الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين البحث عن الذات و واقع البينذاتية

خلود العدولي

2012 / 8 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إننا نعيش معا و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننفصل.إن ما يعذبنا معا "الأنا" و هذا "الآخر" هو اشتراكنا في بداهة وحيدة:لكل منا ذات.هذا ما يجعلنا نتلاصق و نتنافر في وقت واحد.إن هذا الآخر يمكن أن يتجدد في معان كثيرة,فهو من جهة أنطولوجية وجود مغاير و مخالف لوجودي و كينونة قائمة بذاتها تتقاطع مع وجودي الخاص.وهو من جهة فينومينلوجية "وعي آخر" لأن الوعي بالذات يكون وعيا مساويا لنفسه,موضوعه الوحيد هو "الأنا" و بدوره يكون الوعي الأخر حاملا لموضوع وحيد و هو "الآخر".هذا ما ينشأ عنه "صراع الإعتراف" بعبارات هيغل و عندها يتسم كلا الوعيين بالصراع و محاولة إثبات الذات لأن كليهما ينظر إلى الآخر بصفته "موضوع" و هنا يمكن أن نطرح حالة الحب:إن الحب كحالة يختلط فيها الوعي بالاوعي في لحظات مختلفة,يجعل الذات تفسح المجال للأخر عن طريق فتحها لأبواب وعيها الذاتي مما يمحي صورة تقابل الوعيين وجها لوجه يحث يهدد كل واحد منهم الآخر بل ترسم صورة جديدة تعبر عن تقاطع الوعيين و اشتراكها في مساحة "البينذاتية".يقدم جون بول سارتر شرحا لمختلف طرائق الوجود عند الإنسان و هي ثلاثة:اولها الوجود في الذات و يتصف باللاوعي و اللإدراك حيث يحدث أحيانا أن ننكر أنفسنا أمام المرآة,أما الثاني فهو الوجود للذات:وهو الوجود الذي يتضمن الإنسان في وحدته و انعزاله و يظل هذا الوجود منقوصا في إنتظار دخوله مرحلة التواصل مع الآخر.و لهذا السبب بالذات يرسل وجودنا هذا إشارات نفسية في حالة الشعور بالوحدة و عدم التواصل و انعدام وجود أشخاص يؤثثون حياة الفرد.ثم يأتي الوجود الأخير الذي تحدث عنه سارتر و هو الوجود الذي تقوم عليه كل الصراعات و التوترات الإنسانية وتقوم عليه أيضا كل علاقات الحب و التضحية و الأمومة و هو"الوجود للغير":إن هذا الوجود هو في آن "صراع" تخوضه الأنا ضد الهم و ذلك بهدف فرض الذات,وهو أيضا "عطاء" تقوم به الذات لتتحقق.إننا تعساء جدا حيث لا يمكن لنا في أي حال من الأحوال أن نحس بالرضاء التام عن ذواتنا أو أن نحس بوجودنا الفعلي في الحياة دون "العطاء" أي دون تقديم المشاعر و المساعدة و الحب و التضحية من أجل الآخر.
فهذا العطاء هو ما يمكن أن يحقق توازننا و يحدد وجودنا,إنه من الغريب جدا أن يتحكم "الصراع" و "العطاء" في علاقة الأنا بالآخر,كأنهما حبلين يجذبان الأنا في إتجاهين متناقضين بهدف تحقيق وجودها.إن هذا الأخر يفتح التأويلات حيث ما يمكن أن تكون عليه ذاتي الآن-تدخل هذه "الآن" ضمن مسلمة أن الأنا كينونة متطورة باستمرار-حيث أنني إذا كنت غيورا فسيكشف سلوك غيري عن هذه الصفة بي و عندها سأشرع في التفكير ة سأطرح الأسئلة:لما أتصف بهذه الصفة؟؟و كيف
إن العيش مع الأخر هي عملية صقل و بناء متواصلة حيث تزيل تلك البينذاتية الشوائب التي تمسني و تبني مكانها آفاقا جديدة و رؤية جديدة ووجودا يتجدد بالتواصل.فإذا كان هذا الآخر "هو الأنا عينه بما هو غيره" بعبارات بول ريكور و إن كان مرآة يتحدد من خلالها وعي بذاتي و اكتسب عن طريقها مجالا جديدا يسمى "البينذاتية"فهذا ينفي حقيقة أن هذه العلاقة البينذاتية تحرم الإنسان من الوجود لذاته حيث كما اشرنا سابقا في تحليلنا لأنواع الوجود عند سارتر:هذا الوجود للذات هو وجود منقوص يظل بحاجة إلى الآخر ليتوازن.عندها تتبادر الأسئلة للذهن:ألا يمكن أن أوجد لذاتي دون الحاجة لهذا الآخر؟؟ألا يمكن أن أشرع في أن أكون حرا و مستقلا و ذلك عن طريق تخليص نفسي من سطوة الأخر هذه؟؟ألا يمكن نفي صراع "وعي السيادة" مقابل "وعي العبودية" بعبارات هيغل؟؟إن ما يحرمني منه هذا الأخر و يمس من كبريائي هو "ذاتي".إنه يشاطرني هذه الذات و يحول دون أن أملكها لوحدي و يمنعني من إكتشاف أنحائها دون وساطته,و إنني في هذا الوضع غير قادر على محوه من دائرة ذاتي.من الأجدر أن نعترف أن الآخر بقدر ما يصور ذاتي بقدر ما يموضعها.إن هذا التموضع هو طاعة لسلطة الآخر و هو نفي للحرية المطلقة التي تنشدها الذات.إننا لا ننفك نحاول جعل الأخر"موضوعا منفصلا عنا" أثاثا يمكن الإستغناء عنه.إن ماقاله سارتر يعبر عن المأساة المشتركة لجميع ذواتنا:"خطيئتي هي مجيئي لوجود يشغله مثلي آخر"إننا نرغب في الآخر في حين أننا نرغب أيضا في اكتشاف كل أركان ذاتنا دون أن يعترض طريقنا هذا "الآخر".إننا عند سماع كلمات مونيه يمكن أن أنغضب حيث يقول"لا أوجد بقدر ما أوجد لغيري و أن أوجد هو أن أحب".إننا ها هنا نقف حيال نفي وجودنا و جعله مرتبطا بالآخر و هو ما يقودنا للجنون .لكننا سرعان ما نرغب في الآخر:ثقافيا,حضاريا,نفسيا,في علاقات الحب و الصداقة و الزمالة:إنه يشاركنا في صنع السعادة حيث أننا لم نستطع إلى الآن تحقيق السعادة الكافية إنطلاقا من ذواتنا فحسب.إننا لا نحققها إلا عن طريق الآخرو هذه الحقيقة لا يمكن أن تكون إلا تأكيدا لما تدور حوله الفلسفة من ركائز حيث لا يمكن أن يتحقق سؤال بجواب وحيد,لأن ماهية السؤال و استمرارية سبل طرحه من جديد تتوقف عند غليان الأجوبة المتعددة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا