الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نتحرر من أوهامنا؟

داود روفائيل خشبة

2012 / 8 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



كل شىء فى التراث الإسلامى محاط بقدسية تجعل من الصعب جدا الاقتراب منه بموضوعية وعقلانية، فى حين أن المقاربة الموضوعية العقلانية ضرورة إذا كان لنا أن نحيا حياة إنسانية يحكمها العقل. وفى اعتقادى أن التحرر من قبضة المعتقدات التى تحول دون إخضاع تراثنا لضوء التفكير العقلانى يتطلب أن نعتاد المقاربة التاريخية للموضوعات. أقصُر الحديث هنا على التراث الإسلامى لتبسيط الأمور، لكن تراثنا المسيحى، والقبطى الأورثوذوكسى على الأخص، لا يقل عن تراثنا الإسلامى جمودا وبعدا عن العقلانية.)
تعالوا نجرب أن نقوم بتجربة لإلقاء نظرة موضوعية هادئة على إسهام الإسلام فى الحضارة الإنسانية. فى القرن السابع الميلادى كان الفارق الحضارى بين قبائل شبه الجزيرة العربية وشعوب البلاد التى تحيط بهم فارقا شاسعا. كانت القبائل العربية شديدة التخلف تنظيميا وحضاريا وفكريا بالمقارنة لشعوب الشام وفارس ومصر وبيزنطة. وجاء محمد، ولا شك أنه كان شخصا فذّا، وكان قد اتصل، فى رحلات التجارة، ببعض تلك الشعوب المتقدمة واستوعب شيئا من ثقافتها. ربما يكون ما استأثر باهتمامه بادئ الأمر هو تميّز العقيدة الموسوية على عقيدة قريش وبقية القبائل العربية، فأخذ يدعو قومه إلى اتباع عقيدة أكثر نقاء. لكنه بعد أن اضطر للهجرة إلى يثرب (المدينة) رأى أنه يستطيع أن يجمع تلك القبائل ويوحدها وينظمها، وعلى هذا فإنه حين نقل نشاطه إلى يثرب تغلـّب الهم التنظيمى عنده على الهم العقائدى. ونجح محمد فى أن ينتقل بالقبائل العربية نقلة هائلة وأن يصنع منهم نواة دولة. وتطلعت الدولة الوليدة للتوسّع فى الأقاليم المحيطة بها. وكان مما ساعدها على تحقيق تطلعها أن تلك الدول ذات الحضارات العريقة كانت قد تهرّأت وأصابها وهن الشيخوخة وأنهكتها الصراعات فيما بينها، فاستطاعت القوة الفتيّة المفعمة بحماس عقيدة جديدة أن تـُخضع تلك البلاد دون عناء كبير. وليس ذلك بمستغرب ولا هو بالشىء الفريد. فكثيرا ما نجد فى تاريخ البشر جماعات متخلفة أو حتى شبه بدائية تجتاح بلادا أكثر تقدما وتقيم إمبراطوريات شامخة. ولما استقر العرب فى تلك البلدان المتقدمة لم يجيئوا معهم بنظم للحكم ولا بمؤسسات خاصة بهم، ولا هم ابتدعوا مثل هذه النظم والمؤسسات، بل حكموا بالنظم والمؤسسات التى وجدوها فى تلك البلاد، باستثناء بعض المظاهر السطحية والتسميات الشكلية التى لا تمس الجوهر. وانبعثت فى تلك البلاد بين أبنائها وعلى أساس مقوّماتها الأصيلة حيوية جديدة، وانطلقت إلى إنجازات حضارية كانت مواصلة واستمرارا لتراثها التليد. وإذا استعرضنا بضعة القرون الأولى من المد الإسلامى لوجدنا معظم علماء ومفكرى وحتى فقهاء تلك الحقبة من أبناء تلك الحضارات العريقة، وإن كان من الطبيعى أن يلحق بعض النابهين من العرب بالركب.
هذا إطار تخطيطى لانطلاقة الدولة الإسلامية، أقدمه دون أن أدعى أى تبحّر فى دراسة التاريخ عامة أو التاريخ الإسلامى خاصة. إنما غرضى من عرض هذا الإطار هو أن أقول إننا أحوج ما نكون إلى النظرة التاريخية الموضوعية، فتلك النظرة التاريخية الموضوعية لنشأة الإسلام وللتاريخ الإسلامى هى وحدها الكفيلة بأن تحررنا من الأوهام والأكاذيب التى تستعبد وتكبّل عقولنا. ومن المؤسف أن تلك الأوهام والأكاذيب رسخت واستقرت وأصبحت مسَلـّمات لا تـُساءل ولا تناقش، بل أصبحت مجرّد محاولة الاقتراب منها تـُعَدّ جريمة تترتب عليها تبعات خطيرة لمن يجرؤ على القيام بالمحاولة. وأطفالنا يلـَقـّنون تلك الأوهام والأكاذيب منذ نعومة أظفارهم فتصبح قيدا على عقولهم يسلبهم حرية التفكير حتى إن لم تقيَّد تلك الحرية بقيود ظاهرة.
كلمة أخيرة لأولئك الذين يحاولون العمل على تحرير العقول بكشف ما فى تراثنا الدينى والثقافى من أشياء تجافى العقل وينفر منها الحس السليم. إن العمل فى هذا الاتجاه لا يأتى بثمرة، فالذين صاغ ذلك التراث عقولهم وشكـّلها يرفضون هذه المعالجة ولا يفتحون لها عقولهم. فإذا أردنا أن نكسبهم للعقلانية علينا أن نروّض عقولهم على التفكير العقلانى الموضوعى دون أن نصدمهم مباشرة فى معتقداتهم التى رضعوها مع لبن أمهاتهم. ولنذكر أن التحرّر من سطوة العقيدة الدينية فى الغرب الأوروپى بدأ بما يسمّى النقد الأعلى للكتاب المقدّس، وهو نقد يقوم على دراسة تاريخية علمية وثائقية هادئة رصينة فعلت أكثر مما فعلته حتى أعمال ڤولتير وغيره من فلاسفة التنوير.
القاهرة، 19 أغسطس 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماذا يعني هذا
نيسان سمو ( 2012 / 8 / 19 - 20:13 )
هل تقصد بشخصية محمد كرجل ذكي وشاطر واستطاع ان يستغل الظروف لصالحه ؟؟ هذا ليس عيباً ولا خطاً طبعاً ولكن اين النبوة في هذا ؟؟ كل الاحترام


2 - بالوهم تريد أن تتحرر من الوهم
سامي بن بلعيد ( 2012 / 8 / 19 - 21:14 )
المشكلة إن الوهم الذي تتحدّث عليه له وجود في الواقع
والحقائق العلمية المنطقية التي تتحدّث عنها غير موجودة في الواقع
لأن أصحابها مجرّد ظاهرة صوتية نسمع لها جعجةً ولا نرى طحنا
الاسلاميون تمكّنوا من السيطرة على الواقع بفعل تقصيركم واعمالكم العاطفية المُجرّدة التي لا تمس الى الواقع بصلة
أنتم بحاجةٍ ماسّةٍ الى التغيير العقلاني الواقعي الممنهج
داواد روفائيل : إحترامي لجنابك


3 - الاسلام منهج كامل للحياة
سلامة شومان ( 2012 / 8 / 20 - 08:21 )
الاسلام هو الحرية الحقيقية ولكنها حرية مقننة بالمشرع خالق الكون
فهناك امور كثيرة تحث المسلم على الحرية ولكن اى حرية ؟هذا هو مربط الفرس
هل تكون حرية على حساب العقيدة وثوابت الدين التى لاتتغير ولاتتبدل حتى قيام الساعة
هل يستطيع الابن ان ينتسب الى اب اخر غيرك
فالامر هنا لايحتاج الى نقد ولا تغيير ولا فقه ولا تجديد الخ
وهناك امور دائما يجوز فيها الحوار والتغيير وهى امور ليست ثوابت وهى تتغير وتتبدل حسب حاجات الناس وهى امور فقهية لمحدثات الامور
وكل هذا موجود فى التشريع الاسلامى
فالاسلام يحث على العمل والاجتهاد والابداع والابتكار والنهوض بالمجتمعات وايات عديده تبين هذا الامر- وقل اعملوا-هل يستوى الذين يعملون والذين لايعملون-وهل يستوى الذين يعلمون والذين لايعلمون
عمل وعلم-وروج الجماعة وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان-واعدوا لهم ما استطعتم من قوة -كيف يكون الاعدادالا بالعمل والجهد والابداع
الاسلام دين ودولة عقيدة وحياة منهج كامل شامل متكامل لايعوزه الا التطبيق لكى يفيد البشرية
وليس دين كهنوتى فالقران جاء دستورا ومنهجا للحياة

اخر الافلام

.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم


.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو




.. 70-Ali-Imran


.. 71-Ali-Imran




.. 72-Ali-Imran