الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التغيرات الإيجابية في حياة اليافعات: تجربة من الهند

عائشة خليل

2012 / 9 / 16
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


يغير "راديو مينا" حياة مئات الآلاف من الفتيات بالهند. فـ"مينا" شخصية كرتونية لفتاة في التاسعة من عمرها معروفة بجنوب شرق آسيا. وتحولت إلى برنامج إذاعي بفضل تمويل من مشروع "أيكيا للتكافل الاجتماعي" وبالتعاون بين منظمة اليونسيف وحكومة أقليم "أوترا براديتش" كبرى أقاليم الهند والذي يبلغ عدد تعداد سكانه 191 مليون نسمة، أي ضعف عدد سكان مصر. ويعاني الإقليم - مثل الريف في البلدان النامية - من أمراض مزمنة مثل الجهل والفقر والمرض التي تؤثر سلبًا على حياة المواطنين، وخاصة الفتيات. فنسبة التسرب من التعليم تبلغ 55٪ في المرحلة الابتدائية المتقدمة، ومعظم المتسربات من الفتيات التي يجري تزويجهن وهن بعد يافعات.
يبث البرنامج الإذاعي لمدة خمسة عشر دقيقة في اليوم على مدار ستة أيام، وتستمع إليه الطالبات (والطلاب) ويناقشن ما يبث من مواضيع مع المعلمات. وتتلقى المعلمات تدريبًا ملائمًا عن كيفية مناقشة مواضيع البرنامج مع التلميذات. ويعمل البرنامج على بث رسائل إيجابية، كما أن محتواه لطيف يمزج بين الضحك، واللعب، والغناء، فيعمل على إيصال المعلومة بسلاسة. وبما أن“مينا” فتاة في مثل عمر المستمعات، وتماثلهن في الظروف والملابسات، وتتعرض لمشاكل متطابقة لما هو منتشر بين مستمعاتها، فقد تماهين معها، بحيث أصبحت قدوة طيبة للفتيات من عمر الحادية عشر إلى الرابعة عشرة، وهي الفئة المستهدفة من البرنامج.
ولقد ساهم المشروع في اتخاذ الفتيات مواقف إيجابية من القضايا الهامة في حياتهن. فإحداهن في الرابعة عشر من عمرها ومقبلة على الزواج. لقد اتفق والدها مع والد العريس على الزواج، ففي المناطق الريفية لا يتأخر زواج الفتيات كثيرا بعد البلوغ. ولقد علمت الفتاة بأن الزواج المبكر مجرم بالقانون، الذي يعاقب بحبس والدي العروس إن زوجوها قبل السن القانوني وهو الثامنة عشر. تخبر الفتاة والدها بذلك فيتراجع عن قرار تزويجها، ويخبر العريس المنتظر بأن ابنته ستكمل تعليمها. بينما تعاني صديقتها "لكشمي" من مشكلة أخرى، فالبيت غير مجهز بمرحاض، وهي تشعر بالحرج من الخروج إلى الأدغال لقضاء حاجتها. تعلمت "لكشمي" من خلال "راديو مينا" بأن وجود المرحاض بالمنزل ليس فقط من أجل الرفاهية، ولكنه أيضًا وقاية من الأمراض، وأخبرت والدها بما تعلمته من البرنامج، وأقنعته بضرورة بناء مرحاض في البيت. وكانت هذه بعض النماذج الذي عرضها تقرير عن التغيرات الإيجابية في حياة الفتيات المراهقات بسبب برنامج يبث لمدة خمسة عشر دقيقة على "راديو مينا".
ولقد اعتدنا أن ننظر إلى الغرب لإيجاد حلول لمشاكلنا المزمنة، وربما يكون الأوان قد حان للنظر قليلا إلى الشرق، والاستفادة من الخبرات الشرقية لإيجاد حلول لمشاكلنا المماثلة لما يعانون هم. ففي الريف المصري (والعربي عامة) لازال الزواج المبكر للفتيات هو الشائع، وقد يكون الحل بتوعية الفتيات أنفسهن للحد من انتشار هذا الداء الذي يقضي على حياتهن وصحتهن ومستقبلهن. وفكرة أن تتم التوعية من خلال برنامج على الراديو زهيدة التكلفة، مما يشجع على رواجها وانتشارها بين أعداد ضخمة من الفتيات في وقت قصير. كما أن توقيت البث - أثناء اليوم الدراسي - تزيد من الفائدة لتعم الفئة المستهدفة بسهولة ويسر. ولا يجب أن يحتج أحد بازدحام اليوم الدراسي، فمن المعلوم أن مناهج التعليم بالهند من أصعب المناهج في العالم، وعلى المحتج النظر إلى مخرجات التعليم بالهند، فهو يملئون وادي السلكون بالولايات المتحدة، ولديهم صناعات راسخة ليس أقلها السلاح النووي. وربما كان أفضل تفصيلة في البرنامج هي تواجد المعلمات لمناقشة البرنامج، فالفتيات يحتجن إلى شخص ناضج ومتفتح لمحاورتهن في مشاكلهن الخاصة، وربما كان هذا هو دور الأخصائية الاجتماعية بالمدرسة الذي تم تهميشه خلال السنوات الماضية.
لازال أمامنا الكثير لتحقيق تنمية شاملة بالمجتمعات العربية بعد الربيع العربي، ويجب أن تكون الفتيات في قلب أي مشروع تنموي، فالفتيات هن شابات المستقبل، ونصف الأمل. والتركيز على العواصم والمدن الكبرى لن يأتي بالتغيير المنشود، ولذا فعلينا الالتفات إلى العمق الاستراتيجي في القرى والنجوع. والاستفادة من تجارب الأمم التي سبقتنا - أينما وجدت هذه التجارب - ذكاء وحنكة. فهل من متطوع للبدء: دراسة "راديو مينا" (أو غيرها من التجارب المماثلة)، وتعريبها لتتناسب مع البيئة المتلقية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذة عائشة خليل المحترمة
ليندا كبرييل ( 2012 / 9 / 18 - 09:26 )
نحن يا أستاذة عائشة لا ينقصنا قوانين ، ينقصنا التطبيق
مثال الفتاة المقبلة على الزواج في عمر مبكر ، تراجع والدها عن قرار تزويجها عندما علم أن هناك( قانوناً سيجرمه) ، ليس هذا فحسب بل أخبر العريس أنها( ستكمل تعليمها ) هل يمكن تطبيقه في مجتمعنا العربي؟،
المجتمع الهندي نصمه بالتخلف ، لكنه على مستوى القوانين رائد
وصحيح أن الأمية والفقر ومشاكل أخرى ما زالت تنتشر في المجتمع الهندي لكن الخطط الطويلة الأمد التي تصل حتى أعماق الريف كفيلة بأن تهيء للمرأة الهندية عيشة كريمة
عندنا التقاليد أقوى بمراحل من القانون المدني
بالأمس القريب تزوجت ابنة صديقة وهي في الثالثة عشرة من عمرها من ابن عمها الذي يكبرها بثلاثين عاماً لكيلا تذهب الثروة إلى شخص غريب ، القانون يجرم الفعل ، لكنه تمّ وسهروا حتى الصباح يغنون ويرقصون وأولهم العروس
التشديد على وعي المرأة وتحفيزها على الثورة على أوضاعها المتخلفة واجبنا جميعاً

تتطرقين إلى مواضيع مختلفة لا تقليدية ، تلتقطينها بعين الخبير المتعمق في المشكلة والطارح للحلول
لك أطيب تحية وإعجاب بمقدرتك البحثية


2 - مقاربة صحية وصحيحة
عائشة خليل ( 2012 / 9 / 18 - 19:25 )
شكرًا أستاذة ليندا على الطرح الراقي، واسمحي لي بالاختلاف معك فالمقاربة بين المجتمع العربي والمجتمع الهندي صحيحة وصحية. المجتمع هناك تقليدي ولديه قوانين مماثلة لما لدينا ولا أقول تطابق ما لدينا. أعتقد أن
توعية الفتيات بالقوانين هي ما أحدثت الفرق في حياة تلك الفتاة.
الفتاة الهندية يا سيدتي تعاني بأكثر مما تعاني الفتاة العربية فلديهم المهر الذي تدفعه الفتاة، ولديهم الساتي، ولديهم من الأفات ما يشيب له الولدان، تعرفت على ذلك من كتاب نصف السماء .
كما أنني أختلف معك في أن لدينا قوانين كثيرة، بالعكس ليس لدينا قوانين تحكم الحياة بشكل كاف؛ مما يوجد الثغرات التي يستغلها الناس لتفسير القوانين بما يروق لهم. أرغب أن أحكي لك عن تجربة العيش في الولايات المتحدة حيث هناك قوانين لك صغيرة وكبيرة ولكن المجال لا يتسع هنا وقد أكتب عن ذلك في يوم من الأيام.
خالص الشكر على مداخلتك، وعلى التشجيع الذي توليني إياه

اخر الافلام

.. الهرب من الزواج.. ينتشر بقوة.. وقد يستدعي تدخل طبيب!


.. 16 امرأة يتهمن الساحر الشهير ديفيد كوبرفيلد باعتداءات جنسية




.. لا تشكو المهر وغلاء الأسعار قد تكون مصابا بفوبيا الزواج | #ا


.. مصر.. سائق يحاول اغتصاب فتاة في القاهرة • فرانس 24 / FRANCE




.. يارا لابيدوس: قصّة امرأة عبّرت الموسيقى عن حنينها وعن جذورها