الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلق القرآن

نافذ الشاعر

2012 / 8 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


هل مشكلة خلق القرآن هرطقة عقائدية أم استنارة فكرية؟
للإجابة على هذا السؤال يجب ان نعلم أن مشكلة خلق القرآن مشكلة خاصة نبعت من مشكلة عامة هي مشكلة الكلام الإلهي، وهي تتمثل في السؤال التالي: هل الله يتكلم أم لا يتكلم؟
فأهل السنة قاسوا صفات الله على صفات البشر، فقالوا إن المتكلم أفضل من الأبكم أو من غير المتكلم، لأن صفة الكلام هي صفة كمال، أما صفة عدم الكلام فهي صفة نقص لا تليق بالله عز وجل..
أما المعتزلة فكانت نظرتهم أكثر تفصيلا وتدقيقا، فاعتبروا الكلام صفة نقص وليست صفة كمال في حق الله وفي حق الإنسان على حد سواء، بل إنها في حق الله أشد نقصا.. فإن الإنسان إذا أراد أن يتكلم فإنه يعاني مشقة ويكابد جهدا، فإذا أراد أن يحقق رغبة ما، فعليه أن يتخيل هذه الرغبة، ثم ينتقي الكلمات التي تؤدي إلى تحقيق هذه الرغبة، ثم يؤخر ويقدم في هذه الكلمات لتؤدي المعني الدقيق من أقصر سبيل، ثم يحرك لسانه بهذه الكلمات لتهتز حباله الصوتية فتحدث اهتزازات في الهواء، فتنتقل الكلمات من فمه إلى أذن السامع فيفهم ما يريد..

هذه الخطوات السابقة كلها صفة نقص في حق الإنسان وليست صفة كمال، لابد للإنسان أن يستخدمها لأنه ناقص غير كامل، ولو كان بمقدور الإنسان أن يختصر هذه الخطوات ويقول للشيء كن فيكون لفعل.. فعلى سبيل المثال عندما يشعر الشخص بألم لدغة الثعبان، فإن الثعبان يلدغ الجلد أولا، ثم يفرغ السم في الدم، ثم يُحدث السم تكسيرا في دم الملدوغ، ثم ترسل الأعصاب إشارة إلى المخ فيشعر الشخص الملدوغ بالألم.. لكن الله إذا أراد أن يصيب شخصا بالألم فلا حاجة به لكل هذه الخطوات، وإنما يجعل هذه الشخص يحس بالألم مباشرة..
إن الله عز وجل لا يحتاج إلى كل هذه الخطوات ليحقق مراده، عندما يريد أن ينطق بكلام مسموع، كما حدث مع موسى عليه السلام.، فلا حاجة لديه لتخيل المعاني، وانتقاء العبارات وتحريك اللسان واهتزاز الحنجرة.. الخ، إنما الله إذا أراد أن يخاطب بشرا، فإنه يختصر هذه الخطوات كلها ويخلق العبارة التي يريدها في الهواء فيسمعها المخاطب، فهذه العبارة المنطوقة ليست صوت الله وليست كلام الله، إنما هي عبارة تم خلقها كي يفهمها المخاطب أو الشخص الذي أراد الله مخاطبته..

لقد كانت تلك النزعة من المعتزلة للرد على القائلين بأن الله حل ونزل في الشجرة عند مخاطبة موسى كما أشار عز وجل بقوله:{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}القصص30
وكان من المفترض أن تقدم وسائل التكنولوجيا العصرية تساعدنا على فهم هذه الآية وتقربنا من فكر المعتزلة، وتجعلنا نفخر بهذا الفكر التقدمي، وندرك أنهم سبقوا عصرهم بكثير، ومن ثم نلتمس عذرا لمن لم يفهم هذه القضية في زمنهم..
فالآن لو رن جرس الهاتف ثم رفعت السماعة فقال المتحدث لك: إني أنا فلان، فهل معنى هذا أن السماعة هي فلان، أو هل أن فلان موجود داخل السماعة، أو هل معنى هذا الصوت الذي سمعته هو صوت فلان الحقيقي.. كلا! لن تجد عاقلا يقول هذا الكلام، حتى أن موسى نفسه فهم هذا الأمر على حقيقته؛ لأنه لو نزل الله في الشجرة لقدس موسى هذه الشجرة، أو لأصبح موسى يحج سنويا للطواف حول هذه الشجرة، أو لبنى حول هذه الشجرة معبدا ولكنه لم يحدث شيئا من ذلك لأن موسى فهم المقصود من هذا الأمر..
وربما هذا كان إرهاصا بأنه سيأتي يوم من الأيام سوف تنطق الجمادات كما نشاهد ذلك في الهاتف والتلفاز.. وسوف نسمع من الخشب ومن البلاستيك ومن الحديد أصوات أناس تفصلنا عنهم ألاف المسافات..

وهذا ما أثبته علم الفيزياء بأن الصوت الإنساني ليس له وجود حقيقي، ونحن نسمعه صوت جميل أو قبيح، لكنه في حقيقة الأمر، عبارة عن عملية تخلخل وتضاغط في جزيئات الوسط بترددات معينة تختلف من إنسان لآخر.. واختلاف هذه الترددات يؤدي إلى اختلاف الأصوات من شخص لآخر. وعلى هذا، فالإنسان يخلق صوته من خلال عملية اهتزاز حباله الصوتية التي تؤدي إلى اهتزازات في الهواء المحيط بنا.
ولو أمكن اختراع جهاز يُحدث نفس الترددات والاهتزازات التي تحدثها الأحبال الصوتية لشخص ما، لأمكن، من خلال ذلك، تقليد صوت أي إنسان بواسطة هذا الجهاز.
وتمثلت حجة المعتزلة في السؤال التالي: هل يحتاج الخالق عز وجل إلى حبال صوتية تحدث الاهتزازات في جزئيات الوسط أو الهواء؟ بالطبع كلا، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. فإذا أراد أن يكلم من لا يفهم إلا بالكلام- كالإنسان مثلاً- فإنه عند ذلك يخلق الكلام بإحداث الاهتزازات التي ينشأ منها الصوت، دون حنجرة أو فم أو لسان.. هذا الصوت الذي حدث ليس هو صوت الله على الحقيقة. إنما هو صوت حادث لإفهام الشخص. وبالطبع لابد أن يكون هذا الصوت المحدث هو صوت ليس كأصوات البشر العادية، وإنما هو صوت يليق بالله سبحانه وتعالى لما يحتويه من هيبة وجمال وجلال.. لأن الله عز وجل يحدث الصوت الذي يعلم أنه سيكون له في نفس المخاطب القبول العظيم!
فهذا الصوت الحادث هو صوت الله عز وجل على المجاز لأنه هو الذي أحدثه، ويختص به وحده دون سواه، ولا يقدر أحد على إحداث صوت مثله. تماماً مثل الإنسان الذي يحدث صوته وينسب إليه دون سواه، ولكن الإنسان له صوت مميز لا يختلف باختلاف الأوقات والأشخاص. أما الله عز وجل فإن الصوت الذي يخاطب فيه إنسان ما فليس هو الصوت الذي يخاطب فيه إنسان آخر، لأن كل إنسان يناسبه صوت في الخطاب يختلف عن غيره.

ومن هنا نشأت مشكلة خلق القرآن، لأن القرآن كلام الله، كما يقول تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ..) (التوبة:6). فإذا كان الكلام الذي كلم الله به موسى مخلوق، والقرآن هو كلام الله الذي كلم الله به محمد صلى الله عليه وسلم، فإن القرآن مخلوق حسب هذا الفهم كذلك..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا