الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليست دولة لكنها اسلامية

محمد البدري

2012 / 8 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كتب الاستاذ جعفر المظفر، مشكورا، مقالا بعنوان " هل كانت الدول الإسلامية .. إسلامية" عرض فيه، برؤية علمية كونه طبيبا يحمل شهادات عليا اهلته لسبر غور السياسة والاجتماع، كيف تم خداع كل من حمل صفة مسلم بان هناك ما يسمي بدولة اسلامية. منظرو الاصولية اعتمدوا هذا الاصطلاح في محاولة منهم لاعادة التاريخ الي الوراء وهو ما تمكن منه السيد الفاضل كاتب المقال في تفنيد كذب هذا الادعاء في الفقرة الاخيرة بقوله: وإذا كان الدين لم يقدر على بناء دولة, ليس بسبب عجز ذاتي وإنما لأنه ليس مصمما لهذا الغرض, وإذا كان ذلك حدث حينما كانت فاعلية الدعوة الإسلامية على أشدها, فكيف بنا الآن والعالم قد تغير وتطور, وخرج منه من خرج ودخل إليه من دخل.

فالدين في اساسه وحسب ما تلقيناه من كتبه المقدسة او من سلوك الاباء توراتيين وانجيليين او اسلاميين فيما يسمي السلف، لم يكن مصمما علي قواعد ثابتة انما تشكلت اسسه طبقا لكل مستجد اعاق هدف من ادعوا انهم اصحابه من رسل وانبياء. وظلت المستجدات في سيولة هادرة تضاف بغزارة علي مدي مئات الاعوام بعد ان هلك الانبياء والرسل واصبح هناك ورثة للثروة التي حاذها التابعين والصحابة، وعندها اصبح لزاما لصاحب السلطة ان يجد ما يبرر له التحكم فيمن تستجلب منهم الثروات لضمان اخضاعهم. حتي الشريعة فلم يعرف لها من اساس الا بقايا القواعد العقابية التي اعتمدت في زمن ما قبل الانبياء وورثها هؤلاء السلف. فلم ياتي ذكر كلمة القانون نصا في كل تلك الازمنة القديمة.

يتسم اي مجتمع اسلامي بصفة لا يعرفها العالم شرقا وغربا وهي الهدر السياسي عن طريق احالة كل شئ الي محرك خارجي بينما كل ما في الكون يتحرك مفصليا فيما بين اجزائه بناءا علي قوانين ثابتة داخلية. لهذا غابت العقلانية عن اي مجتمع اسلامي (لن اصفه بالدولة، لان للدولة مواصفات لم تتحقق تاريخا في الاسلام) مقابل عقلانية اخذت اطوارا متعددة عبر تطورها من غيبيات الدين الي حقائق الدولة الحديثة. فالخطاب المصري زمن مصر الناصرية كان ممكنا قراءته وكأنه خطاب اسلامي تارة وكانه خطاب قومي يمد مصر الي ما هو ابعد من حدودها تارة أخري.

كان الامتداد النظري هذا يصب في اللاوعي الجمعي وكانه اسلاميا ايضا ذلك لان ما قيل زورا بانه دولة اسلامية نشأت في يثرب علي انقاض القبلية بزعامة قريش في مكة ليس سوي كيان طفيلي يمتص كل موارده ومصادر ثروته من المحيط الخارجي وليس من الانتاج الداخلي. وهذا هو اسبب الرئيسي لغياب قوانين الجدل طوال دولة الخلفاء الاربعة الاول وعلي مدي دولة الامويين الي ان توقفت حركات الغزو والنهب من الخارج واستقرت الامور علي ما بالداخل محددة مسؤولية اصحابها في ادارة شؤون انفسهم. وهنا بدأ الصراع الاجتماعي والطبقي والسياسي دون اي نظرية تحدد العلاقة بين الحاكم للمحكوم سوي حق الحاكم كوريث لاقوال الوحي في التحكم في مصير منتجي الثروة. ولانه قانون غير جدلي يحاول اصحابه تطبيقة علي ارض بات الجدل هو محركها الرئيسي فقد سقطت تلك الدولة تحت سنابك خيول غزاة جدد كالصليبيين والتتار والاتراك دون ان تحق شيئا.

فكل من تغني بماضي ذهبي ويسعي حاليا لاعدة بعثه إنما يفعلون ذلك علي قواعد من الدين وفقط دون ان يعرفوا معني الدولة لان الدولة بمؤساساتها لم تكن حاضرة في ذلك الزمن المسمي زورا بالذهبي. ويعتقدون ان الفقهاء بعد ان اضافوا اليهم ابن تيمية تمشيا مع الجديد في ارض نجد ونفطها الحديث نسوا انهم بهذا يناقضون اكتمال رسالة الاسلام بوفاة صاحبه قديما. بمعني انهم يغفلون الجديد ويعتمون عليه لصالح فكرة الماضي الذهبي المحصور في القرآن والسنة. فإذا كانت المتغيرات الكبيرة والعميقة التي طرأت على جميع المستويات وتشعبت علي اساسها المذاهب والافكار وبالتالي نظم الحكم، عدا فكرة النهب داخليا او خارجيا، اليس هذا بكاف لنفي فكرة ان هناك صفة اسلامي ذهبي لاي مجتمع يصلي ويصوم ويحج اصحابه؟

كثيرون اعتبروا ان الحج ليس سوي عملية نهب داخلي لصالح المجتمع النواة الذي ظهر فيه الاسلام اول مرة حفاظا علي صورته القديمة التي لازالت تشع بامكانية اعادة انتاج كل هذا التخلف العربي والاسلامي لاكثر من الف عام. فالحفاظ عليه وخدمته أمر لم يعد ضروريا وفقط للاسرة القبيلة الحاكمة في المملكة السعودية انما اصبحت مصدرا للثروة لامم ودول لك يكن في حسبان النبي وصحابته والتابعين ان يتصوروها يوما ما.
تولت الولايات المتحدة الامريكية رعاية البيت واهل البيت ومن حول البيت وجيران البيت. فالعلاقات الجدلية بين من يملك ويحكم وبين من يعمل وينتج ينبغي ان تظل في اضيق الحدود ويكفي اصحاب رؤوس الاموال والاحتكارات الرأسمالية والصناعية الكبري من خسائر اضطرت بسبب الوعي السياسي والاجتماعي لمواطني دولها الي تضييق الفجوة في كثير من دولها وخاصة العريقة منها في اوربا بين طبقاتها ورفع مستوي شعوبها وتحقيق نوعا من الرفاهية لم يكن يحلم بها عمال المناجم أو ما قبلها اثر الثورة الصناعية الكبري في القرن الثامن عشر.

فانضمام اكثر من مليار مسلم الي اتون عملية الانتاج وحق الاستهلاك وتحسين العوائد والبحث عن الفوائض لن يكون هدما لاسس المجتمع الاسلامي وفقط انما لنشوء الدولة مجددا كما نشات زمن محمد علي في مصر وبعد دخول الاستعمار الحديث الي المنطقة. فالاستعمار رغم كل شروره يحمل جدله معه اينما حل ويحمل نقيضه في ادواته اينما استعمر, فقوانينه قائمة علي علاقات مادية ولا يحكم باسم الله او سنة رسوله، لتمويه عمليات النهب وهذا هو السبب في ان التخلص منه كان سريعا وممكنا وبسهولة ايضا بعكس النهب الديني الذي لا علاقة له باي قوانين صحيحة او عقل ناضج فظل كامنا وبقوم بدوره واصبح هو البيضة الذهبية للراسمالية العالمية والطفيلية الدينية المحلية.
فمن السذاجة إذن ان نعتقد بامكانية بناء دولة حديثة راسمالية كانت أم اشتراكية دون التخلي من الفيروس الداخلي الذي اعاق المنطقة من دخول التاريخ بل هو سبب خروجها منه طويلا حتي عاد الينا بونابرت رضي الله عنه. وإذا كان التراث – كوعي – من مفردات وبديهيات الوجود الاجتماعي أو كنتاج ثقافي لمرحلة اجتماعية يلعب الغيب والجهل سويا دورا رئيسيا فيها، فانه بات كتراث عاجزا عن الفاعلية في ظل تواصل يومي عبر كل اجهزة التاصال مع باقي دول العالم التي تحكمها قوانين حقيقية تغير دائما الي الافضل.

فهل هذا كاف لتفسير قيام جماعة الاخوان المسلمين بمصر بدعم من الانجليز وتقوم حاليا جماعات اسلامية كحماس وحزب التحرير وحزب الله الي آخر المسميات الدينية بمحاولة تحويل ما اصبح له كيان الدولة لاعادتها للحظيرة الاسلامية ليعود المواطن مرة اخري ليكون فردا في قطيع يجري حلبه كما في زرائب التدين لصالح الطفيليين في اشهر معلومات او لضمان غيابه عن الانضمام الي من اصبح مسلحا بمعرفة ادرك انه كانسان له حقوق تفوق وتتعالي وتتجاوز وترتقي علي العبودية لله في الاسلام وتناطح من لهم ملك الثروات الراسمالية ويقومون بدور الله علي الارض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مساكين هؤلاء المسلمون
كامل حرب ( 2012 / 8 / 25 - 02:48 )
مقال قوى للسيد الكاتب ,نعم واقولها عاليه اننى اشعر بالحزن الشديد لهذه العقليه الاسلاميه الانهزاميه الساذجه ,لقد ذكرت موضوع الحج وكيف واجب على المسلم ان يذهب الى الحج لكى تغفر ذنوبه كلها ,بالطبع هذا يقود الى الكارثه التى يعيشها المسلم فى مصر ,وكيف يستدين لكى يدبر مصاريف الحج والغريب انه يعيش فى فقر مدقع وربما اطفاله لايجدوا طعام العشاء ويخرج ملايين المسلمين فى مصر كل عام الى السعوديه لااقامه شعيره الحج ,وتدخل بلايين الدولارات الى الخزانه السعوديه كل عام لان المسلم الغى عقله تماما واصبح اسير لشيوخ الاسلام وعذاب القبر والثعبان الاقرع وغيرها من خزعبلات هؤلاء المجاذيب النصابين ,بالطبع السعوديه سعيده جدا بسبب المليارات التى يحصلوا عليها من هؤلاء البلهاء الاغبياء وهذا غير الجاز الاسود الذى يدر عليهم المليارات ,عجيب امر هؤلاء البشر


2 - الاسلام انقذ ايران
البغدادي ( 2012 / 8 / 25 - 06:11 )
لم تعرف ايران التطور العلمي والصناعي والاقتصادي والاستقلال الحقيقي والحريه المنسجمه مع الفطره الا بعد الثوره الاسلاميه التي قادها الامام الخميني


3 - للسادة المعلقين
محمد البدري ( 2012 / 8 / 26 - 06:43 )
شكرا لكل من علق علي المقال، لقد تركت مساحة ليشغلها التعليق لكني موهت عنها في المقال باعتبارها النقطة المركزية في تحديد معني الدولة مقابل ما يحاول الاسلاميون وصفع بكونه اسلامي. عندما كان الامر اسلاميا وفقط وفي غياب الدولة كما في حال يثرب ومكة انتهاءا بالعصر الاموي فان العلاقات الحاكمة لم تكن تعمل وفق قوانين الصراع الخلاق بين طبقات اجتماعية انما بين من ينهب من الخارج ليشبع الداخل وفقط. لكن ومع نهاية عصور الغزو والنهب بدات قواعد الاستقرار داخليا تحدد قوانين الصراع بين طبقات ينتمي فيها الجميع الي ارض واحدة في محاولة للتنمية بناء علي قواعد العمل فيما بين الطبقات . وهنا بدا الصراع الطبقي ومحاولة المستغلين استعادة حقوقهم ممن يستغلهم بعد ان اصبح الاستغلال داخليا. لكن ولان القوانين الحاكمة كانت منافية لمعني الدولة (واقصد الشريعة واحكام الاسلام) فقد توقف جدل الصراع ولم يتحقق اي نمو او اي رقي وتجاوز لاوضاع الي ما هو ارقي كما حدث في اوروبا. الان يحاولون فرض الشريعة مرة اخري لان الدولة بالمعني الحديث ستكون تهديدا للاحتكارات العالمية . فهل عرفنا من يريد الشريعة ممن يحمي مشايخ الخليج؟

اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه