الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألاَ تجوز النظرية المادية في الإسلام؟

محمد الحمّار

2012 / 9 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الخطأ أن يشمئز المسلمون وعلى الأخص الإسلاميون منهم من التعويل على النظرية المادية لقراءة الواقع وللخروج باستنتاجات قيّمة تساعدهم على تطوير حياتهم. ولئن لا ندّعي أنّ النظرية المادية تنبثق من الإسلام أو نبحث عن تبرير لكونها "لا تتنافى" و"لا تتعارض" مع الإسلام، وهي منهجية نرفضها قطعيا، فإننا نعتقد أنّ اعتماد النظرية من طرف المسلمين ضرورة ملحة تحتمها العقلية المادية السائدة في واقع المسلمين أنفسهم. فإن كنا ماديين، ما المانع من استخدام النظرية المادية كوسيلة للتطور، سيما لمّا يُرجى من هذه الوسيلة مقاومة الفيروس المادي المسيطر على النفوس والمُوجِّه للسلوك؟ فما هي النظرية المادية وكيف يمكن الاستفادة منها كمسلمين؟

لكي نبسّط المسألة نقول إنّ النظرية المادية هي تلك التي تنطلق من واقع الإنسان لتصِفه وتُحلله ثم لتسمح بالانطلاق نحو تحقيق أهداف ترتسم حسب ما يتطلبه ذلك الواقع. وتنبثق عن هذه النظرية مفاهيمُ عدّة من أهمها "المادية التاريخية" و" المادية الجدلية". وهي نظرية تعرّف العلاقة بين الناس في المجتمع الواحد على أنها صراع بين الطبقات الاجتماعية وعلى أنّ ملكية وسائل الإنتاج المادي هي المتحكمة بهاته العلاقة وهلم جرا. وليس صحيحا أنّ النظرية تسحب فقط على النظام الشيوعي أو النظام الاشتراكي، إذ إنّ تاريخ البشرية المعاصر يثبت أنّ النظرية المادية هي التي كانت المحرك المشترك بين الغالب والمغلوب إيديولوجيا. فالعالم قد عرف ابتداءً من سنة 1989 (سقوط حائط برلين) منعرجا تاريخيا حاسما تمثلَ في غلبة النظام الليبرالي الأمريكي والأوروبي الغربي على النظامين المذكورين أنفا واللذين عُرفت بهما بلدان شرق أوروبا وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي سابقا. ولئن فشل أنصار كارل ماركس وانجلز ولنين وغيرهم في الحصول على نتائج باهرة بفضل النظرية المادية، فإنّ نجاح الفكر الهيجلي (نسبة للفيلسوف فريديريتش هيجل) في توحيد عقل الدولة مع عقل الفرد كان هو الآخر من منطلقات مادية. وما الوفرة المادية التي آلت إليها العولمة الاقتصادية والتي نعيش تبعاتها إلى الآن في كل أصقاع الدنيا إلا دليل على المسحة المادية الطاغية.

أما الكيفية التي من الممكن توخيها لكي نستفيد من النظرية المادية كمسلمين فهي مشروطة باستعابنا للتحول الذي طرأ علينا جراء التحولات المادية العالمية. ويتلخص هذا التحول في كوننا أصبحنا أكثر مادية من الماديين أنفسهم (الغرب المسيحي). وهذا بشهادة القاصي والداني، إن من النخب أم من العوام. وهو تحوّل منطقي لسببين اثنين: أولا، إنه محسوب على تبعات العولمة لمّا صارت المادية ديانة تندرج في الإطار الأوسع للعولمة الثقافية. ثانيا، إنّ التجارب السياسية في بلداننا منذ حقبة الاستقلال وبناء الدولة الوطنية اتسمت بالارتباك والعشوائية والشعبوية حتى وإن كانت تسمى "شيوعية" أو "اشتراكية" في بعض طبعاتها، مما أسفر على إنسان عربي مسلم لقيط لا يسمي الأشياء بأسمائها ولا يطبق النظريات حسب خطط وأهداف مسبقة.

ومن بين الأشياء التي لا يقدر الإنسان العربي المسلم على تسميتها هي طبيعة علاقة هذا الإنسان بالنظرية المادية، مما يدل في الوقت ذاته أنه غير قادر على تطبيقها. أما سبب غياب القدرة على التطبيق فهو غياب الخطة والأهداف أكثر منه فساد النظرية المادية المزعوم، فما بالك تكفيرها وتكفير القائلين بها. إذن كيف تكون الخطة وماذا عسى أن تكون الأهداف لكي يتدارك المسلمون أمرَهم؟ إنّ أول ما تتضمنه الإجابة هو التذكير بأنّ سيطرة العقلية المادية على عقولنا إنما هي حافزٌ لاستخدام النظرية المادية كدواء لمقاومة الداء. وهذا من باب "وداوِني بالتي كانت هي الداء". ثم تتطلب الإجابة إصدار فرضيةٍ تؤول إلى القيام بتجربة لإثبات صحتها من عدمها. ونعرض الفرضية كالآتي: مادمنا قد اعترفنا بأننا ماديين، فلمَ لا نعتبر واقعنا، السيكولوجي والاجتماعي، الفردي والمجتمعي، الرمزي والمادي، وعلى كل الواجهات، بأنه قاعدةٌ للمعلومات تشكل بامتياز نقطة الانطلاق لكل عملٍ وصفي و تحليلي واستبياني واستقصائي واستقرائي لهذا الواقع، وهادفٍ إلى تغييرهذا الأخير نحو الأفضل بواسطة الفكر، سيما وأنّ هذه القاعدة مستبطِنة للمعطى الإسلامي تحديدا؟ وإن قبِلنا بهذا التمشي فما المانع من تحديد مهمةِ الكشف عن المعطى الإسلامي عبر هذا الواقع كهدفٍ محوري تُبنى عليه الخطط والاستراتيجيات والبرامج، عوضا عن إسقاط المادة الإسلامية من الأعلى (النص الديني) إلى الأسفل (واقع المسلمين)؟ أمّا النص فلا خوف عليه من هاته الطريقة طالما أنّ قانون الجدلية عقل/نص كفيلٌ بالتعديل والترشيد كلما اقتضت الحاجة لذلك.

من هذا المنظور نكون قد اصطدنا عصفورين اثنين بحجرٍ واحد: من ناحية نكون قد ذوّبنا جليد النظرية المادية بأن تبنيناها كإرثٍ معرفي ومنهجي عالمي، مما سيسمح لنا بمنافسة نظرائنا البشر على نفس الموجة. ومن ناحية أخرى، نكون قد استهللنا إدماج الثقافة الإسلامية في الطبعة الراهنة من الحضارة العالمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وباء المنطقة المزمن
محمد البدري ( 2012 / 9 / 5 - 20:16 )
اي محاولة لرؤية الاسلام من وجهة نظر مادية، او اي محاولة للبحث عن جدلية مادية في الاسلام أو إيجاد منهج مادي في داخله يعين اصحابه علي ابتلاعه بشكل صحي بدلا من وقوفه في الزور كما هو الان، فان نتائجها ستكون كارثية علي الاسلام وعلي المؤمنين به حيث لن يتبقي منه شئ. كثيرون حاولوا عمل هذا البحث من أمثال -حسين مروة- في لبنان بكتابه - كتاب النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية - ومن مصر الشاعر -رفعت سلام- في كتابه -بحثا عن التراث العربي- لكنهم تركوا نتائج بحثهم معلقة لانتمائهم العرقي والثقافي للعروبة وبالتالي فلم يجرؤا علي الوصول للهدف النهائي الذي فيه خلاص المنطقة باسرها من وبائها المزمن.


2 - وهل للعقل مكان في الاسلام
محمد البدري ( 2012 / 9 / 5 - 20:20 )
فاي تطبيق للمادية ومنهجها في الاسلام رغم ان الاسلام برمته غارق في المادية ولم ينطلق الا من المادة وكان هدفه الدائم المادة فان البحث عن المادية يشترط قبلها استخدام العقل في التحليل والتناول لنصوصه. لكن الكارثة ان الاسلام واصحابه يصابان بحالة من الصرع عند اي اقتراب منه بالعقل. فما بالنا والمادية التي ستفضح كل شئ ولن تبقي منه شيئا.

اخر الافلام

.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran


.. 72-Ali-Imran




.. 73-Ali-Imran