الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل العراقيون باتوا في سبات دائم ؟

جواد وادي

2012 / 8 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



يعود سبب عزوفي عن الكتابة لفترة تزيد عن الأربعة أشهر لتوجيه رسالة من مواطن جرب محنة الغربة لأكثر من ثلاثة عقود ونصف ورغم هذا الزمن الممتحن بالعذابات والموغل في القهر اليومي ليبقى الأمل شاخصا وحاضرا بقوة للعودة للعراق لتتكحل عيوننا بلقاء بمن تبقى من الأهل والأحبة بعد أن التهمت الكوارث جلهم إن لم يكن جميعهم فكانت الصدمة العظيمة التي فاجئتنا في الزيارة الأولى تراوح مكانها حتى في الزيارة الثانية بأن التغيير الذي اثلج صدورنا واحيا الأمل المفقود لم يكن إلا مجرد سراب وغيمة لم تكن ماطرة بالخير العميم على العراقيين لإنقشاع غمة البعث الفاشي المجرم إنما كانت مجرد وهم عاشه العراقيون وعانوا منه الكثير ليفاقم من همومهم التي كرسها الوافدون الجدد على الكراسي لحكم العراق بطريقة تغاير حكم البعث المنهار من حيث الشكل وتلتقي معه في العديد من طرق إدارة الحكم من حيث تكريس إتجاه بات لدى هذه النخبة الفاسدة بالمطلق واجبا وهدفا وسعيا وسباقا مع الريح لنهب خيرات العراقيين من خلال تشريع قوانين منها المستور ومنها المعلن وبشكل وقح ومستفز لمنحهم الحق لوضع اليد على كل خيرات البلد الجريح فغدو بين ليلة وضحاها من اغنى اغنياء المنطقة بعد أن كانوا سعاة ومتسولين يدقون على ابواب الأنظمة الفاسدة لتلتقي الإرادات بتفقير العراق وايقاف أية محاولة لإعادة البنية المخربة بالكامل بسبب الحروب الطائشة والغزو الأجنبي وتخريب المجرمين في الداخل من بعثيين ومليشيات جديدة وأزلام القاعدة وغيرها، وكأن قدر العراق أن
يبقى محاصرا بين مطرقة الفساد والتخريب المنظم وسندان القتل والإبادة للعراقيين الأبرياء. هنا ينهض سؤالان من سباتهما الذي بات ملحفة للعراقيين ازاء هذا الخراب الممنهج هما:
كيف تسنى للعراقيين أن يدجنوا بهذه الطريقة الماسخة والمهينة بعد أن حولهم اباطرة الفساد الجدد من معممين وغيرهم إلى مجرد مخلوقات ترى وتسمع وتحس وتتألم لكنها فاقدة القدرة على الكلام والرفض والاحتجاج لتحديد الخلل والانقضاض على المسبب قبل أن تصل الضربة إلى العظم بعد أن وصلت إلى تقطيع الأوصال كلها. ثم ما هو السبب الخفي وغير المرئي ،الذي بات ضربا من الأحاجي ذاك الذي يبقيهم صم، بكم لا يفقهون بما يحدث حيث لا نكاد أن نسمع وعلى فضائيات التحزب والرفض على السواء، كلا من باب أجندته ونواياه غير الشريفة في اغلب الأحيان اصوات التذمر والعذاب والبكاء الذي يبعث على الشفقة والألم احيانا، دونما طائل، وسرطانات النهب تنهش بالجسد العراقي بلا توقف ودون وخزة ضمير وطنية، حيث لم يعد سراق العراق الجدد يهمهم ازاء ما يحدث من إفلاس مخيف للعراق سوى الإستمرار في سباق المسافات السريعة في النهب والإختلاس وغسل الأموال وتأسيس امبراطوريات ثراء فاحش داخل وخارج العراق وعلى عينك يا تاجر، تاركين الحبل على الغارب في إفقار العراقيين وترك العراق تنخره المحن والخراب وغياب الأيادي الكريمة والرحيمة لتوفير أساسيات الحياة شبه الكريمة للعراقيين فأي ضمير حي أو حتى بهيمي يرضى بهذا الغي في الخراب وعلى أيدي دعاة دين وفضيلة وزهد في ملذات الحياة كما يدعون في أبواقهم ليل نهار، فماذا ينتظر العراقيون إذن؟
خلال شهر رمضان كنا وبشغف الإطلاع على الحقائق نشاهد برنامج سحور سياسي على فضائية البغدادية الحريصة على كشف المستور لساسة العراق وخصوصا اؤلئك المنتمين للإحزاب الدينية يقدمه الإعلامي المتمكن، عماد العبادي، وكنا نتلظى قيظا ونحن نقترب من معلومات كانت تصلنا مشوشة لنقف على يقينية الأوضاع المخيفة لمواقف الكتل والأحزاب السياسية المتنفذة والقابضة بكل ممكناتها على زمام الأمور لنقف على حجم الخراب الذي يقوده هؤلاء التخريبيون وبشكل مفزع افقدنا توازننا ونحن في ملاذاتنا البعيدة عن الوطن، فماذا عن من هم في الداخل وهم يشوون على سفافيد الفساد الكارثي؟ وما الذي يبقيهم صامتين بهذا الشكل الغريب وهم يعانون لحظة بلحظة بما يحدث لهم ولأبنائهم من صيغ فساد فاقت تصور ساكنة المارستانات قبل سكان بيوت الصفيح والمعتاشين على نفايات المعممين والمستكرشين الجدد؟ إنه سؤال بحجم العذابات العراقية وما أكثرها.
لا نريد أن ندخل بتفاصيل الوضاعة لهؤلاء الفاسدين لأنها تغرق بمدادها الدامي ارض العراق الجريح من اقصاه الى اقصاه، إنما يكفينا أن نبعث بإشارات لمن تبقى من العراقيين ممن لم يعانوا من الوقر في آذانهم، لنعرج على برنامج (مسؤول صايم) الذي يبث على ذات الفضائية لتتفاقم الحجج والبراهين على حجم الكارثة العراقية ولا من حراك. فشكرا لهذا الإعلام الحر الذي بات المعين الوحيد في الموج المتلاطم من التشويه وتغييب الحقائق وعلى يد إعلاميين جدد باعوا ضمائرهم قبل اقلامهم المندوفة بالعار والمذلة لسراق الوطن لقاء حفنة من الدولارات، وكأن زمن البعث الصدامي يستعيد بريقه الآسن بقده وقديده، فتبا لجيش المرائين الجدد من إعلاميين وأدباء ومثقفين راحوا يبيعون أنفسهم لمن يدفع اكثر.
السؤال المتعاظم الثاني بشقه السياسي بعد أن عرجنا على سؤال الفساد حتى وإن كنا لم نفه حقه هو:
كيف تتحول السياسة إلى لعب بهذه الطريقة الفجة؟ والتصريحات تقذف بالعراقيين من حالة فاسدة إلى أخرى أكثر فسادا وأشد وطأة والناس في حيص بيص من أمرهم، ناهيكم عن شيطنة ساسة العراق المؤمنين في تدليس الأمور ليظل العراقيون في عراك دائم مع لقمة العيش والتفكير الممض في بلاويهم، فمن يلتفت للسياسة حينئذ؟ وهنا يتبين بوضوح تكريس الملفات التي استعصت على الحل على أيدي هذه الشرذمة الضالة والتي ادارت ظهرها على كل الحلول لملفات هي من السهولة بمكان كملف الكهرباء والماء والخدمات وإعادة البناء والتشغيل وما سواها لبلد بإمكان إيراداته من البترول تعيد بناء بلدان بكاملها، ولكن هذه الملفات تحولت إلى ضرب من المستحيل لتبقيها الشغل الشاغل للعراقيين ويتفرغون هم للنهب والضلال وسرقة العراق، مستخدمين كل الإمكانات المتاحة وغير المتاحة وبطرق ووسائل ما عرف قاموس النهب للمال العام اقذر منها في أية بقعة كونية.
يتحدث الوزراء الحاليون والسابقون والمحافظون والبرلمانيون والمسؤولون الكبار ورؤساء مجالس المحافظات والبلديات وغيرهم عن صفقات فساد بملايير الدولارات بطرق منفردة وجماعية وكأني اسمع أخبارا عن بلد ضليع في تناسل المافيات، مرة تكون هذه الأطراف في غاية الوئام لإقتسام حصص النهب ومرة يلجأون الى الإحتراب لإلهاء الناس ليقضوا على الغنيمة وما شبعت كروشهم أبدا.
في زيارتي الأخيرة إلى ثغر العراق الباسم سابقا، المدينة الفيحاء، بدعوة كريمة من إدارة مهرجان المربد الشعري لم أجدها، لا فيحاء ولا باسمة ولا هم يلطمون، بل تحولت تلك المدينة المعروفة بعراقتها وقدمها وتأريخها الحضاري المشرق، وقبل هذا وذاك بغناها الفاحش وثرواتها النفطية والسياحية المفترضة وما تحتكم عليه من قوة جذب لمدينة ضاربة في نفح التاريخ الآسر، وجدتها أنا وغيري من المدعوين، مكبا للنفايات والأزبال والقاذورات والخراب ينتشر في كل زاوية ومكان بمياهها الآسنة لأنهارها وجداولها وحتى شط العرب المهمل، كل هذه الأمكنة البهية عادت تفوح منها الروائح الكريهة بمناظر مقززة وكأنها مدينة أموات، مهملة لعقود من الزمن ناهيكم عن ملفات الكهرباء والماء والخدمات التي تشترك بنحيب ما له نظير مع حواضر العراق المنسية كلها ودونما إستثناء، حتى أننا نحن الأدباء العراقيين وجدنا انفسنا في حرج كبير حينما طلب منا اصدقاؤنا الضيوف من أدباء الدول العربية، اصطحابهم للوقوف على معالم مدينة الخليل، فاخفينا رؤوسنا خجلا من هول ما كانوا يشاهدون ويعاينون من صيغ خراب اذهلتهم والصور التي بحوزتنا خير دليل على ذلك.
أما مدينة دار السلام، عاصمتنا الحبيبة، فوجدناها كما تركناها عام 2010 في زيارتنا الأولى، لم تصل يد الإعمار إليها أبدا أبدا فاحياؤها مغرقة في الأوحال والإهمال يحاصرها ولا من جديد يتناسب ولو قليلا وطول السن المسؤولين بانهم سيحولون العاصمة إلى قبلة للباحثين عن الراحة والرخاء، إلا اللهم يقصدون رخاء نهب المال العام؟!
بقي أن نذكر لكل العراقيين بأن موظفي السلطة ومسؤوليها أينما ذهبنا للمطالبة بحقوقنا كمهاجرين فارين من جور نظام صدام لأكثر من خمسة وثلاثين عاما لا يعترفون بنا كشريحة تعد بالآلاف كوننا مستقلين أو منتمين لأحزاب علمانية ولا شأن لنا بالتعويضات والحقوق التي تمنح لمنتمي الأحزاب الدينية.
فهل من بلوى أخطر من هذه تضاف إلى بلاوي الوطن المنكوب على يد هؤلاء الشواذ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس يقول إن إسرائيل ألحقت الهزيمة بح


.. وزير الدفاع الإسرائيلي يؤكد هزيمة حزب الله.. ماذا يعني ذلك؟




.. مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة: أكثر من 300 ألف إنسان يعيش


.. أسامة حمدان: جرائم القتل ضد شعبنا ستبقى وصمة عار في وجه الدا




.. حرب وفقر وبطالة.. اللبنانيون يواجهون شقاء النزوح ونقص الدواء