الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الدين ضرورة حضارية

داود روفائيل خشبة

2012 / 8 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين له جانبان، جانب ذاتى باطنى، وجانب موضوعى ظاهرى. الجانب الذاتى الباطنى ليس هو ما يعنينى الآن. فى الجانب الموضوعى الظاهرى هناك طقوس وشعائر وعبادات وعقيدة، والعقيدة فى جوهرها منظومة فكرية، وهذا تحديدا ما أريد أن أتحدث عنه الآن.
أى فكر يقبل تأويلات متباينة، وأى فكر لا بد من أن يتجسّد فى صياغة لفظية، أى فى كلمات، والكلمات فى مسار الزمن يلحق بمعانيها حتما التحوير والتعديل، تفقد حتما بعض تداعياتها وتلحق بها حتما تداعيات جديدة. هكذا تتعدّد بالضرورة أوجه فهم العقيدة لا من جيل إلى جيل فحسب بل وأيضا بين أفراد الجيل الواحد. هذا يستوجب – حتى من وجهة نظر أكثر معتنقى العقيدة تشدّدا – خضوع العقيدة للمناقشة الحرة إذا ما كان أصحاب العقيدة يحرصون على أن يكون اعتناقهم لعقيدتهم ينطوى على شىء من الفهم، والبديل عن ذلك أن يتحوّل اعتناق العقيدة إلى ترديد آلى لأصوات صمّاء لا تحمل معنى. فالحرص على بقاء العقيدة حيّة فى ضمير معتنقها يستوجب أن تكون منفتحة للمساءلة والمناقشة والنقد.
من ناحية أخرى، كل صاحب عقيدة يعلم ان هناك من البشر من يعتنقون عقائد تختلف وتتعارض مع عقيدته. وفى عالمنا الذى أصبح، شئنا أم أبينا، وحدة مترابطة، متكاملة، متفاعلة، وإن يكن هذا الترابط والتكامل والتفاعل ليس بعد على النحو الذى يرجو المخلصون للإنسانية أن يكون عليه، إلا أنه واقع بكل ما فيه من خير وشرّ. وهذا الوضع يحتم أن تتجاور هذه العقائد المتباينة وأن تتلاقى. فهل يمكن أن تتجاور هذه العقائد دون أن تتحاور؟ وإذا كان كل من هذه العقائد يزعم لنفسه أنه يملك الحقيقة وأنه وحده على صواب وكل من عداه على خطأ، ألا يؤدّى بنا ذلك إلى أن تتناحر هذه القائد المختلفة، وبدلا من أن يقود تقارب الجماعات البشرية إلى تعاونها على خير البشرية يكون على العكس من ذلك سببا فى زيادة ما يعانيه البشر من ويلات؟ أم نتوافق على أن تتقوقع كل جماعة على ذاتها؟ ألا يعنى ذلك أن تقنع البشرية بتجميد عقلها؟ وإذا سمح بعضنا لأنفسهم بنقد عقائد الآخرين كيف يمكن ألا يعترف للآخرين بنقد عقيدته؟ ألا يؤدى ذلك حتما إلى صراع بينه وبين أولئك الآخرين؟ إذا كنا لا نريد لا أن نقمع عقولنا ونقيم من حولها السدود والحواجز ولا أن نعود إلى ما تجاوزته الإنسانية من الحروب الدينية فلا مناص من أن يباح انتقاد الدين، كل دين.
إلا أنى أعود فأقول إن هذا الاعتبار على ما له من أهمية كبرى ليس هو المبرّر الأهم للقول بأن نقد الدين ضرورة حضارية. المبرّر الأهم هو ما ذكرته من قبل. حيث أن العقيدة الدينية هى فى الأساس منظومة فكرية فإن كرامة الإنسان، وامتلاك الإنسان لإنسانيته كإنسان، يحتم أن يُخضع عقيدته للمساءلة والتمحيص العقلانى. فنقد الدين جزء لا يتجزّأ من حرية الفكر التى بدونها لا تكتمل إنسانية الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انهم يقفلون عقولهم
ِمشش ( 2012 / 8 / 22 - 09:05 )
هذا الموضوع مهم جدا ولكني اجد دائما ان اصحاب العقائد الدينية لا يستعملون عقولهم مطلقا بل انهم مصرون على الايمان الاعمى والمتوارث بالطقوس والعادات وهذا لا يشمل الغير متعلمين منهم بل وحتى المثقفين والذين يحملون الشهادات العليا انهم يقفلون عقولهم عندما يتعلق الامر بنقد الفكر الديني ويحاولون التملص من اي نقد موضوعي وجاد


2 - نقد الدين ضرورة حضارية
يساري سابق ( 2012 / 8 / 22 - 20:31 )

بل نقد وتفنيد ودحض الاديان هو واجب مقدس يعلو ولا يعلى عليه

اخر الافلام

.. الشقيران: الإخوان منبع العنف في العالم.. والتنظيم اخترع جماع


.. البابا فرانسيس يلقي التحية على قادة مجموعة السبع ودول أخرى خ




.. عضو مجلس الشعب الأعلى المحامي مختار نوح يروي تجربته في تنظيم


.. كل الزوايا - كيف نتعامل مع الأضحية وفكرة حقوق الحيوان؟.. الش




.. كل الزوايا - الشيخ بلال خضر عضو مركز الأزهر للفتوى يشرح بطري