الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألنوافذ ألأمامية للعقل العربي مغلقة والخلفية مفتوحة

سامي بن بلعيد

2012 / 8 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


عندما ينظر المرء الى مجريات التأريخ العربي يُصاب بالدوار إن لم يصاب بالصدمة , تأريحينا تسوده العشوائية والتخبّط ناهيكم عن السرقات الظاهرة والمستترة , شعوب العالم تعرضت وتتعرّض للإنكسارات والإنتكاسات ولكنها تستيقظ في حينٌ من الدهر فتعيد أمر المراجعة والتقييم فتستبدل القديم بالجديد وتكرّس مُختلف أساليب البحث والتنقيب والإبتكار فتواصل مسيرتها بموضوعية عبر سيرورة الزمن وصيرورته

ألإنسان العربي صار نَكِرهْ .. حتى المثل الشعبي صار يطبّقه مقلوباً .. ليس العيب في أن تخطئ بل إن العيب أن تصحح الخطأ , العقل العربي فقد القدرة على التحليل ولهذا السبب صار منتج للأزمات .. ما أن تنتهي أزمة حتى يأتينا بأزمات على غرارها


العقل العربي يندفع عاطفياً من مواطن ألألم ألأصغر نحو مواطن ألألم ألأكبر , يقوم بالثورات والانتفاضات وحركات التصحيح ويؤيّد ويعتنق ألأفكار والنظريات الثورية , يقدم قوافل الشهداء ويتجرّع الخسائر تلو الخسائر ويستمر في الدوران على حافة الدائرة التي لا تنتهي طريقها ولا تتحدد فيها محطات ألإنتقال ولا نوعيتها
إستمرار في فضاء لا يدرك ولا يسجّل ما مر عليه من المشاهد ولا يعلم الى أين هو ذاهب

هناك أسباب تطرّق اليها الجابري وأركون والعروي ومالك إبن نبي وغيرهم ... وعزّوا ذلك الى الخلل الذي أصاب كينونة ألإنسان العربي ــ دائرة وعيه وأحاسيه ــ وحصل لديه إنقلاب تام أزاح مراكز السيطرة للعقل المحايد , العقل الواعي المنهجي التحليلي , وأستبدلها بمراكز سيطرة عاطفية إنفعالية ــ تهدم ولا تبني ــ وذلك حصل بالتحديد منذ ثمانية قرون من الزمن تقريباً حين بدأت تنطفي مشاعل الفكر الذي كان يهتم بعقل ألإنسان وسلوكه نوعاً ما وذهب ألأمر في التدرُّج السلبي عبر ظروف تأريخية صعبة مر بها ألإنسان العربي جعلت منه شخصية عاطفية إنفعالية شيئية وما هذه العقول السياسية الريعية العربية إلاّ نتاج لذلك

فكيف يتسنى لنا تدوير زوايا الوعي العربي من جديد لنتمكن من إعادت إحياء العقل العربي على قواعد العقل الواعي والمحايد الذي يستطيع التعامل مع ألأشياء من حوله بوعي ومنهجية , ويدرك ما فاته من ماضيه ويدرك أين موقعه من الحاضر والى أين سيذهب في المستقبل ؟

من المستحيل أن يحصل ذلك بالأماني والأحلام في عشية وضحاها , ومستحيل أن تأتي أيادي سحرية من السماء وتحل تلك المشكلة ولكن ذلك ممكن بإعادت النظر الى الذات , وإصلاح ذلك الخلل الكائن في ملكة العقل بالعقل ذاته , التفكير في العقل بالعقل حسب طرح الجابري , وهذا ألأمر هو مربط الفرس وحجر الزاوية التي تصعد وتستقيم عليها العمارة الحضارية , والتي ستسبقها لحظات مراجعة طويلة لإصلاح الذات العاطفية المادية لنتمكن من ألإنطلاق نحو بناء القواعد الفكرية ألإنسانية الحضارية الرحبة

ولا نجانب الصواب إذا قِبلنا بأن ينتهي بنا المطاف عند ثورات التغيير , قد لا يرى البعض أهمية ثورات الربيع , وقد يشكك بها البعض ألآخر , وألأسباب تتعلق في ذلك الخلل الموروث من الذاكرة ألمجتمعيّة بجانبها المتخلّف , وقد يستنفر البعض من هذا الكلام ولكنه سرعان ما يقتنع بلحظة مراجعة منهجيّة وصارمة سيكتشف ذلك الخلل بذاته الخاصة أو ذاته العشائرية أو ذاته القبلية أو ذاته الحزبية أو ذاته العرقية أو ذاته الجنسية ... إلخ

هل بإمكاننا إستجماع شجاعتنا وتوجيهها الى ذواتنا قبل توجيهها إلى ألآخر ؟
إذا حصل ذلك سوف تتغير الحياة برمّتها
سنجد أنفسنا ننطلق من مدارات العقل وليس العاطفة .. وسنجد أنفسنا على ميادين وساحات مختلفة ومتنوعة نتقبّل بها ألآخر برضاء تام وقناعة عقلية مُلحّة
وحينها سنكتشف عالم الخطأ والخطيئة الذي كُنَّا نحياه .. وسنصبح على يقين وقناعة تامين على إن عالم الحضارة الإنسانية يقوم على قواعد التكامل ألإنساني ألإيجابي وليس على قواعد الصراع وإقصاء ألآخر

فيا حبذا لو فتحنا النوافذ ألأمامية المُطلّة على الجوانب المشرقة من الحياة وأبقينا على النوافذ الخلفية للعقل من أجل إستلهام العبرة ورمي القمامات الفكرية التي تكاد أن تعطل دوائر العقل الواعي والمحايد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مصيبة
نيسان سمو ( 2012 / 8 / 26 - 10:28 )
سيد سامي مصيبتنا مصيبة ولا كل مصائب العالم وبمناسبة هذه الافكار والعقل العربي هناك بعض الامثلة ما كنت ارغب في نشرها ولكن من المحتمل ان اكتبها بعد ان قرأت كلمتك هذه من اجل اعطاء بعض الامثلة لا غير.... لك مني كل التحية ..


2 - السيد نيسان المحترم
سامي بن بلعيد ( 2012 / 8 / 26 - 15:42 )
كما قُلت إنها مصيبه وحلّت , والإشكالية إنها حلّت أغلب عقول الناس من الشرائح المثقفة أو الغير مثقفة , فتجد العربي عادةً ما يهرب الى ماضيه وينوح عليه في حال إصطدامه في الواقع أو عجزه عن حل مشكلات الحاضر


3 - الأستاذ سامي بن بلعيد المحترم
مريم نجمه ( 2012 / 8 / 26 - 18:43 )
الموضوع الذي أثرته يا صديقي هو واقع في مجتمعاتنا المتشابهة , وإحدى الحلول والمقترحات التي أوردتها وركزت عليها صحيحة .. ,, ولكن
أعطني أرض أستند عليها وطن فيه الحد الأدنى للحياة والعمل وطرح الأفكار والإعتناء بالفكر دون تخريبه من السلطات الحاكمة لأن لا مؤسسات حكومية ولا أحزاب تحميك وتدافع عنك لتنشر وتنمي فكر الأجيال - العلّة في قيادة الدول والأنظمة العربية , ووطنية وقيادة جيوشها . وقيادة الأحزاب والتنظيمات السياسية وعدم إخلاصها للعمل والتغييرفي البناء الفوقي والتحتي وبناء الإنسان الحقيقي ولذلك ترانا نفشل وسنبقى نفشل - مأساة حقيقة - شكراً لجهودك
مع أصدق التحيات


4 - ألإستاذة ألمُميّزة مريم نجمه
سامي بن بلعيد ( 2012 / 8 / 26 - 21:50 )
تعجبني حيويتك وطريقتك المميزة في البحث عن الحقيقة الغائية
وأشكر لك أرائك الهادفة وواقعيتك الحوارية الدالة على نضج عقليتك
أنا أعتقد إنك حددتي المشكلة ولو إنك أتيتي بها بطريقة إستفهام وهي
إعطني أرضاً أستند عليها وطن فيه الحد ألأدنى من الحياة والعمل وطرح ألأفكار
وأشرتي الى الموانع التي تقف في طريق تحيق ذلك والتي تتمثّل بعصابات الحكم العربي ومن والاهُم
في تقديري الشخصي إن القضاء على حكومات الفساد في الوطن العربي هي المهمة الأولى لكل الثائرين في طريق الحرية والاستقلال والمدنية لإن ذلك سيدفع الجميع نحو التنوّع والى شيئ من الإستقرار الجزئي الذي تستطيع من خلاله الشعوب إرساء بعض قواعد التواصل والبناء على أُسس سلمية وعقلانية تأتي بديلة للعنف والإنفعال العاطفي
وذلك يعتبر المدخل للوصول الى العقل والمنطق , وكما تعرفين الطريق طويل وشاق لإن التركة ثقيلة وذلك ألأمر يتطلّب المزيد والمزيد من الجهود المضنية والمزيد من المثابرة
والصبر , ولن يتحمل ذلك إلاّ المخلصين الحقيقيين لشعوبهم وأوطانهم
وسيكون نجاحهم مرهون بوصولهم الى ألإنسان ودائرة وعيه ومعاناته لكي يصبح شريك
عزيزتي مريم لك مني أطيب تحية


5 - توصيف دقيق
محمد البدري ( 2012 / 8 / 27 - 00:42 )
أشكرك علي هذا التوصيف السليم والمتقن للعقل العربي. فهو عقل تشكل بناءا علي الجاهلية العربية ثم اتي الاسلام بكل ما به من فوضي عقلية ليسد المسام التي كان من الممكن ان يمتص منها الفرد هواءا نقيا. تحية لك وتقدير واحترام.


6 - الى السيد محمد البدري المحترم
سامي بن بلعيد ( 2012 / 8 / 27 - 03:54 )
تسلم على كلماتك الطيبة
وبالفعل العقل العربي لا زالت تظهر عليه سلوكات الجاهلية ويظهر ذلك جلياً في مسألة التعصُّب وحب الظهور حتى ولو كانت النتيجة تدفع نحو الضياع والمهالك
كل الإحترام لشخصك الكريم

اخر الافلام

.. لا اتفاق بين زعماء دول الاتحاد الأوروبي على تقاسم المناصب ال


.. ما موقف الأحزاب الفرنسية ومقترحاتهم من الهجرة في حملاتهم الا




.. لتطبيع العلاقات.. اجتماع تركي سوري في قاعدة روسية| #الظهيرة


.. حارس بايدن الشخصي يتعرض للسرقة تحت تهديد السلاح




.. وول ستريت جورنال: لا وقت للعبث بينما يحرق حزب الله شمال إسرا