الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصبة نئن وجميلة بوحيرد تبكيها

أميمة أحمد

2012 / 8 / 29
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


أميمة أحمد 6 أغسطس 2012

من لايعرف حي القصبة بالجزائر؟ الحي العتيق من العهد العثماني ، الحي الذي يعيش فيه سكان الجزائر العاصمة الأصليين ، الحي الذي عاشت فيه العائلات الجزائرية العريقة، وتوارثت منازلها أبا عن جد، منازل لها شرفات الأندلس الندية بالورد، ونافورة الماء وسط صحن الدار ، حي له أزقة حميدية الشام، تتراصف المنازل كتفا لكتف، تبعث على الدفء الاجتماعي العميق، أسطح متلاصقة، نوافذ متقابلة يفوح منها عبق تاريخ قديم ، يحكي أساطير أهل القصبة ومقاومتهم الاستعمار الفرنسي، لم يجرؤ جندي فرنسي على ولوج أزقة القصبة دون أن يكون مرفوقا بجحافل العسكر ، خائفون من قنبلة أو رصاصة مجاهد ، يختبيء في حضن القصبة الدافيء، وما أن يدخل الهارب من الاحتلال الفرنسي القصبة أو يعتلي أسطحتها سيجد بدل المخبأ ألف .
هذا الحي عرف محمد العربي بن مهيدي ، أحد قادة ثورة تحرير الجزائر، الذي وصفه عدوه اللدود الجنرال بيجار " صندوق الأفكار، ولو بقي حيا لكان للجزائر شانا آخر " ، كان هذا الثائر المثقف يجتمع بثوار مدينة الجزائر في حي القصبة العتيق في منزل أهل جميلة بوحيرد ، حيث كان فيه مخبر السلاح وصناعة القنابل . أزقة القصبة تتذكر أقدام بن مهيدي ، الهاديء الملامح ، الذي يجيد الإصغاء مبديا الاهتمام بمحدثه، قليل الكلام ، آه ثم آه ... لو تتكلم جدران القصبة لحكت قصصا وحكايات لاتنتهي كيف كان بن مهيدي يتوارى في أزقة القصبة ليلتقي ثوار القصبة ، حيث معاقل ثورة الجزائر ، القصبة التاريخ تحضن بن مهيدي في عتمتها إلى أن يصل مكان رفاق السلاح في منزل بوحيرد .

من هذا الحي العتيق المشبع بالأصالة والتاريخ اندلعت ثورة الجزائر ، وكانت معقلا للثوار ، ومحل مخابر تصنيع القنابل والديناميت لضرب الاحتلال الفرنسي الغاشم ، الذي كان يضرب القرى والمداشر بالطائرات الحربية، ويقتل سكانها الفقراء وأطفالهم، ويحعل منازلهم الطينية عاليها واطيها، وأزيز الطائرات تقذف حمم القنابل على الأبرياء ، والرد على جرائم المستعمر يخرج من القصبة ، وكانت الضربات موجعة للأحياء الفرنسية .
جميلة بوحيرد البطلة الرمز للدفاع عن الحرية حملت قفة الخضرة أو علبة الحلوى، وبداخلها قنبلة موقوته تضعها في مكان موجع للأستعمار ، إلى أن اشتبهوا بها ، فلحقوها بالرصاص ، فأصابتها الرصاصة من قفا الكتف لتخرج من الصدر ، لولا إصابتها مالحقوا بها تلك الصبية الشقراء الجميلة، الرياضية في السباحة وركوب الخيل، لكن يد الغدر حكمتها كما يحكم الصياد نسرا . حكموا عليها بالإعدام ، وبعد حملة دولية لإطلاق سراحها خفف الحكم إلى السجن المؤبد، وكأن فرنسا ظنت ستبقى للأبد في الجزائر .

عندمايتستمع المرء للبطلة الرمز جميلة بوحيرد وهي تتحدث عن القصبة مسقط رأسها، وربوع عائلتها من أعمام وأولادهم، ورفيقاتها حسيبة بن بوعلي الشهيدة التي أوصتها أن تأخذ لها وردا أحمر تحزمه برباط أبيض مطرز، وزهرة ظريف التي حكم عليها عشرين سنة سجنا، وكانت تختبيء في مزل بوحيرد، ومنه اعتقلها الفرنسيون ،وتتحدث جميلة عن رفاق السلاح كأخوتها ، دحمان الأونكلي، وطالب عبد الرحمن ، وغيرهم ممن استشهدوا في عمر الورد ، وياسف سعدي رئيس الخلية الثورية بالعاصمة الذي مثل في فيلم " معركة الجزائر لعب شخصيته الثورية في الفيلم .
حديث جميلة العرب لايمل منه السامع وهي تحكي عن بطولات شعب صنع مجد الاستقلال بإمكانات قليلة وإرادة فولاذية ، شعاره النصر أو الشهادة .

حي القصبة العتيق مصنف من التراث العالمي وفق قرار اليونسكو ، لكن منازل القصبة التي شهدت تاريخ ثورة الجزائر، وارتوت أزقتها بدماء الشهداء، وضجت سماءاتها بعويل الثكالى والأرامل والأيتام عند كل مداهمة للجيش الفرنسي لمعقل الثوار، أبنية القصبة الشاهد على ذاك الزمان تتآكل، وتتهدم رويدا وريدا ، ولا أذن صاغية لأنين القصبة وهي تحتضر ، جميلة تفهم لغة القصبة التاريخ، نشأت فيها ودرجت في أزقتها ، عندما كانت في صباها تدخلها بعد حضور مسرحية بالمسرح الوطني في ساحة بور سعيد حاليا ، تقول : كأنها دخلت صندوق الماس والموجوهرات الثمينة، تشعر بالأمن والأمان بين ظهراني أهلها الذين نشأوا كأنهم بيت واحد وعائلة واحدة في الحفاظ على بعضهم البعض.
في ذاك الزمان الذي كانت فيه المرأة عورة حتى صوتها عورة كانت جميلة ترتاد المسرح وتركب الخيل وتمارس رياضة السباحة ، كانت محظوظة أنها وحيدة والدها على سبع شباب .لذا كانت تربيتها تربية لتكون إنسانة حرة ، تتمتع بحريتها كإنسان وتدافع عن نفسها في مجتمع ذكوري ، هكذا رباها والدها .
جميلة بوحيرد تغرورق عيناها الخضراوان الواسعتان وتكابر كي لاتنزل دمعتها على زمن جميل مضى فيه أحلى الذكريات .
لاتصدق جميلة البطلة الرمز لأجل الحرية أن منزل عمها الذي جمع رؤس ثورة الجزائر آيل للسقوط ، وتبكي ماضيا تمسك به أبناء عمها " لن نخرج من منزل كان ملاذ الثوار، حتى لو تهدم على رؤوسنا ".
تصرخ جميلة في التاريخ أين الرفاق هنا جلس الشهداء يوما هنا أعراسنا وأفراحنا ، هنا ياسمين الدار يعطر القصبة من خلف الجدران ، تصرخ وتصرخ معها الدار فيرجع الصدى ثلاث منازل لبوحيرد ، أحدها اعتقل فيها ياسف سعدي والزهرة ظريف ، ولم يذكروا هذه الدار المجاهده ، التي كان المفروض جعلها متحفا من تراث الثورةـ يؤمها السياح ليعرفوا تاريخ القصبة تاج العاصمة .
لاتبكي ياجميلة لقد ولى الزمن الجميل ، لكن لاتخافي هناك شرفاء يحفظون عهد القصبة أن تبقى شامخة ومن أوابد تاريخ ثورة الجزائر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم