الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطر خلط المفاهيم

داود روفائيل خشبة

2012 / 9 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


شرط التفكير السليم وضوح المفاهيم، وخلط المفاهيم يؤدى، مع سلامة النية، إلى الخطأ واضطراب الفكر، أما مع سوء النية فإنه يكون سلاحا خطيرا للتضليل وقلب الحقائق. ظللنا نندّد بأخونة الدولة وحذّر من أخطار أخونة الدولة. والآن نسمع من يقول بأن أخونة الدولة شىء طبيعى ومطلوب ما دام الإخوان قد حصلوا على أكثرية (وليس أغلبية) فى آخر انتخابات برلمانية وما دام مرشحهم للرئاسة فد فاز فى انتخابات حرّة. وهذا القول الذى يبدو فى ظاهره متوافقا مع العدل والمنطق يعتمد فى الواقع على إبهام خطير فى مفهوم الدولة. فهناك مفهومان مختلفان للدولة ينبغى التمييز بينهما فى وضوح وإلا وقعنا ضحية للتضليل والخداع.
الدولة بمفهوم محدود هى مجموع الأجهزة الحكومية السياسية التى تأتى بالا نتخاب وتخضع لرقابة المجالس النيابية والرقابة الشعبية المتمثلة فى المنظمات المدنية وفى أجهزة الإعلام الحرّ. الدولة بهذا المفهوم المحدود لا بأس بأن يتولى المناصب فيها، بل المطلوب أن يتولى المناصب فيها، من يختارهم الحزب صاحب الأغلبية فى انتخابات حرة، أو تآلف الأحزاب التى تشكـّل أغلبية، إذا لم يفز حزب واحد بالأغلبية.
لكن هناك مفهوما أوسع للدولة يشمل سلطات ومنظمات وهيئات ومناصب ينبغى بحكم طبيعتها أن تظل مستقلة عن سيطرة أجهزة وسلطات الحكم السياسية التى شملها المفهوم المحدود الذى ذكرناه أولا. هذه السلطات والمنظمات والهيئات تشمل فيما تشمل القضاء والجيش الوطنى وقوات الأمن ومنظمات المجتمع المدنى والنقابات والاتحادات والمجالس المستقلة وأجهزة ووسائل الإعلام الحر. الدولة بهذا المفهوم الواسع إذا احتكرها أو هيمن عليها حزب سياسى أو تيار معيّن، حتى لو كان قد نال أغلبية فى انتخابات حرّة نزيهة، فإن ذلك يؤدى إلى سيطرة استبدادية تنتهى حتما بالقضاء على الحريات الشخصية والمدنية مما يعنى بالضرورة هدم الدولة المدنية وتدمير الديمقراطية.
والإخوان فى الواقع يلعبون حتى الآن لعبة خبيثة، فبينما يُظهرون الزهد فى المناصب الحكومية، وغرضهم ولا شك التملـّص من مسئولية الفشل المتوقع فى ظل الظروف الاقتصادية والحياتية والاجتماعية المتردّية، نراهم ينشطون فى زرع رجالهم ومن يوالونهم حيث لا ينبغى لهم أن يكونوا. هذه هى الأخونة التى حذّرنا منها ولا بدّ أن نظل على وعى بمخاطرها، ولا نتهاون فى محاربتها.
أنتقل الآن لموضوع آخر. لنلق نظرة على هذه الزوبعة التى اجتاحت عالمنا فى بضعة الأيام الأخيرة. فيلم صنعته حفنة من الأفّاقين، لا يستحق حتى أن يسمّى فيلما بأىٍّ من معايير الفن أو معايير الصنعة، قيل إنه يسىء إلى رسول الإسلام، فتهبّ الجماهير الغاضبة تقتل وتحرق. فماذا يكون موقف المسئولين والقادة؟ رئيس جمهوريتنا د. مرسى يعلن أن "الرسول خط أحمر" و "من يتعدى على الرسول نعاديه". هل فكر فى أن يحدّد من ذا الذى "يتعدّى"؟ وهل أدرك عواقب ترك هذا المفهوم دون تحديد؟ هل فكر فى حدود وتبعات كلمة "نعاديه" التى يمكن أن يمتد معناها من نكرهه ونخاصمه إلى نقاطعه بمختلف معانيها حتى نحاربه ونقاتله؟ الداعية الإسلامى عمرو خالد يقول إنه يجب على حكومات الغرب احترام الأديان وعدم الاستهزاء بها. وأصوات كثيرة تتعالى تطالب الدول وتطالب الأمم المتحدة بتجريم ازدراء الأديان، ولم يفكر أحد فى تصادم هذا المطلب مع مبدأ حرية الفكر والتعبير الذى تنص عليه مواثيق دولية ملزمة على الأقل لبعض دول هؤلاء المنادين بالتجريم. كذلك لم يفكر أحد فى أن الأديان التى يريدون صونها من الازدراء هى بدورها تنكر على كثير من الأديان مجرّد حقها فى أن توصف بأنها أديان، ناهيك عن حق أتباعها فى اعتناق عقيدتهم وممارسة شعائرهم وإقامة دور عبادتهم، وهذه الأديان التى ينكرونها ويعادونها ممثلة فى الأمم المتحدة التى يطالبونها بإصدار تشريع يحمى دينهم من الازدراء.
آفتنا يا قوم أن أكثرنا حُرِّم عليهم أن يفكروا، وأن كثيرين منا عاجزون عن أن يفكروا، والقلة منا الذين يُنتظر منهم أن يفكروا يأبون أن يفكروا، فهل ثمّة أمل فى أن نلحق بركب الناس الذين جرؤوا على أن يفكروا؟
القاهرة، 16 سبتمبر 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نتطاول على الاخرين . اه. و لكن تطاولوا علينا . لا
حكيم العارف ( 2012 / 9 / 16 - 12:16 )
اخاصمك .... اه

اسيبك .... لا

مبداء ثابت فى العقليه الاسلاميه ...

مسموح لى ان اهاجم عقائد الاخرين ..... اه
و لكن ... انت تهاجم دينى .... لا !!!
-كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح-

اكذب على الناس .... اه
تكذبوا علينا ...لا.....
- ليتبواء مقعده فى النار-

اسرق الحكومات ... اه
تقفشونا و تقولوا ان ديننا علمنا هذا ... لا
-وان سرق و ان زنى-

نشتم الناس و نسبهم علانية ... اه
يفضحونا و يقولوا ان الرسول كان سبابا و لعانا (كما بالاحاديث) ... لا
-اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة-


2 - جملة مفيدة جدا من المقال
محمد بن عبد الله ( 2012 / 9 / 16 - 13:59 )
لم يفكر أحد فى أن الأديان التى يريدون صونها من الازدراء هى بدورها تنكر على كثير من الأديان مجرّد حقها فى أن توصف بأنها أديان، ناهيك عن حق أتباعها فى اعتناق عقيدتهم وممارسة شعائرهم وإقامة دور عبادتهم

اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا