الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرنامج الاستعجالي: مقاربة للتعرف على العلاقة بين المنطلقات والأثر الإصلاحي (2)

سامر أبوالقاسم

2012 / 9 / 14
التربية والتعليم والبحث العلمي


إن المبدأ الذي كان يوجه البرنامج الاستعجالي وأهدافه الرئيسية هو جعل المتعلم في قلب منظومة التربية والتكوين، وجعل الدعامات الأخرى في خدمته، وإننا اليوم على بعد ثلاث سنوات من التنفيذ للبرنامج يمكن الجزم بأن ما تم توفيره من تعلمات ترتكز على المعارف والكفايات الأساسية التي تتيح للتلميذ إمكانيات التفتح الذاتي فقد تم في ظل تنفيذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين، عبر آليات التجديد البيداغوجي التي طالت المناهج والبرامج والكتب المدرسية والمعينات الديداكتيكية، دون أن يقوم الساهرون على تنفيذ البرنامج الاستعجالي بتقييم وتقويم ما تم إنجازه في هذا السياق، والاكتفاء باقتراح اعتماد بيداغوجيا الإدماج كمكمل للاختيارات البيداغوجية السابقة.
أما فيما يخص توفير مدرسات ومدرسين على إلمام بالطرق والأدوات البيداغوجية اللازمة لممارسة مهامهم، ويعملون في ظروف مواتية، فإن هذا الجانب ظل من النواقص الكبرى سواء بالنسبة للميثاق الوطني للتربية والتكوين أو بالنسبة للبرنامج الاستعجالي، وبذلك بقيت الأغلبية الساحقة من المدرسات والمدرسين في منآى عن التملك المعرفي والتربوي للإصلاحات البيداغوجية المعتمدة، وهو ما ساهم بدوره في الابتعاد عن توفير مؤسسات ذات جودة تمكن التلميذ والتلميذة من ظروف عمل مناسبة لتحقيق التعلم.
ومن ثمة يمكن استخلاص أن خطة عمل البرنامج الاستعجالي التي كانت تتوخى تحقيق أربعة أهداف أساسية، لم تنجح سوى في التحقيق الكمي والنسبي لإلزامية التمدرس إلى غاية سن 15 سنة، دون ربط ذلك بتعميم التعليم الأولي، ودون أن ترقى إلى مستوى حفز روح المبادرة والتفوق في المؤسسة الثانوية وفي الجامعة، وإلى مستوى مواجهة الإشكالات الأفقية للمنظومة التربوية وإيجاد الحلول الناجعة لها من أجل إنجاح الإصلاح، وإلى مستوى اعتماد سياسة مضبوطة تروم ترشيد الموارد المالية.
فرغم توفير الشرطين الأساسيين اللذين اشترطهما واضعو البرنامج الاستعجالي، المتمثلين في: 1ـ تغيير أساليب التدبير عبر اعتماد مقاربة المشروع، 2ـ وضع عدة لقيادة مراحل إنجاز مقتضيات البرنامج الاستعجالي تمكن نظام القيادة من الوسائل التي تضمن له سبل النجاح، لم يفلح البرنامج الاستعجالي في الوصول إلى تحقيق أهدافه وغاياته.
بل إن وعد البرنامج بالانكباب على إنجاز تقويم معمق لتطبيق الميثاق انطلاقا من سنة 2009 بتعاون مع الهيئة الوطنية للتقويم التابعة للمجلس الأعلى للتعليم، وذلك بوضع حصيلة كاملة لما تم إنجازه منذ سنة 2000، بالارتكاز على مؤشرات ملائمة، بواسطة سيرورة مضبوطة، ومعطيات موضوعية وذات مصداقية أكيدة، فإنه لم يتحقق إلا من خلال تقرير وحيد صادر بتاريخ ماي 2009، ويتعلق بجانب موضوعاتي جزئي يهم تقويم التحصيل الدراسي فقط دون غيره من المجالات الأخرى المعنية بالإصلاح، ودون أن يعقبه أي تقرير آخر بخصوص وضع حصيلة لما تم إنجازه منذ سنة 2000.
وهو ما يطرح صعوبات جمة للمتتبعين والمهتمين بشأن الإصلاح التربوي، على مستوى تتبع وتيرة الإنجاز، كما يطرح أكثر من علامة استفهام حول عدم قدرة البرامج الإصلاحية التربوية برمتها على الوفاء بوضع عدة تقويمية لمساراتها، والأمر في اعتقادنا مرتبط بإشكالية المفارقة الحاصلة بين مشاريع الإصلاح والقدرة على تنفيذها وتطبيق إجراءاتها على أرض الواقع.
فقد يتم الإعلان عن اعتماد منهجية جديدة لتحقيق فعالية قصوى للعمل الإصلاحي، لكن سرعان ما تصطدم كل المنهجيات الإصلاحية المعتمدة بمعطى صعوبات التنفيذ، ويبقى السؤال مطروحا من جديد حول مكونات المنهجية المعتمدة من طرف البرنامج الاستعجالي، سواء من حيث تحديد برنامج طموح ومضبوط في أدق تفاصيله: مجالات التدخل، المشاريع، مخططات العمل، الجدولة الزمنية، الموارد التي يتعين تعبئتها، أو من حيث اعتماد رؤية تشاركية ترتكز على إشراك مجموع الفاعلين الأساسيين داخل منظومة التربية والتكوين، في تطبيق البرنامج الاستعجالي، أو من حيث الانخراط القوي للفاعلين في الميدان لضمان تطبيق الإجراءات المحددة بصورة تعتمد مبدأ القرب، بغاية إعطائها بعدا عمليا وملموسا، أو من حيث وضع عدة للتتبع عن قرب تسمح بالتحكم الكامل في عملية تطبيق البرنامج الاستعجالي، أو من حيث وضع أرضية لتدبير التغيير والتواصل من شأنها ضمان انخراط الجميع، وكذا بث روح التغيير في كل مستويات المنظومة.
وإذا كان البرنامج الاستعجالي قد أكد منذ البداية على أنه استخلص دروسا رئيسية من التجارب الإصلاحية الماضية، دون أن يحددها بالدقة المطلوبة، فإننا اليوم إزاء تقييم يقوم أساسا على مدى استحضار هذه الدروس على مستوى التنفيذ والأجرأة لا على مستوى التخطيط والبرمجة، إذ يتضح أن الاعتماد على منهجية تفادي تقديم الحصيلة المرحلية والدورية للبرنامج على مدى الثلاث سنوات الماضية من انطلاق تنفيذ البرنامج يفيد بأن هناك مشاكل حقيقية على هذا المستوى الذي تم الوقوف عليه، سواء من خلال الميثاق الوطني للتربية والتكوين أو تقرير الخمسينية أو تقرير المجلس الأعلى للتعليم لسنة 2008.
فواضعو البرنامج والساهرون على إنفاذه لم يوثقوا كل الإجراءات والعمليات ذات الصلة ببلورة وصياغة المخطط الاستعجالي، خاصة تلك المرتبطة بالإشراك الفعلي للطاقات والكفاءات على مستوى الجهات، كما لم يوثقوا الصعوبات والعراقيل الجمة التي لاقوها أثناء عملية جرد حصيلة المنظومة التربوية في كل مشروع من مشاريع المخطط الاستعجالي قبل أن يتم الانتقال به إلى برنامج محدد مبني على مشاريع، وكل مشروع قائم على موضوعات، وكل موضوع يرتكز في عمليات الأجرأة على مجموعة من التدابير، وهي كلها تدابير كانت في الحاجة إلى إجراءات وعمليات محددة ومضبوطة لم يتم الإعلان عنها في البرنامج ذاته ولا توثيقها في حصيلة دورية.
إضافة إلى أن البرمجة الزمنية لكل العمليات المرتبطة بأجرأة مشاريع البرنامج الاستعجالي عرفت تعثرات وتأخرات بفعل غياب التنسيق المطلوب والمفروض بين مختلف المصالح داخل الإدارة المركزية، وبينها وبين الإدارة الجهوية والإقليمية، وقد تعمق هذا المشكل وتفاقم حين ارتبط الأمر بجرد الإحصاءات الكمية والنوعية داخل المؤسسات التعليمية بخصوص التقويم التشخيصي للميدان التربوي في علاقته بمشاريع البرنامج ذاته، وهو ما أدى إلى تأخر واضح في بلورة وصياغة البرنامج الذي انطلق التخطيط له بمجرد التغيير الحكومي الذي وقع سنة 2007، ولم يتم التمكن من الانطلاق في تنفيذه إلا في غضون سنة 2009.
وهنا تبرز الإشكالات الحقيقية التي تتخبط فيها المنظومة التربوية، سواء على مستوى التدبير الإداري غير المحترف في مجال التنسيق بين الإدارة المركزية والجهوية والإقليمية والمحلية، أو على مستوى التوثيق غير المهني لمجموع العمليات الجارية على أرض الواقع داخل المؤسسات التعليمية والإدارات المحلية والإقليمية والجهوية، أو على مستوى التحديد الزمني غير المضبوط الذي تتطلبه كل العمليات الإجرائية الخاصة بالتدابير التي يقتحرحها كل مشروع من مشاريع البرنامج الاستعجالي، أو على مستوى تحديد التكلفة المالية لهذه العمليات في ارتباطها بحجم التنقلات واللوجستيك المطلوب لتنفيذها، وهو ما يجعلنا في منآى عن أن نكون قادرين على رصد حصيلة مشروع معين في زمن محدد بتراكمات وصعوبات وتعثرات ونواقص وأخطاء واضحة، يمكن أن تشكل دروسا لأية تجربة إصلاحية لاحقة.
إضافة إلى كون عدم القدرة على رصد كل ما ذكر من تراكمات واختلالات، أو على الأقل غياب الشجاعة الكافية للإعلان عنها في حصيلة موثقة ومضبوطة، هو ما جعل البرنامج يسقط في نفس الفخ الذي سقطت فيه التجارب الإصلاحية السابقة، من حيث اتساع الهوة بين التشخيص وتقديم الوصفة العلاجية في شكل برنامج من ناحية، ومن ناحية أخرى بينهما الإثنين وبين الأجرأة التي لا ترقى إلى مستوى الطموح المعبر عنه إبان التخطيط والبرمجة.
علما بأن أصحاب البرنامج أعلنوا عن أنهم يتوفرون على العدة اللازمة والموارد الضرورية لمباشرة الإصلاح ميدانيا، بنجاعة وفعالية، وعبر منهجية مبدعة ومجددة، وهو للأسف ما لم تبرز ملامحه بعد الوصول إلى الأشواط النهائية من تنفيذ البرنامج، وهو ما سيجعل البحث والدراسة في شأن تطوير البرامج الإصلاحية بمنطق التجاوز الإيجابي للتعثرات أمرا مستعصيا ومتطلبا لجهد كبير على مستوى تجميع المعطيات من داخل المنظومة ذاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز