الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم -اجورا- يكشف عن الكنيسة وحرية الإبداع

رشا أرنست
(Rasha Ernest)

2012 / 9 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


استمتعت وتألمت أمس وأنا أشاهد لأول مرة الفيلم الاسباني التاريخي "اجورا". استمتعت بسينما راقية تؤرخ حقبة في تاريخ الإسكندرية العظيمة في نهاية القرن الرابع الميلادي وبداية القرن الخامس الميلادي، تاريخ بقدر عظمته بقدر الجرائم التي ارتكبت فيه باسم الدين.
يكشف الفيلم عن وقائع المذابح التي قام بها متشددون مسيحيون ضد المختلفين معهم في الرأي والدين، فحرقوا مكتبة الإسكندرية وارتكبوا باسم الدين أبشع الجرائم منها قتل الفيلسوفة المصرية "هيباتيا" التي تدور حولها قصة فيلم اجورا...
الفيلم الاسباني Agora إنتاج 2009، فيلم تاريخي لا يتعلق بمذهب أو عقيدة أو نقد لأي من الكتب المقدسة كما ادعت الكنيسة في مصر حين طالبت الرقابة بمنع عرضه واستجابت الرقابة حينها ولم نسمع أي صوت عن حرية الإبداع والتعبير!!!
يروي الفيلم حياة الفيلسوفة الشابة "هيباتيا" في فترة شبابها وشغفها بالفلسفة والرياضيات، واهتمامها بقانون الجاذبية الأرضية.. كانت هيباتيا ابنة ثيون احد علماء الرياضيات المعروفين، والمنتمين إلى مدرسة الإسكندرية واحد المقيمين بشكل كامل داخل مكتبة الإسكندرية. وقد حاول مع ابنته الحفاظ على بعض المخطوطات الهامة بتهريبها حين قام المسيحيون بالهجوم على المكتبة وحرقها في محاولة لهدم التماثيل التاريخية والمخطوطات بعد أن أقنعتهم الكنيسة بأنها أشياء وثنية وتعوق إيمانهم المسيحي. وهو نفس ما فعلوه بعد ذلك بهيباتيا الفيلسوفة الوثنية التي اعتبروا كلامها هرطقة تستحق عليها القتل رجما بالحجارة.
لم تشفع لهيباتيا أعمالها وفلسفتها أو شهرتها وتدريسها لأبناء الإسكندرية والوافدين من خارجها، لم يشفع نداءها المستمر "نحن أخوة.. لا للعنف بين الأخوة"، ولم تشفع لها الإنسانية بأن يروا فيها إنسانة لها حق الحياة كما تشاء، تفكر وتتكلم وتتعلم كيفما تريد... حتى أن أنوثتها في حد ذاتها لم تشفع لها أمام التطرف الديني الأعمى، فكان موتها مأسويا بكل معنى الكلمة...
فيلم اجورا Agora وهي كلمة يونانية معناها "الساحة" التي كان يجتمع فيها المثقفون والشعراء والعلماء في أثينا القديمة أو في الإسكندرية في زمن الإمبراطورية الرومانية، فيلم يؤرخ حقبة هامة في تاريخ مصر أثناء الاحتلال الروماني وبالأخص الإسكندرية، منارة الحضارات للعالم كله، كما يؤرخ لجزء هام في تاريخ الكنيسة بمصر والتسلط الكنسي في حياة المسيحيين، وإقناعهم بأن ما يصدر عن الكنيسة لا جدال فيه حتى وان كان خاطئاً.. هيباتيا التي اعتبرها في العصور اللاحقة بعض المؤلّفين المسيحيين رمزًا للفضيلة دفعت حياتها لأنها لم تستطيع أن تؤمن بما آمنوا به الرهبان الذين جردوها من إنسانيتها حين جردوها من ملابسها وقاموا برجمها حتى الموت. لم تدعي الإيمان لتحافظ على حياتها أو منصبها أو مكانتها وإنما عاشت وماتت كما تريد. لم يُخيفها الموت لأنها آمنت أولا بالإنسان وعاشت حياتها في سبيل اكتشاف ما يخدم الإنسان. كانت عاكفة مع أبيها طوال حياتها على اكتشاف ما يخدم أخوتها البشر، وبموتها انتهى عصر الفلسفة المصرية اليونانية كما قال عالم المصريات وسيم السيسي.
يعتبر فيلم "أجورا" الأول في تاريخ السينما العالمية الذي يتناول شخصية العالمة المصرية "هيباتيا"، وقد تم تصوير الفيلم في جزيرة مالطا، حيث أقيمت ديكورات غاية في الروعة لمدينة الإسكندرية القديمة التي كانت العاصمة الثانية للإمبراطورية الرومانية في تلك الفترة، بمنارتها الشهيرة، ومكتبتها العريقة التي تعتبر مهد المكتبات في العالم. من أروع الأشياء في الفيلم بجانب السيناريو والديكور، قدرة المخرج على إخراج مشاهد عديدة بها آلاف من الجموع، والتحكم في حركتها كملحمة لمعارك حقيقية وبالأخص في الثلث الأخير من الفيلم عند اقتحام المسيحيين لمكتبة الإسكندرية في مشاهد فيها أعلى درجات التصوير والإضاءة التي أبرزت الديكور بشكل غاية في الجمال ليُعبر عن تلك الفترة التاريخية بكثير من المصداقية. كما أن إبداع الممثلين جميعا وخاصة بطلة الفيلم راشيل وايز التي جسدت دور هيباتيا ببساطتها ورقتها قد أثرى الفيلم الذي أخرجه اليخاندرو امينبار ليجعل منه فيلم تاريخي يُسجل في السينما الاسبانية والعالمية بجدارة.

يقدم الفيلم تاريخاً للصراع بين الدين والفكر لا ينبغي أن يكون. فليس هناك ما يبرر الإرهاب والتطرف الديني نتيجة تفسير بعض رجال الدين آيات من الكتب المقدسة بشكل خاطئ ومطالبة عامة الشعب بتطبيقها حرفياً دون تفكير. في وجهة نظري لم أجد وأنا أشاهد الفيلم أي إساءة لإيماني المسيحي، فما يقدمه المخرج الاسباني اليخاندرو امينبار جزء من التاريخ، لا ينبغي أن نتجاهله أو ننكره، وعلى الكنيسة بمصر مواجهة تاريخها بشجاعة وعدم تكرار نفس الخطأ بمنع أي فيلم أو كتاب والحجر على حرية الإبداع والتعبير. عليها أن تواكب هذا العصر، فلم يعد هناك ما يُخفى عن الناس، فما لا يُشاهدونه على شاشات السينما أو يقرءونه في الكتب بالمكتبات سيجدونه حتما على الشبكة العنكبوتية.. أتذكر الكاردينال مارتيني رئيس أساقفة ميلانو في الكنيسة الكاثوليكية والذي رحل عن عالمنا الأحد الماضي 2 سبتمبر 2012 في احد تصريحاته القوية قبل وفاته "كنيسة روما متأخرة 200 سنة عن العصر"، فإن كان هذا ما قاله مارتيني الذي كان واحدا من ابرز الوجوه "التقدمية" في الكنيسة الكاثوليكية، فماذا إن كان شاهد الكنيسة في مصر!!! ربما مقالي جاء متأخراً سنوات عن العرض الأول للفيلم وإنما حين شاهدته بعد البحث، وجدت انه من واجبي أن اكتب ما أرى اتجاه الحفاظ على الحريات، وليكون المقال ضمن المحاولات التي تقصر الطريق على الكنيسة في أن تتخذ نفس الموقف اتجاه أي عمل فني أخر خلال الفترة القادمة خاصة بعد الانتخابات الرئاسية وما تتعرض له حرية الصحافة اليوم من هجوم لم يحدث من قبل.

مازلنا بعد مرور أكثر من خمسة عشر قرون نتحدث عن الدين والتدين في مصر، ومازالوا رجال الدين المسيحي والإسلامي يوجهون الناس في كل شيء يخص حياتهم الخاصة وآرائهم، وكأن الزمن يُعيد نفسه، وكأن البشر لم يخلقوا إلا ليُحاسبوا بعضهم البعض عن الإيمان. العالم يتطور من حولنا ويسبقنا ونحن مازلنا نتحدث عن ثقافة احترام الآخر كيف تكون جزء من ثقافة الحياة في مصر. العالم يتجه نحو التقدم بسرعة الصاروخ وكل يوم آلاف من الاكتشافات التي تخدم البشرية ونحن مازلنا نتحدث عن الحلال والحرام. العالم يصعد إلى القمر ويجرب الحياة على كوكب غير الأرض ونحن مازلنا نتجادل في أمور السحر والشعوذة. العالم يكتشف أمصال لجميع الإمراض المستعصية ونحن مازلنا مرضى بأخطر مرض عرفته البشرية ألا وهو "الأنانية".. الأنا التي تملك كل الحقيقة، لا تصغي ولا تفكر ولا تقرأ، ولا تسمح لغيرها أيضاً.
نحتاج اليوم قبل أي شيء إلى احترام الآخر، احترام أفكاره ورأيه وحريته وإيمانه أيضاً. الإيمان الذي يربط الإنسان بخالقه دون تدخل طرف ثالث. نحتاج الإيمان بوطن يستحق أن نتكاتف من اجل نهضته الحقيقية وبقاءه بالمرتبة التي يستحقها. نحتاج أن نتحد لتعود مصر بدورها الفعّال وتقدمها منارة الشرق الأوسط بل منارة العالم اجمع. نحن شعب قادر على خلق كل شيء من جديد لكن ينقصنا الإرادة الحقيقية الراغبة في البناء، بناء مصر وطن للجميع. ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل لو كان الفيلم يقدم عمرو بن العاص هو الفاعل
حكيم العارف ( 2012 / 9 / 8 - 15:21 )
كيف يحرق المصريون بلدهم !!! او جزء من تراثهم الا اذا كانوا متخلفين !!!

-كتاب مختصر الدولة- : مكتوب فيه ان عمرو بن العاص احرق مكتبة الاسكندرية الشهيرة بعد ان استأذن الخليفة عمر بن الخطاب في المدينة .

السبب هو ان المسلمين كانت لهم رغبة في محو كل كتاب غير القرآن

----------

هل لو كان الفيلم يقدم الحقيقه ان عمرو بن العاص هو الفاعل كانوا سيسمحون للفيلم عرضه بمصر ....!!!

و السؤال الاهم .. هو ... هل كنتى ستكتبين نفس المقال تتهمين فيه الازهر بنفس التهمه !!!


. اشك فى هدفك من المقال


2 - تاريخ لايعرفه الا المثقفين
حكيم العارف ( 2012 / 9 / 8 - 15:43 )
كان أول من تعرض لحرق العرب لمكتبة الإسكندرية هو الرحالة الفارسى والطبيب المشهور عبد اللطيف البغدادى الذى عاش فى الفترة ما بين ( 557 - 622 هـ. ) ... وقد زار هذا الرحالة مصر فى نهاية القرن السادس الهجرى , وكتب عن أثار مصر وحوادثها فى كتاب أسماه ( الإفادة والإعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة فى مصر ) ففى ص 28 من هذا الكتاب , كتب هذا الرحالة ويقول ...
- ... وأرى أنه كان الرواق الذى يدرس فيه أرسطو طاليس وشيعته من بعده وانه دار العلم التى بناها الإسكندر حين بنى مدينته وفيها كانت خزانة الكتب التى أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضى الله عنه -.
ولعل ذكر البغدادى لهذا الحادث بهذا الشكل المختصر دون تفاصيل , يدل على أن هذه القصة كانت شائعة ومتداولة فى هذا العصر , وليس هناك ما يدعو للخوض فى تفاصيل.
2 – ثم يأتى ابن القفطى وهو مؤرخ مسلم مصرى عاصر البغدادى , وقد ولد فى مصر بمدينة قفط وعاش فى الفترة ما بين ( 565 – 646 هـ. ) وقد تعرض ابن القفطى للحادث بشىء من التفصيل فى كتابه ( أخبار العلماء فى أخيار العلماء )

http://www.copts-arrivals.com/vb/showthread.php?t=9498
القصه كامله فى الرابط

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah