الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكم الإخوان.. بين قرض الصندوق ومشروع الفنكوش

هانى جرجس عياد

2012 / 8 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى عام 2005 رفض النائب محمد مرسى قرض صندوق النقد الدولى، بعدما كاد يقسم بأغلظ الإيمان تحت قبة البرلمان أنه ربا وحرام شرعا، وفى عام 2011 طلب الرئيس محمد مرسى قرضا من صندوق النقد الدولى، ثم تبين أن«الضرورات تبيح المحظورات»، دون أن يعرف أحد لماذا لم تكن «الضرورات تبيح المحظورات» فى زمن المخلوع؟، لا بأس فتلك على ما يبدو هى أصول مهنة الاتجار بالدين ولى عنق النص والفتوى التى يمارسها بديع وشاطره وينفذها الرئيس محمد مرسى.
لنستغفر الله «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا»، وننحى هذا العبث بالدين جانبا، ونعود إلى أصل الموضوع.
مأساة قرض الصندوق لا تكمن فيما إذا كان القرض حراما، حسب النائب محمد مرسى، أم حلالا حسب الرئيس محمد مرسى، لكنها تكمن –أولا- فى حكاية «الضرورات» التى لم يكشف لنا أحد سرها، لا تجار الدين أفتونا، ولا جهابذة الاقتصاد والسياسة أفادونا، دون أن يعنى ذلك أنها من أسرار الدولة، فالضرورات التى أباحت المحظورات تكمن فى عجز الموازنة العامة للدولة، واستمرار عجز الموازنة نتيجة طبيعية لعجز الرئيس عن مواجهة كبار الفاسدين المنتشرين فى مفاصل الدولة وزواياها.
لم يكن مطلوبا من الرئيس محمد مرسى ولا من جهابذة الاقتصاد والفتوى المتأسلمين إعادة اختراع العجلة، حيث أن روشتة العلاج واضحة ومعلنة، تبدأ بإنهاء «عمل» ألاف المستشارين المنتشرين فى كل مؤسسات المحروسة، والذين هم بلا عمل حقيقى، ويتقاضون مرتبات شهرية تقدر بمئات الملايين من الجنيهات، ثم تمر إلى حصر الصناديق الخاصة، وفيها مبالغ تقدر بمليارات الجنيهات، وضمها إلى ميزانية الدولة، وصولا إلى تحديد الحد الأقصى للدخول، وبما يوقف هدر ملايين الجنيهات تصب شهريا فى جيوب من لا يستحق.
وتؤكد الأرقام، وهى معلنة ومعروفة، إن هذه البنود الثلاثة وحدها كانت كافية لسد عجز موازنة الدولة، وبما يقينا شر اللجوء إلى «الضرورات التى تبيح المحظورات»، لكن البادى أمامنا أنه فى زمن حكم المرشد أصبحت «الضرورات» هى عدم الاقتراب من الصناديق الخاصة، وعدم المساس بدخول كبار الموظفين، وعدم قطع رزق السادة المستشارين، وعدم الاقتراب عموما من أوكار الفساد، وهكذا أصبح ما كان محظورا عام 1995 مقبولا عام 2012.
ثم أن مأساة قرض الصندوق ليست فيما إذا كان القرض حراما أم حلالا، لكنها تكمن –ثانيا- فى شروط الصندوق سيء الصيت والسمعة التى يفرضها على الجهة المقترضة حتى يوافق على القرض، تلك الشروط التى جرى الاصطلاح على تسميتها «روشتة صندوق النقد الدولى للإصلاح الاقتصادى-الاجتماعى»، والتى أثبتت فشلا ذريعا فى كل الدول التى التزمت بها، والتى ما كان لتجربة مهاتير محمد فى ماليزيا أن تنجح فيما لو كان الرجل قد قبل بها.
الخراب الاقتصادى-الاجتماعى الذى جلبه الرئيس المخلوع لنا وعلينا، لم يكن إلا النتيجة الطبيعية الوحيدة للموافقة على روشتة الصندوق سيء الصيت والسمعة، (تفكيك وبيع شركات ومؤسسات ومصانع الدولة، المعاش المبكر، تقليص عدد العاملين بالدولة، إطلاق حرية السوق، تخلى الدولة على التزاماتها ومسئولياتها الاجتماعية من علاج وإسكان وتعليم...الخ....)، ولئن كان هذا هو ما قدمه الرئيس المخلوع لصندوق النقد الدولى ثمنا للحصول على قروضه، فمن حقنا الآن أن نعرف ما هو الثمن الذى قدمه الرئيس محمد مرسى لذات الصندوق حتى يحصل على قرض أظنه الأكبر فى تاريخ علاقة مصر بالصندوق المشبوه.
ومازالت مأساة قرض الصندوق لا لا علاقة لها بذلك الجدل الفقهى الذى أغرقنا فيه تجار الدين، لكنها تكمن –ثالثا- فى أوجه إنفاق القرض، فالصندوق الذى تحكمه واشنطن وتتحكم فيه، لا يسمح بإنفاق قروضه فى إصلاح التعليم، ولا فى علاج المنظومة الصحية، ولا فى إقامة صناعات إستراتيجية، ولا فى بناء مساكن لمحدودى الدخل (دعك الآن من معدومى الدخل)، ولا فى إصلاح الخلل الجسيم الذى أصاب الزراعة وأدى بنا إلى استيراد معظم غذائنا من الخارج...الخ....، وبالتالى يصبح من المنطقى والمشروع أن نتساءل عن أوجه إنفاق قرض الصندوق؟ وهنا يكمن الركن الثالث من مأساة (أو بالأحرى كارثة) القرض الذى كان حراما فأصبح حلالا.
وعلى الجانب الأخر، عندما يستهل الرئيس محمد مرسى مسيرة حكمه باللجوء للاقتراض من ذات الجهة التى كان المخلوع يقترض منها، فإن هذا يدعونا للتساؤل عن مشروع الرئيس؟ أين هو على وجه التحديد مشروع النهضة الذى صدعونا به؟ أم أن الجماعة الخارجة على القانون دفعت بمرشح رئاسى لكى يمارس ذات السياسات التى كان يمارسها الرئيس المخلوع؟ لقد كانت «مصر بتتقدم بينا» على يد جمال مبارك وأحمد عز وبرعاية صندوق النقد الدولى، فما هو الجديد المختلف نوعيا الذى جاءتنا به الجماعة؟ أم أن كل ما حدث أننا انتقلنا إلى عصر «مصر بتنهض بينا» على يد خيرت الشاطر وحسن مالك، وأيضا برعاية صندوق النقد الدولى.
لقد كشفت الجماعة أن مشروع نهضتها ليس سوى فنكوش عادل إمام، حيث لا مشروع ولا نهضة ولا هم يحزنون، بل مجرد أفكار ورؤى أولية تحتاج (حسب قول الشاطر) لمزيد من الحوار مع قوى المجتمع لإنضاجها، لأن الاشتراكى قد يكون له رؤية مختلفة عن الإسلامى!!، حسب ما قال عبقرى الجماعة وصاحب مشروع نهضتها خيرت الشاطر، دون أن يقول لنا ما هى علاقته برؤية الاشتراكى؟ وهل جاء الرئيس الإخوانى محمد مرسى ليطبق البرنامج الإسلامى، أم لينفذ رؤية الاشتراكى؟
أى حوار وأية قوى وإنضاج ماذا؟ لقد صدعت الجماعة رؤوسنا بالجهد الخارق الذى يقوم به خيرت الشاطر (وقد تبين أنه خيرت الفهلوى) فى إعداد «مشروع النهضة»، باعتباره مشروع جماعة الإخوان المسلمين، القادر على حل أزمات مصر ومشاكلها (بما لا يخالف شرع الله) فى الإسكان والتعليم والعلاج والبطالة والأسعار والفقر...الخ.... فإذ بالرجل يعترف أنه ليس لديه شيئا، وأن جماعته عاجزة عن وضع أى برنامج لحل مشاكل وأزمات مصر، وأن كل ما لديه مجرد أفكار أولية وتصورات مبدئية، وأن كل طموحه ينحصر فى أن يقدم لنا–بالفهلوة- مشروعا كوكتيل، مزيج من رؤى اليسار على أراء الليبراليين على تصورات الاشتراكيين، ملفوفا بورق سيلوفان إسلامى، فإن لم يكن هذا دجلا وخداعا، فماذا يكون إذن؟ وهل كان على خطأ من قال إن مصر أكبر من جماعة خارجة على القانون، تخصص سرقة ثورات ومتاجرة بالدين؟
الطريف فى الأمر، إن كان ثمة ما يمكن أن يكون طريفا فى مثل هذه المأساة، أن خيرت الشاطر يستجدى رؤى وأراء اليسار بينما عصام العريان يهاجم اليسار!!
ومابين قرض الصندوق الذى أصبح حلالا، ومشروع النهضة الذى ثبت أنه فنكوش، لا عزاء لكل من أخذته المفاجأة، أو حتى أصابته الدهشة، أو اعتنق نظرية الليمون، وتبقى أهداف الثورة معلقة... إلى حين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - باتجاه العلمانيه
حاتم حسن ( 2012 / 8 / 30 - 20:22 )
ثمه جانب ايجابي بالموضوع لم يلحظه الكاتب المحترم وهو ان مفهوم الضرورات التي تبيح المحظورات هو تجسيد للعلمانيه التى تحتكم للعقل في تقدير الضروره-
-التى هي نسبيه-وتنحي المقدس جانبا-وهو الذي اقر المحظور-
مع كامل ا لاتفاق مع الكاتب في سوء تقدير الموقف الاقتصادي واقتراح الحلول
والذي ادى الي اللجوء مجددا للاستدانه-واهمال الحلول الجذريه كتلك التي اوردها الكاتب وغيرها كثير
بالطبع هذا تم بدون رؤيه فلسفيه اصيله ولكن المؤكد ان انخراط التيار الاسلامي
في الحقل السياسي العملي سيؤدي بهم ورغما عنهم الي التخلي عن الجمود الفكري
وادراك ان الخطاب النظري الايديولوجي بينه وبين الواقع وضروراته هوه واسعه
ونفس الشئ ينطبق علي اصحاب الايديولوجيات الاخري لو حلت محل الاسلاميين
وسوف يتبين لهم عمق الهوه بين بين الممكن والمثال والنموذج النظري

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah