الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في البدأ كان الانسان ..

حسين الصالح

2012 / 8 / 19
المجتمع المدني


البارحة عدت بذاكرتي للوراء باحثا في دهاليز ذكرياتي العتيقة التي استفزها كاس من النبيذ الفرنسي العتيق لتترجمها اليوم اناملي في هذه الفلسفة الفضفاضة ,فحينها تذكرت انني تعلمت ان في البدأ كان ادم وحواء ومن ثم تناسلوا ليملئوا البقعة الزرقاء الباهتة التي نسكنها بالذرية .. وعندها تسائلت بعقليتي الطفولية الصافية هل هذا يعني اننا كبشر ننتمي جميعنا لنفس الابوين واننا اخوة !!! وعندها احسست بعذوبة وفرحة عارمة لم اعرف سرها في حينها ولكن عندها شعرت بان البشرية كلها اخوتي , وتسالئت في نفسي قد يكون سر هذا الشعو هو نابع من وحدتي منذ الطفولة , وبدأ خيالي يسرح بعيدا ويتخيل الاطفال الذين اراهم في افلام الاطفال اخوة لي خصوصا وانهم ينتمون لشعوب اخرى واشكال اخرى والوان اخرى ولغات اخرى .. وفي وقتها تسائلت هل يشعرون هم بما انا اشعر ام ان هذه التراهات من نزج خيالي الطفولي المريض ؟؟ وبعدها وفي قسوة وبرودة الحياة وشدتها تضائل هذا الشعور وكاد ان ينسني اياه الزمن .. هذا الشعور الذي جعلني اشعر بانسانيتي الاولى وبان بالبدأ كان الانسان ولا شيء قبل الانسان ..

اليوم وبعد ان فصل طويل من حياتي قد انقضى تيقنت اننا نحن كبشر ليس لنا الا ان طرح انفسنا كانسانيون .. فهي ليست صفة مكتسبة كباقي الصفات او انها عوالق ومخلفات حروب سلطوية دونما كونها هويتنا الحقيقية ..
فانا أأمن اننا كائنات تكون جزء من الطبيعة لا بل الكون باكمله وعليه فان مصنفنا العلمي في وسط زحام هذا الكون الكبير واللامتناهي بالنسبة لعقولنا على الاقل.. هو (( الانسان)) وكل التصنيفات الاخرى هي تصنيفات وضعية اوجدها الانسان نفسه منذ رحلة بحثه عن (السلطة) وتعقدت بعدها مع تعقد الحياة البشرية على هذه الكرة الارضية ..
فعليه فان الانسانية هي من يجب ان تكون اساس قيام الدول والاوطان واساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم والمواطن وشريكه الانساني , والانسان هو الغاية وليس الوسيلة ..
فبهذه الانسانية سيتخطى الانسان كل الحواجز الدنيوية التي وضعها عبر قرون طويلة من حياة الانسان على وجه البسيطة , فالانسان هو الموحد الوحيد للايدلوجيات المتصارعة فكما كان هو الاول فلابد له ان لايكون الاخير ..
توحيد الفكرة او الايدلوجية او الغاية او سموها ماشئتم هو الشاغل الاكبر وهو التسائل الاكبر قبل اي شيء .. فمحاولاتنا المستمرة في معاقبة شريكنا الانساني وتغيير قناعته لا بل تتعدى الى التسلط عليه وطحنه واستعباده ماهي الا مضيعة للوقت .. وهي لاتتعدى كونها اشباع لشهواتنا النفسية المريضة في الوصول (للسلطة ) التي حولتنا الى مجموعات مستذئبة تقتل وتسفك من اجل صفة سادية ترافقنا منذ الازل ..

ماذا لو وحدنا الهدف اليوم ؟؟ فعندها قد نجد اننا متشابهون جدا .. فالمذهبي والقومي والاثني والديني واللاديني واللاداري كلنا في سلة واحدة وهدفنا في الحياة واحد ..
ربما اشد الخلافات هي بين المتناقضين الديني واللاديني ولو سرحنا بخيالنا ابعد لوجدناهما متفقون على غاية واحدة وهي الانسان ..
فلو اخذنا البعد الفلسفي لكل الاحكام السماوية سنجدها تدور في فلك الانسان وليس طاعة الخالق والخوف منه كما صورته خزعبلات رجال الدين الطامحون للسلطة حتى وان لم يكونوا (ملوكا).. هل سال احد منكم ماذا اراد الله منه ؟؟
هل سيحتاج الله منه شيء ؟؟ ام ان الرب المطلق يتمتع باستعباد مخلوقاته ؟؟ بالتاكيد الجواب سيكون بلا وترافقها حيرة وخوف من هذا الكم الثقيل من كتب الموروث السلطوي وليس الديني .. فلربما ان الله اراد من مخلوقاته بكل بساطة ان يقدسوا ويعظموا الانسان وان يرأف القوي بالضعيف والانسان بالحيوان والنبات ومن ثم الطبيعة والبيئة والكون اجمع .. لان الله المطلق اوسع من يختزل بهئية انسان غاضب يعشق العقاب ..لان من يوجد كون بهذا الوسع لن يكون بالصورة الي صورها (رجال الدين) بل بالصورة التي ارادنا المطلق ان نفهمها ..
انا تعمدت ذكر البعد الفلسفي للدين .. لان النص المقدس بحد ذاته وبسطحيته قد يبين ان اساس الدين طاعة الخالق او الاله ولكن عندما نغوص اعمق الى غايات الرب او الله او الاله نجدها تزحف نحو غاية واحدة وهي ايجاد انسان سوي اخلاقي باعتبار ان الخالق الذي سيطاع هو المطلق حسب ماتذكره الاديان والمطلق هو الواجد للحياة وهو واجد الاول .. فعليه فان ارادته لن تكون مؤذية للانسان ولا لاي كائن اخر ... قد لا اكون دينيا ولكن ارى ان الله الذي صورته الكتب السماوية لنا قد اساء اليه من يدعون انهم رجال الله على مدى قرون من الزمان بتصويره لنا بتلك الصورة السطحية ..

فعليه اين التقاطع بين اللادين والدين لو اخذنا بهذا البعد الفلسفي للدين . .. هل سنختزل الله بشرب الخمر او نوع اللباس والماكل ؟؟ هل سنختزل واجد الكون الذي لم يشعر بوسعه احد من هؤلاء المتغطرسين في مصافحة المراة او تقبيلها ؟؟ فمن اين وكيف عرفنا صورة الانسان السوي عند الله ؟؟ وماهو مقياس الاخلاق عنده ونحن لم نتعب حتى انفسنا بمعرفة فلسفة الرب !!! كل مانجحنا به هو تقديس ماولدنا عليه ليس الا , فنحن اليوم كما وصف القران اسلافنا اهل جاهلية رغم "علمهم" !!! واتمنى ان لايفهم المتن على انه تشكيك بالرب ولا بدينه وانما هو تشكيك ونقد لرجال الدين وموروثهم وترسانتهم الكتبية ..
ولو عدنا للاديني فسنجد ان هدفه او فلسفته ستصل لنهاية واحدة كشريكه الديني بجعل الانسان غاية يعمل على اسعادها و راحتها وتشذيبها من العوالق اللا اخلاقية التي ترسبت فيه عبر قرون الصراع نحو السلطة ليخرج بنا بانسان مدينة الفلاسفة الفاضلة .
وهذا التوافق لن يتم الا بفصل القناعة عن السلطة فلطالما يظل الديني واللاديني يفكران بالسلطة لفرض السيطرة على الاخر وارغامه فلن يشعر اي منهما بالمسمى الانساني الذي يجمعهما وسيستمران بحروبهم الاهلية ... والامر يسري على المذهبيين والمتصارعين من اجل القومية او الاثنية ... الخ " فكلها حروب سلطة وليست حروب الله "
المشكلة ان الاسان يجب ان يفهم ان الرسالة السماوية ليست تفضيل من السماء الى الشعوب المنزله عليها وليس المذهب الفلاني افضل واعرف بالله من الاخر ..
فنجد ان تلك الشعوب تعتقد انها وحدها من رأت الله وعندها تنهال تسميات مثل شعب الله المختار او شعب الجنة وهو الشعب الذي يعتقد بانه مهما فعل فان شفاعة نبيه ستدخله الجنه او الشعب الذي يعتقد ان ابن الله لن يتخلى عنه وخلاص البشرية سيكون بخروجه .. وفي الواقع انهم ابتعدوا كثيرا عن مصنفهم الكوني الذي اوجده لهم المطلق الذي يؤمنون به الا وهو " الانسان " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأنسان
اكرم زكي ( 2012 / 8 / 19 - 19:36 )
كثر الأفكار إنتاجا للنصوص هي أبسطها تكوينا ولكن تم تعّمد تغليفها بكم هائل من الشروح والحواشي وتعليقات على الحواشي بغرض إستخدام هذه الأفكار ذات التأثير الكبير لخدمة مصلحة حيازة السلطة فدائما ابحث عن السلطة تجد منبع كل الشرور يسيل منها ومن هذه الأفكار فكرة الدين


2 - في بالبدء هو انت
حسين الصالح ( 2012 / 8 / 19 - 20:54 )
بالفعل عزيزي وصديقي اكرم هذا التعمد في اضفاء الغموض وتصعيب فهم الصورة على المتلقي الذي حرص عليه جند الله خلق طبقتين من البشر الاولى الدارية العارفة بتلك الخبايا والثانية تلك التي ليس لها سوى طاعة الطبقة الاولى وهي بدورها تعتبر جند رجال الدين التي تعبد الطريق نحو السلطة ..تحياتي صديقي شكرا لك

اخر الافلام

.. أوروبا : ما الخط الفاصل بين تمجيد الإرهاب و حرية التعبير و ا


.. الأمم المتحدة: دمار غزة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية ا




.. طلاب جامعة ييل الأمريكية يتظاهرون أمام منزل رئيس الجامعة


.. مقتل عدنان البرش أحد أشهر أطباء غزة نتيجة التعذيب بسجون إسرا




.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟