الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهرجانات وزارة الثقافة : محاولات لتلميع الخراب

شاكر الناصري

2012 / 9 / 6
المجتمع المدني


في الوقت الذي كنا نقرأ فيه مجموعة أخبار عن الاستعدادات لإقامة مهرجان للثقافة العراقية في العاصمة الدنماركية ،كوبنهاكن ، بدأت اخبار الحملة الشنيعة التي شنتها القوات الامنية التابعة لحكومة المالكي على النوادي الاجتماعية والبارات في بغداد وضرب وإهانة روادها وإذلالهم ، تتوارد هي الأخرى . وتعيد الى الأذهان الحملات السابقة التي شنتها تلك القوات خلال الفترات الماضية .

اتحاد الادباء والكتاب في العراق كان في المرمى هذه المرة أيضا فكان أول الأماكن التي تشن عليها غزوة رجال الأيمان والتقوى.
لم يصدر حتى هذه اللحظة بيان او تعليق من وزارة الثقافة في العراق ،يدين أو يشجب ماحدث ،بحكم أن إتحاد الأدباء والكتاب من المؤسسات التي يفترض انها تحظى باهتمامات تلك الوزارة .

من المؤكد ان ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية في بغداد وما حدث خلال فترات سابقة أيضا من هجمات وتضييق على الحريات ومصادرتها وسعي السلطة القائمة في بغداد لتحديد ما يجب على الافراد القيام به يدفعنا للتشبث وبشدة بأسئلة الحرية في العراق ، والدفاع عنها بكل ما نملك من قوة . الحرية التي تنمو وتكبر في مجتمعات حرة تحترم كرامة الأنسان و تصون حقوقه وهي بالمطلق لن تكون تلك الحرية التي يقال إنها هبطت على العراق منذ سقوط النظام الفاشي المقبور . الحرية التي أصبحت جزءا من رطانة الساسة و ما يكتبه الذين يطبلون للحكومة وممارساتها وإجراءاتها المتواصلة التي تستهدف فرض المزيد من التراجع على الأنسان في العراق ومصادرة حقوقه وحرياته الأساسية ،حريته في التعبير عن رأيه وحريته في المأكل والمشرب وفي ممارسة هواياته ورغباته الأنسانية . لقد بات جليا ان العراق بلاد تقمع فيها الحريات بشكل ممنهج وسافر ودون رادع قانوني .

لم تتحرك وزارة الثقافة باعتبارها الواجهة الرسمية المعنية بالثقافة والكتاب والمثقفين قيد أنملة وهي تشاهد هجمات القوات الأمنية ضد اتحاد الادباء والكتاب في العراق والهجمات المتخلفة والاتهامات والتكفير الذي ساهم فيه وبشكل بشع رجال الدين ممن يسمون بالمرجعيات وكذلك تهديدات المليشيات المسلحة واستعدادها الدائم للقتل والتدمير دفاعا عن الشريعة وتقاليد المجتمع العراقي كما يقولون !!!! لم يتحرك وزير الثقافة العراقي المعروف بتاريخه المخابراتي ومسؤولياته العسكرية (وزير دفاع سابق ووكيل وزير الدفاع حاليا ) والمعروف أكثر بأصوليته وتشدده الديني من أجل ردع محافظ بغداد او رئيس مجلسها وهم يطلقون أبشع الاتهامات ضد الكتاب والمثقفين العراقيين والتشهير بهم كمجموعة من السكارى الذين يعربدون ويسببون الإزعاج ويخرقون قيم المجتمع.

بعد كل هذا ، ما الذي تريده وزارة الثقافة العراقية من وراء مهرجاناتها خارج العراق ، هل تريد ان تقول للعالم أنها وزارة ترعى الثقافة والفنون وان حكومة المالكي وممارساتها تساهم في ترسيخ قيم الثقافة والتحضر وتعزيز قيم الإبداع الفني والفكري ؟ هل تريد ان تقول ان سماع الموسيقى في العراق أمر مباح وان مفارز الشرطة والمليشيات لا تمنع الناس من سماع الموسيقى؟ هل تنسى هذا الوزارة ان العالم كان شاهدا على الجرائم المروعة التي ارتكبت بحق مجاميع من الشباب( الإيمو) لأنهم يرتدون الملابس ويستمعون للموسيقى التي تلائم أذواقهم ومزاجهم ؟

ان الدول التي تعمل على إقامة مهرجانات وأيام ثقافية خارج أراضيها تهدف للتعريف بثقافة وصناعة وتجارة وسياسة البلد المعني وكذلك التعريف بأوضاعه الاجتماعية وتقاليده وارثه الثقافي والاجتماعي من خلال الموسيقى والغناء والرقص والرسم والشعر ...الخ . كثير من دول العالم نجحت في تقديم صورة مشرقة عن أوضاعها لأنها وبكل بساطة قدمتها بطريقة صادقة ومثيرة للاهتمام وتدفع المتلقي المستهدف لطرح الأسئلة وأستكشاف عوالم هذه البلدان وثقافاتها وفنونها .

من المهم جدا ان يقام مهرجان للثقافة العراقية فيه المسرح والسينما والموسيقى والغناء والرقص والأدب أي كل تلك المفردات التي تبين او تعبر عن ثقافة المجتمع العراقي وتنوعه وتحدد ملامحه وعمقه التاريخي والثقافي والحضاري ولكن ان تسعى وزارة الثقافة العراقية وكذلك السفارات والقنصليات وبيوت الثقافة خارج العراق الى إقامة مهرجانات او ايام للثقافة العراقية فإن ذلك يدفعنا للتساؤل عن جدوى هذه المهرجانات او الأيام او الملتقيات، وما الهدف منها ،وأذا ماكانت تسعى لرسم صورة او توصل رسالة معينة ؟ ولذلك فإن من حقنا أن نسأل : هل نجحت وزارة الثقافة العراقية في أقامة مهرجان موسيقي او غنائي ناجح داخل العراق وخارج بغداد تحديدا ؟ هل نجحت في أقامة مهرجان شعري ناجح كالمربد على سبيل المثال لا الحصر وهو المهرجان الشعري الأشهر في العراق ؟ هل تمكنت وزارة الثقافة العراقية من رعاية المثقف العراقي أو اهتمت بأوضاعه الصحية والمعاشية او دافعت عن منجزه الفكري والإبداعي وسعت الى تقديمه بشكل مناسب او تقديرا للجهد الذي بذل فيه؟ او هل ساهمت في طباعة كتبه ولم تجعله عرضة لنزق واستخفاف وجشع وانتهازية وطائفية من يقومون على مطابع الدولة الرسمية . أو عرضة للصوصية أصحاب دور النشر ومماطلاتهم ؟

ان الواقع يقول عكس ذلك تماما وان ما يحدث في العراق هو محنة حقيقية للثقافة والأبداع وان ما تقوم به السلطة هو سلسلة متواصلة من الأنتهاكات الفاضحة تحت مسميات الدين والشريعة وقدسية الأماكن والمدن . وإنها أبعد ما تكون عن دعم الأبداع او المنجز الثقافي في العراق .

الم نسمع عن محنة العديد من المثقفين والمبدعين العراقيين الذين يعانون الويل من أجل الحصول على علاج او رعاية صحية والأذلال الذي يتعرضون له في دوائر هذه الوزارة ؟ الم نسمع كذلك عن مدى الأحجام والتعالي البشع الذي تمارسه تلك الوزارة ومؤسساتها بحق هذا الكاتب والمبدع المبتلى بالمرض والإهمال او ذاك . و في الوقت نفسه نسمع عن ميزانيات رهيبة تتمتع بها مؤسسات تلك الوزارة، لكن تلك الميزانيات تسرق وفي وضح النهار او تقدم كتخصيصات لمشاريع او انتاج افلام على حساب الوزارة ولعل ما حصل أخيرا ،حيث تم تخصيص مبالغ مالية كبيرة جدا لعدد من المخرجين الذين كانوا أداة السلطة البعثية في محاربة وقمع وتشريد اعداد كبيرة من المبدعين والفنانين ،يكشف عن مدى توجهات هذه الوزارة وسعيها للعمل وفق مقاييس النظام المقبور وكيفية تعامله المنحط مع المثقفين والمبدعين العراقيين .

ونحن نقرأ اعلانات عن مهرجان الثقافة العراقية في كوبنهاكن و ما يتضمنه من فقرات موسيقية وغنائية نتذكر حتما ما حصل في مهرجان بابل الغنائي وكيف تمت محاربته وتكفير كل من اراد المشاركة فيه بذريعة المقدسات والمحرمات والدين والشريعة وأن العراق بلد إسلامي ...الخ مما أدى الى إلغاء المهرجان المذكور . فهل ان الغناء الذي سيقدم في مهرجانات وزارة الثقافة خارج العراق سيكون خارج أطر التحريم والتجريم الثقافي والديني ؟

هل تنسى هذه الوزارة ان العالم كله يعرف المساعي الحثيثة للحكومة والقوى الأخرى التي تتشارك في كعكة السلطة ، من أجل أسلمة الدولة والمجتمع بكل الوسائل والطرق التي تبدع في ابتكارها وفرضها على العراقيين ؟ فعن أي إبداع وأي منجز ثقافي وعن أي فضاء للحرية سيتم الحديث في مهرجاتهم الموعودة ؟

بالتأكيد ان ما تسعى اليه وزارة الثقافة العراقية والسفارات والجهات الأخرى من وراء مهرجاناتها هذه لا يعدو ان يكون محاولة تلميع بائسة لواقع أشد بؤسا: واقع المحاصصة والنزاعات الطائفية وامتهان كرامة الإنسان. واقع فرض ثقافة سوداوية هي ابعد ما تكون عن ثقافة ووعي المجتمع العراقي التي سادت منذ عقود وعقود . ان هذه المهرجانات لاتعدو ان تكون مهرجانات لتشييع جنازة الحرية في العراق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليتنى أسطيع بعث الوعى فى بعض الجماجم
طلال الربيعي ( 2012 / 9 / 6 - 18:53 )
عزيزي شاكر الناصري المحترم
شكرا جزيلا على مقالك.
اي ثقافة واي وعي او قيم جمالية تستطيع هذه المافيا السياسية - دينية انتاجها؟
الشاعر الراحل السيد محمد صالح بحر العلوم كتب قصيدته الملحمية الثائرة ضد الفساد والطغيان لمرحلة ايضا كهذه التي نعيشها واقتطف منها بعضاً من أبياتها :-

ليتنى أسطيع بعث الوعى فى بعض الجماجم
لأريح البشر المخدوع من شر البهائم
وأصون الدين عما ينطوى تحت العمائم
من مآس تقتل الحق وتبكى: أين حقى؟!

أنت فسرت كتاب الله تفسير فساد
واتخذت الدين احبولة لف واصطياد
فتلبست بثوب لم يفصل بسداد
وإذا بالثوب ينشق ويبدو: أين حقى؟

مع وافر المودة


2 - نفق لا فكاك منه
سلام محمد ( 2012 / 9 / 7 - 16:53 )
العزيز الناصري ....متىوجدنا الاسلاميين يعرفون ويتألمون لحاجات شعبهم .لم اسمع طيلة سني حياتي ان اسلاميا ضحى لاجل مبدأا انسانيا ،وقدم خدمة لابناء شعبه حتى ان الجنوبيين وعلى بساطتهم أطلقوا مثلا شائعا وهو {ثق بسكير انسان ولا تثق بمعمم بطران }وهذه حقيقة ،يؤكدها الواقع الراهن .طيلة وجودهم وصعودهم الكارثي الى السلطة ،والذي نعرف جيدا تداعيات هذا الصعود ،واساليبهم وممارساتهم ابان مرحلة الانتخابات ،اننا بصدد كارثة وطنية تستحق التأمل والتفكير ،بأيجاد الوسائل للخلاص من هؤلاء .ولكن كيف وشعبنا يعاني من أزمة وعي ،بل هي ازمة وجود .لا نستطيع القول ان شعبنا غبي ،لأن الشعب الذي قام بالانتفاضات والوثبات والثورات الوطنية العظيمة لا يمكن ان يطمس وعية بهذه السهولة .دعهم يمرحون الان فالايام لا ترحم الطغاة مهما طال الوقت.

اخر الافلام

.. رغم بدء تشغيل الرصيف العائم.. الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى


.. تغطية خاصة | تعرّض مروحية رئيسي لهبوط صعب في أذربيجان الشرقي




.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري


.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين




.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل