الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناقشة د. حسام الآلوسي: التطور والنسبية في الاخلاق يلغي الاخلاق أصلاً

رواء محمود حسين

2012 / 8 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مناقشة د. حسام الالوسي
التطور والنسبية في الاخلاق يلغي الاخلاق أصلاً


‏ أولاً: بحسب ما هو: عرض موجز لمنهج د. حسام الآلوسي في كتاب: ‏‏"التطور والنسبية في الاخلاق"‏
‏ في آواخر الثمانينيات من القرن العشرين الماضي أصدر الدكتور حسام الآلوسي ‏كتابه الموسوم: "التطور والنسبية في الاخلاق"، (ط1، دار الطليعة، بيروت، 1989 ‏م، والكتاب كما حدد د. الآلوسي منهجه يعتمد على دراسة اجتماعية تاريخية ليس ‏لأخلاق البشر فقط، بل وللعادات ومراحل التفكير الانسانية وأنماط السلوك. وأساس ‏المنهج كله، كما يبين الآلوسي، أمران: ‏
‏-‏ الأول: الانسان وسلوكه مرحلة متطورة من الحيوان الراقي وسلوكه.‏
‏-‏ الثاني: الاخلاق مسألة تاريخية اجتماعية، وهذا العامل بحد ذاته يجنب الوقوع ‏بفطرية الضمير ومطلقية الاخلاق. ‏
‏ ويحدد المؤلف خطة عمل الكتاب ببيان أنواع السلوك الاجتماعي لدى الحيوان، ‏فبيان اجتماعية السلوك البشري ومنه الأخلاق، وعرض مدرستين إحداهما تخالف منهج ‏المؤلف فتقول بفطرية الضمير، وبأن القيم مطلقة، ثم عرض الموضوع من وجهة نظر ‏أخرى تخالف نظر الفطريين، عن طريق بيان العوامل المؤثرة في المجتمع، وخصوصاً ‏العوامل المادية، من خلال عرض لأهم المراحل التي مر بها المجتمع البشري ابتداء ‏بطور المشاعية، فدور العبودية ... إلخ، ومن ثم اعطاء تاريخ مفصل لمراحل الفكر ‏البشري ولتطور السلوك والحكم الأدبي والوازع الأخلاقي، ابتداء بالعرف، وانتهاء بالتقييم ‏الشخصي الداخلي، ومن ثم استخلاص النتائج الضرورية من هذين العرضين لتأريخ ‏المجتمع وتأريخ الفكر، وهذه النتائج، كما يؤكد لصالح القول بنسبية الأخلاق، والقول ‏بنشأة الحكم الأدبي نشأة اجتماعية متطورة متنامية. ويضرب الآلوسي مثلاً من عادات ‏الشعوب وأحكامهم ومؤسساتهم للدلالة على نسبية العقل البشري نفسه، وصولاً إلى ‏توضيح نشأة الضمير، على نطاق فردي من خلال استعراض أهم النظريات، سواء في ‏التحليل النفسي أو سواه مثل تفسيرات ادلر ودوركايم، وعلى نطاق اجتماعي أولاً، ثم ‏بيان أن النسبية ليست نسبية مطلقة، مثل ما موجود عند السوفسطائية أو الشكاك، بل ‏إنها نسبية تبني المطلق في خط صاعد متسع صاعد عرضياً وعمودياً، وهنا يجد ‏الدكتور الآلوسي نفسه بحاجة لبيان الخطوط العريضة في النظرية المادية للمعرفة، ‏ودور العمل واللغة في تميز الانسان عن الحيوان، وتقديم، في الأخير، تصوراته ‏لأخلاقيات المجتمع اللاطبقي، مجتمع الإنسانية والمستقبل، (الآلوسي: "التطور والنسبية ‏في الأخلاق"، 6 – 7). ‏
‏ اعتقد أن المنهجية المذكور بحسب ما حدد د. حسام الآلوسي كافية في تحديد ‏منهجية المؤلف في كتابه، وهذا ما يهيئ أمامنا الفرصة للانتقال إلى بيان النقطة الثانية ‏من مقالنا هذا.‏
‏ ‏
‏ ثانياً: مرجعية الآلوسي الفلسفية والعلمية: استكشاف تحليلي للمنهجية ‏الأخلاقية ‏
‏ من الواضح وضوحاً بيناً في الخطوط العريضة التي رسمها د. الآلوسي في ‏مقدمة كتابه أن المنهج الفلسفي لدراسة الأخلاق عنده مادي محض، وخال من أي ‏محتو للفلسفة المثالية. وإذ حددنا أن المنهج الفلسفي الآلوسي يقع في صميم الفلسفة ‏المادية ‏Materialism‏ فيبقى السؤال الأهم: أي مادية يفكر فيها الآلوسي في المجال ‏الأخلاقي؟ والجواب ببساطة: إنها مادية القرن التاسع عشر، وبالتحديد المادية الجدلية ‏والتاريخية الجدلية التي وضع أسسها كارل ماركس وفريدريك انجلز، فضلاً عن نظرية ‏دارون في الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح وتطور الأحياء، وهذا ما يقود إلى القول ‏أيضاً بأن الآلوسي يحاول إعادة صياغة المسألة الأخلاقية برمتها في إطار المرجعية ‏المذكورة، أي باختصار في مجال النظرية المادية للمعرفة. وللتدليل على ما نقول ‏لنقارن أفكار د. حسام الآلوسي المتقدمة بالنص الآتي لماركس إذ يقول: "في إنتاج ‏الناس الاجتماعي لحياتهم يدخلون في علاقات محددة، ضرورية ومستقلة عن إرادتهم، ‏وهي علاقات إنتاج تطابق درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية. ويشكل ‏مجموع علاقات الانتاج هذه البنيان الاقتصادي للمجتمع، أي يشكل الأساس الحقيقي ‏الذي يقوم فوقه صرح علوي قانوني وسياسي وتتمشى أشكال اجتماعية. فأسلوب إنتاج ‏الحياة المادية هو شرط العملية الاجتماعية والسياسية والعقلية للحياة بوجه عام. ليس ‏وعي الناس بالذي يحدد وجودهم، ولكن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم. "، ‏‏(ينظر: ماركس: "نقد للاقتصاد السياسي"، ترجمة دكتور راشد البراوي، ط 1، دار ‏النهضة العربية، مصر، 1969، ص 6 – 7، وقارن مع بحثي الموسوم: " دور ‏الفلسفة الاسلامية في مشروع الاصلاح الاجتماعي في العراق، من الواقعية الاجتماعية ‏إلى العقلانية والأخلاق التطبيقية"، مجلة "دراسات فلسفية"، بيت الحكمة، بغداد، العدد ‏‏26، 2011 م، ص 98 – 99. وللتوسع: ينظر: جورج بوليتزر وجي بيس موريس ‏كافين، تعريب شعبان بركات: "أصول الفلسفة الماركسية"، منشورات المكتبة العصرية، ‏بيروت، بدون تاريخ، جزءان ). ‏
‏ وهكذا تقرر المادية الجدلية أنه خارج المجتمع لا يمكن أن يوجد فكر إنساني، ‏ويظهر ذلك بسبب حياة البشر في حدود المجتمع، وتشدد على أن العمل هو من خلق ‏الانسان، و المجتمع الانساني. ويتكون وعي الانسان منذ الطفولة على أساس ‏الكلمات، أي على أساس اللغة، واثناء هذه السيرورة تظهر تدريجياً سمة موقوفة على ‏الانسان وحده: الفكر المرتبط بشكل صميمي باللغة. إذ يتعذر فصل فكر الانسان عن ‏لغته. ومن ثم فهناك وحدة عضوية تقوم بين اللغة والفكر. ( فاسيلي بودوستنيك، ‏أوفشي ياخوت: "ألف باء المادية الجدلية"، ترجمة جورج طرابيشي، ط1، دار الطليعة، ‏بيروت، 1979، ص 43 ، 42). ‏
‏ ويمكن أن نقارن حديث د. الآلوسي عن المراحل التي مر بها المجتمع فيما تقدم ‏بما سماه ماركس ب (التراكم الأولي) في كتابه: "رأس المال"، ويحدد هذا المفهوم ‏بالقول أنه: "ليس سوى العملية التاريخية لفصل المنتج عن وسائل الانتاج. وهي تبدو ‏‏"أولية"، لأنها تؤلف مرحلة ما قبل تاريخ رأس المال واسلوب الانتاج المطابق له"، ‏ويقرر أيضاً: "إن البنية الاقتصادية للمجتمع الرأسمالي قد نمت من البنية الاقتصادية ‏للمجتمع الاقطاعي، وانحلال هذا الأخير حرر عناصر الأول". (ينظر: كارل ماركس: ‏‏"رأس المال"، 2 / 303). ‏
‏ وعن المادية التاريخية يؤكد انجلز أنه: "وفقاً للمفهوم المادي عن التاريخ، يشكل ‏انتاج وتجديد الحياة الفعلية العنصر الحاسم، في آخر المطاف في العملية التاريخية". ‏‏(ينظر: انجلز: "رسائل حول المادية التاريخية 1890 – 1894، ترجمة إلياس ‏شاهين، دار التقدم، موسكو، 1980، ص 6، وقارن مع انجلز: "أصل العائلة والملكية ‏الخاصة والدولة"، ترجمة إلياس شاهين، دار التقدم، موسكو، بدون تاريخ). ‏
‏ وعن النظرية المادية في المعرفة التي أشار إليها الآلوسي فيما تقدم، يقول ‏روجيه غارودي: "يجب على النظرية المادية في المعرفة أن تشرح منشأ الفكر انطلاقاً ‏من حركة المادة، ودراسة تطورها من أشكال الانعكاس الاكثر بدائية حتى المعرفة ‏العلمية". (ينظر: روجيه غارودي: "النظرية المادية في المعرفة"، تعريب ابراهيم قريط، ‏دار دمشق، بيروت، بدون تاريخ، ص52). ‏
‏ وواضح جداً أن حديث د. حسام الآلوسي عن تطور الانسان من الحيوان الراقي ‏مستمد من نظرية دارون في الانتخاب الطبيعي والتي ترى أنه قد تم الانتقال من الأنواع ‏الابتدائية إلى الأنواع الصحيحة والمتباينة عن طريق الكفاح والتنازع على البقاء، ‏وبسبب هذا التنازع، فإن التمايزات مهما كانت بسيطة وبغض النظر عن سبب انبثاقها ‏فإنها تميل الى الاحتفاظ بمثل هذه الافراد، ومن ثم تصبح متوارثة عن طريق الذرارى، ‏والتي سيكون لها الفرصة الافضل للبقاء على قيد الحياة، لأنه لا يكتب إلا لعدد قليل ‏منها البقاء على قيد الحياة، ويطلق دارون على هذا المبدأ مصطلح (الانتقاء الطبيعي) ‏لتمييزه عن مقدر الانسان على الانتقاء وإن كان يعد مصطلح هربرت سبنسر (البقاء ‏للأصلح) أكثر دقة. (ينظر: دارون: "أصل الأنواع، نشأة الأنواع الحية عن طريق ‏الانتقاء الطبيعي أو الاحتفاظ بالأعراق المفضلة في أثناء الكفاح من أجل الحياة"، ‏ترجمة مجدي محمود المليجي، تقديم سمير حنا صادق، المجلس الاعلى للثقافة، ‏مصر، 2004، ص 136 - 137. وقارن: دارون: "نشأة الانسان والانتقاء الجنسي"، ‏ترجمة مجدي محمود المليجي، المجلس الاعلى للثقافة، مصر، 2005م، جزآن). ‏

الجدال بالأحسن: نحو أصول ثابتة للأخلاق
‏ ما نود قوله في مجال المعالجة النقدية للأخلاق عند الدكتور حسام الآلوسي، أن ‏القول بتطور ونسبية الاخلاق يلغي الاخلاق أصلاً. والسؤال هو: كيف يتم هذا الالغاء؟ ‏والجواب: يتم هذا الاخلاق بموجب جعل التطور والنسبية مرجعية للمبادئ والقيم ‏والافعال الاخلاقية. وللتوضيح أكثر نقول إن التطور في الاخلاق يعني أن القيم ‏الاخلاقية قد تتغير من ناحية الحرمة أو الحل بموجب التغير التاريخي الجدلي، فقد ‏يكون الأمر حلالاً ومباحاً في وقت معين، ولكنه ونتيجة للتغير تاريخياً يصبح محرماً، ‏وهذا التغير التاريخي الجدلي يلغي الاخلاق كما هو بين بإلغاء وحدة المبدأ الاخلاقي ‏وثبوته. ‏
‏ كما إن القول بنسبية الاخلاق يلغيها أصلاً لأنه يجعل الاخلاق تبعاً لمعيار ‏المادية الجدلية، فقد يكون المبدأ أو الفعل الاخلاقي محرماً عند شخص ولكنه محلل ‏عند شخص آخر، ولا خفاء أيضاً في أن القيمة الاخلاقية ضائعة هنا أيضاً لأن المبدأ ‏الذي تستند إليه الاخلاق مفقود. ‏
‏ لا بد للأخلاق إذن أن تستند إلى معيار ثابت يكون بمثابة الميزان القسط لوزن ‏المبادئ والافعال الاخلاقية، وتقرير صحتها من بطلانها، أو حسنها من قبحها، وهذا ‏المعيار هو الدين، وبالأخص الوحي (أو الصراط المستقيم) الذي جاء بها الانبياء ‏والمرسلون. ‏
‏ فأمام الوحي أو الدين أو الصراط المستقيم يصبح الانسان أمام مرجعية قصوى ‏أو عليا للأخلاق، بحيث يستند إليها في تقرير صحة القواعد والمبادئ الاخلاقية من ‏عدمها، ولا جدال في أن المبادئ التي جاء بها الوحي خصوصاً في المجال الاخلاقي ‏مبادئ ثابتة ومطلقة وغير قابلة للتغير والتبدل بموجب التغير المادي أو التاريخي ‏الجدلي، وهنا نصل إلى لحظة قلب المفاهيم الاخلاقية التي طرحها د. الآلوسي، أي ‏من لحظة جعل المبدأ الاخلاقي تبعاً لتغير وتطور ونسبية المادية والتاريخية الجدلية، ‏إلى لحظة تبعية المبدأ المذكور إلى المبدأ الثابت غير المتغير أو المتبدل، أي الوحي. ‏
‏ الدين هو مصدر الأخلاق الحسنة، والعلاقة بين الدين والاخلاق قد تكون ‏علاقة تاريخية بمعنى أنهما شهدا أحداثاً معينة ومرا بأطوار تاريخية محددة، وقد تكون ‏علاقة نفسية، لأنهما يمدان الانسان ببواعث ومقاصد مخصوصة ويولدان عنده ‏مشاعر ومسالك معلومة، وقد تكون علاقة اجتماعية لأنهما ينشئان بين الناس علاقات ‏منتظمة ومصالح مشتركة في جملة من المؤسسات وتحميها أنواع الجزءات، وقد تكون ‏علاقة منطقية، بمعنى أن لهما خصائص صورية تولدها قدرات استدلالية معينة، وقد ‏تكون علاقة معرفية لأنهما يشتملان على مبادئ ومعايير أولى تنزل منزلة الأصول ‏التي يتفرع أو يتأسس عليهما ما سواهما، وقد تكون علاقات كيانية (أو انطولوجية) ‏بمعنى أن العلة في وجودهما مشرع إلهي أو مشرع إنساني يضمن نفعهما للأفراد ‏والجماعات، وما شابه ذلك من الوجوه. (ينظر: طه عبد الرحمن: "سؤال الاخلاق: ‏مساهمة في النقد الاخلاقي للحداثة الغربية"، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار ‏البيضاء – بيروت، 2000، ص 30). ‏
‏ وسيؤدي فصل الاخلاق عن الدين إلى مبادئ ثلاثة:‏
‏ الأول: مبدأ التوجه إلى الانسان: ووفق هذا المبدأ يتم ترك التصورات والتصرفات ‏طبقاً للإله ويقتصر فيها على الانسان.‏
‏ الثاني: مبدأ التوسل بالعقل: وهذا المبدأ يكشف أن ترك التوسل في الافكار ‏والسلوك بالوحي يؤدي بالضرورة إلى قصور التوسل بالعقل، وهو خلل واضح بين. ‏
‏ الثالث: مبدأ التعلق بالدنيا: وهذا المبدأ يوجه إلى التعلق بالدنيا الفانية في مقابل ‏التمسك بالخلاص الأبدي النهائي في الدار الآخرة. (ينظر عن هذه المبادئ الثلاثة: ‏طه عبد الرحمن: "روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الاسلامية"، ط1، المركز ‏الثقافي العربي، الدار البيضاء – بيروت، 2006، ص 100 – 101). ‏
‏ إذن الانسانية بحاجة إلى معيار ثابت للأخلاق من أجل أن لا تكون عرضة ‏للتغير او التبدل أو تابعة لأهواء البشر وتقلباتهم التاريخية والجدلية، وليس هذا المعيار، ‏كما قلنا، إلا الدين نفسه. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ماذا عن إصدار محكمة عسكرية حكما بالسجن سنة بحق المعارض


.. مشاهير أمريكا. مع أو ضد ترامب؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الولايات المتحدة وإسرائيل ..الدعم العسكري| #التاسعة


.. ما هي التقنيات الجديدة لصيانة المباني الشاهقة؟




.. حماس تتهم إسرائيل بقطع الطريق على جهود الوسطاء | #غرفة_الأخب