الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار أملاه الحاضر 2

عبد المجيد حمدان

2012 / 8 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حوار أملاه الحاضر 2
تسييس الدين وتحفيز العلمانيين
ونعود لنتابع من انقطع من حوارنا ، الذي قدمنا جزأه الأول في الحلقة السابقة . فيها أشرنا إلى الحديثين " اسكن حراء فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد " منسوبا لابن عباس ، وأيضا لأبي هريرة ، و" اثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان " منسوبا لأنس . قلت لمحاوري : قبل جهود تيارات الإسلام السياسي الأخيرة ، والمحمومة ، لتسييس الدين ، ما كنت ، مثل كثيرين غيري كما أظن ، لا أعير اهتماما ، من حيث الصحة وعدمها ، لهذين الحديثين . والآن وقبل أن أعرض عليك رأيي ، أسألك : ما رأيك أنت في هذين الحديثين ؟ قال : أما وقد وردا في الصحاح فكيف سيكون لي فيهما رأي ؟ قلت : ألا تلاحظ التناقض بينهما ، وفيهما ؟ قال : بلى ، ولكن ما الذي يمكن قوله . هما صحيحان . قلت إذن دعنا نناقشهما عقليا لنكون رأيا حول صحتهما من عدمها . وأضفت هذا ما جلبتموه على أنفسكم ، حين غيرتم نهجكم ، ودخلتم من بوابة الديموقراطية .
قلت : حراء كما تعلم في مكة . هو الجبل ، واسمه جبل النور ، الذي يقع فيه غار حراء مكان تعبد النبي ، وغيره من الأحناف قبل النبوة . وهو جبل وعر المسالك ، كتلة صخرية ، يصعب السير عليه . الرواية تقول أنه كان مع النبي كل المبشرين بالجنة ، عدا أبي عبيدة . وكان أجدر أن يكون الراوي أحد هؤلاء ، وكلهم معروفون بقوة الذاكرة ، وسلامة الحفظ . أما أحد فيقع قرب المدينة ، وهو أقل وعورة من حراء ، والسير عليه ممكن . وقلت لمحدثي : دعني أعرض لك رأيي في نقاط ، بغرض التسهيل على غيرنا ، وخصوصا على القارئ .

1. ما لا يجوز إغفاله من أي مسلم ، يقرأ هذا الحديث ، ويؤمن بصحته ، والإيمان كما تعلم يتطلب أول ما يتطلب ، عدم إعمال العقل ، أن خمسة من هؤلاء التسعة المبشرين بالجنة ، والذين كانوا ، حسب الحديث ، بصحبة النبي على حراء ، ماتوا قتلا وهم : عمر ، عثمان ، علي ، طلحة والزبير . وأما أبو بكر فالروايات التاريخية تؤكد أنه اغتيل بالسم ، والنبي يؤكد في أكثر من حديث ، أن قتيل السم شهيد . والحديث يقول أن واحدا فقط من هؤلاء الستة شهيد . وبما أن الحديث ورد في مناقب عمر ، فيكون بداهة أن عمر هو المقصود بالشهادة . ويبرز سؤال : هل النبي ، وفي هذا الحديث ينفي صفة الشهادة عن علي ، وعن عثمان وعن الزبير وطلحة ، وقبلهم وبعدهم عن أبي بكر ؟ قال : ليس ثابتا أن أبا بكر مات مسموما فلماذا حشره في هذا الأمر ؟ قلت يبدو أنك لم تقرأ الحديث الثاني جيدا ، ولذلك اسمع .
2. الحديث الثاني يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحدا ومعه أبو بكر وعمر ، فرجف أحد ، فضربه النبي برجله وقال :" اثبت أحد فما عليك إلا نبي وشهيدان " . إذن هنا يقرر النبي شهادة أبي بكر ، مؤكدا صحة الرواية التي تقول أنه مات مسموما ، وكان شاهدا على حادثة تسميمه ، الحارث بن كلدة ، طبيب العرب ، الذي كشفها ، وراح ضحيتها معه ، بعد أن أكلا معا من نفس الطعام المسموم ، الذي قال فيه ابن كلدة ، بصفته طبيب ، أن به سم سنة ، وأنهما سيموتان معا ، بعد سنة ، وهكذا كان . مات الاثنان بعد سنة وفي نفس اليوم ، كما تقول الروايات التاريخية . قال محدثي : في الحقيقة لم يخطر ببالي قراءة الحديث من زاوية النظر هذه . قلت إذن دعنا نتابع .
3. هذا يقودنا إلى موضوع المعجزات . فحين يرتجف جبل بحجم أحد ، ولا يحس بالرجفة غير النبي ، فهذه معجزة . وحين يرتجف جبل ، بدون حدوث زلزال ، ومن دون سائر المنطقة من حوله ، فهذه معجزة ثانية . وحين يقوم فرد ، إنسان ، حتى ولو كان نبيا بمخاطبة جبل أصم ، وتسكينه بضربة من رجله ، فهاتان معجزتان ، ثالثة ورابعة ، وهنا يتوجب السؤال؟ : هل كان النبي صاحب معجزات أم لا ؟
4. قال محدثي : المتفق عليه أن معجزات النبي ، ومعجزة الإسلام ، اقتصرت على القرآن ، ولم يأت النبي بغيرها من المعجزات . قلت : ولكن أي مستمع لأحاديث رمضان ، من كبار العلماء والدعاة ، يصك أذنيه كم كبير من هذه المعجزات المنسوبة للنبي ، والتي يقطع قائلوها بصحتها ، عارضين السند تلو السند لها ، ومنها أحاديث ، كهذين الحديثين . قال : أنا لا أعتقد بورود معجزات غير القرآن . قلت هذا يضعنا أمام أكثر من معضلة .
5. أولها إن قبلنا بإتيان النبي للمعجزات ، كما في هذين الحديثين ، فذلك يعني أن الآيات القرآنية العديدة ، التي تؤكد على رفض طلب المشركين بالإتيان ، ولو بمعجزة واحدة ، قد تم نسخها جميعا . أي بقيت قراءة ونسخت حكما . وفي القرآن تبرير منطقي جدا لرفض الإتيان بهذه المعجزات ، وبالأساس لأن المشركين ، كما فعل من قبلهم ، لن يؤمنوا بها . الرفض جاء عندما كانت هناك حاجة ، أي تقديم الدليل للكفار ، وبالتالي إمكانية جذب بعضهم للإيمان . والتغيير ، إن حدث ، جاء عندما لم تكن هناك حاجة . بعد الهجرة ، وبعد أن أعز الله الإسلام بكثرة المؤمنين بالرسالة ، والانتصارات المتتالية على الكفار . وهذه المعجزات ، التي لم تكن لها حاجة موضوعية ، لم تثبت إيمانا ، كان متزعزعا عند أحد . والسؤال الذي لا يقترب منه القائلون بحدوث تلك المعجزات : ماذا كان الغرض منها إذن ؟
6. وثانيها ، في حال قبلنا بإلغاء هذا التعارض مع القرآن ، ، أي بقبول عدم صحة هذين الحديثين ، والأحاديث الأخرى المشابهة ، ألم يكن أجدر بفقهاء المسلمين وأئمتهم تنزيه النبي عن هكذا فعل ، ودفع الاتهام بالتدليس ، الذي تحمله الأحاديث المشابهة لهذين الحديثين ؟ فما معنى ما أقدم النبي عليه في هذين الحديثين ؟ الشعور برجفة الجبل التي لم يشعر بها صحبه ، مخاطبة الجبل ، وهو صخر أصم ، وضربه برجله ، واستجابة الجبل بالسكون ؟ ما معنى ذلك ، غير التدليس على من معه ، وإيهامهم بحصوله على قوى خارج نطاق القدرة البشرية ، رغم أن ذلك لا يقدم ولا يؤخر تجاه إيمانهم به وبنبوته ورسالة الإسلام ؟
7. المسألة الأخرى مسألة معرفته بالغيب التي أشبعناها بحثا في الحلقة السابقة . نعيد طرح السؤال : هل كان النبي يعرف الغيب ، وعلى عكس ما يقرر القرآن في آيات عديدة ، أم لا ؟ حسم هذه المسألة ضروري . وهذا الحسم يغير كثيرا فيما يقدم للمسلمين على أنه الدين ، وهو ليس من الدين في شيء ز والأهم أنه يحسم الكثير من الخرافات والخزعبلات ، التي يتم حشو العقل المسلم بها ، والتي غدا الأطفال ، الهدف الأول لها .
8. ثم ألا يشم قارئ هذين الحديثين ، حين يضعهما الواحد بجانب الآخر ، الرائحة السياسية التي تفوح من ثناياهما ؟ ألا يرى كيف أن الحديث الثاني حاول رتق العوار الصاخب في الحديث الأول ؟ فالثاني أقصر الرفقة مع النبي على اثنين ، هما عمر وأبو بكر ، وشمل الاثنين بالشهادة ، مثبتا ، كما أشرنا وفاة أبي بكر بالسم ، في حين وسع الحديث الأول هذه الرفقة إلى تسعة منهم ، واستثنى الخمسة الذين ماتوا قتلا من هذه الشهادة . وأعيد عليك : أبو بكر ، عثمان ، علي ، طلحة والزبير . وإذا قبلنا هذا الحديث ، وقبلنا بعدم شهادتهم ، وبالتاي ، خروجهم من التبشير بالجنة ، أفلا يغير ذلك الكثير والكثير في الدين ؟؟
9. أخيرا أسألك : كيف يصح للمسلمين ، مع تصديق هذين الحديثين ، إضفاء القداسة على المبشرين بالجنة ، بعد أن أخرجهم الحديث الأول منها ، بإنكار الشهادة عليهم ؟ قال : لا ، هذه لا أسمح لك بها . فقدسية الصحابة ، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون ، أمر لا يقبل النقاش . قلت : لست أنا من يشكك فيهم ، ولكنكم أنتم من تفعلون ذلك . فعل ذلك البخاري ومسلم ، وأصحاب الصحاح الآخرين ، وفعله الأئمة الذين ثبتوا هذه لأحاديث في كتبهم للحديث . وفعل ذلك الفقهاء ومن أصحاب المذاهب ، والأئمة السابقون ، ويفعل ذلك الآن الإمام ، والداعية والواعظ ، الذي يخرج علينا بالقول بقدسية السنة الصحيحة ، الثابتة في كتب الصحاح . فعل ذلك كل من يقول بصحة هذين الحديثين ، ولا يتدبر المعاني التي ينطوي عليها كل منهما . احتد محدثي قائلا بأنه لا يقبل باستمرار الحوار في هذا المجرى ، ولا يسمح بالمس بقدسية الصحابة ، وحيث تشخيصهم في المسلسلات التلفزيونية ، يشكل أقصى درجات المس بهذه القدسية . قلت أحترم مشاعرك . ودعنا ننتقل للنقطة الأخرى ، الأهم من وجهة نظري .
10. لكن قبل المغادرة تجب الإشارة إلى حقيقة تقول ، أنه لو تم الحسم في مسألتي المعجزات ومعرفة الغيب ، لتوجب على الفقهاء والأئمة والدعاة ، إحداث الكثير من التغيير على خطابهم . ويترتب على ذلك ، لو حصل ، تخليص الدين ، وإراحة المسلمين ، من الكثير من الخرافات والخزعبلات ، التي تضر بالدين، وتعبث بعقول المسلمين . والجزء الأبسط يتمثل بحرمان أكثرية الدعاة والوعاظ من أسباب رزقهم . ولا أظن أن أحدا منهم يمكنه أن يضحي بمثل هذه المصلحة . أما صحة الدين ، وعقل المسلم ، فهي خارج تلك الحسابات .
وللحوار بقية . مع منظومة القيم والمثل والتربية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا