجدة ، وفي اليالي العاصفية تسمع قرقعة أبواب بيتها المنكسّرة ونوافذها المتحطمة ،فيتساقط الغبار على فناء منزلها . تعيش وحيدة وكأن لعنة الأقدار حكمت عليها بذلك ، لاتكاد تبرح فراشها من قوة الخوف وشدته ومن هجران المكان الذي هو أشبه بروضة مهجورة أو بالأحرى غوانتنامو خليج كوبا، ترفض حتى الخلود إلى النوم طيلة الليل فتظل وهي تراقص أعصابها كان الله في عون معلمتنا وفي عون أناس أمثالها ... ترى فما هذا القدر اللعين الذي يلاحقها ؟ ومن المسؤول عن حالها وأحوال جميع المعلمين والمعلمات المنفيين في غياهب مغربنا الحبيب ؟ ففي الوقت الذي يجب أن تقدر وتثمن مجهوداتهم تجد وابلا من الشتم والسّب والنقد يتساقط عليهم ؟. وفي الوقت الذي يجب أن تسترد كرامتهم تجد ترسانة من المذكرات والاجرء ات والنصوص المتقادمة تتساقط عليهم كحجارة من سجيل؟ وترصد لهم أرقام خضراء للتبليغ عن سلوكاتهم وتحركاتهم وتغيباتهم ... فعلا إنه الغباء في مغرب يأخد بأيدي الجهلاء ويتخلى فيه عن الشرفاء والعظماء ،مغرب يكرّ م فيه المفسدين ويحاسب
النزهاء على حسن نزاهتهم .مغرب يحظى فيه الكبار بالإكراميات والعلاوات ويحظى فيه الصغار بمثل ما حظيت به المعلمة . فعلا إنها سياسة تكريس الجهل في بلد يغوص في الجهل من قدميه إلى أخمص رجليه, بلد تعيش ثلتي ساكنته داخل اقفاص فكرية ثقافية وعقلية ، ليس هكذا تجازى أسرة التعليم ياوزير التعليم وليس هكذا تورد الإبل .
سيمون نبيل بوليفارـ سلا ـ المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار