الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في طقوس عاشوراء

انيس الامير

2005 / 2 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل ايام كنت في زياره الى احدى المدن التي يقطنها اغلبيه من الطائفه الشيعيه ولاحظت بشكل ملفت للنظر التوسع في الطقوس الدينيه التي تنفرد بها هذه الطائفه دون سواها من طوائف المسلمين . واني لسنا هنا بصدد مناقشة الموضوع من وجهة نظر دينيه فهذا خارج اختصاصنا وخارج اهتماماتنا ايضا"كما اني لا ادعوا الى وضع قيود على هذه الممارسه او تلك فهذا من ابسط حقوق الانسان التي حرمنا منها النظام السابق والتي نعمل على تثبيتها على الصعيدين التشريعي والعملي.ان دائرة اهتمامنا سوف تنصب على تحليل هذه الظاهره ووضعها في اطارها الصحيح من وجهة النظر الاجتماعيه والسياسيه.
ان اهم ملامح الظاهره موضع البحث والتي اخذت بالتبلور بعد سقوط نظام صدام حسين :
1- عدم اقتصارهذه الطقوس على شهري محرم وصفر والمناسنات الدينيه كما كان سائدا" قبل الحقبه البعثيه بل ان الطقوس امتدت على مدار العام.
2- التوسع الافقي الكمي في حجم المشاركه في هذه الطقوس ( وخاصة الطقوس التي لم تكن تحظي بقبول جماهيري في السابق كضرب الزنجيل وغيرها).
3- استخدام تقنيات جديده مثل استخدام الاقراص المضغوطه في وكذلك قنوات التلفزيون المحليه اشاعة هذه الشعائر .
4- ابتكار شعائر جديده لم تكن معروفه في السابق.
ولثقييم هذه الظاهره من وجهة نظر اجتماعيه وسياسية يجب ان نضع في اعتبارنا الحفائق الاتيه:
1- النهج المفرط بالقسوه الذي مارسه نظام صدام ازاء كل الفعاليات السياسه او الدينيه او الثقافيه الخارجه عن اطار سيطرة وتوجيه منظوماته الحزبيه والامنيه. فقد كان هذا النظام لا يتورع عن اعدام الناس بالجمله لمجرد اشتراكهم بهذا الطقس الديني او ذاك , بهذه الفعاليه السياسيه او تلك ورغم ان نظام صدام لم يكن يمييز في قمعه بين عربي او كردي بين شيعي او سني لكن الشيعة وكذلك الاكراد تحملوا القسط الاكبر من هذا القمع لاسباب لا مجال لمناقشتها هنا. وتأسيسا" على هذه الحقيقه يمكن القول ان ما نشهده من مبالغه في احياء الطقوس الدينيه لدى الشيعه يدخل في اطار رد الفعل الطبيعي على حقبه طويله من الكبت وقمع الحريات.
2- المد الديني – السياسي الذي عم المنطقه العربيه والاسلاميه وانحسار نفوذ وتأثير القوى السياسيه العلمانيه عموما" واليساريه خصوصا".وتتضح هذه الظاهره في العراق بشكل مضخم لان النظام الديكتاتوري اذ نجح في حجب الافكار والثقافه اليساريه عن الناس لمدة تزيد على ربع قرن فأنه لم يستطع ان يجفف منابع الثقافة الدينيه بل العكس هو الصحيح فأن هذا النظام اضطر في فترات معينه الى اللجوء الى ركب الموجه الدينيه واطلاق حملته الايمانيه المزعومه ذات الاهداف السياسيه الانتهازيه الواضحه.
وعندما سقط النظام كان طبيعيا" ان يكون المناخ السائد ملاتما" و مواتيا" للتيارات الدينيه السياسيه اكثر بكثير من ملائمته للتيارات اليساريه والعلمانيه.ولا ريب أن الاسلاميون الشيعة يسعون لتوظيف الطقوس والشعائر الدينيه في مجمل نشاطهم الفكري والسياسي.
واذا اردنا مناقشة الابعاد والمضامين الفكريه لموضوع الاحتفال بعاشوراء وغيرها من المناسبات الشيعيه فأنها تعكس بدون شك معاني الوفاء للاشخاص الذين ضحوا بأرواحهم من اجل احقاق الحق ومقارعة الظلم وغالبا" ما كان هذا الاحتفال مناسبة" لتأجيج مشاعر الناس وتصعيد النضال ضد الطغاة المعاصرين
وهذا مما يحسب لهذه الشعائر والتي ليس بوسع اي باحث منصف انكار او تجاوز هذه الحقيقه.ولشعائر عاشوراء بعدها السايكولوجي فهي تعكس كمية الحزن المتراكم في داخل الشخصيه العراقيه بسبب قسوة الطبيعه ووحشيه الحكام الطغاة الذين حكموا العراق منذ عبدالله بن زياد وحتى صدام حسين مرورا"بالحجاج بن يوسف الثقفي.
وتنطوي الشعائر الشيعيه( اذا اطرت بشكل مناسب بعيدا" عن المبالغه والاسفاف) على الكثير من المنافع الثقافيه والاجتماعيه والتربويه فهي تقوي الأواصر الاجتماعيه بما تتيحه من فرص للالتقاء بين الناس الذين يحضرون هذه الشعائر وبما تثيره من مناقشات فكريه في ميادين التأريخ والسياسه والدين وحتى الأدب.وتثير احتفالية عاشوراء الكثير من مفاهيم التواضع والتساوي بين الناس حيث تجد الغني والفقير ، الحاكم والمحكوم في زي واحد وطقس واحد في مشهد عاطفي مؤثر وتتعزز في يوم عاشوراء مفاهيم البذل والعطاء والإيثار حيث ترى الناس تبذل أموالها بسخاء لا تعهده في أيام السنه الأخرى.
واذا كان لشعائر عاشوراء وما شابهها تلك الفوائد فأن الإفراط والمبالغة التي نشهدها هذه الأيام تنطوي على الضد من ذلك على الكثير من النواحي السلبيه في مقدمتها:
ا-اختزال الفكر الشيعي في هذه الطقوس وتكريس الصوره المشوهه عن الشيعه كاناس لا يفقهون سوى اللطم وضرب السلاسل وغيرها من الممارسات البعيده عن جوهر الفكر الشيعي الذي انجب الكثير من المفكرين اللامعين الذين اغنوا الفكر الإسلامي بالكثير من المساهمات البارزه. وكذلك طمس الدور البارز للحوزات العلميه الشيعيه عبر التاريخ في حفظ التراث الفكري العربي في مجالات الفقه والفلسفه والمنطق وقواعد اللغه العربيه.
2-ان المبالغه والافراط هي على العموم تؤدي الى نتائج عكسيه وقد تفضي الى نفور الناس بدلا" من استقطابهم في وقت نحن احوج ما نكون فيه الى استلهام القيم والمثل الانسانيه العليا التي سار على هديها الامام الحسين.
3-صرف الأنظار عن الكثير من المشكلات الآنيه والملحه التي تواجهها الغالبيه العظمى من الناس.
انني اتطلع الى الاحتفال بذكرى عاشوراء بأشكال واطر متحضره من خلال إقامة المحاضرات والندوات الثقافيه والمهرجانات الشعريه التي تمجد هذه المناسبه وتسهم في زيادة وعي المواطن بالابعاد الفكريه والتاريخية لهذه المحطه المهمه في التاريخ الاسلامي.
ان تحقيق ذلك يتطلب من الجهات ذات العلاقه وخاصه المراجع والمنظمات والاحزاب الاسلاميه بذل جهود كبيره في هذا الاطار وان تتحلى بقدر كبير من الشجاعة وان تبتعد عن اسلوب المجاملة وان تتصدى بقوة للإسفاف والمبالغه التي بدأت تشيع في شعائر عاشوراء وتكاد تفقد هذه المناسبه هيبتها وجلالها ومكانتها الخاصه في قلوب المسلمين.
فلنعمل جميعا" من اجل طقوس اكثر تحضرا" ولتختفي والى الابد كل المظاهر التي تسيء الى صورة الانسان المسلم الشيعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال