الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقاليد الإسلامية العامة في نقد الأديان

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2012 / 8 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ارتبطت الصراعات الفكرية الأولى في تاريخ الإسلام بالقضايا السياسية. وافرز هذا بدوره التيارات السياسية والفكرية الأساسية والتأسيسية من خوارج وشيعة ومرجئة وقدرية ومعتزلة. وهي مدارس مختلفة ومتباينة، احتوت على كل النماذج الأساسية المميزة لحركة الحضارات الكبرى من عقلانية ولا عقلانية، تقليدية ومعارضة للتقليد، متحررة ومتزمتة. كما لم يخل أي جانب من جوانب الإبداع النظري والعملي في ميادين الأدب والكلام والفلسفة واللغة والتاريخ عن الصراع والجدل والحوار. ووجد ذلك بدوره انعكاسه الخاص في علم الملل والنحل بوصفه علم الموسوعات الفلسفية والدينية. وهي موسوعات تمثلت وعبرّت في مجرى تطورها عن طبيعة الصراعات الفكرية وحوارها، وبالتالي تعمق وترسخ تقاليد الرؤية العلمية عنها .
وفيما يخص الأديان، فقد بدأ الاهتمام العلمي بتاريخها منذ زمن مبكر في الحضارة الإسلامية. إذ بدأ البحث في جمع آثار القدماء وأديانهم منذ القرن الأول للهجرة. وظهرت أولى الكتب المتخصصة بهذا الصدد في القرن الثاني للهجرة على يد ابن الكلبي كما في مؤلفه (كتاب الأصنام) أو كتاب أديان العرب "الجاهلية". وتزداد هذه الدراسات والأبحاث بالتوسع والتعمق في القرن الثالث للهجرة، كما هو الحال في كتابات الكندي (رسالة في افتراق ملل التوحيد) والنوبختي (كتاب الآراء والديانات) وبين صرصر (ت – 293) في قصيدته النونية التي احتوت على أربعة آلاف بيت، ومحمد بن احمد الترمذي (ت – 295) في كتابه (اختلاف أهل الصلاة في الأصول)، وفي القرن الرابع للهجرة في كتابات أبو يزيد البلخي ( – 322) وبالأخص في كتابه (شرائع الأديان) والنسفي (ت – 318) في كتابه (الرد على أهل البدع والأهواء) وفي القرن الخامس في كتابات محمد بن عبيد الله المصبحي (ت – 420) في كتابه (درك البغية في وصف الأديان والعبادات) والبيروني (ت – 440) في (ما للهند من مقولة…) وأبو المعالي محمد بن عبد الله (ت – 485) في كتابه (بيان الأديان) وكثير غيرها.
فإذا كانت الدراسات الأولى مرتبطة أساسا بالفرق الإسلامية كما هو الحال عند الكعبي والاشعري وغيرهم، فإنها أخذت في مجرى تطور الحضارة الإسلامية على احتواء فرق الأديان الأخرى والمدارس الفلسفية من نصرانية ويهودية ومانوية وزرادشتية وبراهمة وغيرهم كما هو الحال عند الباقلاني والبغدادي وابن حزم وغيرهم. بينما ستظهر في وقت لاحق دراسات مستقلة متعلقة بمقارنة الأديان كما هو الحال عند البيروني (ت-440).
وعمقت هذه الدراسات الكثير من نتائج الصراع الفكري والعقائدي، وكشفت في نفس الوقت عن التأثير المتبادل بين مختلف الاتجاهات. إضافة لذلك بينت في مواقفها وتحليليها الكثير من الجوانب التاريخية المتعلقة بظهور الأديان وخصوصياتها وكيفية نشوء فرقها ومذاهبها. إلا أن ذلك لا يعني تشابهها في الموقف من الأديان. أي أننا نرى نفس الصورة الكبرى التي ميزت مواقفها من الإسلام وفرقه. فهناك من استعرضها كما وصلت إليه، وهناك من حاول تحليلها بصورة موضوعية وحيادية، بينما انتقدها البعض وهاجمها الآخر. وهي مواقف حددها في الأغلب منهجية المؤرخ والمفكر وانتمائه الفرقي (بالمعنى الإسلامي) والأسباب المباشرة القائمة وراء تناوله إياها. إلا أن ما يميز هذه الدراسات هو ارتقائها النسبي مقارنة بدراسة الفرق الإسلامية. بمعنى أنها استفادت من أساليبها السابقة في تحليل الفرق الإسلامية ونقدها.
كانت تجربة التعامل مع الفرق الإسلامية مقدمة عمقت الوعي الذاتي وسلحته في نفس الوقت بأساليب الرؤية العقائدية والفلسفية في التعامل مع الآخرين، أي أن الجدل مع الأديان الأخرى لم تحدده السياسة وتأثيراتها المباشرة في المواقف الفكرية. مما أعطى للموقف من الأديان الأخرى صيغة الجدل العقائدي الديني العام. الأمر الذي نلاحظه في القرنين الأول والثاني الهجريين في الموقف من النصرانية واليهودية. بينما تغيرت الحالة نسبيا بعد ذلك، رغم أن العناصر الجوهرية الكبرى في الموقف من الأديان الأخرى (التوحيدية) ظلت كما هي. فهي لم تظهر في القرنين الأول والثاني بفعل السيادة العربية الإسلامية وانتصاراتها العسكرية الكبرى على النطاق العالمي وكذلك بفعل الموقف الإسلامي من "أهل الكتاب"، ومعارضته للجدل، والتسامح العميق المميز للإسلام بشكل عام وفي مراحل صعوده الثقافي بشكل خاص. وهي أسباب نرى ملامحها الجلية في تعدد الفرق واختلافاتها وتنوع الأديان وحرية أتباعها في ممارسة عباداتهم ومعتقداتهم، بما في ذلك اشتراكهم في الحياة الاجتماعية والعلمية والإدارية للدولة، واحتلالهم لمواقع متقدمة من السلطة (كتّاب وأطباء وندماء). وهي ظاهرة بدأتها الخلافة الأموية ووسعتها الخلافة العباسية. فإذا كانت الدولة الأموية قد قربت النصارى أساسا، فان العباسية أشركت النصارى واليهود والمجوس والصابئة وغيرهم. واحتوت هذه الظاهرة في أعماقها على دبيب الصراع الخفي بين الأديان أيضا، باعتباره جزءا من عملية حضارية موحدة كبرى. وتشكيل أساليب علم الكلام وجدله مع الأديان نموذج عمليا لذلك.
فقد عكس علم الكلام مختلف المواقف من الأديان بالشكل الذي ميز خلافات فرقه ومدارسه الكبرى والصغرى. إذ نرى في مواقفه منها صيغا معتزلية واشعرية وظاهرية وغيرها. غير أن ذلك لا يعني وجود خلافات جوهرية تامة بين هذه المدارس الإسلامية من الأديان الأخرى. إننا نعثر على اشتراكهم في المواقف الأساسية الكبرى فيما يتعلق بالدفاع عن الإسلام ومبادئه الكبرى وأفضليته. وقد أدت هذه العملية إلى تعميق هوة الخلاف بين الإسلام والأديان الأخرى من جهة، وساهمت في تعميق الرؤية العلمية والمواقف النقدية من جهة أخرى. ووجد ذلك انعكاسه الأولي فيما تشير إليه المصادر التاريخية وكتب السير عن المؤلفات المتعلقة بدراسة الأديان من جانب اغلب المدارس والفرق الإسلامية. فمن بين المعتزلة تجدر الإشارة إلى مؤلفات الأصم (ت-200) مثل كتاب (الرد على اليهود)، ومؤلفات العلاّف أربعة كتب أحدها على اليهود وآخر على النصارى وثالث على عمار النصراني ورابع عن أهل الأديان. كما ألف المردار (ت – 226) كتاب الرد على النصارى وكتاب الرد على أبي قرة النصراني. أما أبو عيسى الوراق (ت – 247) فتنسب له أربعة كتب ثلاثة منها في الرد على النصارى الكبير والأوسط والصغير، وكتاب في الرد على اليهود. وكتب الجاحظ رسالة (الرد على النصارى). كما كتب من بين ممثلي الفرق الإسلامية الأخرى كالجبرية والاشعرية وغيرهم كتبا عديدة بهذا الصدد مثل كتاب ضرار بن عمرو في (الرد على أهل الملل) وكتاب (الرد على النصارى)، كما صنف النوبختي كتابا عن (الآراء والديانات)، وكتب ابن الراوندي جملة رسائل في مهاجمة الأديان، كما تناول هذه القضايا الباقلاني في كتابه (التمهيد)، والجويني في (الإرشاد) وفي (شفاء الغليل فيما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل) .
وفيما لو جرى تكثيف الفكرة العامة والسياق العام لتقاليد نقد الأديان في الثقافة الإسلامية فمن الممكن حصرها بما يلي: كان نقد الأديان في الثقافة الإسلامية جزءا من بحثها عن اليقين. وذلك لان هذه الانتقادات جرت ضمن إطار التأسيس لما تدعو بالتوحيد الحق. إذ لم يكن اهتمامها موجها من اجل الكشف عن التوثيق والتدقيق في المصادر بقدر ما كان موجها من اجل بيان طبيعة الابتعاد عن ماهية الحق كما جرى إدراكه ضمن مفاهيم التوحيد الإسلامي. ولم يعن ذلك أنها أهملت تأمل وتتبع المصادر التاريخية، بقدر ما أنها وضعت أولوية اهتمامها في التدليل على أن اليقين الحقيقي يفترض كحد أدنى القبول بالعقائد الكبرى التي بلورها الإسلام عن التوحيد، باعتبارها تجسيدا معقولا له. وهو ما سأتناوله في أبحاث لاحقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبيعات سيارات تسلا الكهربائية في تراجع مستمر • فرانس 24


.. نتنياهو ينفي معلومات حول إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها




.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نتمسك بتدمير البنية التحتية لحم


.. شركة تبغ متهمة بـ-التلاعب بالعلم- لجذب غير المدخنين




.. أخبار الصباح | طلب عاجل من ماكرون لنتنياهو.. وبايدن يبرر سوء