الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(( الدين )) الفطرة و الحاجة

سلمان مجيد

2012 / 8 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ان ابسط تعريف للدين : بانه مجموعة من المعتقدات التي يعتقد بها الفرد ، و المتعلقة بالكون و العالم و الحياة ، وحتى و بالفرد ذاته ، و ان تلك المعتقدات انما هي تاتي عن مصدرين : الاول / العامل الخارجي ، و الذي يتمثل بالافكار و الطقوس و المعتقدات بشكليها المعنوي و المادي و بالرموز و الاشياء التي يتم تقبلها من الخارج عن طريق ( النبي ) او ( الرسول ) ان كان دينا سماويا ، او من قبل اشخاص كالفلاسفة او المصلحين او السحرة او المدعين ، ان كان دينا ارضيا ( اي دينا بدائيا او وثنيا ) و هناك عاملان يجعلان الفرد يتقبل هذه الاديان ، الاول / يتمثل ( بالفطرة ) و الثاني ( الحاجة ) ، فالفطرة هي حالة داخلية ، يجد الفرد نفسه تميل نحو شئ ما ، كان ماديا او معنويا ، دون ان يدرك بشكل واضح سبب هذا الميل ، بل يجد نفسه مندفعا نحو هذا الشئ بمجرد ظهوره ، او علامات ظهوره ، وان لم يظهر ، فانك تجده مشتتا و مبعثرا في حياته ، وخاصة الروحية كانه التائه الذي يبحث عن ضالته ، و قد تظهر هذه المظاهر من خلال هواجسه و احلامه الليلية . اما العامل الثاني / الذي يجعل الفرد يتقبل ( الدين ) هو الحاجة ، مادية او معنوية وهي اقرب الى المفهوم الطبيعي او الاقتصادي للحاجة ، فالحاجة (( هي كل شئ يرغب الفرد في الحصول عليه ، بصرف النظر عما اذا كان هذا الشئ ضارا او نافعا ، ممنوعا او مسموحا به من النواحي كافة ، و الحاجة هي اسا سا حالة نفسية ، يشعر الفرد بموجبها ميلا نحو شئ ما ، من اجل القضاء على الاحساس بالالم )) ، و بالعودة الى ( الفطرة ) كعامل من عوامل بحث الفرد او تقبله للدين لابد ان يكون هناك فعل حيوي يكمن داخل كيان الفرد ، يجعله يتقبل الاشياء ، واني اجد ان العقل هو مكمن لتلك الفطرة التي تعمل على تقبل شئ ما ، لانها تتعلق بالعاطفة ، و العاطفة جزء من العقل ، وليس التعقل بالرغم من ان التعقل هو حصيلة فعل العقل ، لان عملية التعقل ليست متطابقة في جميع العقول ، والا لوجدنا عملية التعقل ( اي موقف العقل من موضوع ما ) ستكون متطابقة في جميع عقول البشر . و الدين حتى يكون حالة فطرية لابد ان يلبي شيئا او اشياء معينة في كيان الفرد ، وما الفطرة الا تلك الوسيلة لتحقيق ذلك الشئ ، وقد يكون ذلك الشئ هو الخوف ، و الخوف يتولد عن المجهول ، ولكن ليس كل مجهول يستدعي الخوف ، فهناك مجهول يمكن ادراكه من خلال التصور ، مع انه ليس كل شئ قابل للتصور ، حتى لو تم بالعقل ، ف ( الله ) سبحانه و تعالى ، نحن ندركه بالعقل ، و لكننا غير قادرين على تصوره ( اي تحديد صورة او هيئة له ) مع ان بعض الفرق و الاديان يتصورون ان ( لله ) هيئة صورية ، ومنهم المجسمة و المشبه ، وهؤلاء موجودون في بعض الاديان ، وحتى السماوية منها ــ و اني من الذين لا يعتقدون بذلك ــ لانه ( ليس كمثله شئ ) و قد يظهر هذا الموقف ( اعني التجسيم و التشبيه ) باجلى صوره في الاديان الارضية غير السماوية ، و التي تعمل على تجسيد من يعتقدون بالوهيته ، بصنم او وثن . ومع ان الخوف جزء من فطرة الانسان ، الاانه ليس المسؤول عن الشعور بضرورة الدين ، و الا كيف بقت الحاجة الى الدين ، بعد ان تشتت مخاوف الانسان من الظواهر الطبيعية التي كانت تثير مخاوف الانسان قديما ، و كانت سببا لظهور معتقدات دينية ، كعبادة الشمس و القمر .... وغيرها ، حيث اصبحت الان تمثل متعة له ، تستحق ان يصرف المال و الجهد و الوقت للتمتع بها ، كثوران البراكين و الزلازل و هيجان البحار و الاعاصير و التقرب من الكواكب البعيدة و النزول على القمر و اخيرا انزال مركبة على سطح المريخ لترسل من هناك صور لما يحيط به ومنها الارض . و الفطرة لابد ان تلبي حاجة حقيقية ، والا ما هي ضرورتها ، وهل ان الفطرة شئ افتراضي ؟ ان الفطرة حقيقة موضوعية ، والا لاصبح الانسان هو هو متطابقا مع اي انسان اخر ، و لضاعت حقيقة التنوع ، الذي يعد ابرز سمات الحياة ، وحتى تكون الفطرة الدينية حالة موضوعية ، لابد ان تكون قابلة للانتقال خلال الاجيال ، ومن شخص الى اخر ، هنا يتبادر السؤال التالي ، هل للوراثة دخل في ذلك ؟ و ما هو الوسط الذي تمر عبره الخصائص الوراثية ؟ ام هناك شئ اخر ؟ قد يساعد على هذا الانتقال ، وان وجد هذا الشئ ، فلا بد ان يكون موجودا في كيان كل البشر على حد سواء ، اليس بالامكان ان يكون ( الماء ) هو الوسط الناقل لتلك الفطرة ، لان المعتقدات الدينية ترى بالماء اساسا لوجود الحياة ، كما جاء في القران الكريم (( .. وجعلنا من الماء كل شئ حي .. )) اية (30 ) من سورة الانبياء ، وحتى العلم ــ مؤخرا ــ يبحث في فرضية ، بان الماء يمتلك خاصية نقل خصائص الاشياء التي يمر بها ، او تمر به كالاحداث و المشاعر ، سلبية كانت ام ايجابية ( يرجى الرجوع الى موضوع سابق في الحوار المتمدن بعنوان ــ الماء و طبائع البشر ــ ) حيث يشار فيه الى احتمالية ان يكون للماء قدرة على نقل خصائص الاحداث و الاشياء و الاحداث و الافكار و المشاعر ، التي عايشها او عايشته ، اذن الايمكن ان ( الله ) سبحانه وتعالى وهو خالق ( الماء ) بان يجعل منه رسالة للبشر و لسائر المخلوقات الاخرى ، التي يكون الماء اعلى نسبة من تركيبها البايولوجي ، لكي يتاثروا بمن اوجده و اوجدهم ففي الايتين ( 16 و 17 ) من سورة ( الجن ) المباركة ، و الواردة في القران الكريم ، قد تلمح فيهما اشارة لدور الماء في حدوث ردود فعل عند الانسان ، فهو قد يكون ( فتنة ) و اليك الايتين : (( وآ لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا )) (16) (( لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا )) (17) ، انه مجرد افتراض . و من مظاهر التعبير عن الفطرة ، حالة ( التفلسف ) التي خلقت مع الانسان ، من خلال و ظيفة ( العقل ) و المتمثلة بالتساؤل و السؤال عن الكون المحيط بذلك السائل ( الانسان ) و من اوجده ، وما يثبت هذه الفطرة ( فطرة التفلسف او التسآؤل ، ما ورد في القرآن الكريم عندما بدآ النبي ابراهيم (ع) ــ قبل معرفته بالله سبحانه و تعالى ــ و بمعنى القرآن : يقلب وجهه في السماء ، باحثا عن من يستحق العبادة ، كآن يكون القمر او الشمس او اي كوكب اخر ، ولكن افولهما الذي يعبر عن العجز و الاحتياج و النقصان ، جعله ينفر منها جميعا ، حتى استدل عن ما يبحث عنه ، بعد ان اطمآن قلبه ، بآن جاء باربعة من الطير فصرهن اليه ، ثم دعاهن فجاءته سعيا . اما ان يكون الدين حاجة ، اولا / ما هي الحاجة ، غير كونها مطالب جسدية و روحية و نفسية ، تحتاج الى ان تطمآن ، فان من خصائصها ــ حسب المفهوم الاقتصادي ــ انها متعددة و انها قابلة للاشباع و انها متجددة ، هل يعني هذا ان كل خاصية من تلك الخواص ــ حتى تلبى ــ ان يكون لها ( دين ) خاص بها ؟ ان كان هذا حاصل ، عندها ستتعدد الاديان بعدد هذه الحاجات ــ ان ذلك موجود فعلا بالنسبة للاديان الوثنية ــ فهناك اله للحرب و اله للحب و اله للجمال و اله للمطر .... الى غير ذلك ، و ان كان كذلك ، فهل سيتم الاستغناء عن ( الدين ) او الالهة ، ام يتآجل دورها الى حين تجدد تلك الحاجات ــ باعتبار انها متجددة ــ وهذا الاحتمال غير وارد البتة ، وخاصة بالنسبة للاديان السماوية ، لانها باقية على عكس الديانات الوثنية ، فكان البدوي قبل الاسلام يآكل الالهة المصنوعة من التمر ــ عندما يجوع ــ على ان يصنع له اله اخر ليكون جاهزا لوجبة اخرى ، و كذلك بني اسرائيل ايضا طلبوا من نبيهم القثاء و الفوم و البصل ، مفضليها على ( المن و السلوى ) الذي هو الاعلى ، على الادنى الذي طلبوه ، او ان تكون الحاجة للولد ، كما جاء في القران الكريم ، عندما طلب ( زكريا ـ ع ـ ) ان يكون له ولد ، كذلك ( ابراهيم ـ ع ـ ) الذي بشر بالولد ، فكان ( اسماعيل و اسحاق و يعقوب ) ، او طلبه بان يكون ذلك البلد امنا بالارزاق و الطيبات ، مع ان ذلك البلد ليس بذي زرع ، وكان طلب الماء بين ( الصفا و المروة ) معاناة و مشقة ، كل تلك مطالب و بشارات ، لاشك ان للدين دور في تحققها ، حيث يمثل ضرورة لها ، وان هذا لايقتصر على المطالب ، او ما تحدث النفس به ، كرغبةاو حاجة بل يصل الامر الى القبول بالتخلي عن ما يقع في النفس كموقع القلب من الجسد ،فهذا ( نوح ـ ع ـ ) يتخلى عن ولده ، ليغمره الموج ، لانه اصبح ليس من اهله ، او استجابة ( ابراهيم ـ ع ـ ) لرؤيا يجد نفسه فيها وهو يذبح و لده ( اسماعيل ـ ع ـ ) ، او ان تكون الحاجة لمائدة ، كما طلب ( عيسى ـ ع ـ ) من ربه ان ينزلها ، استجابة لطلب تلاميذه لكي تكون له و لحواريه عيدا . ان كل هذه المطالب و الحاجات و البشارات التي طلبها انبياء الله ــ وبعد تحققها ــ ما زادهم الا تمسكا بدين الله ، الذي يؤمنون به ، اذن المطلبين ، الفطرة و الحاجة يكمل احداهما الاخرى ، وليس ذلك فقط بل انهما وجدا سوية مع وجود الخلق ، ولو لم تكن هاتان منسجمتان ، او تكمل احداهما الاخرى لما استقر قوام الانسان على حال واحدة في مواقفه من ( الدين ) ، ولو كانتا ( اي الفطرة و الحاجة ) مستقلة الواحدة عن الاخرى في ضرورة ( الدين ) لاصبح هناك اديان متعددة ، بعدد تلك الحاجات ، ولاصبح الصراع بين الاديان على اشده ــ مع ان الصراع حاصل فعلا بين الاديان القائمة ــ الا اني ارى ان هذا الصراع القائم حاليا ، ليس بين اصل او جوهر الاديان ، و خاصة السماوية ــ لان جوهرها واحد ــ بل الصراع قائم على المصالح غير الدينية ، و انما على المصالح الدنيوية ، من سياسة و اقتصاد ، مغلفة بلبوس ( الدين ) ، منها مثلا في عصرنا الحالي ، منطلقات الحركة الصهيونية في صراعها مع الاخرين ، كذلك توجه الادارة الامريكية في عهد ( بوش الابن ) ، و قديما الحروب الصليبية ، التي تمثل ذروة الصراع بين الشرق و الغرب ، ذا المظهر الديني ، الذي يضمر الاغراض السياسية و الاقتصادية ، اضافة الى كل ما تقدم ، هناك من يرفض الدين ممن لا دين لهم ، و اجد من يدعي هذا ما هو الا تعبير عن حالة من حالات ( الانفصام ) الفكري ، الذي يتجسد بشكلين : الاول / يتمثل ب ( النفاق ) الذي يظهر صاحبه ما لا غير يبطنه ، او يبطن ما لا يظهره ، وان هذا النوع من البشر قد تم توصيفه في القران الكريم بكل وضوح ، و حتى ان هذا يظهر في الحياة العملية ، من خلال التعامل اليومي بين البشر ، في السياسة و الاقتصاد و الاجتماع . و النموذج الثاني / يتمثل بفقدان الحالتين ( الفطرة و الحاجة ) مما يجعل شخصياتهم و كياناتهم الاجتماعية و النفسية و الطبيعية ، و كانها تنتمي الى نوع اخر من البشر ، بعاداتهم و تقاليدهم و سلوكهم ، الذي يعد خروجا على المآلوف ، مبررين ذلك بانه تجديد ، مع انه يعتبر نكوصا عن ذلك التراكم الحضاري ، في جانبيه الاخلاقي و الاجتماعي ، الذي ناضلت البشرية على مدى تاريخها ، من اجل تآصيل الاخلاق و القيم السامية ، التي توحد البشر بالوانهم المختلفة ، فتجعلهم نسيجا متجانسا ، يرنو الى ( الله ) بعين الحب و السلام ، لا ان تصبح البشرية شكلا هندسيا ، بزوايا حادة متباعدة بين اسوار و قلاع الحديد و الصلب ، مستنشقا ما تنفثه قاذفات القنابل النفاثة من عوادمها ، دخان اسود يزكم الانوف ، و مقتاتا على المعلبات المشبعة بالمواد الحافظة ، و المسببة بنشر السراطانات بانواعها و خاصة لدى الاطفال الصغار ، و من المباركين لهذه الصورة ( الشوهاء ) كالذين يدعون الى عبادة الشيطان ، او بعض الجماعات الغريبة التي قد يصل الحال بها ــ احيانا ــ الى تنظيم عمليات الانتحار الجماعي ، كما تم الكشف عنه في امريكا قبل اكثر من عقد من الزمن ، و لا شك ان هذا الامر قد يحدث مجددا ، ما دامت القيم الاخلاقية ذاتها . فالذين يدعون بان ( الدين ) لا يمثل ( فطرة و حاجة ) ، دعواهم هذه تمثل الدليل العقلي على عكس ما يدعون ، لانه فلسفيا يمكن القول : (( ان العجز عن تصور حقيقة الشئ الذي قام الدليل العقلي على وجوده ، لا ينافي الاعتقاد بوجوده )) . و الدين كحاجة يساعد العقل على ترتيب اولياته ، مهما كانت بسيطة او معقدة ، و التي لا يعترف البعض بها ، لانهم يقيسون الاشياء حسب مقاساتهم ، لا على اساس ( الفطرة ) التي تعد من الاشياء المشتركة بين البشر ، مما يجعلها مع ( الحاجة ) مكملان لبعضهما ، لتكتمل صورة الانسان المتوازن بين العقل و العاطفة ، اضافة الى ان الحاجة للدين لا تقتصر على المطالب الروحية و الاستقرار العاطفي ، بل تصل حتى الى الحاجات المادية ، و هنا لا اعني ان يطلب تنزيل الخيرات المادية من المعبود ، بل الوصول الى المبادئ العملية التي تعمل على تنظيم الحياة المادية للعابدين ، ونحن لا نجد دينا من الاديان لا يدعو ـ مثلا ـ الى الصدق و الامانة و عدم الغش في المعاملات المادية و عدم الاعتداء على المال العام و على الناس اجمعين ، و الا ما وجدنا هذه الصروح التي تمثل رموزا مادية و معنوية لهذه الديانةاو تلك ، حيث تظهر خلال مناسبات معينة يتم فيها تلبية احتياجات البشر المادية ، الا ان المشكلة تكمن ليس في ذلك ، بل باتخاذ البعض ــ قلوا او كثروا ــ من القيمين على تلك الديانة او غيرها ، في تصريف تلك الممارسات لصالحهم ، دون النظر الى مصلحة الاخرين و المجتمع بوجه عام ، وهذا يظهر في الديانات كافة ، دون استثناء وخاصة في الديانات الوثنية ، حيث يعملون على تاصيل بعض الطقوس الى حد القدسية ، لكي تصبح حارسا داخل نفوس التابعين على مدى الزمن ، و قد تصل البعض من هذه الطقوس حد الاستهانة بعقل ابسط انسان ، كما هو الحال في بعض الديانات في الهند و غيرها من بلدان جنوب اسيا و شرقها ، كنظرة الهندوس في تقديسهم ( للبقر ) الذي يحرم المساس بها ، فحسب البديهيات الاقتصادية ، انه لو تم تقليص عدد الابقار في الهند الى اي نسبة ( تشاء ) لادى ذلك الى رفع مسوى الاستثمار في هذا المجال الى مستويات مذهلة ، و كذلك البعض الذي يقدس بعض الحيوانات ( كالفئران ) او غيرها ، و التي ليس فقط تعد استهانة بالعقل البشري ، بل عملية الغاء له ، و التوهان في انفاق و جحور تلك الكائنات ، التي تنبعث منها رائحة العفن الذي هو ــ لاشك ــ من تعفن عقول الذين جعلوا هذا الامر سنة يسير عليها الاحقون . كذلك يعد الدين تعبيرا عن الحاجة الى ( النظافة ) ، ليس فقط للجسد بل للروح ايضا ، ومع شحة الماء و ندرته في بعض الاماكن ، فقد شرعت معظم الاديان و خاصة السماوية منها ، باتخاذ الماء ( طهورا ) و لعدة مرات يوميا ، حتى تتهيآ الروح لتسرح في ملكوت الله . و الملاحظ ان الاديان بصورة عامة تركز على الجانب الروحي ، مرجحة له على الجانب المادي ، مع عدم اغفال التوازن بينهما حسب الظروف ، بشكل يعد اكثر احتراما للمادة عن ماهو موجود في كثير من الافكار عند كثير من الانظمة و المجتمعات متخلفة كانت ام متحضرة ، ــ و اني افهم هنا الفرق بين المفهوم العام للمادة عن المفهوم المعرفي و الفلسفي المتخصص ــ فنرى من خلال بعض الامثلة ، كيف ان بعض المجتمعات تحط من قدر المادة ، بل تجعلها مصدرا للسوء ، فتعمل على الاستغناء عنها ، او عدم الاكتراث بها ، ففي رواية ( شمران الياسري ــ ابو كاطع ــ الرباعية ) حيث يستعير ( الشيخ ) ذو المكانة المعنوية العالية عند عشيرته و الاخرين ، يستعير حذاء( قندرة ) الراعي ــ لانه لا يمتلكها ــ من اجل الذهاب الى المدينة ، لقضاء امور تخص اهل العشيرة ، السؤال هنا ، الم يكن للشيخ مصدر من المال ؟ الجواب كلا ، له و انه مصدر كبير ، الا ان وظيفته الاجتماعية تحتم عليه ان ينفق كل المال الذي يصل اليه ، لدعم مكانته الاجتماعية في نظر عشيرته و العشائر الاخرى ، مثال اخر عن استهانة المجتمعات ( المتخلفة ) للمادة ، ففي بعض القبائل البدائية في افريقيا ، تنظم مناسبات موسمية ، توقد فيها النيران لكي ترمى الاموال و المقتنيات الثمينة فيها ، حتى يحوز المكانة المعنوية و الاجتماعية الائقة من يلقي في النار الاكثر من الاموال ، مع انه قد يكون اصبح اكثر فقرا من افقر فردا في قبيلته ، ومثال اخر عن الاستهانة بالمادة و المال ، ففي العرف العشائري في العراق ، يتحتم تقديم الطعام في مناسبات معينة ، بكمية لا تستوعبها بطون المدعوين ، بل حتى دود الارض غير قادر على تحليل الزائد من ذلك الطعام ، على مدى حين من الزمن ، فترى اثاره باقية ، تنبآ بانه قد كان هنا وليمة قد حصلت قبل حين . اخيرا ، اني لاعجب من الذين يعممون التاثير ( السلبي ) لبعض الاديان و المعتقدات الدينية على ( العلم و تقدمه ) دون البحث عن الاسباب الحقيقية لذلك التاثير ، ولا ننكر ان لبعض رجال الدين ــ من كل الاديان ــ و بعض الفرق الدينية و ما تحمله من عقائد ــ لا الدين كجوهر انساني فطري ــ لهم دور سئ على العلم و العلماء ، ولنا في محاكم التفتيش و الكنيسة في القرون الوسطى ، المثال الاوضح في اضطهادهم للعلماء و تحريقهم و اتلاف اثارهم العلمية ، و لكن هناك وجها اخر للحقيقة ، يؤكد على عدم صدقية هذا الربط ــ دائما ــ او التعميم ، بين الدين و تخلف الامم ، ففي احد مراحل الحقبة العباسية ، حيث اوربا كانت تائهة في ظلماتها و الشرق كان يتفجر علما و معرفة ، في الطب و الفلسفة و البصريات و الكيمياء و الرياضيات ... الى غير ذلك الكثير من فروع العلم و المعرفة ، و لا اعتقد ان مسلمي هذا الزمان اكثر التزاما بالدين من مسلمي ذلك الزمان ، حيث كانت ــ انذاك ــ اماكن العبادة كانها جامعات هذا الزمان ، ا وان تكون اماكن الدراسة هي اماكن للعبادة ايضا ، فهذه المدرسة المستنصرية و المدرسة النظامية و جامع القيروان ..... وغير ذلك الكثير و المنتشرة في معظم البلاد الاسلامية انذاك ، حتى كانت على مشارف غرب اوربا في الاندلس ، وبمحاذاة جنوبها في قبرص و صقلية و الى اصقاع الشرق الممتدة بين البحار و السهول و الجبال ، في الهند و الصين وغيرها ، ومن معالم تلك المرحلة نبوغ الفلاسفة و العلماء الموسوعين ، كابن رشد و الفارابي و الكندي و الزهراوي وجابر بن حيان و اخوان الصفا و ابن خلدون و غيرهم الكثير ، وعدد كما تشاء ، حيث كان هؤلاء يؤلفون نسيجا متناغما من العلم و المعرفة و الايمان ، كل يتفاعل مع الاخر اتفاقا و اختلافا ، بابهى صور الانسانية ، جعلت الغرب ينبهرون بهذا الاشعاع ، الذي استحوذوه لانفسهم ، بعد ان انطفات شعلته في الشرق ، بفعل الغزاة البرابرة و المتعاونين معهم من طلاب المال و الحكم . فاذن لابد من ان يكون هناك سبب اخر لتخلف الامم في النواحي العلمية ، وقد يكون لبعض مدعي ( الفهم بالدين ) اثر في ذلك التخلف ، فانهم الغوا العقل الذي يعتبر من اهم الركائز التي يعتمدها ( الدين الحق ) ، فهناك مقولة عقائدية مفادها ، بان ( الله ) سبحانه و تعالى عندما يخاطب ( العقل ) يقول له ــ بما معناه ــ بك اجزي و بك اعاقب ، انظر كيف اعطى ( الله ) العقل تلك المساحة من الحرية التي لم يعطيه اياه اي مدعي الحرية و الديمقراطية ،من انظمة او افراد لا في حاضرنا و لا في ماضينا و حتى في مستقبلنا القادم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدين الموضوعي ودين الذات
مصعب عبد الماجد محمد علي ( 2012 / 8 / 23 - 12:05 )
يمكننا ان نصفة بانة منتوج الظروف الاجتماعية والثقافية التي تطرا علي المجتمعات سوي كانت تخدم مصالحنا المادية او الروحانية ,وانة يمثل نصا محوريا والشئ الثاني لا يمكننا ان نصف الحضارة العربية الاسلامي بانها حضارة النص لان النص وحدة لا يمكن ان يشكل حضارة .وان الدين عندما يكتسب بالفطرة لا يخدم الاغراض النص المحددة وانما يتحول الدين الي عادات وتقاليد اجتماعية تمارس فية الشعوذة والدجل

اخر الافلام

.. مقترح الهدنة.. إسرائيل تمهل حماس حتى مساء الأربعاء للرد


.. إسرائيل تهدد بمحاربة حزب الله في كل لبنان




.. جون كيربي: ننتظر رد حماس على مقترح الاتفاق وينبغي أن يكون نع


.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار




.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ