الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشانق الدعاة -2-

علال البسيط

2012 / 8 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



أتدرون ما صنعوا بنا أيها الأحرار؟ أدخلونا جوف حمار وأحرقوه علينا بالنار، فمن شواطه يبخرون اليوم معابدهم.


يعجبني أن أستلقي هناك..في تلك الغابة العذراء، بشعابها اللاحبة وحراجها المتشابكة، حيث تلعب الطفولة وتلهو على سورها المتهدم، هناك ترتعي أفكاري من نسيمات الحرية، ومع كل تنهيدة أتنهدها في تلك المروج الخضراء تنسلخ شعلة من فؤادي المكلوم.


-أحب الحياة يا معشر قريش، لأجل ذلك أفضل الهلاك بين ساقي ثور على البقاء ربيط أقاصيصكم وأحاجيكم الموبوءة..قليل من الشهوانية وقليل من الإشمئزاز. هذا أسمى ما في تعاليمهم المقدسة.

وهذه شبّابتهم الصّدئة ترسل في مدننا صريرها الفاني الرّديء.. ترانيم الموت القديم; ودخان فاتر كثيف.. ماذا تعرف أشباحهم عن الحماسة والنار التي تضرم في الأنغام الحية الخالدة؟!

تحلو لهم كثيرا تلك الألقاب المتعالية، تتطاول لها رقابهم ، أيْ حفنة المتسلقين; لكنهم لدى عيني شخوص محدودة قاصرة.

سيدعونك طويلا بلا ملل إلى بحارهم الختّالة، إيّاك إياك..!
فقد قصدتها مرارا ممنيا نفسي بصيد سمين، راميا شباكي بين أمواجها فلم تخرج لي أبدا إلا برأس غرانيتي للإله القديم- شبيه الحجر، جمجمة من خيال الشعراء الختال. هذا الذي ظلت تطعمه بحارهم للجوعى والمهتوكين.

سينادونك طويلا بلا كلل من عالي مناراتهم إلى مساجدهم وقبابهم السوداء، إياك إيّاك..
فما القباب وما المساجد؟ ديار استبداد واستغلال، ومراكز استعباد واستغفال، ما أكثر الكذب فيها وعلى منابرها ترسوا مراكب الدّجاجلة..
إنها مقابر الأحياء، ومحابس الطلقاء، إذا أجبت داعيها فلن تلبث حتى تنقلب حارسا وخفيرا على القبور، هناك في الوهاد السحيقة ترعى ظلمة التّوابيت المهترئة.
تأمل حال تلك (الثوابت) المطلية بالكريستال البراق الصقيل وأصِخ إلى غطيطها البغيض المنبعث من بين رميم الخرافات ودخان الأوجاع ومرارة العويل...
وامض في ذلك الدّهليز الحالك (تاريخ الإسلام) الذي يشبه أقبية الاعتقال والتعذيب في القرون الوسطى، وتسمّع في خلاله وبين شقوقه وخرائبه نواح الأرامل والسبايا، وصراخ الرضّع واليتامى، وتأوهات البائسين وتوجعات الضعفاء والمعوزين، وكل من داسته نعالهم وخيولهم بقساوة..وتركتهم يقاسون مضض الجوع والفاقة، والبرد والوحشة، بعد أن رموا في أشداقهم كلمة مقدسة لا معنى لها ولا روح ، يقال لها الشهادة.


-ماذا سقط أمس من ملكوت الإله؟! ماذا جرى لفاكهة الأرض وخمورها أضحت مسمومة؟! أهي مرة أخرى تلك الأفاعي الرقطاء والتماسيح الشوهاء حماة الإسلام وحراس العقيدة!! علام قامت عن خرائبها؟
جفت ينابيع الأرض وغدرانها الطيبة، ورحل البحر متأبطا أمواجه وحورياته، اشتعلت الأرض حريقا على إثر حريق وامتلئت أرواحنا بالجيف المطيعة الخرساء لكن حراس الظلام قطاع الألسن لا يريدون الرحيل!


لن يطول انتظارنا لهذا الغسق الموحش والدجنة المطبقة حتى يحل بكل شبر سالت عليه فيوض النور والابداع يوما من الأيام ليحيله إلى بقاع دنسة مهجورة تعوي فيها الذئاب الجرباء وتعيث فيها الخنانيص القذرة.

فكيف نحافظ على ما تبقى معنا من نور بعد قيام ممالك الظلام؟!
حيث لامناص لنا من حماية عمود النور المنتصب أمام أعيننا انتصابة الغصن الرطيب على حافة السيل الجارف، والذي هو ثمرة قدح الخالقين الخلاقين القدماء والمعاصرين، إنه النور الذي سيضيء لنا أبعد آفاق الانسانية، وينير لنا الطريق الرحيب إلى عوالم المستقبل.


-إنّ هذه المدن التي خيّم فيها الظّلام وعربدت فيها تحذلقات الهوام ورحلت عنها الشمس والبحار، وتناقضت فيها الأوزان والأشكال والهيئات وانتصبت لأهلها الخاملين الأحاجي والمشانق والسيوف والعمائم نٌصبا ودساتير- هي للأسف حواضرنا اليوم ، وهي أشد نقمة ورعونة مما كانت عليه بالأمس القريب.

اليوم، والأمس، هما أثقل (الأشياء) على إرادة السائرين نحو المستقبل،فما أضيق العيش عليهم في مدن تحارب المستقبل في منظريه ومستشرفيه، خالقيه ومبدعيه، في جسور المستقبل وطرق العبور إليه.

لكن كيف تفعل الإرادة حتى تنطلق من محبسها في عالم (الكان) وتفلت من النير الذي يطوق ديناميتها وحركيتها التقدمية؟
أليست الماضوية أو (الكُنتِيّة) هي الصخرة التي عجزت تلك الإرادة على رفعها، وهي الداء الأفتك بها على مسرح التاريخ؟.
ألم يصبح (الكُنتيون) أشدّ إمعانا في الحاضر وتفاعلا فيه وأقرب من أي وقت مضى إلى امتلاكه واستلاب وجهته. ألم يضحي (الأمس) و(الكان) بأسمائه وشخوصه ورموزه وسيميائه هو أصدق مرآة وأفصح وجه يعكس وجودنا، ويدبر بحماقاته حركاتنا وسكناتنا، وعلى صورته نتمثل أزمنتنا المتوحدة.


-على هذا نعيش..على ما يريده (الكان)، فأما ما نريده نحن (الغد) وتريده إرادتنا الحرة البانية الخالقة، رسولة المستقبل السعيد والقيم الجديدة المتطورة، فهو رهن محبسه.. وكل سجين طال سجنه اعتنق الجنون وانعتق به من أسره .
أما الإرادة فكلما تأبّد سجنها وتباعدت عنها نسيمات الحرية، أمعنت في اعتناق الحماقة والجنون والكفر والجمال والتجذيف وانعتقت بكل ذلك من أسر (الكان) غير حافلة (بالجريمة) ولا آبهة (بالعقاب).


لن تدوم هذه الساعات الصامتة المتحشرجة طويلا، مجريات الأمور وتسارع الطّرق على البيبان، الاحتكاكات المتزايدة، صراع القوى والأضداد، العناصر المتصادمة والأحوال المتنافرة، الأقطاب المصطكة واحتراق الألوان..كل ذلك يعجّل بالصراع الحتمي وينذر بدنو الصِّدام، فإما إلى النور أو إلى الظلام.

علال البسيط/مدريد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم


.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو




.. 70-Ali-Imran


.. 71-Ali-Imran




.. 72-Ali-Imran