الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام... بين النقيضين!

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2012 / 9 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وسط الضجيج المتعالي حاليا فيما يتعلق بالفيلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام والذي تعتزم مجموعة من الأقباط المصريين في المهجر عرضه، يندر أن تجد من يحاول الحديث بعقلانية؛ فالكل إما يرفض بتشنج، أو يؤيد بحماس، أو يعلن الإدانة لأسباب سياسية تتعلق بحسابات المكسب والخسارة في الاستحقاقات السياسية القادمة في مصر، التي ينتمي إليها الأقباط الذين أنتجوا الفيلم ويعتزمون عرضه.
ولكي يكون الكلام دقيقا، جاءت فقط دعوة لجعل يوم عرض الفيلم يوما للتعريف بالرسول عليه الصلاة والسلام، إلا أن المبادرة لم تحدد إطارا عاما للتحرك، يتضمن الفعاليات والشرائح المستهدفة والتوقيت، فبدت وكأنها مبادرة فردية أو من وحي اللحظة ولا تهدف إلى تأسيس مشروع تعريفي بالإسلام ونبيه الكريم عليه الصلاة والسلام.
إلى حد الآن، لم يخرج كلامي عن الانتقاد؛ انتقاد عدم وجود ردود أفعال، وكذلك انتقاد رد الفعل الوحيد الذي جاءني به علم، وهو مبادرة التعريف بالرسول الكريم. ولما كان الوضع هكذا، يصبح من الضروري أن أقدم جهدا يفوق أو على الأقل يتساوى مع ما وصلني وهو المبادرة التعريفية، وهذا ما أنتوي فعله في الأسطر التالية بإذن الله تعالى؛ حيث سأسير هنا على محورين. المحور الأول هو بعض الفضائل التي وردت عن الرسول عليه الصلاة والسلام محاولا اختيار مجالات متنوعة لهذه الفضائل. أما المحور الآخر فهو البحث في أسباب ظاهرة التعدي على الإسلام والمسلمين وارتباطاتها السياسية والفكرية.

خلقه القرآن
عندما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام، قالت: "كان خلقه القرآن"، صحيح مسلم. في هذا القول ما يكفي للتعبير عن أخلاقيات الرسول عليه الصلاة والسلام. وربما لا يكون في ذلك ما يوضح لغير المسلمين ماهية أخلاق الرسول، نظرا لأن القرآن الكريم عندهم ليس كتابا أخلاقيا وإنما هو كتاب يدعو للحرب والقتال. هذا غير صحيح، وما أكثر الدعوات الأخلاقية التي يحفل بها القرآن الكريم، ومن بينها على سبيل المثال، ورد في الآية 237 من سورة البقرة "وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ". هذه الآية تتكلم عن تنظيم الطلاق من حيث الأحكام والأخلاقيات. وفيها يدعو الله تعالى المسلمين إلى عدم نسيان ما كان من الفضل بين الزوجين في غمرة الانفعالات السلبية التي كثيرا ما تصاحب الطلاق.
فإذا ما أخذنا المعنى على إطلاقه بعيدا عن أحكام الطلاق، لأدركنا أن الإسلام يحث المسلمين على ألا ينسوا ما بينهم وبين الآخرين من فضل، في حالة وقوع الخلافات واشتدادها؛ لأن تذكر الفضل في أوقات الشدائد يساعد في تلطيف الأجواء وتهدئة القلوب والانفعالات، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى حل المشكلات.
هذه من القواعد الأخلاقية البسيطة للغاية التي وردت في القرآن الكريم، وهي قاعدة تأسيسية في الزواج وفي السلوك الإنساني بشكل عام. فإذا ما عدنا إلى قول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها فيما يتعلق بقرآنية أخلاق الرسول، لوجدنا أنه سيكون من غير المنصف وصف الرسول الكريم بالأوصاف المقذعة غير الحضارية التي يصفه بها المنتسبون للدوائر المعادية للإسلام والمسلمين، والتي لا تتعامل مع الدين الحنيف من زاوية موضوعية، وإنما تكتفي بالنظر إلى ظواهر الأمور دون الخوض في تفاصيل.
فإذا انتقلنا إلى المستوى التطبيقي عند الرسول الكريم للأخلاقيات القرآنية لوجدنا دليلا واضحا في الموقف التالي. عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟". قال: "لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا" متفق عليه.
في هذا الموقف ما يدل على عظم أخلاقيات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المخالفين له في الرأي، وكذلك نجد موقفا آخر وهو موقف الرسول عليه الصلاة والسلام من كفالة الأيتام؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة"، وأشار بالسبابة والوسطى وفرق بينهما قليلا. وهناك الكثير من الأحاديث والمواقف الواردة في السنة النبوية ما لا يتسع لها المقام في ذكر أخلاقيات الرسول عليه الصلاة والسلام. وإذا ما قيل إن هذه المقولات والأفعال مجرد إشارات تاريخية ليس لها سند، يمكن ذكر الكثير من الأسانيد على صحة هذا الكلام، نظير ضعف أو انعدام أية أسانيد على الشبهات التي تثار حول الرسول عليه الصلاة والسلام.
الأخلاقيات النبوية كثيرة وتزيد عن القدرة على الحشد والعدد، وهي في مضمونها متسقة بعضها مع بعض، وبالتالي فإمكانية التشكيك التاريخي فيها صعبة للغاية لدقة الأسانيد عليها، وإمكانية التشكيك العقلي فيها صعبة أيضا لاتساقها في مجموعها. أما الشبهات التي تثار فهي لا تتسق مع الكل أو المعظم، وبالتالي تصبح نشازا، إن وُضِعَتْ في السياق العام للسيرة النبوية، بالإضافة إلى افتقارها السند التاريخي، وكذلك إلى كون الكثير منها يستند إلى تأويل مغلوط لبعض المواقف في السيرة النبوية، وهي المغالطات التي يمكن بقليل من الجهد البحثي التأكد من عدم دقتها.

لماذا انتقل المسلمون إلى الدفاع؟!
المفترض في الدعوة الإسلامية أنها تبادر الآخر بالدعوة إلى دخول دين الله تعالى، وهذا أمر منصوص عليه في أكثر من موضع بالقرآن الكريم، وكذلك في الأحاديث النبوية الشريفة. إذن، هي دعوة مبادِرة، فلماذا انتقلت إلى الدفاع والتصدي للشبهات؟ أو لنلقِ السؤال بصورة أخرى، ونقول: لماذا انتقلت من السعي لإقناع الآخر بأن الإسلام دين "جيد"، إلى السعي لإقناع الآخر بأن الإسلام دين "ليس سيئا"؟
لكي لا ندفن رؤوسنا في الرمال، يتعين علينا — كمسلمين — أن نقر بأننا نتحمل مسئولية الصورة السلبية، التي انتشرت عن الإسلام لدى الكثير من الأوساط غير المسلمة، وهي الصورة التي زادت من سوئها الدوائر المعادية للإسلام، والتي ترتكز إلى مفهوم صراع الحضارات لا حوار الحضارات كما يفترض، وعلى رأس هذه الدوائر تأتي الدوائر الصهيونية التي تتبنى الفكر العنصري بأفضلية اليهودي على غيره، دون الاقتصار على ذلك، ولكن مع تحقير غير اليهودي في الوقت نفسه. ومع الإقرار بأن لا مشكلة في أن يرى المرء نفسه جيدا، فإن المشكلة الرئيسية تكمن في تحقير الآخر بالباطل لمصلحة النفس، وهذا ما تفعله الدوائر الصهيونية المعادية للإسلام؛ حيث تقلل من شأن الإسلام بالباطل مثيرة الكثير من المزاعم والشبهات غير الحقيقية في الواقع ضد الإسلام والمسلمين. ولكن كيف تلقى هذه الشبهات رواجا، إن كانت غير منطقية وغير حقيقية؟
الإجابة على هذا السؤال ترجع بنا إلى بداية الفقرة السابقة، وهي المسؤولية الشخصية للمسلمين عن الوضع الذي وصلت إليه صورة الإسلام؛ فكثير من المسلمين يتبنون ممارسات أقل ما توصف بأنها سلبية مثل تمجيد الأعمال الإرهابية بامتياز كقتل المدنيين غير الداخلين في صراع مسلح، مثلما هو الحال مع أحداث 11 سبتمبر. فقد سمعت أحد أنصار تيار القاعدة الفكري يقول إن تفجيرات 11 سبتمبر كانت رائعة لأنها أطاحت برأس أمنية أمريكية، أعتقد أنها مدير المباحث الفيدرالية وإن كنت غير متأكد. ولما سئل هذا الشخص عن المسلمين الذين راحوا في هذه التفجيرات، جاءت الإجابة مائعة وغير واضحة. ولكن على لسان آخرين ممن ينتسبون إلى التنظيم نفسه جاءت الإجابة بأنهم "شهداء" عند الله، وأنهم استراحوا من آلام الدنيا وانتقلوا إلى النعيم الأخروي!
إذا ما سمع إنسان غير مسلم هذه الإجابة، سوف يتجه تفكيره على الفور إلى أن الإسلام دين الموت لا دين الحياة، ولن يلتفت إلى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام "إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَفي ِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ،فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا؛ فَلْيَغْرِسْها". لماذا لن يلتفت؟ لأنه لم ير في سلوك المسلمين ما يطابق الدعوة الواردة في هذا الحديث بإعمار الأرض، وإن كانت القيامة قد قامت. ولكنه رأى في سلوك المسلمين ما يشبه الاتهامات والأراجيف التي تروج عن الإسلام بأنه دين الإرهاب والقتل والعنف. وسيكون من التعسف أن نطالب هذا الإنسان بان يعود إلى المراجع التاريخية المنصفة في الغرب، والتي تتحدث عن دور المسلمين في بناء الحضارة الإنسانية الحديثة وإحياء الفلسفة الإغريقية وغيرها من علوم الإغريق.
في مواجهة ذلك، نجد قصورا كبيرا من الدعاة في الترويج للإسلام باعتباره دين الحضارة، فالتركيز لا يكون الجوانب التي يفترض أن تسود في الظروف العادية وهي السلام والاستقرار العالميين؛ فلا يكون التركيز على دعوات البناء والإعمار، التي يمتلئ بها القرآن الكريم، ولكن التركيز يأتي على الأحكام المتعلقة بالظرف الاستثنائي من وجود ضرورة للغزو والقتال، وهي الأمور التي تأتي كاستثناء في التاريخ البشري. ولكنني أؤكد أن هذا الكلام لا يعني الاقتصار على جانب دون الآخر، فلا يجب قصر الحديث عن ضرورة الغزو والقتال وما إلى ذلك، وإغفال الجانب الحضاري التنموي في الإسلام، والعكس صحيح.

ما الحل؟!
الحل يمكن — في رأيي — في عدة نقاط، تتطلب بعض المجهود من الأطراف ذات العلاقة في هذا المجتمع الإنساني.
ففيما يتعلق بالمسلمين، يجب أن يتبنى الدعاة المسلمون منظومة دعوية تظهر عظمة الإسلام الحقيقية، من خلال شرح الآيات القرآنية والأحاديث والسلوكيات النبوية وأفعال الصحابة التي تركز على الشق التنموي الإعماري سواءًٍ على مستوى الفرد أو الجماعة. كذلك يتعين على جمهور المسلمين التحلي بالأخلاقيات الإسلامية القويمة التي تنبذ التعصب والعنف. ولن يتمكن الدعاة ولا العامة في المسلمين من تحقيق هذين الهدفين، إلا إذا كانت الوسطية هي منطلقهم وهدفهم، وغير ذلك لن يزيد الأمور إلا سوءًا.
أما على الجانب الآخر، فإن على من يعادي الإسلام معاداة لا عقلانية تقف عند حد الرفض والكراهية غير المؤسسة ولا المستندة إلى شيء أن يسعى إلى إعمال العقل والتفكير والبحث فيما يصل إليه من مواد تزيد من كراهيته للإسلام؛ نطلب منه فقط أن يتبع القواعد العلمية في النقاش عن الإسلام والمسلمين بأن يقرأ عن الإسلام وتاريخه وحاضره كذلك، لكي يكون صورة تستند إلى ما قاله الإسلام عن نفسه وما قاله الآخرون عنه، وليحكم عقله بعد ذلك فيما رأى وسمع. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ...!!! صدام قام بغزو الكويت
حكيم العارف ( 2012 / 9 / 12 - 05:03 )
اعتقد انك لاتنكر فضائل الرسول من حيث:

مذبحة بنى قريظه .....

تقطيع ام قرفه ....

القضاء على المسيحيين بوادى قمران وبكل الجزيره العربيه

قطع الطريق على القوافل

---------------

لماذا قامت الدنيا عندما قام صدام بغزو الكويت ... !!!

اليس هذامافعله محمد ؟؟؟

مالفرق بين محمد وهتلر !!!


2 - من فمك أدينك
محمود قريص ( 2012 / 9 / 12 - 06:57 )
لم اشاهد الفلم ولا ارغب بمشاهدته, ولكن اذا درست السيره المكتوبه والاحديث الملفقه الموصوفة بالصحيحه لوجدت العجاب من افعال نسبت لمحمد مثل (قطع ايديهم وارجلهم وسمر اعينهم))
اذن من فمك أدينك
مع تحياتي


3 - النقاش هادئ
حسين محمود التلاوي ( 2012 / 9 / 12 - 09:08 )
أرحب بكل من يريد النقاش الهادئ... كل من يرغب فيه يمكن أن يكتب ما يشاء ويطلب ما يشاء، ولكن السب والقذف غير المبررين وغير المستندين إلى وقائع وأسس فلا مجال لهما في الحوار. وبالتالي، كل من يرغب في السباب لا مجال له، ومن يرغب في الحوار يحدد نقاط أو شبهات بعينها ويمكن التحاور بشأنها. أما القذف المرسل فلا. لأنه يتنافى مع قواعد الحوار الإنساني المتعارف عليها بين البشر وشكرا

اخر الافلام

.. الدوحة.. انعقاد الاجتماع الأممي الثالث للمبعوثين الخاصين الم


.. الهيئة القبطية الإنجيلية تنظم قافلة طبية لفحص واكتشاف أمراض




.. الدوحة.. انعقاد الاجتماع الأممي الثالث للمبعوثين الخاصين الم


.. لماذا يرفض اليهود الحريديم الخدمة العسكرية؟




.. لماذا يرفض اليهود الحريديم الخدمة العسكرية؟