الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوسيولوجيا العواطف

حسني إبراهيم عبد العظيم

2012 / 8 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مفاهيم ســـوســـيولوجية حديثة
5 – سوسيولوجيا العواطف Sociology of Emotions

تمثل العواطف emotions مكونا أساسيا في وجودنا، فهي التي تحركنا، وتدفعنا، وتمثل مصدرا للألم والمتعة والمعرفة بالمواقف التي نعيشها، والعلاقات التي نصنعها. ومع أن دراسة العواطف ظلت لفترة طويلة موضوعا أساسيا في التحليل السيكولوجي، إلا أن علماء الاجتماع اهتموا في السنوات الأخيرة بالجوانب الاجتماعية للعواطف، حيث تناولوا الوظائف الاجتماعية لها، وكيف تسهم العوامل الاجتماعية والثقافية في صياغة التعبير عنها.

والحقيقة أن ثمة اهتماما متزايدا بسوسيولوجيا العواطف في العقود الأخيرة، وذلك نتيجة إعادة قراءة أعمال بعض الرواد خاصة أعمال (إرفنج جوفمان) حيث ظهر عدد كبير من الكتب والمقالات في هذا المجال، وأسست الجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع ASA قسما خاصا لعلم اجتماع العواطف. والمعروف أن علم الاجتماع قد بدأ كنسق معرفي بدراسة المجتمع مع الاهتمام بالنظم الاجتماعية الرئيسية فيه كالأسرة والاقتصاد والدين والسياسة . . إلخ، من حيث بنائها وتطورها ووظائفها، وقد تناول الرواد الأوائل للعلم (كونت وسان سيمون وماركس ودوركايم وسبنسر وفيبر ووسيمل ومانهايم وكولي وميد) هذه الموضوعات العامة في أعمالهم الأصلية الأولى التي كانت بمثابة التحليلات العلمية الأولى للمجتمع. بيد أنه على الرغم من اهتمامهم بالقضايا الكبرى وأبعادها التاريخية والتطورية إلا أن هؤلاء المفكرين قد رصدوا بعض القضايا الصغرى، فنجد أن موضوعات مثل السعادة الفردية، اليأس المفضي للانتحار suicidal despair الاغتراب alienation الوعي conscience التعصب الديني religious fervorالتقدير الذاتي self regard والحب قد وجدت مكانها في الأعمال السوسيولوجية المبكرة.

وعلى الرغم من أن اهتمام علم الاجتماع بالعواطف كان معروفا في الكثير من الكتابات المبكرة - كما ذكرنا - إلا أن الدراسة السوسيولوجية للعواطف لم تظهر كمجال فرعي متميز داخل علم الاجتماع إلا إبان سبعينيات القرن الماضي، وكان ذلك يمثل في جانب منه استجابة واعية من جانب علم الاجتماع الذي أصبح (من وجهة نظر البعض) يولي اهتماما واضحا ومباشرا بالجوانب المعرفية والعقلانية.

لقد تجاوز علم الاجتماع اليوم ثنائية الفرد والمجتمع، وعمل على الربط بسلاسة بينهما،بحيث أصبح يفهم كل منهما من خلال الآخر، لقد أصبح علماء الاجتماع أكثر وعيا من ذي قبل بذلك الامتزاج بين المستويات الكبرى والصغرى للمجتمع micro-macro mix .

وهكذا أصبح علم الاجتماع يدرس عواطف كالحياء والكبرياء والحب والكراهية والرهبة والدهشة والملل والحزن، ويطرح أسئلة عن كيفية تأثير الثقافة على تنميط مثل هذه العواطف والإحساس بها، واكتسابها، وتحولها، والتحكم فيها في الحياة اليومية، وتبريرها وإضفاء الشرعية عليها من خلال تفسيرات معينة. فهذا الميدان – في أوسع تعريف له – يتناول بالدراسة العلاقات بين المشاعر من ناحية والثقافات والأبنية والتفاعلات من ناحية أخرى.

إن العواطف – وفق التحليل السوسيولوجي – تمثل رابطا مفصليا بين المجتمع والمجالات الأكثر شخصية في حياة الأفراد. وتربط بين الجوانب العقلية والعضوية في وجودنا، ولذلك فإن دراسة العواطف تمثل قضية بالغة الأهمية في فهم إشكالية العلاقة بين العقل والجسد، وعلى هذا الأساس، فقد تبلورت ثلاثة نماذج للتحليل:

النموذج الأول وهو النموذج العضوي يرى أن المشاعر تتخلق وتحدث داخل الشخص، ويتم الإحساس بها جسديا، ثم يتم تفسيرها بعد ذلك. أما النموذج الثاني وهو التحليلي (أو التركيبي) فيؤكد أن المشاعر تتأسس اجتماعيا، وأنها لا تعبر عن حالات داخلية، وإنما هي عبارة عن معان ثقافية يتم اضفاؤها على الأحاسيس، حيث نجد أن الإحساس الواحد يمكن أن نضفى عليه معان مختلفة (فالألم والحب والغضب على سبيل المثال ليست أحاسيس عامة، بل تضفى عليها معان مختلفة في الثقافات المختلفة، ويتم الإحساس بها في الغالب بأساليب تختلف من ثقافة لأخرى) أما النموذج التحليلي الثالث والأخير فهو ذلك الذي يتبناه التفاعليون الذين يفسرون المشاعر باعتبارها ثمرة من ثمرات التفاعل بين البيئة والجسد.

وهناك عملان رائدان في هذا المجال يستعرضان أنواع البحوث التي أجريت حول هذا الموضوع، تضطلع الدراسة الأولى التي أجرتها "أرلي هوكتشيلد Arlie Hochschild بعنوان القلب المدرب The managed heart في عام 1983ببحث مضيفات الطيران flight attendants في الولايات المتحدة، حيث تلقى الضوء على الأساليب التي تمارسها صاحبات هذه المهنة الخاصة في بيع العواطف (إذا تعد هذه المهنة بمثابة عمل عاطفى مأجور) التي تكون محكومة بقوانين الإحساس (الشعور).

والحقيقة أن كتاب القلب المدرب قد نال شهرة واسعة ويعد علامة فارقة في تطور سوسيولوجيا العواطف، وقد نال الكتاب وقت صدوره عام 1983جائزة كتاب العام التي تمنحها جريدة نيورك تايمز، كما نال عدة جوائز أخرى تالية، وقد هدفت الباحثة من دراستها تقديم نظرية اجتماعية جديدة حول العواطف استنادا لقراءتها لأعمال ديوي وجيرث وميلز وجوفمان وداروين وفرويد.

أما الدراسة الثانية فقد أجراها توماس شيفThomas Scheff الذي ذهب إلى أن "الحياء أو الخجل هو العاطفة الأجتماعية الأولية " وحاول في بحثه أن يدرس وجود هذه العواطف في كل زمان ومكان والتأثير المتصاعد لكل من الحياء أو الغضب الذي يحدثانه في ثنايا التفاعل الا جتماعي، (أنظر مؤلفه: علم إجتماع الوحدات الصغرى Micro sociology الصادر عام 1990).

وثمة عرض عام لهذا الميدان وللموضوعات ذات الأهمية الخاصة التي جرى بحثها قدمه (تيودور كيمبر) Kemper T. بشكل واضح ودقيق في مؤلفه الأجندة البحثية في سوسيولوجيا العواطف research agenda in the sociology of emotions الصادر في عام 1990.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
1- جوردون مارشال، موسوعة علم الاجتماع: المجلد الأول، ترجمة محمد الجوهري وآخرين، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2007.
2 - Peter E. S. Freund, The expressive body: a common ground for the sociology of emotions and health and illness, Sociology of Health & Illness Vol. 12, No. 4, 1990.
3 – Kemper, T. research agenda in the sociology of emotions, State University of New York Press, 1990
4- Wouters, C., the sociology of emotions and flight attendants: Hochschild s managed heart, Theory, Culture &Society, Vol.6, 1989.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكثر من 50.000 لاجئ قاصر في عداد المفقودين في أوروبا | الأخب


.. مدينة أسترالية يعيش سكانها تحت الأرض!! • فرانس 24 / FRANCE 2




.. نتنياهو يهدد باجتياح رفح حتى لو جرى اتفاق بشأن الرهائن والهد


.. رفعوا لافتة باسم الشهيدة هند.. الطلاب المعتصمون يقتحمون القا




.. لماذا علقت بوركينا فاسو عمل عدة وسائل أجنبية في البلاد؟