الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوضوح مطلوب ياريس

إكرام يوسف

2012 / 8 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على الرغم من اختلافي مع الدعوة للتظاهر يوم 24 أغسطس، لأسباب كثيرة ـ ليس من بينها بالطبع الرضاء عما يفعله، منذ خمسين يوما رئيس وصل إلى حكم البلاد بدماء شهداء ومصابي الثورة، أو بالأحرى مالم يفعله ـ إلا أن من ينكر حق مخالفيه في التعبير عن رأيهم سلميا، لا يمكنه أن يدعي إيمانًا بالديمقراطية. فلطالما خرجنا في احتجاجات، اتهمها البعض بالتطاول على الأب والرمز ـ صار بعد ذلك المخلوع، ثم المجرم المدان ـ وادعى آخرون أنها تهدف لضرب الاستقرار، وحرمها شيوخ أهدروا دماءنا باعتبارها خروجا على الحاكم!
لكنني لم أندهش ـ ولا شك أن كثيرين غيري لم يفعلوا ـ من فتوى الشيخ هاشم إسلام بإهدار دماء المتظاهرين ذلك اليوم. كما أزعم أنني، مثل كثيرين، لم أفاجأ بتأييد شيوخ آخرين للفتوى، مثل وجدي غنيم ـ الحاصل لتوه على عفو من رئيس الجمهورية ـ الذي زعم ان الله سينتقم من المعترضين على الفتوى لانهم يعارضون الحق! .. وعارض شيوخ الأزهر الذين انتقدوا صاحب الفتوى، مطالباً اياهم بنصرته قائلاً : "انصروا اخاكم يا ناس ..دقون إيه دى وعمم !ايه دى إذا ماكنتش هتقول كلمه حق"!
فلم تكن فتوى إهدار دم المعارضين خروجا عن سياق بدأ أيام الرئيس المؤمن، عندما طالب أحد علماء السلطان بتوقيع حد الحرابة على المتهمين، عقب انتفاضة يناير 77. واستمر في عهد المخلوع، ورأينا من يهدر دم الدكتور محمد البرادعي، باعتباره يدعو لعصيان حاكم، صار مخلوعًا بعد أشهر؛ وسرعان ما تسابق هؤلاء الشيوخ لاختلاق بطولات ـ لم يقترفوها ـ في مواجهة سلطان جائر!
واستمرارا لهذا المسلسل، نشطت حملات التشهير بالثوار عندما أصروا على استكمال ثورتهم مطالبين بعودة العسكر إلى ثكناتهم، وانهالت من فوق منابر المساجد على الليبراليين واليساريين منظمي المليونيات الرافضة لحكم العسكر، الاتهامات بالكفر والإلحاد، والوقيعة بين الجيش والشعب. ثم جاءت "غزوة الصناديق" تجسيدا لحملة تغييب العقل، وابتزاز المشاعر الدينية لدى البسطاء الذين صدقوا أن الدائرة الخضراء في بطاقة الاستفتاء تعني الجنة ولن يختار التصويت للدائرة السوداء سوى الكفار؛ فكان ما كان! وتتابعت انتهاكات الدين باستغلاله من أجل تحقيق مصالح سياسية دنيوية في انتخابات البرلمان، ولم يستح المتاجرون بالدين من تأجيج الاحتقان الطائفي، باتهام منافسيهم المرشحين بأنهم مرشحو الكنيسة! واشتد سعار الحملة في الانتخابات الرئاسية، فوجدنا شيوخًا لم يتورعوا عن استخدام منابر بيوت الله، في دعايات رخيصة، تتهم من لا يتخب مرشحهم بعصيان الله، ويتهددونهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، لأنهم كفروا أو ـ في أحسن الأحوال ـ عصوا الله، فاستحقوا غضبه. فمن تصريح لصفوت حجازي بأن "انتخاب الدكتور محمد مرسي جهاد في سبيل الله، ومن ينكر ذلك عدو للإسلام"! إلى فتوى الشيخ أحمد المحلاوى، بأن التصويت لمرشح الإخوان "وأجب شرعى ومن يخالفه فهو آثم"، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة من علماء الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية، معتبرين فتواه استهزاء بالمسلمين وسخرية من عقولهم، وأنها لا علاقة لها بالإسلام، إنما تمثل رأيا شخصيا!
فوصف الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، هذا الكلام بأنه بعيد كل البعد عن الإسلام، وإقحام للإسلام والدين "ظلما" . وأضاف: "أن يقوم إمام مسجد أو داعية كائنا من كان ويدعوا لشخص معين باسم الإسلام، فهو استغلال للدين وللإسلام، وسخرية من عقول المسلمين واستهزاء بهم"، محذرا المسلمين من هؤلاء الأدعياء الذين يدخلون فى الدين ما ليس منه.
وأكد الدكتور عبد المعطى بيومى ،عضو المجمع، أن انتخاب إنسان معين ليس فريضة إسلامية، وتجاوزه ليس إثما، وهذا توظيف للدين لتحقيق مصالح سياسية أو حزبية. ولا يجوز إصدار آراء باسم الدين".
واستشهد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بقوله تعالى "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون"، مؤكدا أن التأثير على إرادة الناخبين أمر محرم، ومجرم، فى الشريعة الإسلامية.
لكن آراء علماء الأزهر، لم تمنع خطيب مسجد قرية الشنطور بمركز سمسطا، من أن يصف، في خطبة الجمعة، من لم ينتخب مرسى بأنه خالف الشرع ، مما تسبب في مشادات بينه وبين المصلين؛ فأحالته مديرية أوقاف بنى سويف للتحقيق ونقلته لزاوية صغيرة بعيدا عن مقر سكنه؛ يمارس فيها دوره في تسميم أفكار البسطاء! ثم، بلغت الجرأة بخطيب مسجد الصفا بالإسماعيلية أن قالها صريحة خلال خطبة الجمعة أيضا: "من لا ينتخب الدكتور محمد مرسي كافر!!"
و مع استمرار هذا المسلسل، لن تكون آخر الإساءات للوطن والدين والديمقراطية والثورة، معا، مافعله خطيب مسجد فاطمة الزهراء بالإسكندرية؛ عندما استغل خطبة العيد للدعاية لرئيس الجمهورية متهما معارضيه بالكفر والإلحاد. وخص أحد الناشطين اليساريين بالاسم واصفا إياه بأنه "شيوعي وكافر وخمورجي وزير نساء"، ولما كان هذا الناشط ضمن المصلين في المسجد، حاول الرد على الخطيب مما أثار لغطا وتوترا بين المصلين، وقام البعض بتهريب الشيخ حتى لايتعرض لما تحمد عقباه وجاء خطيب آخر ليلقي خطبة العيد!
ولا شك أن كل ما سبق غيض من فيض؛ مجرد أمثلة لمن وضع فيهم البسطاء ثقتهم وأطلقوا عليهم أئمة وعلماء دين! بفضل كلمات الله التي يتقنون استغلالها، فلم تردعهم هذه الكلمات عن الإساءة للدين وتشويهه، واتخاذه مطية لفرض وصاية على عقول المصلين، وتوجيههم في سبيل تحقيق منافع سياسية وشخصية.
وحسنًا فعل مجمع البحوث الإسلامية، عندما أصدر بيانا ضد الفتوى، مؤكدًا أنها تناقض مبادئ الشريعة الإسلامية ولا سند لها من كتاب أوسنة.. وحسنا فعل علماء يحترمون دينهم، عندما نددوا بها. لكن غض الدولة الطرف عمن يستخدمون كلمات الله لتسميم عقول الناس ـ تارة بإشعال فتن طائفية، وأخرى لدعم السلطان ـ ينذر بمخاطر، تهدد الدين والوطن معًا. وصار مطلوبًا من رئيس الجمهورية شخصيا، إعلان موقف صريح، لوقف الاستغلال المهين للدين. عليه؛ وقد تعهد بالحفاظ على دولة مدنية، أن يحدد موقفه من استخدام منابر المساجد في الدعاية للناخبين أو تجريح المنافسين، وفي الترويج لقرارات الحاكم السياسية! على رئيس الجمهورية أن يوضح للجميع أنه لا يحتل منصبا دينيًا، وإنما هو ـ كما قال في خطبته بميدان التحرير ـ أجير عند هذا الشعب. استأجره الشعب لتدبير شئونه الدنيوية؛ لا ليقود طريقه إلى الجنة في الآخرة! عليه أن يفهم علماء السلطان أنه رئيس للجمهورية، وليس أميرًا للمؤمنين. وأن المصريين ليسوا مدينين بالسمع والطاعة، سوى للقانون الذي يقف أمامه الجميع سواء؛ الحاكم قبل المحكوم. عليه أن يفعلها قبل فوات الأوان؛ فقد يستفيد من هذه الفتاوى الآن، لكن ضررها سيكون أكبر غدا؛ لأن سلاح الدين في معارك السياسة، يفتح أبواب التلاسن باسم الله، والتكفير والتكفير المضاد. ولن ينج منه كل من يدعي لنفسه مرجعية دينية، سواء كان الحاكم أو الأحزاب الدينية، عند وقوع خلاف سياسي، يزعم كل من أطرافه أنه يستند إلى الشرع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال بات طرحه ضروريا
محمد البدري ( 2012 / 8 / 19 - 18:26 )
لماذا اصبح المشايخ اصحاب الفكر السلفي هم اجهل اهل الارض بامور الدنيا وحياة البشر. هذا السؤال اطرحه بمناسة متابعتي للقنوات الدينية حيث يجري عرض افكار هؤلاء الناس في برامج تدعي التقوي والورع فلا اجد سوي الغسيل الوسخ في كل اقوالهم. اليس هؤلاء هم من يتبعون السلف الصالح حسب اقوالهم. الامثلة كثيرة وارائهم تملا الشبكة العنكبوتية ومقاطع اليوتيوب.


2 - الشيوخ
كامل حرب ( 2012 / 8 / 19 - 21:18 )
اعتقد ان شيوخ الاسلام فى مصر ماهم الا سرطان خبيث ويجب التخلص منهم ,بالتاكيد مرسى العياط واحد من هذه العصابه الدجاله الكاذبه


3 - الوضوح مطلوب وإحترام خيارات الشعوب مطلوب
سامي بن بلعيد ( 2012 / 8 / 19 - 21:40 )
الواقع الشعبي مفتوح لمن يريد أن يعمل بإخلاص
الاسلام السياسي وصل الى الحكم نظراً لتقصير من يلجأؤون الى العويل
فيفترض هنا أن نلوم المقصرين الذين يكتفون باللوم وندب الحظ
أما أمر الوضوح فهو مستحب مع إحترام خيارات الشعوب


4 - خير خلف لخير سلف
حائر ( 2012 / 8 / 20 - 18:14 )
ما يفعله هؤلاء هو اقتفاء سلفهم خطوة بخطوة!

من بدء الخلافة،حيث تصارع القوم على السلطة ،ونفوا معارضييهم تاى الصحاري وكسروا اضلع اصحاب محمد!!!
لا جديد تحت شمس المتأسلمين!
والله الموفق

اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تستهدف أحد قادة الجماعة الإسلامية في لبنان


.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: نفذنا عمليتين بالاشتراك مع




.. تجربة المحامي المصري ثروت الخرباوي مع تنظيم الإخوان


.. إسرائيل تقصف شرق لبنان.. وتغتال مسؤولاً بـ-الجماعة الإسلامية




.. 118-An-Nisa