الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نُبُوَّة وزِنَا (1)

ناصر بن رجب

2012 / 9 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نُبـــُـــوَّة وزِنَـــــــــــــا (1)
من نصّ إلى آخر
أو «كيف استنبط المحدّثون والفقهاء حدّ الزنا في الإسلام»*
 
تأليف : ألفريد - لويس دي بريمار
ترجمة وتعليق : ناصر بن رجب
 
مقال نُشر بالفرنسية تحت عنوان :
Alfred-Louis de Prémare
Prophétisme et adultère
D un texte à l autre
Revue des Mondes Musulmans et de la Méditerranée,
Année 1990, Volume 58, Numéro 1, pp. 101-135
 
مقدمة المترجم
خصّصت "مجلّة دراسات العوالم الإسلامية والبحر المتوسط" عددها رقم 58، الصادر سنة 1990 لموضوع "الكتابات الإسلامية الأولى" أشرف عليه المستشرق ألفريد لويس دي بريمار وكتب له مقدمة بعنوان "كتابات وقراءات". احتوى العدد على مجموعة من الدراسات المهمّة قام بها نخبة من المتخصصين في التاريخ الإسلامي والبرديات والحفريات والنقوش الإسلامية القديمة وكذلك تفسير القرآن وتاريخ الأدب العربي الإسلامي.
 
وقد اخترت أن أقدّم لقراء الحوار المتمدن مقالة دي بريمار "نبوّة وزنا" التي لم يكتف فيها، كما يفعل معظم الباحثين عندنا وبالخصوص أولئك الذين "يُفسّرون الماءَ بعد الجهد بالماءِ"، بمجرّد سرد الآيات والأحاديث والأخبار الواردة في القرآن والسيرة وكتب الحديث عن المسألة موضوع البحث، بل رجع إلى التقليدَيْن اليهودي والمسيحي بالمعنى الواسع ليعْقد مقارنة شيّقة بين مختلف النصوص التي نشأت في فضاءات دينية وثقافية وزمنية مختلفة تؤكّد بما لا يدع مجالا للشّك مدى التأثيرات والتداخلات بين هذه الفضاءات وكذلك تبرهن على أن المحدّثين والأخباريين المسلمين الأوائل كانوا، عكس ما تتوهّمه الأوساط المتحجّرة وتروج له دون كلل، لا يكتبون في بيئة عذراء نقيّة ولا في صفحات بيضاء ناصعة ولكنّهم كانوا ملمّين إلماما تامّا بما جاء في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وكذلك التراثين اليهودي والمسيحي بشكل أرحب، ولذلك تأثّروا عن وعي أو عن غير وعي بما أنتجته هذه الفضاءات والأحقاب من نصوص ومأثورات.
 
في هذا البحث الثمين الذي ترجمته بصبر وأناة وعُدت إلى كل المراجع الإسلامية والأجنبية تقريبا التي أوردها المؤلف، يقدم دي بريمار للقارئ كلَّ أو على الأقل جلّ ما يريد أن يعرف عن الموضوع الذي هو حدّ الرجم بين اليهودية والإسلام، ويقدم أيضا للكتّاب والباحثين نماذج لمناهج البحث والتنقيب وتحقيق ونقد النصوص القديمة، وهو ما تفتقده الكتابات العربية المعاصرة افتقادا مأساويّا. لقد فكّك دي بريمار أسطورة انتقال حدّ الرجم من سفر التثنية إلى القرآن الكريم بطريقة علمية تجعل القارئ يفهم أخيرا كيف أن ابن إسحاق قد اخترع أسطورة اختبار أحبار اليهود لمحمد لمعرفة ما إذا كان ملكا فيطيعوه امتثالا لقول التلمود البابلي : "ملِك البلاد التي أنت فيها هو ملِكك"، أما إذا اتّضح أنه نبيّ فقد قَوَّل ابن إسحاق الأحبار بأنهم أوصوا اليهود بأن يكونوا على حذر منه. وبالطبع، كما في أفلام إسماعيل ياسين، فإنّنا نتوقع النكتة قبل النطق بها. فقد اكتشف اليهود أن محمد نبيّ لأنه قال لهم أن حدّ الرجم موجود في التوراة ولكنكم تحاولون إخفاءه (وذلك رغم اُمِّيَّة محمّد وجهله التّام بما أنزل الله قبله!). فاعتراف اليهود أساسي جدّا للنبيّ الذي حلّ حديثا بيثرب كما كان أساسيّا جدا الإعتراف بنبوّته في مكّة من ممثل النصرانية ورقة بن نوفل. وتبلغ المهزلة إلى حدّ أن ابن إسحاق جعل ابن صوريا (الأعْوَر!)، أكثر أحبار اليهود علما بالتوراة، يضع إصبعه على آية الرجم لكي لا يراها النبي وأصحابه الملتفّون حوله مُتظاهرا بعدم وجودها وقافزا على قراءتها. نجح ابن إسحاق في جعل الفقهاء وعامة المسلمين يصدّقون بأن حدّ الرجم في التوراة هو حدّ إلهي لا مناص من تطبيقه وأن اليهود أماتوا إقامة هذا الحد فأحياه رسول الله في اليهودية وبالطبع في الإسلام أيضا. رواية ابن إسحاق من السذاجة إلى درجة أن طالبا نابها يمكنه أن يكتشف ثغراتها فلا تُعتمد كأساس لتبنّي حد الرجم اليهودي في الإسلام. ولكن عِداء المرأة المتأصّل في التقاليد العربية الإسلامية فعل فعله السحري فقُبلت رواية ابن إسحاق المهلهلة كما لو كانت تنزيلا من حكيم حميد.
هذا البحث، على قصره، يعطي نموذجا تطبيقيّا لدراسة الأديان المقارنة وكيفية التعاطي مع النصوص الدينية بمقابلتها ومقارنتها بعضها ببعض ووضعها في إطارها الداخلي الذي نشأت فيه والظروف الخارجية المحيطة بها والتي تأثّرت بها وأثّرت فيها.
 
الجزء الأوّل :
جاء في حديثٍ مُسند إلى أبي هريرة، أكثر الصحابة رواية للحديث([1])، خبرٌ مَفادُه : «أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديا ويهودية».[ابن حنبل، مسند، II، 279-280].
من هنا، ومن بين أمثلة أخرى عن الرجم الذي نُفّذ بقرار من محمّد، ليس فقط على يهودٍ بل أيضا على مسلمين، أُثيرت مسألة الحدّ الذي أُعِدَّ للمحصنين الزناة.
بالإضافة إلى الخبر المقتضب للواقعة، تتكرّر أيضا في كتب الحديث عدّة أخبار لنفس الحدث تختلف فيما بينها إيجازا وإطنابا، وزيادة ونقصانا وتنوّعا. هذه الأخبار، فيما عدا واحد منها، مهما تعدّدت مصادرها تُسند دائما إلى الصحابة الذين يمثلون لرجال الحديث أكبر المصادر أهمية وبالخصوص منهم أبو هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس. خبر يُضاف إلى آخر، وكلّها غالبا ما تتكرّر مرّات عدّة في نفس الكتاب في مواضع مختلفة وأحيانا حسب طبيعة الموضوع المطروق. نجد هذه الأخبار تحت أشكال مختلفة في موطّأ مالك [ت 179 ﻫ/796 م]، وفي سيرة ابن إسحاق [ت حوالي 150 ﻫ/767 م]، وفي مصنّف عبد الرزّاق [ت 211 ﻫ/827 م]، الذي يعتمد هو نفسه على مؤلَّف سابق له هو جامع مَعمَر [ت 150 ﻫ/771 م]، وفي مسند ابن حنبل [ت 241 ﻫ/855 م]، وفي صحيح البخاري [ت 256 ﻫ/870 م]، وفي صحيح مسلم [ت 261 ﻫ/875 م]، وفي سنن أبي داود [ت 275 ﻫ/889 م]، وفي جامع الترمذي [ت 279 ﻫ/892 م]، وباختصار في كلّ كتب الحديث للقرنين 2 و3 ﻫ/8 و9 م. كما سنعثر عليها أيضا في كتب التفاسير مثل تفسير الطبري [ت 310 ﻫ/923 م]، أو تفسير القرطبي [ت 671 ﻫ/1273 م].
ولأنّها تتكرّر هكذا بصبر وجلد من طرف الجميع وتحت أشكال مختلفة يُمكننا أن نفترض بصورة مقبولة أنّ ما يُرْوى لنا هنا، على الأقل فيما يتعلّق بالحدث الخام، هو شيء قد وقع في زمنِ تركيز أسس الإسلام بصفته أُمّة قائمة بذاتها.
ولكن الذي يهمّنا، فيما وراء السرد المقتضب، هي الأخبار. ودون أن أُهمل الروايات الأخرى، فإنّني سأركّز دراستي على القصّة الواردة في سيرة ابن إسحاق حسب رواية ابن هشام. وهكذا، الشيء الذي يبدو لي ذا أهميّة بارزة في طريقة تأليفها هي الحوصلة التي وقع التوصل إليها، انطلاقا من هذه المواد التي تبدو متناثرة في الظاهر، بواسطة لمسات متعاقبة وتحت غطاء أحاديث من مصادر مختلفة.
مع ذلك، وقبل أن نقّدم هذا الحديث ونحلّله، يُحسن بنا أن نعرف واحدة من الروايات القصيرة للخبر حول رجم الزاني والزانية اليهوديين. من بين الكمّ الهائل من الروايات اخترتُ تلك التي وردت في موطّأ مالك، مُعاصر ابن إسحاق ومنافسه في المدينة([2]). هذه الرواية القصيرة تمثّل فعلا نوعا من المخطّط لما كان يُروى في هذا الموضوع في بدايات رواية الحديث. وهذا لا يعني بالضرورة أنّها أقدم رواية : من الممكن أن تكون قد وُجدت خطوط رئيسية لروايات أخرى سابقة لها. ولكن نظرا لاستحالة تحديد ما هي أول رواية ظهرت في هذا الموضوع، فإن معرفة رواية الموطّأ ستسمح لنا على الأقل بتحليلٍ أفضل للرّواية، متعدّدة الأشكال، التي توفرها لنا السيرة في المرحلة النهائية من الصياغة التي أعطاها لها ابن هشام.
للتّسهيل أكثر، ميّزتُ ورقَّمت العناصر الأساسية لهذه الرواية التي نجدها، مع فوارق طفيفة، في كلّ النسخ من هذا الطراز وكما في السيرة نفسها([3]).
 
النصوص
 
الرواية القصيرة في الموطأ [ج 2، ص 819]
حدثنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنّه قال :
1 - جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا.
2 - فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟» فقالوا : «نفضحهم ويُجْلدون» فقال عبد الله بن سلام : «كذبتم! إن فيها الرجم» فأتوا بالتوراة فنشروها. فوضع أحدهم يده على آية الرجم، ثم قرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد الله بن سَلام : «ارْفَع يدك!» فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم. فقالوا : «صَدَق يا محمد، فيها آية الرجم».
3 - فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجِما. فقال عبد الله بن عمر : «فرأيتُ الرجلَ يَحْني على المرأة يَقِيها الحجارة».
 
الرواية متعدّدة الأشكال في سيرة ابن هشام [II، 193-196]
قال ابن إسحاق: وحدثني ابنُ شهاب الزهري أنه سمع رجلا من مُزَيْنة، من أهل العلم، يحدِّث سعيدَ بن المسيَّب، أن أبا هريرة حدَّثهم :
1 - أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المِدْراس([4])، حين قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ، وقد زنى رجلٌ منهم بعد إحصانه بامرأة من يهودَ قد أحصنت، فقالوا: «ابعثوا بهذا الرجلِ وهذه المرأة إلى محمد، فَسَلوه كيف الحكم فيهما، ووَلُّوهُ الحكم عليهما. فإن عمل فيهما بعملكم من التجبية – والتجبية : الجلد بحبل من ليف مَطْلي بقارٍ، ثم تُسَوَّد وجوههما، ثم يُحملان على حِمَاريْن وتُجعل وجوههما من قِبلِ أدبار الحمارين - فاتَّبِعوه، فإنما هو مَلِك، وصدِّقوه. وإن هو حكم فيهما بالرجم فإنه نبيّ، فاحذروه على ما في أيديكم أن يَسْلبَكُموه!». فأتوه، فقالوا : «يا محمد! هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت. فاحكم فيهما، فقد وَلّيْناك الحكم فيهما!».
2.1 - فمشى رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، حتى أتى أحبارَهم في بيت المِدْرَاس، فقال: «يا معشر يهود، أَخْرِجوا إليَّ علماءَكم!». فأُخْرِج له عبد الله بن صوريا.
قال ابن إسحاق :
- 2.2 وقد حدثني بعضُ بني قُرَيْظة: أنهم قد أخرجوا إليه يومئذ، مع ابن صُوريا، أبا ياسر بن أخْطَب، ووهب بن يَهُوذا، فقالوا: هؤلاء علماؤنا. فسألهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى حَصَّل أمرَهم، إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا : هذا أعلم من بقيَ بالتوراة.
قال ابن هشام : من قوله : «وحدثني بعض بني قريظة»، إلى : «أعلم من بقي بالتوراة» من قول ابن إسحاق، وما بعده من الحديث الذي قبله.
2.3 - فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان غلامًا شابًّا من أحدثهم سِنًّا، فألَظَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة، يقول له: يابن صُوريا، أنْشُدك الله وأذكِّرك بأيامِهِ عند بني إسرائيلَ، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنَى بعد إحصانهِ بالرجم في التوراة؟ قال : اللّهم نعم، أما والله يا أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك لنبيّ مُرْسَل ولكنهم يحسدونك. قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهما فرُجما عند باب مسجده في بني غَنْمِ بن مالك بن النجار، ثم كفر بعد ذلك ابن صُوريا، وجحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق :
2.4 - فأنزل الله تعالى فيهم : ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ أي : الذين بعثوا منهم من بعثوا وتخلفوا، وأمروهم به من تحريف الحكم عن مواضعه، ثم قال : ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ﴾، أي : الرجم، {فَاحْذَرُوا} [المائدة: 41] إلى آخر القصة.
قال ابن إسحاق : وحدثني محمدُ بن طلحة بن يزيد بن رَكَانة عن إسماعيل عن إبراهيم، عن ابن عباس، قال :
3.1 - أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما، فرُجما بباب مسجده، فلما وجدَ اليهوديُّ مَسَّ الحِجارة قام إلى صاحبته فجنأ عَليْها، يقيها مَسَّ الحجارةِ، حتى قُتلا جميعًا. قال : وكان ذلك مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في تحقيق الزنا منهما.
قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كَيْسان، عن نافع مولى عبد الله بن عُمر عن عبد الله بن عمر، قال :
2.5 - ما حكَّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما، دعاهم بالتوراة([5]) وجلس حَبْرٌ منهم يتلوها، وقد وضع يده على آية الرجم، قال : فضرب عبدُ الله بن سَلام يد الحَبْر ثم قال : «هذه يا نبيّ الله آية الرجم، يأبى أن يتلوَها عليك». فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَيْحَكم يا معشر يهود، ما دعاكم إلى ترك حُكم الله وهو بأيديكم؟» قال : فقالوا : «أما والله إنه قد كان فينا يُعمل به، حتى زنا رجل منا بعد إحصانه، من بيوت الملوك وأهل الشرف، فمنعه الملك من الرجم([6])، ثم زنا رجل بعده، فأراد أن يرجمه، فقالوا : لا والله، حتى ترجم فلانًا، فلما قالوا له ذلك اجتمعوا فأصلحوا أمرهم على التجبية، وأماتوا ذكر الرجم والعمل به». قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنا أول من أحيا أمرَ الله وكتابه وعمل به».
3.2 - ثم أمر بهما فرُجما عندَ باب مسجده. وقال عبد الله بن عمر : فكنت فيمن رجمهما.
قال ابن إسحاق :
2.6 - وحدثني داودُ بن الحُصَيْن عن عكْرمة، عن ابن عباس : أن الآيات من المائدة التي قال الله فيها : ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة : 42] إنما نزلت في الدية بين بني النضير وبين بني قُريظة، وذلك أن قتلى بني النضير، وكان لهم شرف، يؤدون الديةَ كاملة، وأن بني قريظة كانوا يؤدون نصفَ الدية، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ذلك فيهم، فحملهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على الحقِّ في ذلك، فجعل الديةَ سواء. قال ابن إسحاق : فالله أعلم أي ذلك كان.
 
من كتاب إلى آخر
إنّ إحصاء كلّ الروايات المتوازية والمتعلقة بنفس الحدث سيكون مرهقا مُملاّ. وقد يذهب بنا الإعتقاد لأوّل وهلة أنّه عَملٌ لا طائل من ورائه بالإضافة إلى أن الأخبار تبدو وكأنها تتكرر؛ غير أن الحال ليس هكذا دائما وبالخصوص إذا ما أخذنا بعين الإعتبار الإطار العام للمؤلَّفات التي وُضعت فيه هذه الروايات المختلفة.
إنّ طريقة تصنيف الأحاديث في موطأ مالك [2 ﻫ/8 م] ومصنَّف عبد الرزاق [2-3 ﻫ/8-9 م] تعتمد الترتيب على الموضوعات والأبواب الفقهية.
ففي مصنَّف عبد الرزاق [VII، 315 وما بعدها، الأحاديث من رقم 13.329 إلى رقم 13.369]، في كتاب الطلاق، يورد المؤلِّف 40 حديثا في «باب الرجم والإحصان«. نجد فيها آراء القدماء وأخبار اليهوديين الزانيين بجانب أخبار أخرى تهمّ عدّة حالات زنا تخصّ مسلمين كانت العقوبة التي سلّطها فيها محمّد أو أحد الصحابة الرجم أو فقط، بحسب الظروف، الجلد والنفي. إذن، لدينا هنا كُتيِّب فِقْهي حول مسألة الرجم يتّضح منه أن هذه القضية كانت في نهاية القرن 2 ﻫ/8 م، موضوع نقاش بين الفقهاء المسلمين الذين كان شغلهم الشاغل بدون شك تحديد موقع التشريع الإسلامي مقابل شريعة موسى. جاء خبر رجم اليهوديين الزانيين في ثلاثة أحاديث ]من 13.330 إلى 13.332]. الأول منسوب لأبي هريرة يُطابق، مع تغيّرات ملحوظة، ما نجده في السيرة بنفس النَسب وبنفس إسناد الزُهري([7])، ولكن عن طريق مَعمر([8])؛ والحديثان الآخران المنسوبان إلى ابن عُمر يُطابقان، دائما مع تغيّرات، رواية الموطّأ القصيرة، التي صدّرنا بها هذا المقال، ودائما عن طريق نافع([9]). ولا نجد هنا ذِكرًا لابن عبّاس كمصدر للرواية.
غير أنّه ليست لدينا هنا مجرّد مجموعة من الأحاديث المتجاورة : فالأخبار تكوِّن جزءًا من كلٍّ وحْدتُه متكوّنة ليس فقط من ترجمة (بداية) الباب. فالباب مُؤلَّف تبعا لفكرة أساسية([10]) : رَجْمُ الزاني والزانية حدٌّ مصدره القرآن وسنّة النبّي وخلفائه الأوائل. وبالفعل، فإن مجموع هذه الأحاديث جاءت مؤطَّرة، في بداية الباب وفي نهايته، بمقتطفين من خطاب الخليفة عمر يؤكّد وجود آية الرجم التي نجد نصّها في الحديث قبل الأخير المرفوع لأُبيِّ بن كعب.
نجد طريقة التبويب حسب المواضيع والأحكام الفقهية ربّما ببروز أكبر في كتاب متأخّر وهو صحيح البخاري [3 ﻫ/9 م]. ففيه تُشكِّل أحكام الرجم جزءا من «كتاب الحدود» و «كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة». ونحن هنا أيضا إزاء مجموعة من الأقوال والحالات المتعلقة بهذه المسألة يُوافق الكثير منها ما نجده عند عبد الرزاق، مع التغيّرات المعتادة، سواء فيما يتعلّق بالمتون أو بسلسلة الأسانيد. فالخبر حول اليهودييْن الزانيين، المنسوب لابن عمر، يَرِدُ فيه مرّتين : مرّة أولى في «باب الرجم في البلاط»؛ ومرة ثانية، مع تغييرات، في «باب أحكام أهل الذمّة وإحصانهم إذا زنوا ورُفعوا إلى الإمام» [وهذه هي نفس رواية الموطّأ المذكورة أعلاه]. إلا أننا نجد من جديد نفس الخبر في مواضع أخرى من صحيح البخاري وفي كلّ مرة للإستدلال به على ما يُترجم من المسائل المختلفة كما نجده أيضا في القسم المخصّص لتفسير القرآن [سورة 3، آية 93].حيث يُقدّم الخبر على أنّه «سبب نزول» الآية.
نفس طريقة ترتيب الحديث هذه نجدها في صحيح مسلم المتزامن مع صحيح البخاري. فالأحاديث عن اليهوديين الزانيين ترد ضمن أحاديث أخرى في «كتاب الحدود» في «باب حدّ الزنا». واحدٌ من هذه الأخبار يأتي في شكل خاصّ [لا يوجد من الجانِيَيْن إلاّ الرجل، ومحمّد يتدخّل دون أن يُطلب منه ذلك]. وسلسلة الإسناد هي نفسها غريبة. وستتسنّى لنا الفرصة للعودة لهذا الخبر لاحقا لما له من خصوصيات.
أمّا مسند ابن حنبل [ق 9 م] فطريقة تصنيفه مختلفة تماما، فالأحاديث مجموعة فيه ليس بحسب الموضوعات، فِقْهية كانت أم لا، ولكن مُرتّبة على أسماء الصحابة والسلف الذين تُروى عنهم تلك الأحاديث. وهكذا نجد فيه مسندًا لكلّ من الخلفاء الراشدين، ومسندًا لأبي هريرة ومسندًا لعبد الله بن عمر، الخ. طريقة التصنيف هذه شاقة وعسيرة للوقوف على الأحكام الشرعية ولكنّها تمثّل لنا فائدة كبيرة من حيث أنها تُيسِّر غالبا جمع الكثير من الوثائق القديمة والأخبار الشفوية التي يقدّمها هذا أو ذاك من الرواة السابقين.
يبدو أن ابن حنبل، في الأحاديث التي جمعها في مسند أبي هريرة، لم يحتفظ من بين تلك التي وردت عنه في موضوع الرجم إلاّ بالحديث القصير الذي قدّمناه في بداية هذا المقال. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن سلسلة الإسناد هي نفسها التي في الخبر الوارد تِباعا في المُصنّف والسيرة. هذا بالرغم من أن جزءًا مهمّا من مجموعة أحاديث عبد الرزاق الصَّنْعاني، شيخُ ابن حنبل، الصادرة عن مَعمر بن راشد، منقولٌ في أحاديث هذا المسند. ولكن لا يوجد فيها أي خبر أساسي نوعا ما عن الحادثة التي تهمّنا يُطابق ما نجده في هذا الموضوع في مصنّف عبد الرزاق وبرواية أبي هريرة. وابن حنبل يروي أيضا [II، 450]، عن أبي هريرة خبرا آخر عن الرجم أخرجه بكثرة أستاذه اليمني (الصنعاني) من طرق شتّى في مجموعه الحديثي.
بالمقابل، فإن ابن حنبل قد اختار مسند عبد الله بن عمر لكي يُورد فيه خبر رجم اليهودييْن. وهو يفعل ذلك مرّات عدّة : في بداية الأمر بصورة متكرّرة في مواضع متعدّدة حسب سلسلة الأسانيد [II، 7، 63، 76، 126]، وبتلميح بسيط للواقعة؛ ومرّتين أخريين بروايتين قصيرتين جدّا [II، 17، 151]، وأخيرا، في خبر كامل نسبيّا ولكنه قصير [II، 5]. يُقدِّم هذا الخبر تنوّعا ملحوظا فيما يتعلّق بـ «قارئ» التوراة الذي يضع كفّه على «آية الرجم» لكي يخفيها : هذا القارئ يُدعى ابن صوريا وهو أعور. وبالمقابل، فإنّ عبد الله بن سلام لا يَظهر هنا : فالفعل مبنيّ للمجهول [«فقيل له : ارفَعْ يدك»].
أمّا الطبري [3-4 ﻫ/9-10 م] فهو يعود إلى نفس الخبر خمس مرّات، وذلك كمفّسر للقرآن، بخصوص سورة المائدة في الآيتين 41-42، مُتسائلا بالأساس بأَيٍّ من الآيتين يليق أن نُلحق الحدث. يرد الخبر هنا كاملا مرّتين برواية أبي هريرة. باستثناء بعض التغيّرات فإن الطبري ينقل إجمالا ما رُوي في مصنّف عبد الرزاق عن طريق مَعمر عن الزُهري. وبالمناسبة، لا يظهر ابن إسحاق في هذا الإسناد. ولذلك فإنّ الطبري لا يشير إلى سيرة ابن إسحاق كمرجع له. وهو، بالإضافة إلى هذا، يُورد ثلاث روايات أخرى مختلفة بصورة ملموسة واحدة منها، عن ابن زيد، تُثير لدى المفسّرين، من خلال أسباب النزول، إشكالا فقهيّا : هل فعلا نُسخت آية الرجم؟
نستطيع أيضا أن نُضيف لهذه القائمة مجموعة الأحاديث الصغيرة التي ساقها القرطبي [ت 671 ﻫ/1272 م]، المفسّر الأندلسي، في تفسيره لسورة المائدة [آية 41]. يستند القرطبي أساسا على الكتب الحديثيّة الكلاسيكية. الحديث الذي اخذه من سنن أبي داود [ت 275 ﻫ/889 م] همّه بالخصوص تحديد الشرط الرئيسي الذي توجِبُه التوراة، حسب الحَبْرين الأخويْن ابن صوريا اللّذين استجوبهما محمّد، حتّى تُقبل تهمة الزنا، أي شهادة أربعة شهود عيان رأوا الجانِيَيْن وقد التَحَم الفرجان : «يُغَيّب ذلك منه في ذلك منها كما يُغيّب المرود في المكحلة والرشاء في البئر» [الجامع، VI 176-178]، وهذا في المحصّلة تدقيق ربّينيٌّ جدًّا([11]).
قد يكون في مقدورنا مواصلة البحث هكذا في مختلف المُؤلّفات. ولكن هذه النخبة من الأخبار، المحدودة قصدًا، تكفي لكي نلاحظ الطابع المتغيّر جدّا للأحاديث المسندة لنفس السلف والمَرويّة، في النهاية ومع اختلافات طفيفة، عن طريق نفس رجال الحديث. بعض التغييرات في هذه الأحاديث تكون أحيانا ضئيلة؛ وفي أحيان أخرى تكون أكثر أهمّية، وستكون لنا فرصة لإبراز أن التغيّرات اللفظية يمكنها أن لا تكون أحيانا محايدة تماما. انطلاقا من نفس الحدث تكون الأحاديث متغيّرة وذلك ليس لأنّها قد تكون فقط شفهية (إذ كانت هناك نصوص مكتوبة حتى ولو على الأقل في حالة بدائية، عن طريق الإملاء)، ولكن لأن الرجال الذين يروون هذه الأخبار لهم أيضا أهدافهم الخاصة بهم، ويحرّرون رواياتهم داخل إطار أدبيّ معيّن تبعا لظرف معيّن.
ملاحظة ثانية، ملازمة للسّابقة، هي أنّ الإطار الشامل للأحاديث محلّ الدرس، الواردة في كلّ من المُؤلّفات التي ذكرناها على سبيل المقارنة، ليس هو نفس الإطار الذي حدّده ابن إسحاق. في الحقيقة، الخبر المتعلّق باليهوديين الزانيين والرجم، الذي ورد في السيرة، ليس غايته الأولى مناقشة مسألة فقهية (حدّ الزّنا) ولا الظهور في مُسند هذا الصحابي أو ذاك ولا حتّى استحضار «أسباب النزول»، وذلك بالرغم من أنّ هذه الإهتمامات كانت أيضا حاضرة عند ابن إسحاق كما كانت حاضرة عند الرُواة الآخرين. ولكن قبل أن نتناول هذه النقطة، يتوجّب علينا أن نستحضر مسألة حدّ الزنا نفسه كما تظهر في كلّ هذه المُؤلّفات.
 


* هذا العنوان الفرعي من عندنا. (المترجم)
[1])) تطفح كتب الحديث والتراجم بروايات مختلفة تطعن كلّها في مصداقيّة كلّ ما رواه أبو هريرة عن النبيّ وتذكر المناسبات العديدة التي أظهر فيها الخليفة عمر بن الخطاب غضبه عليه وتهديده له بضربه وتأديبه بالدرّة إن هو لم يكفّ عن ذلك. بالفعل تؤكّد لنا كثير من المصادر، على لسانه هو بالذات، أنّه كفّ عن رواية الحديث حتّى وفاة عمر. فقد جاء في سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 433 : «عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : ما كنّا نستطيع أن نقول : قال رسول الله حتّى قُبِض عمر، كنّا نخاف السّياط». ويقول ابن قتيبة في كتابه تأويل مختلف الحديث : «لقد أتى أبو هريرة ما لم يأت بمثله من جُلّة الصحابة والسابقين الأوّلين. اتّهموه وأنكروا عليه، وقالوا كيف سَمِعْتَ هذا وحدك ومن سمع معك؟ وكانت عائشة أشدّهم نُكرانا عليه، وكانت تعارضه لتَطاوُل الأيام بها وبه. وقد تُوفّيت قبله بسنة». والأغرب من هذا تلك الشتائم اللاّذعة التي تبادلاها بخصوص الرواية عن النبيّ، فقد أورد الذهبي (نفس المصدر، ص 435) أنّ عائشة كذّبت أبو هريرة وانتقدته بشدّة فخاطبته : «إنك لتُحدِّث حديثاً ما سمعتُه من النبي، فقال : ما كانت تشغلني عنه المرآة ولا المكحلة ولا المدهن، قالت : إنما أنتَ الذي شغلك بطنك، وألهاك نهمك عن رسول الله، حتى كنت تعدو وراء الناس في الطرقات تلتمس منهم أن يطعموك من جوعك، فينفرون منك ويهربون ثم ينتهي بك الأمر إلى أن تُصرَع مغشياً عليك من الجوع أمام حجرتي، فيحسب الناس أنك مجنون فيطأون عنقك بأرجلهم». والمثير للدّهشة حقّا، بعد كلّ هذا، أن نرى كبار مُدوّني الحديث والسير لم يُثْنهم ذلك عن حشو مُصنّفاتهم بالأحاديث المرويّة عنه. فقد رُوي عنه 5374 حديثا خرّج منها البخاري ومسلم 1574 حديثا أي ما يعادل أكثر من تسعة أضعاف الأحاديث الواردة عن الصحابة بما فيهم الخلفاء الأربعة. (المترجم)
[2])) ذُكرت أخبار عدّة حول أسباب الخصومة بين مالك وابن إسحاق. فقد جاء مثلا في كتاب المعارف لابن قتيبة أنّ سبب ذلك هو أنّ ابن إسحاق كان يتمسّك بمذهب القدر، وجاء في كتاب التهذيب لابن حجر عن أبي زُرْعة أنّ سبب خصومة مالك لابن إسحاق هو آراؤه في القدر. وقال إنّ ابن إسحاق صرّح بعدم رضاه عن علم مالك [أي الموطّأ (م)]. وأضاف بأنّ مالكا لم يكن يقدح في ابن إسحاق من أجل الحديث : «إنّما كان ينكر تَتَبُعه غزوات النبي (ص) من أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصّة خيبر وغيرها وأن ابن إسحاق يتتبّع هذا منهم من غير أن يحتجّ بهم، وكان مالك لا يرى الرواية إلاّ عن مُتقن» [التهذيب، ص 45]. ويذكر ياقوت أنّ تلميذ ابن إسحاق، عبد الله بن إدريس، أورد عبارة ابن إسحاق، التي يَطْعَن فيها في موطّأ مالك بن أنس، وجواب مالك عنها : «كنت عند مالك بن أنس، فقال له رجل : إنّ محمد بن إسحاق يقول : اعْرِضوا عليَّ علم مالك بن أنس فإنّي أنا بَيْطارُه. فقال مالك : انظروا إلى دجّالٍ من الدَّجاجِلة يقول : اعرضوا عليّ علم مالك». مقتبس من كتاب : المغازي الأولى ومُؤلِّفوها، يوسف هوروفيتس، ترجمة حسين نصّار، راجعه وقدّم له مصطفى السقا، القاهرة 1949، ص 79. أُعيد طبعه بدار بيبليون، باريس 2005. (المترجم)
[3])) يذكر المؤلِّف في هذا الهامش أنّه ترجم بنفسه الأحاديث المختلفة التي استعملها في سياق دراسته هذه وأنّه، لتخفيف نصوص الحديث، حذف التّصلية والتسليم والتسبيح والترضية ... إلخ ((eulogie الواردة فيها. ويوضّح أن الإحالات إلى طبعات النصوص التي استعملها مشار إليها في المراجع في نهاية الهوامش. لقد عوّدنا دو بريمار على ترجمة النصوص التي يستشهد بها من آيات قرآنية وأحاديث ونصوص أخرى. لا يُستغرب هذا من باحث قدّم سنة 1968 أطروحة ماجيستير باللّغة العربية أمام جامعة الجيزة بمصر، وهو نادر جدّا وربّما كانت، على حدّ علمنا، سابقة بين المستشرقين. (المترجم)
([4]) بالعبرية : المدراش جمعها مدراشيم [تأويل، تفسير]. وهو التفسير اليهودي للتوراة بالعبرية والأرامية. ويوجد صنفان من التفاسير : المدراشيم الهلاخي والمدراشيم الهجادي. [المترجم]
[5])) يعطي أبو داود في سُنَنه بعض التفاصيل الإضافيّة للواقعة مُصوّرا مشهد إجلالِ النبي لكتاب التوراة : "أتى نفر من يهود، فدعوا رسول الله إلى القُفِّ [اسم واد من أوديّة المدينة]، فأتاهم في بيت المدراس، فقالوا يا أبا القاسم، إنّ رجلا منّا زنى بامرأة فاحكُم بينهم، فوضعوا لرسول الله (ص) وسادة فجلس عليها، ثم قال بالتوراة فأُتِيَ بها، فنزع الوسادة من تحته، فوضع التوراة عليها، ثم قال : آمَنْتُ بكِ وبمن أنزلكِ، ثم قال : ائتوني بأعلَمِكُم، فاُتي بفتى شاب[ =ابن صُوريا]، فذكر قصّة الرجم". [سنن، رقم 4449، أخرجه أبو داود من طريق ابن وهب، حدّثني هشام بن سعد، أن زيد بن اسلم حدّثهم عن ابن عمر ...]. (المترجم)
[6])) مَنعُ تطبيق حدّ الرجم في حقّ ذوي النفوذ نجد روايتين بارزتين عنه في المأثور الإسلامي اللاّحق. والملفت للنّظر أن البطل فيهما كان دائما عمر بن الخطّاب. الأولى تخصّ خالد بن الوليد : فقد جاء في كنز العمّال للمتّقي الهندي، المجلد الخامس، الحديث رقم 14091 : «عن ابن أبي عون وغيره، أنّ خالد بن الوليد إدّعى أنّ مالك بن نويرة إرتدّ بكلام بلغه عنه، فأنكر مالك ذلك، وقال : "أنا على الإسلام، ما غيّرْتُ ولا بدّلت"؛ وشهد له بذلك أبو قتادة وعبد الله بن عمر، فقدّمه خالد وأمرَ ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه، وقبض خالد امرأته، فقال لأبي بكر : "إنّه قد زنى، فارجُمْهُ". فقال أبو بكر : "ما كنْتُ لأرجُمه، تَأَوَّلَ فأخطأ". قال : "فإنّه قد قتل مُسلِمًا فاقتُلْهُ"، قال : "ما كنت لأقتُله، تأوّل فأخطأ"، قال : "فاعزله"، قال : "ما كُنت لأشيم (لأَغْمد) سيفًا سلّه الله عليهم أبدًا». وجاء في البداية والنهاية لابن كثير، ج 6، فصل "في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التَّميمي"،‏ ص 553 : «المقصود أنَّه لم يزل عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه يحرِّض الصِّديق ويذمِّره على عزل خالد عن الإمرة ويقول‏:‏ إنَّ في سيفه لرهقاً، حتَّى بعث الصِّديق إلى خالد بن الوليد فقدم عليه المدينة وقد لبس درعه التي من حديد وقد صدئ من كثرة الدِّماء، وغرز في عمامته النّشاب المضمَّخ بالدِّماء فلمَّا دخل المسجد قام إليه عمر بن الخطَّاب فانتزع الأسهم من عمامة خالد فحطَّمها وقال‏:‏ أرياء قتلت امرأً مسلماً، ثمَّ نزوت على امرأته، والله لارجمنَّك بالجنادل، وخالد لا يكلِّمه ولا يظنَّ إلا أنَّ رأي الصِّديق فيه كرأي عمر، حتى دخل على أبي بكر فاعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه ما كان منه في ذلك، وودي مالك بن نويرة، فخرج من عنده وعمر جالس في المسجد فقال خالد ‏:‏ هلمَّ إليَّ يا ابن أم شملة، فلم يردَّ عليه وعرف أنَّ الصِّديق قد رضي عنه‏». أمّا الرواية الثانية التي وردت في أهمّ كتب التاريخ والتراجم وكتب الحديث بقراءات مختلفة، فهي تتعلّق بحادثة زنا المُغيرة بن شُعبة والي عمر بن الخطاب على البصرة بأمّ جميل. ونحن نكتفي هنا بذكر روايتين،الأولى ما أخرجه الحاكم في مستدركه (3|507) : «حدثنا أبو بكر محمد بن داود بن سليمان الزاهد (...) عن عبد العزيز بن أبي بكرة قال : كنّا جلوساً عند باب الصغير الذي في المسجد، يعني باب غيلان، أبو بكرة و أخوه نافع و شبل بن معبد، فجاء المغيرة بن شعبة يمشي في ظلال المسجد، والمسجد يومئذ من قصب، فانتهى إلى أبي بكرة فسلم عليه، فقال له أبو بكرة : أيها الأمير ما أخرجك من دار الإمارة؟ قال : أتحدث إليكم، فقال له أبو بكرة : ليس لك ذلك، الأمير يجلس في داره ويبعث إلى من يشاء فتحدث معهم. قال : يا أبا بكرة لا بأس بما أصنع. فدخل من باب الأصغر حتى تقدم إلى باب أم جميل امرأة من قيس، قال : وبين دار أبي عبد الله وبين دار المرأة طريق، فدخل عليها. قال أبو بكرة : ليس لي على هذا صبر. فبعث إلى غلام له فقال له : ارتق من غرفتي فانظر من الكوة. فانطلق فنظر فلم يلبث أن رجع، فقال : وجدتهما في لحاف، فقال للقوم : قوموا معي. فقاموا، فبدأ أبو بكرة، فنظر فاسترجع ثم قال لأخيه : أنظر فنظر، قال : ما رأيتَ؟ قال : رأيت الزنا. ثم قال : ما رابَك أنظر، فنظر. قال : ما رأيتَ؟ قال : رأيت الزنا محصناً، قال : أشهد الله عليكم. قالوا: نعم، قال : فانصرف إلى أهله وكتب إلى عمر بن الخطاب بما رأى؛ فأتاه أمر فظيع، صاحب رسول الله (ص)؛ فارتحل القوم أبو بكرة وشهوده والمغيرة بن شعبة حتى قدموا المدينة على أمير المؤمنين، فقال : هات ما عندك يا أبا بكرة. قال : أشهد أني رأيت الزنا محصناً، ثم قدّموا أبا عبد الله أخاه، فشهد فقال : أشهد أني رأيت الزنا محصناً، ثم قدموا شبل بن معبد البجلي، فسأله كذلك، ثم قدموا زياداً فقال : ما رأيتَ؟ فقال : رأيتهما في لحاف وسمعت نفساً عالياً ولا أدري ما وراء ذلك؛ فكبّر عمر وفرح إذ نجا المغيرة و ضرب القوم إلا زياداً». والثانية ما أخرجه ابن أبي شيبة وعنه البيهقى في سُننه (8/334 - 335) : «عن قسامة بن زهير قال : ما كان من شأن أبي بكرة والمغيرة الذي كان - وذكر الحديث - قال: فدعا الشهود، فشهد أبو بكرة، وشبل بن معبد، وأبو عبد الله نافع، فقال عمر حين شهد هؤلاء الثلاثة : شقّ على عمرَ شأنُه، فلما قدم زياد قال : إن تشهد إن شاء الله إلا بحق، قال زياد : أمّا الزنا فلا أشهد به، ولكن قد رأيت أمرا قبيحا، قال عمر : الله أكبر، حُدُّوهم، فجلدوهم، قال : فقال أبو بكرة بعدما ضربه : أشهد أنه زان، فهمّ عمر رضي الله عنه أن يعيد عليه الجلد، فنهاه على رضي الله عنه وقال : إن جلدته فارجم صاحبك، فتركه ولم يجلده». (المترجم)
([7]) ابن شهاب الزهري (ت 124 ﻫ/742 م)، كان في المدينة واحدا من الأساتذة والزملاء الرئيسيين لابن إسحاق ومالك ومَعمر. وقد رُوي أنه ألّف كتابا في المغازي، وهذا الصنف من التأليف يُمثّل النواة الأولية للأحاديث التي تشكّل نسيج كتب السيرة.
([8]) «عن معمر، عن الزهري، عن أبي هريرة قال...»، وهذا شرط البخاري في أحاديث الأحكام كما صرّح ابن حجر في مُقدّمة فتح الباري، إذ يقول أنّه كان لا يأخذ إلاّ الطبقة الأولى في أصل الباب من أصحاب المُحدّثين الكبار. فيأخذ مثلا مالك ومَعمر عن الزهري، ويترك الكثير من الثقاة ممّن حدّثوا عن الزهري لكن لم يلازموه طويلا. (المترجم)
 ([9])«عن معمر، عن نافع، عن ابن عمر قال...» (المترجم)
([10])المقصود هنا هو : «ترجمة الباب» أو الحديث الذي يأتي في رأس الباب لكي يبسط القضية الفقهية أو غيرها في خطوطها العامة والرئيسية. ويشتمل الجامع الصحيح على 97 كتابا و 3450 بابًا مُرتّبة على المسائل الفقهية والعَقديّة وخلافها. فقد أراد البخاري أن يكون كتابه كتاب دراية إلى جانب كونه كتاب رواية. كتاب حديث وفقه. ولذلك فقد اتَّبع فيه طريقة مُتميّزة بتقطيعه الأحاديث وتفريقها ووضعها تحت أبواب حتّى يتدلّ بها على ما يُترجِم به. على عكس ذلك، فقد رتّب مُسلم صحيحه بجمعه كلّ الأحاديث المُتعلّقة بموضوع واحد فأثبتها في موضع واحد، ولم يُكرّر منها شيئا في مواضع أخرى إلاّ في النادر.[ إقتباس من محاضرة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد : كيف نستفيد من الكتب الحديثيّة الستّة. وهو منشور على مواقع الأنترنت]. (المترجم)
[11])) نسبة إلى الرّبي أي الفقيه اليهودي (المترجم)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدين الإسلامي دين خالد .
عبد الله خلف ( 2012 / 9 / 6 - 15:03 )
قال تعالى : (ليظهره على الدين كله)


2 - أحمد هارون
رد على عبد الله خلف ( 2012 / 9 / 7 - 17:18 )
الإسلام دين ظالم مبني على الكذب و الخداع و النفاق و إخفاء الحقائق
فأين ضمائر المسلمين؟


3 - لم تذكر الاية
منوخ ( 2012 / 9 / 8 - 10:36 )
قوله تعالى {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} لارجم ولا يحزنون

اخر الافلام

.. 106-Al-Baqarah


.. 107-Al-Baqarah




.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال