الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النساء والنفايات

عائشة خليل

2012 / 9 / 2
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


"تعمل النساء بدأي على التخلص من النفايات" لا أعلم على وجه الدقة أين قرأت هذه العبارة، ولعلها وردت في إحدى كتابات الأمريكية مارلين فرانش، صاحبة الرواية الشهيرة "حمام السيدات" والعديد من الكتب النسوية التى أثرت في جيل بأكمله. تذكرت مقالتها تلك ونحن في خضم أزمة قمامة في مصر احتدمت بشكل دعى الرئيس المنتخب لإدراجها على خطة المائة يوم الأولى؛ وهو الوعد الذي لم ينساه الناخب القاهري وطالب الرئيس بتنفيذه، فقام بعدة محاولات للقضاء على الأزمة تباين تقييمها بين من يتابع أعمال الرئيس بشكل دقيق. وقد لفت نظري أن أحد لم يستدعٍ الخبرات النسائية في هذا الشأن، فكتبت لاحتفي بمجهودات النساء للتخلص من النفايات داخل المنازل المصرية، طالما لا يتم تثمين جهودهن في الفضاء العام.
التخلص من النفايات اليومية هو أحدى الأعمال الأساسية التي تقوم بها سيدات الطبقة المتوسطة في مصر. والنفايات اليومية هي في الأساس بقايا الأطعمة، وبما أنها سريعة التلف فالتخلص منها مهمة يومية، تقوم بها السيدات بدأب حتى لا تجلب لها المزيد من المشاكل. ففي مناخنا الصحراوي الحار تعطب النفايات سريعًا وتصدر عنها رائحة غير محببة تتزايد بمرور الوقت، ومن ثَمَّ تجلب الحشرات الزاحفة والطائرة. وتكون إحدى مهام ربة المنزل التخلص من تلك الحشرات، وتستخدم لذلك ما تيسر لها من أسلحة بدءا من شبشب الحمام مرورًا بالمبيدات الحشرية وانتهاء بالأجهزة الحديثة لطرد وصعق تلك الحشرات. ولذا تتعلم المرأة المصرية من الطبقة الوسطى أن التخلص من النفايات إحد أهم المهام اليومية، وتعلم تلك المهمة وتوكلها لأبنائها وهم بعد صغار.
وبالإضافة إلى القمامة والحشرات، فإن من المهام العتيدة لربة البيت المصرية هي نفض الغبار عن الشقة من الشرفات والشبابيك، ومن على الأرضيات وأسطح الأثاث. وهي مهمة صعبة، وتحتاج إلى لياقة بدنية عالية تفتقدها معظم سيدات هذه الطبقة، ولذا يستأجرن بشكل أسبوعي من تقوم بها عنهن. ويصحب نفض الغبار في العادة مسح وتلميع للأرضيات، فمن المهم جدًا أن يكون البيت نظيفًا لامعًا حيث تقاس المرأة بنظافة بيتها. وتحملها الثقافة المسيطرة مسوؤلية أن يكون المنزل على "مستوى نظافة يجنن". كما يذهب القول الشائع. ولذا تخصص العائلات غرفة للضيوف ودورة مياه لهم، تتميز عن باقي البيت بالنظافة والأناقة الشديدتين، ولا أعلم على وجه الدقة على من تنطلي تلك الحيلة، فالكل يعلم أن "الصالون" لا يمثل البيت المصري.
تتعلم السيدات أيضًا التعامل مع الملابس المستعملة، ويكون التخلص منها مبني على مبدأ واحد: مدى جودة تلك الملابس. فالملابس التي لم تستهلك عادة ما يتم تخزينها لاستعمال الأطفال الأصغر سنًا؛ أما الملابس التي لا طائلة من ورائها فإنها في الأغلب تبقى حبيسة الخزانة لشهور (وربما سنوات) إلى أن تنسى ربة المنزل ما دفعته من ثمن فيها، فتجود بها على الحبايب - ويكون الأقرب إلى القلب هي السيدة التي تقوم على نظافة المنزل كل أسبوع، فهذه يجب كسب ودها حتى تتقن عملها، وتأتي في موعدها بانتظام؛ أما ما يتبقى من ملابس مهترئة ولم تعد صالحة للاستعمال الآدمي فهي عادة ما تستخدم في النظافة اليومية والأسبوعية. وهكذا تعيد سيدات الطبقة الوسطى تدوير الملابس (وكل ما يقع تحت أيديهن مثل العلب والبرطمانات وغيرها) وليس من المستغرب أن تظل القطعة الواحدة في البيت لسنوات، وقد تسمع بعض التأريخ لقطعة ما إذا كنت في منزل صديقة حميمة، فتشير إلى قطعة مهترئة غير واضحة المعالم والألوان قائلة: "كانت هذه تي شيرت ابني وهو في الثالثة من عمره،" أو تشير إلى الخلاط وتسرد تاريخه "اشتريته عندما كنت حامل بأبنتي، ولم استبدله منذ نيف وعشرين عام، إلا أنني أضررت لتغيير الكأس بعدها بخمس سنوات حين ألقت يه على الأرض فكسرته" ثم تنخرط في حديث الذكريات ومرور العمر سريعًا، وما عليك إلا التجاوب معها، ففي كل بيت مصري هناك قطع عديدة لها تاريخ قد يمتد لأجيال.
ولا تقضي السيدات ساعات مطولة للتخلص من النفايات فقط، وإنما تبذلن أيضًا الجهد والمال في شراء المعدات والأدوات لمساعدتهن في تلك المهام الشاقة، وتقضين الساعات في مناقشة فوائد وفضائل كل منتج جديد يطرح في الأسواق مع صديقاتهن، والوسائل المختلفة لإتمام المهام بسهولة ويسر. وبالرغم من أن الكثيرات يتوقفن عند وسائل ومنتجات بعينها، تستمر الأخريات إلى نهاية أعمارهن يحاربن النفايات بأحدث ما تنتجه المصانع.
وبالرغم من الخبرات التخصصية للسيدات في التخلص من النفايات وإعادة تدويرها، فإننا نجد احتكارًا ذكوريًا على المستوى الرسمي  لتلك المهنة. ففي الكثير من المجالات تقوم السيدات بالخدمة المجانية في الفضاء الخاص، ولكن عندما تنتقل للفضاء العام تصبح مهن ذكورية. وليس هذا بمستغرب، فبينما يأنف الذكور من العمل المتدني داخل المنزل ويلقون به على عاتق النساء، فإنهم يقبلون عليه طالما وجد المقابل المادي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المرأة يجب أن تتحرّك ولا تنتظر الدعوة
سامي بن بلعيد ( 2012 / 9 / 2 - 14:59 )
النهوض لا يتم من غير النصف المهم في المجتمع
والمرأة العربية يجب أن تنهض عقلياً وقيمياً وتتحرّك نحو الهدف ولا تنتظر الدعوة من رئيس أو مرئوس , وصحيح إن هناك معوقات كثيرة تقف في طريق المرأة العربية ولكن أهم تلك المعوقات لا تخرج عن إطار المرأة ذاتها فهي تفضل الشُكاء وإنتقاد الرجل دون أن يرافق ذلك حركة تصحيح واقعية ولذلك تتوه المرأة بين الحداثة والمعاصرة بأساليب لا تخدم نشاطها وهدفها ألإنساني العام


2 - كيف للمرأة ان تنهض بعد ان تعودت
فؤاده العراقيه ( 2012 / 9 / 2 - 16:24 )
عزيزي سامي بن بلعبد شدني عنوان تعليقك فهرعت اليه لارى ما فيه ولأسمع كيف تتحرك المرأة بمفردها وكيف تنهض عقليا وهي بحصار ما بين ثقافة الرجل الغير مثقف اصلا وبين موروث مجتمعها وما اعتاد من حبس لحريات وشل قدراتها العقلية حيث مساحة خروجها تكون ضيقة
نحننرى المرأة الواعية لا تستطيع ان تجتاز المعوقات والعراقيل الا بصعوبة فكيف بالتي عاشت وماتت وهي لم تتطلع الى العالم وهؤلاء يشكلن الأغلبية , كيف لها ان تتحرك نحو الأصلاح وهي مسجونة وسجنها ادى الى شلها ة
المشكلة مشكلة ثقافة مجتمع باكمله





3 - المشكلة مشكلة ثقافة مجتمع بأسره
سامي بن بلعيد ( 2012 / 9 / 3 - 07:31 )
عزيزتي فؤاده العراقية
بإعتقادي إنك أتيتي بالقول الفصل في الجملة ألأخيرة من تعقيبك
فالثقافة ألمجتمعيّة السائدة هي القيد الكبير على كاهل الرجل والمرأة على حدٍ سواء
فلا يمكن للرجل أن ينهض ويغيّر بمفرده ثم إن هناك عقول نسائية أكثر نضوج في حين مقارنتها مع الكثير من الرجال ,ولكن الخلل يكمن في الذاكرة المجتمعيّة بصفة عامّه وهذا الخلل دفع الجميع الى إطارات تبدوا فيها الحركة مكتمله ولكنها خارج إطار الميدان الحقيقي للتغيير الحضاري الحقيقي ,كما إن السلوك العاطفي الانفعالي المتعصّب صار هو الغالب وفي هذه الحالة إختنق العقل النقدي ومات وأصبحت العقول جامدة ولا تنتج معرفه وما هو جاري من نشاطات لا يخرج عن إطار الحفظ والنقل والتقليد
والمشكلة الثقافية التي تفضلّتي بالإشارة اليها تتطلّب ثورة شامله تتوحد فيها جهود الجميع حتى نتمكن من إحياء العقول والضمائر القادرة على البناء
إما في حال إستمرار طرح الأعذار وكل طرف يحمل الطرف ألآخر تبعات ألأزمات الموجودة فلن يزيدنا ذلك إلاّ ضياع
كل ألأحترام لشخصك الكريم

اخر الافلام

.. عضو البرلمان السابقة وأمينة المكتب السياسي لتيار الحكمة الوط


.. الناشطنة هند الصوفي المشاركة في ورشة العمل الاقليمي




.. بالرغم من مردوده المادي الضئيل... نساء تعتمدن على إعداد الخب


.. وادي الضباب في تعز الهدوء والجمال الطبيعي في زمن الحصار




.. المرأة الريفية صمود ونضال أمام واقعها المهمش