الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل نسيج وطنى واحد

شريف الغرينى

2012 / 9 / 7
التربية والتعليم والبحث العلمي


قامت ثورة يوليو بالغاء الألقاب ومع ذلك عادت البكاوية والباشوية تلقائيا بعد موت عبد الناصر ، وبعد أن تركنا النظام الإشتراكى تدريجيا ابتداءً بالإنفتاح غير المخطط والذى كان له أخطر تأثيرعلى واقع مصر الإجتماعى وانتهاءً بإلغاء كل القوانين الإشتراكية ، بعد أن تحولت مصر للنظام الإقتصادى الحر دون أن يدركوا أن المساواة والعدل وتكافوء الفرص مبادىء ثابته لا يمكن ربطها بنمط النظام الإقتصادى وأنها متلازمات أساسية فى أى نظام إجتماعى.
لقد أدى التنكر لهذه المبادىء والتركيز على المادة والربح بأن عادت الطبقية بصور وأشكال أكثر قبحا وفجاجة تقترب من العنصرية وتدعو إلى المزيد من الفرقة فى الصف الوطنى ولكن الملفت أن هذه الطبقية اتخذت مؤخراً أشكالا عصرية ، فأصبح مشروطاً أن المذيع إبنا لمذيع أو مذيعة ،وأصبح واجباً أن الباشا ضابط الشرطة والجيش ابنا لظابط وهكذا حتى انتقلت الفكرة لهيئات التدريس بالجامعات ومنها القضاء وحتى فى مجال السينما إخراجا وتمثيلا ، اللهم فيما عدا إن كنت ثريا من القادرين على شراء الوظائف المرموقة لأبنائهم ،ومع ذلك ظل الفقير حبيس طبقته التى تتسع كل يوما حول الطبقات الأخرى المميزة وظيفيا أو ماليا فصار يائسا محتقراً أينما ذهب ، لا يعرفه أحد ولا يشعر به إلا إذا كان فى حاجة إلى عامل مسكين أو خادمة.
أصبحت الطبقية فى مصر اليوم أكثر وأشد رسوخا من تلك التى سبقت ثورة يوليو بل و تلك التى سبقت الثورة الفرنسية ذاتها ، وبمناسبة دخولنا فى عهد جديد بعد ثورة 25 يناير أجد أننا فى أمس الحاجة لفتح هذا الملف الذى لا أرى أملا فى تحقق أى عدالة إجتماعية قبل البدء به ، وسواء كنا سنتجه غربا للرأسمالية أو شرقا للإشتراكية فالعدل الإجتماعى ومظاهره من الثوابت الأَوْلى بالترسيخ ، وأى حديث ثورى عن أى تغيير للأفضل ولا يبدأ بترسيخ مبادىء العدل الإجتماعى يعد فى وجهة نظرى حصاداً لهشيم ،لا يعول عليه لبناء أى مستقبل حضارى .
والسؤال الأن : من أين نبدأ بعد أن مر بنا ما مر وبعد أن حدث لنا ما حدث ؟ .. لا أتوقع أن يتحدث أحد عن إصدار قوانين جديدة ، فما لدينا من قوانين تعنى بهذا الشأن تكفى وتزيد ، ولكنها للأسف قوانين عاجزة لا يزيد أثرها فى المجتمع عن أثر قطعة سكر فى بحر مالح بعد أن صارت الطبقية منهج وأسلوب حياة المصريين و وبعد ان اصبحت جزء من عقد إجتماعى عرفى غير مكتوب ولكنه العرف المعمول به اكثر من أية قوانين اخرى.
الحل من وجهة نظرى - وأنا لا أدرى كيف سيكون وضع التعليم فى الدستور الجديد- أن نبدا وبسرعة فى تعديل نظام التعليم فى مصر ،لأنه المؤثر المباشر فى التنشئة القومية و لأننا بالنظر المتأنى إلى هذا النظام نجده منقسماً إلى أنماط كثيرة ، منها الأمريكى ومنها البريطانى ومنها الفرنسى والكندى إضافة إلى المدارس الأسيوية التى انتشرت فى أماكن كثيرة فى مصر ، وفى الناحية الأخرى نرى النظام التعليمى الحكومى ؛ ذلك الكم المهمل الذى تتعدى فيه أعداد الطلبة والطالبات أعداد المقاعد بما يضطر الطالب الفقير إلى حمل مقعده مع حقيبته وكانه المسيح فى طريق الألام ، ثم بعد ذلك مجاهدا يقاتل للحصول على موضع قدم أو مساحة صغيرة فى هذا التكدس البشرى حتى يضع مقعده و حتى يستطيع أن يرى منها المدرس المنهك أصلا من تزاحم الانفاس و قلة الهواء وكثرة النداءات ، أما أولياء الامور الموثرين فيعمدون طبعا إلى حجب أبنائهم فى مؤسسات تعليمية خاصة أو غربية تعمل فى مصر خشية الإختلاط بأبناء العمال والطبقات الفقيرة ، واسبابهم فى ذلك بين ترفع و خوف من أثر تدنى أخلاق أبناء هذه الطبقات على أخلاق أبنائهم علما بأن العديد من المدارس الغنية تعج بالكثيرمن الطلبة المنحرفين أخلاقيا ، بالرغم من انتمائهم للطبقة الغنية فى المجتمع .
هذا النظام الشائه -وعلى مدار عقود- رسخ للطبقية الجديدة وصنع جيلا منقسما إلى ما يسمى "عيال بيئة" و" عيال أولاد ناس" وهم اليوم فرقاء وأعداء يفرق بينهم الترفع من ناحية والحقد من ناحية أخرى ولا توجد بينهم أرضية مشتركة ومع ذلك يقتسمون وطنا واحدا وهذا أمر شديد الخطورة ، تتزايد خطورته مع تزايد عدد السكان ولذلك يجب التصرف بأقصى سرعة لتغيير النظام التعليمى القائم بحيث يصبح مستوى التعليم فى مصر مستوى واحد راق مواكب ومتطور و مطابق للنظام العالمى ،و طبعاً لا مانع ابدا من الإستعانة بالخبرات الدولية ولكن استعانة تخدم الجميع وليس مدارس بعينها ،على أن يدفع القادرفي هذا النظام مصروفات التعليم وتكاليفه كاملة أو نسبة منها بحسب دخله ، وعلى أن يعفى الفقير تماما من أى مصروفات مع وجوب واشتراط أن يتلقى الجميع نفس الخدمة التعليمية بنفس الجودة فى نفس المدرسة أو الجامعة والكل تحت مظلة أخلاقية وعلمية واحدة حازمة تربى و ترعى وتوجه وهى تدرك معنى وحدة الصف و تعى قيمة التجانس الإجتماعى ، أعتقد أنه لابد لنا من الإسراع فى ذلك من أجل أمة واحدة وشعب واحد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -