الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهافت رهان باسكال(*)

هشام آدم

2012 / 8 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



من خلال نقاشاتي مع عدد كبير من المؤمنين وجدت أنهم يتمسكون بما يسمى بـ(رهان باسكال) وكأنه حل سحري وتبرير منطقي لضرورة الإيمان بالإله، ولقد تعجبت من هذه القناعة الراسخة التي يتكلم بها هؤلاء وحاولت مرارًا تبيان سخافة رهان باسكال ولا منطقيته، إلا أن الغالبية العظمى منهم يرفضون تصديق ما يقدم من نقد إلى هذا الرهان لسبب لا يقل سذاجة عن الرهان نفسه، وهو أن مقدّم الرهان فيلسوف غربي، وربما كان هؤلاء أو جزء كبير منهم مصابين بعقدة الخواجة، رغم أنهم في المقابل يرفضون كل ما هو غربي لاعتقادهم أن الغرب وعلماءه لا همّ لهم سوى محاربة الإسلام، لأن هؤلاء سيطرت عليهم نظرية المؤامرة وتمكنت من تفكيرهم، فهم لا يرون الغرب إلا كضد للإسلام وعدو استراتيجي له، أو ربما يعتقد هؤلاء أننا نسلّم تمامًا وبشكل عمياني لكل ما يأتي من الغرب، دون إخضاعه للعقل والعلم والمنطق، وهؤلاء لا يعلمون أن الدين لا يعرف الغرب أو الشرق، فأينما حل الدين وجدنا ذات الأدمغة وذات طريقة التفكير، فليست هنالك فوارق كبيرة تذكر (في هذه النقطة) بين الفرنسي المتدين وأي متدين في دول العالم الثالث. اليوم أحببت أن أشارك قراء (الحوار المتمدن) الكرام في مناقشة ونقد هذا الرهان ضمن مشروعنا القائم لنقد الدين الإسلامي والفكر الديني على وجه العموم.

يقوم رهان باسكال ببساطة على وضع احتمالين لا ثالث لهما، فإما أن يكون الإله موجودًا، أو ألا يكون موجودًا، فإذا كان موجودًا فإن عدم الإيمان به سيكون مشكلة لغير المؤمنين بوجوده، وأما إن كان غير موجود فإن الإيمان به لا يضر بشيء على الإطلاق. يعتمد بعض المؤمنون على هذا الرهان لأنه، حسب اعتقادهم، رهان منطقي للغاية لدرجة أنه غير قابل للتشكيك، فمن البديهي القول بأنه لو كان الله موجودًا فإنه من الأسلم الإيمان به، لأنه إذا لم يكن موجودًا فالإيمان به سوف لن يضرنا في شيء. حسنًا، قبل أن أبدأ في نقد هذا الرهان دعونا نتذكر مقولة الفلاسفة المثاليين والتي جئنا على ذكرها في مقالنا السابق بعنوان (خطوات مادية نحو تفكيك الإيمان) والتي أخطأنا في كتابة عنوانه (خطوطات مادية نحو تفكيك الإيمان): "الإيمان ليس أمرًا قابلًا للإدراك العقلي" إذًا فلماذا يتمسك المؤمنون بهذا الرهان العقلي للتبرير لإيمانهم؟ ألم يكن الاعتقاد الفلسفي أن الإيمان لا يخضع لأي منطق عقلي، فلماذا يخضعونه إلى رهان باسكال المنطقي بالنسبة إليهم؟ إذا كان أحد المؤمنين ذكيًا بما يكفي فإنه سوف يقول: "الأمر هنا لا يتعلق بالإيمان، وإنما بالشك." لأن الرهان قائم على فرضية أو احتمالية تحتمل التشكيك في صحة كل منهما (إذا كان موجودًا، وإذا لم يكن موجودًا) وهي إجابة ذكية فعلًا، ولكنها تنهي رهان باسكال جذريًا، لأن المؤمن في هذه الحالة سيكون كالملحد متشككًا حول وجود الله، وهو ما يتنافى مع الإيمان تمامًا وسيكون عندها الفارق الوحيد بين الملحد والمؤمن أن المؤمن يعبد ويتبع تعاليم الإله الذي يشك في وجوده بينما الملحد لا يفعل ذلك. ولا أدري إن كان الله قد يقبل إيمانًا زائفًا كهذا أم لا، لأن المطلوب من الناس حسب التعاليم الدينية هو الإيمان اليقيني الكامل والغيبي، وليس الشك. فمجرد التشكيك بوجوده (حسب رهان باسكال) ينفي الإيمان، والعبادة وإن كثرت فهي لا شيء دون إيمان، والمؤمن في هذه الحالة لن يكون في مأمن كما يعتقد وفق هذا الرهان.

بإمكاني أن أنهي المقال إلى هذا الحد لأن النظرية كلها تهاوت تمامًا حتى قبل أن نبدأ بنقدها فعليًا، ولكنني في هذا المقال أريد أن أذهب إلى أبعد من مجرد نقد نتيجة الرهان إلى نقد الرهان نفسه، فقط احترامًا للقارئ الذي يتوقع تفسيرًا لاختياري هذا العنوان للمقال (تهافت رهان باسكال) وعندها لا مناص من تفكيك الرهان لمزيد من الاطمئنان. بالنظر إلى الرهان فإننا نكتشف أنه يقوم على أساس افتراض أن يكون الإله (في حال وجوده) متطلبًا للعبادة وقائمًا بمبدأ الثواب والعقاب الإلهي، وهي إحدى ثغرات هذا الرهان، فكيف تسنى لباسكال وضع هذه الفرضية من الأساس؟ إذ أن الفرضية يجب أن تكون منطقيًا محتملة لثلاثة احتمالات:
(1) أن يكون الإله موجودًا ولا علاقة له بالبشر على الإطلاق وبالتالي بشرية الأديان كما يفترض اللادينيون.
(2) أن يكون الإله موجودًا ومتدخلًا في شؤون البشر وبالتالي إلهية الأديان وسماويتها كما يفترض المؤمنون.
(3) أن يكون الإله غير موجود على الإطلاق كما يفترض بعض الملحدين.

ولكن باسكال تجاهل الافتراض الأول وقفز عليه إلى الاحتمالين الآخرين، وهو خلل منطقي خطير جدًا لكل من لديه معرفة بالمنطق أو الفلسفة بشكل عام. الثغرة الثانية في رهان باسكال هو فرضيته القائمة على وقوع غير المؤمنين بوجود الإله في حال وجوده في مشكلة، وهم الملحدون بالضرورة، وهو في هذه الحالة يقفز على منطق أهم من ذلك فإن وجود الإله وتدخله في شؤون البشر سوف يدخل غير الملحدين كذلك في ذات الإشكال بالاعتماد على إجابة سؤال بسيط: (أي الأديان هو الصحيح؟) فإذا كان الإله الموجود إلهًا إسلاميًا، فإن أصحاب بقية الأديان كلهم (بمن فيهم باسكال نفسه) سوف يواجهون ذات المصير الذي سوف يواجهه الملحدون، لأن المسيحي لا يؤمن بوجود الإله الإسلامي، والعكس صحيح وينطبق ذلك على كافة الديانات، وفي هذه الحالة لا ينفع قول القائلين: "المهم أنه يؤمن بوجود إله لهذا الكون." لأن وجوده وتدخله في شؤون البشر وقيامه على مبدأ الثواب والعقاب لا يشترط الإيمان بوجود إله للكون وإنما على معرفة هذا الإله وعبادته، وفي هذه الحالة (أي إذا كان الإله الإسلامي هو الصحيح) فإنه لن يكون هنالك أي فارق بين المسيحي مثلًا وبين أصحاب الديانات الوثنية الشركية، وعلى الأرجح فإن عدم الإيمان بوجود الإله سيكون أفضل من الإشراك بالله، لأن الإله الإسلامي لا يغفر الإشراك به، ويغفر ما دون ذلك. وكذلك الإله المسيحي فهو لا يقيم أي وزن لأي شخص لم يقبل بوجود المسيح في حياته، وهكذا بالنسبة لأصحاب بقية الديانات الأخرى.

ولنأخذ مثالًا بسيطًا لتوضيح الأمر: "قام أحمد باستئجار شقة وظل يدفع بانتظام وتفاني غير مسبوق إيجاره الشهري لزيد لاعتقاده بأن زيد هو صاحب الشقة، وبعد مضي فترة من الزمن تفاجأ باستدعاء من المحكمة بسبب شكوى تقدم بها شخص اسمه عمرو يدعي فيها بأنه صاحب الشقة وبأن أحمد لم يقم بدفع إيجاره منذ أن سكن." فهل يمكن لأحمد أن يقول: "سواء أكان زيد أو عمرو صاحب الشقة فالمهم أنني كنت أدفع إيجاري بانتظام."؟ وحتى إذا استخدم حجته هذه فإن القاضي سوف يأمر بطرده فورًا من الشقة ببساطة لأن القانون يقول: "على المستأجر أن يدف الإيجار للمؤجر وليس لأي شخص آخر." والقانون لا يحمي المغفلين، وفي المحصلة الأخيرة سيكتشف أحمد أنه رغم تفانيه والتزامه التام بدفع الإيجار لم يكن سوى مغفل لا أكثر، وأنه كان ضحية لاستغلال زيد له، وهكذا الأمر نفسه بالنسبة للمؤمنين في حال كان الإله موجودًا ومتدخلًا في شؤون البشر ومتطلبًا للعبادة وقائمًا بمبدأ الثواب والعقاب، فإن الواجب على المؤمن أن يتأكد من الإله الذي يعبده ويتفانى في عبادته قبل أن يكتشف في النهاية أنه كان مجرد مغفل وضحية لإله آخر غير مستحق للعبادة، لأن حسن النية وحدها في هذا الحال ليس كافيًا.

حسنًا .. أصبح من الواضح الآن لكي نقبل برهان باسكال أن نتأكد من الديانة السليمة والصحيحة من بين عشرات الآلاف (بل الملايين) من الديانات التي يعرفها البشر (وهو في هذه الحالة شرط أساسي وضروري للغاية): فأيهما هو الدين الصحيح؟ الواقع أن صاحب كل ديانة سوف يقفز من مكانه ليقول: "ديانتي هي الصحيحة" ولكن كلهم لا يملكون إجابة شافية للسؤال التالي: "لماذا؟" أو "كيف تتأكد من ذلك؟" فما الذي يجعلني أعتقد أن الديانة المسيحية هي السليمة وليس الإسلام مثلًا؟ وماذا لو كانت اليهودية هي الديانة الإلهية الوحيدة والصحيحة؟ هل من السهل الإجابة على هذا السؤال؟ على الأرجح لن يكون هنالك صاحب ديانة يمتلك مقدارًا من الوعي ليقدم نقدًا موضوعيًا لديانته، ناهيك عن أن يقر بأن ديانة أخرى هي الأصح، وإلا لكان اتبعها. من هنا نكتشف أننا أمام معضلة كبيرة، وحياتنا في هذه الدنيا ستكون قصيرة جدًا وغير كافية لقراءة وفهم ونقد كافة الأديان، وعلى الأرجح فإن الموت سوف يداهمنا قبل أن نصل إلى قرار وإجابة منطقية ومقنعة. ورغم أنه لا يوجد سبب واحد يجعلنا نحصر بحثنا في الأديان المسماة (أديان سماوية) إلا أننا سوف نفعل ذلك، بل وسوف نزيد عليه بأن نلغي الديانة اليهودية من باب توفير الزمن لا أكثر. فأي الديانتين أصح: الإسلام أم المسيحية؟

بإمكان الكسالى أن يستشعروا الراحة لهذا التقليص الكبير جدًا في حصر نطاق بحثنا في ديانتين فقط، لأنهم يعتقدون أن البحث في ديانتين أفضل بكثير من البحث في ملايين الديانات، ويؤسفني فعلًا أن يُصاب هؤلاء بالإحباط عندما يعرفون أن نطاق بحثنا ليس منحصرًا في ديانتين كما هو الواضح. فإذا توصلنا لأي سبب من الأسباب إلى القول بأن الإسلام هو الأصح، فإننا سنجد أنفسنا مباشرة في مواجهة عشرات الإسلامات: الإسلام السُني، الإسلامي الشيعي، والإسلامي السني به تيارات لا تعد ولا تحصى، وكذلك الإسلام الشيعي، فأي هذه الإسلامات هو الصحيح؟ ربما يقفز أحدهم ليقول: "لا بأس بأن تختار أيًا منها طالما أنك اقتنعت بأن الإسلام هو الصحيح." ولكن مثل هذا الشخص الانتهازي أعتبره مفتقرًا للعمق الديني المطلوب، فرسول الإسلام نفسه تنبأ وقال: "ستختلف أمتي على بضع وسبعين شعبة كلها في النار إلا واحدة." وعندما سئل عن الفرقة الناجية قال: "من كان على ما أنا عليه أنا وأصحابي"(الحديث) وبالنظر إلى التيارات الإسلامية فإننا سنجدها تدعي بأنها تسير على هدي وسنة نبي الإسلام ولديها من الأدلة من واقع النصوص الدينية ما يثبت ذلك، بل وما يثبت بطلان بقية الفرق الأخرى، وإذا وضعنا في اعتبارنا جملة "كلها في النار" فإن الأمر لن يحتمل مجرد التخمين الانتهازي. وإذا شعرنا بالرهق الذهني أمام تشعبات هذه الإسلامات ووعورة منزلقات هذه التيارات، وقمنا باختيار المسيحية ليس من باب القناعة ولكن من باب البحث عن الحلول السهلة، فإننا سوف نجد أنفسنا أمام عشرات المسيحيات: كاثوليكية، أرثودكسية، بروتستانية، وهنالك عشرات الكاثوليكيات، وعشرات الأرثوذكسيات وعشرات البروتستانيات(!) إذًا فالأمر ليس بالسهولة التي صورها لنا باسكال، وعندها سوف نكتشف أن باسكال عندما وضع رهانه ذلك إنما كان يقصد أحد أمرين، إما:
(1) مجرد الإيمان بوجود إله وحسب، وهو غير صحيح حسبما تقدم. أو ...
(2) الإيمان بالإله الذي يؤمن به هو على مذهبه هو، وهو ما لا يمكن التثبت منه كما تقدم أيضًا.

إن رهان باسكال في الحقيقة رهان سطحي وسخيف للغاية، ولا يحمل أي منطق إلا لولئك الكسالى الذين لا يحبون أن يرهقوا أذهانهم بالتفكير، ويبحثون دائمًا عن الإجابات الجاهزة. بالإضافة إلى كل ذلك فإننا نجد أن رهان باسكال له ميزة غريبة وعجيبة، فهو إضافة إلى كونه رهانًا فاقدًا للمنطق والدقة، فإنه فوق ذلك رهان انتهازي للغاية، فما معنى أن نؤمن بفكرة وجود الإله فقط لمجرد الخلاص من العقوبة، فإذا تم اكتشاف أنه غير موجود فلا مشكلة مع الإيمان؟ من وجهة النظر الدينية (كما تقول صديقتي) هل يعتقد هؤلاء أن الله غبي ليقبل إيمانهم وأعمالهم بهذه الطريقة؟ وصديقتي محقة في ذلك، فمن يعبد الله معتمدًا على رهان باسكال (سواء علم ذلك أم لم يعلم) إنما يعبده بدافع انتهازي لا يمكن لإله أن يتقبله أبدًا، إلا إذا كان إلهًا انتهازيًا بالمقابل. وإني لأتساءل فوق تساؤلات صديقتي: "هل كان يعلم باسكال خطورة ما يقول؟" إن هذا الكلام معناه ببساطة شديدة عدم أصالة الأخلاق، لأن الذي سوف يمتنع عن السرقة (مثلًا) لن يفعل ذلك إلا خوفًا من فكرة الله، وليس لقناعة راسخة بأن السرقة عمل غير أخلاقي، وكذلك الأمر بالنسبة لكافة الأعمال والأفعال الأخرى التي يفعلها المؤمنون إما طمعًا في الثواب، أو خوفًا من العقاب، وهو ما يعني أن تفقد كل القيم أصالتها لتكون مرتبطة فقط بالمصلحة الآخروية. وأنا هنا أود سؤال المؤمنين: "أيهما أفضل: الشخص الذي يتصدق على الفقراء طمعًا في الحسنات، أم الشخص الذي يتصدق على الفقراء بدافع إنساني بحت؟" إن رهان باسكال بشكله هذا يقودنا إلى نتيجة مفادها أن الدين يشوه الأخلاق وينفي أصالتها وإنسانيتها، هذا إضافة إلى تشويه شكل العلاقة بين الإنسان وبين الإله، فهي لن تكون (في هذه الحالة) قائمة على المحبة والعرفان وإنما المنفعة. ولكن لماذا الحيرة إذا كان الإله الإسلامي نفسه يُصادق على هذه العلاقة {{يدعونه خوفًا وطمعًا}} فدون أن يشعر باسكال فإنه أكد لنا أن الدين قائم أصلًا على فكرة الترهيب والترغيب، وهما دافعان يفقدان أفعالنا أصالتها، لأننا إن لم نقم بالفعل عن قناعة شخصية دون توقع ثواب ما، أو خوفًا من عقاب ما فإنه سوف لن يكون ثمة فارق بيننا وبين مرتكبي هذه الأفعال.

عندما كنت صغيرًا كان والديّ يشجعانني على صيام شهر رمضان ويحفزانني على ذلك بدفع مبلغ من المال (2 ريال سعودي عن كل يوم) فكنت أجتهد وأحرص على الصيام لأحصل على هذا المبلغ وليس لأي سبب آخر، وعندما كبرت قليلًا كانت فكرة الحافز مازالت مترسخة في ذهني، ولكن والدي توقف عن دفع الحافز. وهو ما جعلني أتوقف في المقابل عن الصيام لانتفاء الحافز، ولكن لأنني كنت أخشى نظرات الغضب والحنق التي تترتب على ذلك فإنني كنت آكل خلسة بعيدًا عن أعينهم.. عندما كان يخرج والديّ في مشوار عائلي طارئ كان والدي يقف قرب الباب وهو ينظر إليّ بنظرات تكاد تشتعل نارًا وهو يقول: "إذا رأيتك أو سمعت أنك لعبت في الشارع فسوف أذبحك." لم أكن أجرؤ على الخروج من البيت ولكن كان داخلي مارد يتململ لأنني كنت أرغب في الخروج ولعب الكرة مع رفاقي. لقد نجح والدي في منعي من الخروج، ولكن ماذا عن إرادتي الحرة؟ عندما يعود ويكتشف أنني لم أخرج فيبدأ بالمسح على شعري ويقول لي: "أحسنت، ولد مطيع!" كنت أكاد أنفجر من داخلي غيظًا، فأنا حقيقة لم أكن مطيعًا، ولم أكن أريد أن أكون مطيعًا. فهل الله يمارس معنا الأمر ذاته؟ إني لأتساءل: "كيف يقبل الله صيام الصائم الذي لم يصم إلا طمعًا في المكافأة التي وعده بها؟" أو "كيف يصدق طاعة الطائع الذي يفعل ذلك خوفًا فقط؟" هل الله سطحي ولا يهمه إلا المظهر الخارجي فقط؟ هذا ما يقوله ويؤكده باسكال برهانه هذا الذي يردده أغلب المؤمنون دون أي وعي.

وعلى ذكر الصيام: يزعم المسلمون أن ثمة حكمة من وراء الصيام، فإذا حاججتهم حول الأمر فإنهم يقولون: "حكمة الصيام استشعار معاناة الفقراء والمساكين." فإذا قلت لهم إن هذه الحكمة تعني بالضرورة ألا يصوم الفقراء لأنهم المعنيون بهذه الحكمة، فليس من المنطق أن يصوموا هم أيضًا، أو بالإمكان الاكتفاء بصيام شهر واحد في العمر كله لاستشعار هذه المعاناة وليس من الحكمة صيام كل عام لذات الحكمة، قفزوا إلى حجة أخرى: للصيام فوائد صحية (صوموا تصحوا). وحتى إن وافقنا على هذه الحجة فإن وجود فائدة صحية للصيام لا تعني بالضرورة إلزامية الصيام، لأنه من غير المنطقي أن تلزم أحدًا بالاستفادة من أمر ما. فإذا قلنا إن أكل التين له فوائد صحية كبيرة فهل هذا يعني أنه يتوجب علينا أن نأكل التين يوميًا تحت طائلة المسائلة القانونية أو الأخلاقية، أم أنه يعني استحباب أكل التين والإكثار منه بقدر المستطاع؟ هل يجبرنا الله على أخذ الفائدة؟ وهكذا نرى أنه ليس هنالك حكمة فعلية من وراء الصيام، والحكمة الحقيقية هي: (الصيام ركن من أركان الإسلام لا يصح إسلام المسلم إلا به وهو أمر رباني ويجب القيام به حتى وإن لم تكن هنالك حكمة.) فهو خوف المسلمين من عقاب الله في حال لم يصوموا أو طمعهم بالثواب الذي أعده لهم، وهو حسب النصوص الدينية (دخول الجنة من باب مخصص للصائمين اسمه الريان) ولا أعلم إن كنتُ سأدخل الجنة فما فائدة أن أدخل من باب الريان أو من أي باب آخر(!)

هكذا نرى أن الفكر الديني مهما تلون في ثوب فلسفي أو علمي فإنه فاقد للمنطق، ولا يمكن الوثوق به إلا عبر عقلية دينية أيضًا لأن العقلية الدينية خاملة ولا تذهب إلى عمق الشيء لتكتشف صحته من عدم صحته. هي ذات العقلية التي تضحك على عبدة النار والأبقار، في حين يرون أن عبادة شيء غير موجود ولا يمكن إثبات أو التأكد من وجوده أمرًا منطقيًا بل وبديهيًا، ولا يشعرون بالحياء أو الخجل وهم يبشرون بهذه الفكرة(!)


------------------------------
(*) عنوان المقال إشارة إلى كتاب ابن رشد (تهافت التهافت) الذي جاء ردًا على كتاب الإمام الغزالي (تهافت الفلاسفة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقياس الدين الصحيـــــــــــــح
كنعان شـــــــــماس ( 2012 / 8 / 30 - 15:33 )
الاستاذ هشام ادم بعيدا عن التبريرات اللغوية والفلسفية ... الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي كتبــه نخبة من النبلاء المنتصرين بعد افـــدح حرب اختبرها البشــــــر هو المسطرة والميزان للدين الصحيح ومن الحكمة لمن يعارض هذا ان يرفع الراية البيضاء كي يعيش بطمانية وســــلام والا فالعواقب وخيمـــــــــــة وخيمة جدا تحية


2 - فعلا القانون لا يحمي المغفلين
شاكر شكور ( 2012 / 8 / 30 - 18:12 )
بأعتقادي ان مثال زيد وعمرو مثال ينطبق على الأمي الذي يكتفي بالأستماع من الآخرين ليقودوه مع القطيع لذلك ينخدع بسهوله ويقوم بدفع الأيجار لغير صاحب الملك ، اما المثقف الذي يعطي الأيجار لزيد ويتكاسل ان يقرأ ويبحث عن حقيقة المالك الفعلي فذلك انسان لا عذر له ، فالمؤجر زيد قد سمى نفسه خير الماكرين ويجب على المستأجر ان يكتشف خدعته خاصة وأن المؤجراستعمل خدعة الجنس لجذب المستأجرين واوهمهم بأن هناك نكاح للحوريات وشرب الخمر في بيته ، تحياتي للأستاذ هشام وللمعلقين


3 - ايش علاقة يا كنعان
احمد علي الجندي ( 2023 / 4 / 22 - 06:11 )
-
الاستاذ هشام ادم بعيدا عن التبريرات اللغوية والفلسفية ... الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي كتبــه نخبة من النبلاء المنتصرين بعد افـــدح حرب اختبرها البشــــــر هو المسطرة والميزان للدين الصحيح ومن الحكمة لمن يعارض هذا ان يرفع الراية البيضاء كي يعيش بطمانية وســــلام والا فالعواقب وخيمـــــــــــة وخيمة جدا تحية

-
عند نقد الاسلام يقفز لنا كنعان شماس
وعند التحدث عن الاخطاء اللغوية في القران برضه يقفز لنا ليقول نعم في اخطاء راجع فلان وفلان الفلاني
وعندما يرد احدهم على الاخطاء من كتب اللغة نفسها ويكون شخص غير مسلم مثل فرياد ابراهيم
يقفز لنا الاستاذ كنعان المحترم ليقول كل قواعد اللغة اصلا كلام فارغ
وعندما ينتقد الاستاذ هشام حتاتة تاريخية الكتاب المقدس
يخرج ليقول انه اعظم ملحمة في التاريخ
وعند كتابة هه المقالة
يخرج عن الموضوع الرئيسي ويقول شريعة حقوق
الانسان
فما علاقة شريعة حقوق الانسان اصلا الا اذا قصد وهو لم يصرح بذلك من باب الامانة العلمية انها مستمدة من المسيحية
ومن هنا نبشره ان قواعد الحداثة وغيرها من امور قد عارضتها السميحية في بدايتها
يعني حتى هاي مو زابطة معك


4 - الرد على شاكر شكور
احمد علي الجندي ( 2023 / 4 / 22 - 06:15 )
اولا
السيد شاكر شكور
ينتقد اله الاسلام لأنه خير الماكرين
ولكن ماذا عن اله الكتاب المقدس
-أَمَّا مُؤَامَرَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الأَبَدِ تَثْبُتُ. أَفْكَارُ قَلْبِهِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.- (مز 33: 11).

هل سمعت عن مؤامرة بدون مكر
!
انها مؤامرة مكحمة
اذن المكر فيها كبير
او لا حد له
او على الاقل لا يمكن نفيه

ثانيا
اما شرب الخمر في الجنة فيبدو انك مسيحي ارثذوكسي لا تعلم ان الكاثوليك والبروتستانت يؤمنون بان المسيحي سيشرب الخمر في الملكوت
ثالثا
اما مثالك عن من يقرأ فاذا قصدت مسألة ان المسيحية او الايمان المسيحي لا يعاتب من لم يستطع الوصول للحقيقة
بسبب جهله
فاحب ان اقول لك انك تدلس علينا
فلا فرق بين غير المؤمن الباحث والجاهل والعالم مسيحيا
رابعا
اما انه ضحك على احدهم لانه امن بانه هنالك نكاح مع حوريات
فهي فكرة لا تختلف
عن شخص ضحك على احدهم بحجة انه اذا امن به سيكون له الحياة الابدية

حياة ابدية
او
نكاح حوريات
كلها نفس الفكرة وان اختلفت التفاصيل
فكلها وعود من احدهم
والقول وحدة قلة ادب ووحدة مو قلة ادب
هروب من ان الفكرة نفسها فالاثنين وعدهم بمكافأة