الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع الذكوري: مارينا نموذجًا

عائشة خليل

2012 / 8 / 26
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


صادفت إجازة عيد الفطر المبارك هذا العام بداية الأسبوع، وبما أنها تمتد لمدة ثلاثة أيام (أضاف إليها رئيس الوزراء الجديد يومًا إضافيًا) فلم يتبق من أسبوع العمل سوى يومين اقتنصهما من استطاع لتمضية عشرة أيام كاملة بعيدًا عن القاهرة. وهكذا انطلقت عشرات المئات من السيارات باتجاه المنتجعات المختلفة التي ازدهرت في السنوات الأخيرة من حكم المخلوع على طول الساحل الشمالي غربي الإسكندرية - والتي كُرست لها أموال بنك الإسكان والتعمير عوضًا عن تكريسها لبناء مساكن للفقراء ومحدودي الدخل - ولحق بها الآلاف عن طريق الحافلات التي باتت تعمل دون كلل طوال أشهر الصيف القائظ على الطريق الذي عُبد ليصل بين القاهرة وقرى الساحل الشمالي، لخدمة الشريحة العليا من الطبقة الوسطى التي تمتلك الشاليهات والفيلات والقصور في تلك المجتمعات المغلقة.
يستمتع من يرحل إلى مارينا - وغيرها من القرى الساحلية - بالهواء الطلق، وبرودة الجو، والهدوء. ولكنهم يستمتعون أكثر بكونهم في مجتمعات مغلقة بين الأقران لا ينغص عليهم استمتاعهم بما يمتلكون من أسباب الرفاهية رؤية فقير معدم أو محتاج، فالجمال هو سيد الموقف هناك، والخدمات أرقى ما يمكن في بلد نامي: حيث تلقى القمامة في أماكنها المخصصة، وتجمع بانتظام؛ وتروى الحدائق العامة باستمرار لتكون خضراء منظمة مشذبة؛ ويعتنى بالشواطئ كي تظل نظيفة ولا تغص بالباعة الجائلين الذين يلحون على المصطافين لشراء بضائعهم الرخيصة؛ وينتشر رجال الأمن (العام والخاص) في كل مكان بدءا من البوابات المختلفة إلى الشوارع والشواطئ؛ وهناك دائمًا متسع لصف السيارات وإن تعددت؛ أما التحرشات فهي خيالات مريضة حرية بمن تركوا ورائهم في القاهرة، فلا يرفع إنسان ناظريه هنا لما قد يراه من غريب الأمور، ولذا قد يمعن البعض هنا في التفرد. ولكنه في النهاية جزءا من المجتمع المصري بكل سماته، ومنها السمة الذكورية.
ينقسم المجتمع إلى طبقتين: أصحاب الشاليهات (والفيلات والقصور) والعاملين الذين يقومون على المرافق المختلفة الخاصة والعامة منها لخدمة الطبقة الأولى. ومع أن كليهما من المهاجرين الموسميين، إلا أن المقارنة تنتهي عند ذلك. يعرف العاملون أن استبدالهم يسير، ولذا فهم يتحلون بأدب جم، واستعداد للمساعدة والعون قلما يجود به نظراؤهم في القاهرة. ويشعر أصحاب الشاليهات بالاستحقاق، ويتغلغل هذا الشعور لدى الشباب منهم فستلحظ أنهم يشعرون باستحقاق المكانة التي يتبوؤها أهلوهم، والتي هي بالتبعية مكانتهم. ويجسدون استحقاقهم للمكانة بالكثير من التلقائية، فلقد نشأوا على ثراء الأهل وعلى الرفاهية وعلى التمييز واعتبروها حقوقًا مكتسبة. لا ترى لديهم ما قد تراه من كِبر من امتلك سلطة بعد جهد، وإنما ترى ببساطة استحقاق خالص لمن ولد وفي فمه ملعقة (ولن أقول من ذهب خالص، فالثراء الفاحش ليس ما يميز كل أهل الساحل، وإن ميزهم الثراء النسبي).
ولعل أكثر ما قد يلفت النظر هو ذكورية المجتمع. فالغالبية العظمى من  العاملين من الرجال، إلا بعض خدم المنازل. ومع أنه لا يوجد تفاوت عددي ملحوظ بين المصطافين إلا أن أغلب القائمين على الشؤون المنزلية هن سيدات، وأغلب قائدي السيارات من الرجال، مما يعطي انطباع بذكورة مسيطرة على المكان بأجمله. يجلس الرجل خلف عجلة القيادة وبجواره تجلس الجميلة المستكينة. أو يسبح الرجل في البحر وحوله نساء العائلة من زوجة وبنات (وأولاد) أو يدخل المطعم وخلفه الآخرون، فيأتي إليه النادل بقائمة الطعام ويتلقى منه الطلب، ثم يقدم له الطعام ويسأله عن رأيه فيه، ثم يأتيه آخر المطاف بفاتورة الحساب. فالرجل هو دائمًا مركز الفعل ويدور في فلكه البقية. تشعر وأنت هنا بامتلاك الرجال للنساء، امتلاك لا تفرضه القوة الضاغطة وإنما القوة الناعمة للمال. تذكرت وأنا أتأمل هذا المشهد ما قرأته في أكثر من مصدر أن ما يقدم للعروس من ذهب (ما نسميه في مصر "الشبكة") هو تطور للقيد الذي كانت تقتاد الفتاة به من بيت أبيها إلى بيت زوجها، واستنكار تلك المصادر لمباهاة الفتاة على صاحباتها لغلو ثمن القيد، ففي نهاية المطاف القيد قيد مهما غلا ثمنه؛ ورأيت ذلك ممثلا في الرفاهية التي يقدمها الرجل لزوجه مما يحتم أن يكون هو المحور الذي تدور حياتها عليه، وفهمت تشديد النسويات على الاستقلال المادي للمرأة. 
ومما لفت انتباهي أيضًا التعاطي بين نساء الطبقة المالكة ورجال الطبقة العاملة بمارينا. فلقد بحثت الأكاديميات النسويات في السلطة المتميزة بين نساء الطبقات الأعلى على من هم أدنى منهن طبقيًا من رجال؛ ولعل أميز تجسيد لتفاوت السلطة بين رجل وامرأة من طبقتين مختلفتين كان الفيلم الإيطالي الكلاسيكي "انجراف" الذي جسد تعالي سيدة من الطبقة العليا زوجة صاحبة اليخت واستهزائها بأحد العاملين لديها، ثم انقلاب الحال بينهما بعد حادثة دفعت بهما إلى جزيرة معزولة. ومع أن الفيلم يتناول الفكرة بصورة صارخة هي إلى السريالية أقرب، إلا أن المبدأ يبقى على حاله: تمتلك النساء من الطبقات الأعلى بعض السلطة النسبية مقارنة برجال الطبقة الأدنى، وهذه السلطة محدودة بحدود واقع الحال، وقد تتغير بتغيره. فهل لنا بعد ذلك أن نتساءل عن القيود الحقيقية أو المجازية التي تربط نساء يتمتعن برفاهية وسلطة مكتسبة من خلال أزواجهن؟
ولكي نفهم الازدواجية التي أحاول بيانها، أروى ما تناهى إلىَّ وأنا جالسة في الشرفة: يتطرق إلى مسامعي ابن الجيران ذي العشرة أعوام يسأل والدته عن فيلم أجنبي لا أميز اسمه بدقة، ولكنني ألحظ أنه ينطق باسم انجليزي. ثم أسمعه بعد دقائق معدودات يرد على طلب والده بإشراك أخته في مباراة لكرة القدم، بمحاولة صياغة مثل شعبي بدأه بقول: يا معلمة البنات الكورة يا ... وتطغى أغنية أجنبية منبعثة من سيارة مسرعة على نهاية مثله. واستغرب من تفكيره المبنى على التمييز بين الجنسين بالرغم من حداثة سنه، ومن انغماسه الشكلي في الثقافة الغربية.
وهكذا، يبقى مجتمع الساحل جزءا لا يتجزأ من المجتمع المصري، بالرغم ما قد يدعيه من اختلاف، أو يشعر به من استحقاق، أو يخبره من انغلاقه على نفسه، أو يراه من تمييز. يبقى مجتمعًا ذكوريًا حتى النخاع بالرغم من مظاهر الحداثة والرقي أو ميل لما هو غربي أو مختلف أو متفرد. فالحداثة هنا هي كلمة إنجليزية تلقى هنا أو هناك، أو أغنية غربية تصدح من سيارة منطلقة، أو أحدث صيحات الموضة على أجساد مرفهة، ولكنها أبدًا ليست أفكارًا (ما بعد) حداثية بالرغم من لباس البحر والبر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفضح ضرورة
محمد البدري ( 2012 / 8 / 27 - 14:21 )
شكرا للاستاذة عائشة علي فضحها هذه النوعية التي توارت بجانبها نوعيات ارقي كان فيها التعامل علي قدم المساواه والمسؤليات ليست حكرا علي صنف والتبعية علي صنف آخر. للاسف كان النوع الاخير مما اضافته علينا الثقافة الغربية وقت ان كنا اقرب لاوروبا مقارنة بزمن القرب من الجاهلية العربية. فالثروة لم تقتلع اصحابها من ثقافة التخلف ربما لانهم من غير المنتجين لها. فالثورة الحقثقية لها مردودها الحضاري والمعرفي والثقافي والانساني . تحية للفاضلة الكاتبة وتقدير واحترام

اخر الافلام

.. الهرب من الزواج.. ينتشر بقوة.. وقد يستدعي تدخل طبيب!


.. 16 امرأة يتهمن الساحر الشهير ديفيد كوبرفيلد باعتداءات جنسية




.. لا تشكو المهر وغلاء الأسعار قد تكون مصابا بفوبيا الزواج | #ا


.. مصر.. سائق يحاول اغتصاب فتاة في القاهرة • فرانس 24 / FRANCE




.. يارا لابيدوس: قصّة امرأة عبّرت الموسيقى عن حنينها وعن جذورها