الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العابر التخوم

سعد محمد رحيم

2012 / 9 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


شغلت أسئلة الهوية وإشكالياتها المثقفين الذين وجدوا أنفسهم يقفون على تخوم ثقافات متعددة، لاسيما في حقبتي الاستعمار وما بعده. وهي الأسئلة التي استدعت تقديم مقاربات نظرية طابعها التعقيد والجرأة والانفتاح على مساحات من التفكير لم تكن متاحة من قبل لأسباب تاريخية وموضوعية. فالهوية التي تواجه وعي المثقف بعدِّها مفهوماً ذاتياً ومجتمعياً تشترط وجود الآخر/ المختلف. الآخر الذي يتجلى في صورة كيان حضاري وثقافي مهيمن بفضل منجزاته العلمية والتقنية والفنية والفكرية. أو في صورته غازياً ومستعمراً. وما يستتبع ذلك كله من مؤثرات معرفية وسلوكية وتلاقحات مثمرة من جهة، وانكفاءات على الذات وسوء فهم وعقابيل سياسية وعقيدية سيئة وعنف وسيطرة من جهة ثانية. بالمقابل ترشحت عن هذا المفهوم جملة من المفاهيم الحافة والمتمفصلة والمتصلة، له ومعه وبه، مثل الانتماء والهجرة والمنفى والمثاقفة والتغريب والهجنة، الخ... حتى بات واحداً من أهم موضوعات الفكر المعاصر على جانبي الفالق الإمبريالي، بتعبير إدوارد سعيد.
غداة اشتعال الحرب الأهلية في عام 1975 بلبنان يهاجر الشاب أمين معلوف إلى باريس، ويحصل، هو اللبناني العربي المسيحي، بعد حين، على الجنسية الفرنسية، ويبدأ الكتابة والنشر باللغة الفرنسية فيكون معلماً من معالم ثقافتها، لكن أفق تفكيره سيتعدى حدود بلده ولغته الأم وديانته، والفضاء الإسلامي الذي قبل منه، وكذلك حدود البلد الذي استضافه ووفر له فرصة الإبداع الفكري والأدبي بحرية، أقول؛ سيتعدى بتفكيره الحدود كلها، ليتخذ معه بعداً إنسانياً وكونياً. من هنا سيكتشف أن كلمة الهوية هي من "الكلمات المضللة لأنها كلمة شديدة الشفافية وشديدة الخيانة". فمن موقعه ذاك، سيكون أمين معلوف مؤهلاً للحديث عن معضلة الهوية. وسيختار أولاً أن يكتب، في العام 1983، عن الحروب الصليبية كما يراها العرب. قبل أن يتناول مجموعة من الثيمات التي تصوِّر العلاقة بين الشرق والغرب، كما في رواية ( ليون الأفريقي/ 1986 ). و ( سمرقند/ 1988 )، و ( صخرة طانيوس/ 1993 ) وغيرها من أعماله السردية. معرِّجاً بعدها لمعالجة مفهومه للهوية من خلال تجربته في كتاب ( الهويات القاتلة ).
في كتاب ( أمين معلوف.. العابر التخوم: لعبده وازن.. كتاب دبي الثقافية 2012 ) يجري وازن حواراً واسعاً مع معلوف يتناول مسائل الأدب والتاريخ والفكر والهوية والعلاقة بين الشرق والغرب، الخ..
إن الخوض في التاريخ الشخصي يستدعي وضع هذا التاريخ في سياقه، وقراءته انطلاقاً من الأصول ( البدايات، أو أصل الطريق ) ويفضِّل معلوف هذه الكلمة على كلمة جذور التي توحي بالثبات: "فتاريخ لبنان هو تاريخ الطرق التي سلكها اللبنانيون... إن تاريخنا هو نقطة الانطلاق والطريق التي سلكناها والتي، عملياً، تغطي العالم كله".
يتحدث معلوف عن الهوية المركّبة، الهوية الواحدة التي لها عناصر متعددة. رافضاً اختزال الهوية بعنصر واحد منها والانكفاء عليه وهذا هو علّة الهويات القاتلة، وحضور جانبها المضلل الذي يجعل المجتمعات في خنادق متعادية ومتصادمة. وهو يفرِّق بين الهوية والانتماء: "الهوية استخدمها بالمفرد والانتماء بالجمع، أي انتماءات. ومقولة انتماءات هي أدق في نظري، لأن هناك انتماءات عديدة، ولكن ليست لها كلها الأهمية نفسها". فدرجة الإحساس بالانتماء تختلف عند الأفراد بين عصر وآخر، وظرف وآخر. فقد يأتي وقت يكون فيه الانتماء للوطن أقوى من الانتماء للطائفة، وبالعكس. وفي خضم التحديات الكبرى التي تواجه البشرية ( أزمة المناخ مثلاً ) يتحتم على المرء في نظره الشعور بالانتماء العالمي. وإذا كان يتمنى ألاّ يحس بالغربة في أي مكان فإن ذلك يبقى أمنية محضة. يقول: "فحيثما كنت أشعر بأن هناك أموراً لست غريباً عنها البتة، وهناك أمور أحس بغربتي حيالها، سواء كنت في فرنسا أو لبنان وسواهما. هناك لحظات أشعر فيها بأنني منتم ولحظات بأنني غريب".
نشأ معلوف في حاضنة اللغة والثقافة العربيتين، لكنه كان أيضاً واقعاً تحت تأثير ثقافتين أخريتين: "عائلة أبي تغلب عليها الثقافة الإنكليزية، وعائلة أمي تغلب عليها الثقافة الفرنسية، وتعلمت في مدرسة فرنسية". وفيما بعد سيكتب مؤلفاته باللغة الفرنسية ولكنه يعد الفرنسية لغته بالتبني، لا لغته الأم. أما جرح لبنان فسيبقى يؤلمه في الأعماق. وهنا يتقرر طبيعة انتمائه، على الرغم من تأكيده أن هذا الأمر لا يشكِّل عنده أهمية كبيرة: "إذا أخذنا الموضوعات أو الهواجس الموجودة في رواياتي سأكون في هذا المعنى منتمياً إلى الأدب اللبناني. أما من خلال اللغة فانتمائي هو للأدب الفرنسي. لكنني لا أطرح هذا السؤال على نفسي. في عالم اليوم، الأهم هو المضمون، أي ما يريد الكاتب أن يقوله".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجبهة اللبنانية تشتعل.. إسرائيل تقصف جنوب لبنان وحزب الله ي


.. بعد عداء وتنافس.. تعاون مقلق بين الحوثيين والقاعدة في اليمن




.. عائلات المحتجزين: على نتنياهو إنهاء الحرب إذا كان هذا هو الط


.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي




.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال