الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلانات والمعايير البطريركية المستحيلة

عائشة خليل

2012 / 9 / 8
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


تعكس لنا الإعلانات الثقافة السائدة وترسخها، فهي تلعب دورًا مزدوجًا في هذا المضمار. ونظرة بسيطة على الإعلانات العربية على مختلف القنوات المحلية والفضائية تحدد لنا الأدوار المنظورة للمرأة العربية، كما ترسم لنا في المقابل الأدوار المنوطة بالرجال.
تخاطب إعلانات "مساحيق الغسيل" المرأة العاملة - التي أصبحت قوة شرائية لا يستهان بها - وتغريها ألا تقبل "مستوى نظافة عادي" وأن تتطلع لمستوى "نظافة يجنن" وتذكرها أن نظافة ثياب الأسرة مسوؤليتها، كما أن عليها أن توفر وهي تختار الأفضل. وهكذا تضع للمرأة - كما تفعل الثقافة بعامة - مجموعة من القيم العالية، مستحيلة التحقيق وتطالبها بها. فكلنا يعرف أن الجودة وارتفاع الثمن صنوان. وفي اللغة الإنجليزية تعبير واحد هو رخيص cheap والذي يعني كل من منخفض الثمن، ومنخفض الجودة. ولكن الثقافة البطريركية التي تملي على المرأة مستوى عالٍ من الأداء، كما رأينا في مناقشتنا للأمومة، تلزمها بالمستحيلات.
ونرى المرأة في الإعلانات محددة - في الأغلب - بالأدوار التقليدية، فهي المسوؤلة عن كل الأعمال المنزلية: الطبيخ، والكنس، وتنظيف المنزل، ورعاية المنزل والأطفال. فهي من ترسلهم إلى المدرسة في الصباح، وتستقبلهم هم والزوج في المساء. وتقوم بكل هذه الأدوار وهي سعيدة ومبتهجة، وفي تمام زينتها، حتى في الصباح الباكر.
وقد يتساءل البعض: وما الضرر في ذلك؟ في الواقع، كل الضرر. فهذه الشخصيات الكرتونية لا تمثل الحياة الطبيعية البتة، وتؤثر سلبًا على الحياة الاجتماعية. فبالإضافة إلى أنها تطالب المرأة بمعايير مثالية، كما فسرنا من قبل، فهي تعطي الانطباع بأن ذلك قابل للتنفيذ، فينشأ جيل يعتقد أن الأم أو الزوجة يجب أن تكون مثل عارضات الأزياء، أو ممثلات الإعلانات، وتصبح مثارًا للسخرية والانتقاد إن لم تلتزم بذلك. وفي الواقع، استغلت إحدى الإعلانات التلفزيونية هذه الفكرة: الزوج يشاهد التلفاز وهو مشدود إلى صوت البطلة تنادي سميه البطل بصوت رخيم، وقوام ممشوق، وهيئة لا عيب فيها، ويصحو من غفوته القصيرة على صوت زوجته تناديه بصوتها المحمل بعذابات اليوم، وقوامها الذي ضيعه حمل أبنائه، وهيئتها التي تراعي ظروف إمكانياته. فهل نضحك على فكاهة الموقف؟  نعم نضحك، ولا نلتفت لما يستدعيه مخرج الإعلان، فنحن نلتفت إلى هيئة المرأة ونقارنها بالبطلة، ولا نلتفت إلى هيئة الرجل أو نقارنه بالبطل. فالزينة الكاملة والاهتمام بالجسد هو مهمة المرأة وليس الرجل في الثقافة البطريركية كما فصلنا في مقال سابق، ولذا ينتزع هذا المشهد الضحك من المشاهدين. وكي لا تقع النساء في مثل هذا المأزق عليهن اتباع نصائح خبراء الإعلانات والذين يمطروهن بإعلانات عن مساحيق ومستحضرات مختلفة للتجميل، من كريمات ترطيب البشرة، إلى المكياج، إلى العطور وخلافه. وهنا يدخل عامل إضافي ليصعب الأمر على النساء: السن. فأنى لامرأة تجاوزات الأربعين أن تبدو بشباب وصحة عارضات الأزياء اللواتي يظهرن على التلفاز بدون التجاعيد التي أخذت طريقها إلى وجه المشاهدات. إنها المعايير المستحيلة للبطريركية التي تلزم النساء بما لا يقوين على الوفاء به!
وفي المقابل نري الرجال في الإعلانات يقومون بالأدوار المرسومة لهم، أو التي رسموها هم لأنفسهم: قراءة الجريدة ريثما تجهز المرأة (سواء كانت الأم، أو الزوجة، أو الابنة) الغذاء؛ أو جلوس على المقاهي بينما تراجع المرأة دروس الأبناء؛ أو قيادة السيارات الفارهة؛ أو القيام بدور الخبير: طبيب الأسنان، السياسي، الواعظ، وخلافه. في حين تنحصر أدوار المرأة في رعاية احتياجات من حولها من الرجال، بينما يدعون أنهم من يرعونها. تحمل بالأبناء وينسبون إليه، ترعاهم منذ المهد ويهددها بأخذهم بعيدًا عنها عند أي خلاف.
ونظرًا للتفاوت الكبير بين الأدوار المستحيلة للمرأة (الجمال والأناقة من جهة، والعمل الجاد من جهة أخرى) والأدوار الهينة للرجال (الهيئة الطبيعية من جهة، والعمل غير الجاد من جهة أخرى) فلقد انخرط الفكر النسوي في مراجعة جادة لمثل تلك الأنماط، وعمل على محاربتها بغية القضاء عليها. وتخصص فرع من الفكر النسوي في مراجعات وسائل الإعلام ولفت الانتباه إلى الفكر المنحاز على أساس الجنس الذي يملأوه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عبودية المرأة
فؤاده العراقيه ( 2012 / 9 / 9 - 11:33 )
يريد الرجل من المرأة ان تكون في المطبخ لخدمته من اطفاله وفي نفس الوقت عليها ان تكون بكامل اناقتها وعطورها لأجل ان لا يذهب لغيرها , مهزلة تعيشها النساء وعبودية دون ان تعي
تذكرت وانا اقرا مقالتك الرائعة حينما كنت طفلة وارى ما كتب على علبة الغسيل افتحي من هنا , ينتابني الخجل من هذه العبارة واحاول ان اخفي حرف الياء كأن امسحه او اقلع الكلمة كلها عن الأنظار وبعفوية الطفولة وعلى مقدوري , وأفكر مليا بالسبب الي جعلوا جميع الكتابات تخاطب الرجل كأن اطلب هذا او ادخل من هنا واصعد من هنا والخ.......وكأن النساء غير موجودات اصلا
فلماذا في علبة الغسيل يخاطبوها , فهل اقترن اسمها بالغسيل فقط
شكرا جزيلا لكِ

اخر الافلام

.. لوحةرأس امرأة


.. الهرب من الزواج.. ينتشر بقوة.. وقد يستدعي تدخل طبيب!




.. 16 امرأة يتهمن الساحر الشهير ديفيد كوبرفيلد باعتداءات جنسية


.. لا تشكو المهر وغلاء الأسعار قد تكون مصابا بفوبيا الزواج | #ا




.. مصر.. سائق يحاول اغتصاب فتاة في القاهرة • فرانس 24 / FRANCE