الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النوم كغاية يومية

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2012 / 8 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


النوم حالة شبه نباتية، تتسم عادة بالسلام والاستسلام، وفيها لذة ونشوة كبيرة، وهي أيضا حالة من اللاغاية أو اللاغرض.

وقد تتخلل الغفوة يقظة من حلم تأملي محايد أو حلم جميل مرفه أو حلم مقلق منغص، لكن شغل النوم يبقى تنقية العقل الباطن مما لوثه خلال اليوم، واستغلال حالة استسلام الجسم والعقل أثناء النوم لعمل كل ما يمكن لدعم العقل والروح والجسم وإراحتهم، كما في النباتات، كل العمليات تسير للحفاظ على ازدهار النبات وجعله في أفضل حالة، فلا غاية ولا فكرة تعطل ذلك بخلاف حالة الإنسان الذي ينشغل خلال يومه بما يقلق عقله وروحه ويمتهن جسده.

إن انسحاب الإنسان أثناء نومه إلى الحالة النباتية يعيد "الإرادة الحقيقية" للإنسان - والتي يكبحها بمشاغله أثناء صحوه- إلى وظيفتها الأساسية والضرورية، دون عوائق خارجية، ودون استنزاف لقواها في التفكير والقلق، فتتوجه كامل جهود هذه الإرادة أثناء النوم إلى ما يشبه إجراء عمليات الصيانة والشفاء، ولا عجب أن عمليات الشفاء والتعافي يحدث جلها أثناء النوم.

فإذا كان النوم هو الموت اليومي وكان الصحو هو الحياة اليومية، فإن ما يجعل الموت أكثر سلاما ورفقا وهناء هو أن لا يحمل إليه الإنسان من الحياة ما يثقل الكارما من الآثام، فعذاب الضمير يقلق، والتقصير يقلق، الانشغال بالغد الذي لم نعمل له يقلق، والقلق أيا كانت أسبابه ينغص النوم "الموت اليومي"، فإذا ما جعلت النوم الهانئ الممتلئ بالسكينة والسلام والسرور هو غايتك، لم تشتغل أثناء صحوك بما يجعلك تحمل القلق إلى الليل ولا تحظى بغايتك، فتتجنب العداوة، وتتجنب الانشغال بالكراهية، وتتجنب ما قد يجر عليك الشعور بتأنيب الضمير.

ولا تظن أنك بجعلك من النوم غايتك اليومية ستصبح كسولا، بل على العكس، لأنك ستسعى إلى إجهاد نفسك بما عليك فعله كي يتسنى لك أن تنام جيدا، وستسعى إلى أن تتمم ما تستطيع إتمامه كي لا يعيقك عن النوم قلقك مما فاتك أو خوفك على غد، وستحاول أن تبقي ذهنك صافيا ونقيا من الكراهية والأحكام لأن امتلاء ذهنك بهذه الأشياء سيعيقك عن النوم أو سيجعل نومك حافلا بالكوابيس.

ستدرك إذا ما جعلت النوم غايتك النومية أن الصواب هو ما يجعلك هادئ البال ولو جرمه الجميع، أما عن القلق المتعلق بالخوف على الأحباب، والتحرق لتصويب خلل وظلم، فقد آن لك أن تدرك أن القلق لا يفعل شيئا لمصلحة الأحباب ولا يسير بك خطوة واحدة في سبيل تحقيق العدالة، بل إن من يصحو بعد نوم هانئ هو أقدر على الفعل الخيّر والمنتج، ليحظى ليلة بعد ليلة بنوم هانئ، أو إن الموت الهانئ يجعلك أقدر على الفعل حين تنهض من سباتك بعد الموت.

لكل ذلك يمكن للموت الهادئ المتنعم الهانئ المتحرر من الكارما أن يكون هو الغاية أثناء الحياة، دون أن يمنع ذلك الاستمتاع بالحياة، فالاستمتاع بالحياة لا يتنافى مع سلك طريق اللاأذى الذي لا تتلوث طالما سلكته.

وعلى المستوى اليومي، يمكن للنوم الليلي الهانئ الحر من القلق أن يكون هو الغاية اليومية لك منذ اللحظة التي تصحو فيها مسرورا بعد ليلة هانئة، متحررا من القلق والحقد، متشوقا ليوم جديد، دون أن تمنعك غايتك من أن تستمتع بيومك وتجعل صحوك احتفالا يوميا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تدريب يومي
سليم ( 2012 / 9 / 17 - 14:57 )
يشكل النوم بروفة يومية تختصر عمر الانسان في يوم ...وهي من خفايا علم الارقام انعكاس الواحد في القانون السباعي .. ان الطمأنينة اثناء النوم عندما يكون الضمير مرتاحا تشبه الى حد كبير الطمأنينة التي يكتسبها الانسان عندما يموت حقا ... عندها سيعيش في النعيم وهذة هي رمزية الجنة في الاديان اما ان الموت مع الاف المشاكل النفسية والمشاعر السلبية والبقاء تحت رحمة العقل تنقل الانسان الى مكان اقرب الى الجحيم وهي حالات غير مفهومة على المستوى المادي ..مقال جميل صديقي

اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا