الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس غير مستفادة : عن المسلمين و الدوغما و الفلم المسيء ؟!

حمزة رستناوي

2012 / 9 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المحرّض على كتاب هذا المقال المظاهرات الاحتجاجية ضد عرض فلم (مسيء للنبي )أمام السفارة الامريكية في القاهرة و محاولات اقتحامها ,و كذلك الهجوم على القنصلية الامريكية في بنغازي و مقتل السفير الامريكي فيها و كذلك الكثير من حوادث مشابه من أزمة الرسوم (المسيئة للنبي) و دعوات المقاطعة للدانمرك و كذلك الهجوم و احراق السفارة الدانمركية في دمشق من قبل متطرّفين و برعاية السلطة السورية قبل أعوام خلت , و قبلها جدل رواية (آيات شيطانية ) و سلمان رشدي...الخ.
*
ثمّة علاقة وثيقة و تكاملية بين الاستبداد و الهيمنة الخارجيّة , فأنظمة الاستبداد العربية المفتقدة للشرعية الدستوريّة تسعى لإقناع الغرب و العالم الآخر بكونها الخيار الأفضل لهم , مقارنة بشعوب قاصرة لا تستطيع حكم نفسها , شعوب من (الغوغاء و المتديّنين المتخلّفين و المتطرّفين و الارهابيين ..الخ) ,و قد استَخدَمتْ الأنظمةُ الاستبدادية العربية البائدة منها و الباقية عند اللزوم – تصريحا أو إيماءً - هكذا مصطلحات لتوصيف شعوبها بغية الحفاظ على السلطة و مغانمها و نجد أهم نماذجها في حالة نظام القذافي البائد و نظام الاسد الابن في سوريا .
*
إن كل مجتمع يحتوى على أفراد و فئات و تصورات و تعبيرات مختلفة متفاوتة تتراوح بين الانغلاق و الانفتاح , بين الانحياز للماضي أو الأمل بمستقبل , بين العنف و السلمية .الخ. و الكرة الآن في ملعب الشعوب و المجتمعات لتسحب البساط من تحت أرجل الأنظمة الديكتاتورية و تثبت أنها شعوب قادرة على بناء دولة وطنيّة مستقلّة تحفظ آدميّة الانسان العربي وميراثه الحضاري , و هو أساسا ميراث يتحوّى الهويّة و الثقافة العربية الاسلاميّة . شعوب قادرة على تحمّل مسؤولياتها في ادارة شؤونها , و قادرة على لجم و تقييد التعبيرات و النشاطات المهددة لسلمها الاهلي و علاقتها الطبيعيّة مع الدول الأخرى.
*
إن القيام باستفزاز مشاعر مجموعة عرقية أو دينية هو تصرّف سلبي و غير حكيم , يجب وضع اللوم بداية على من يقوم باستفزاز و الاساءة لمشاعر الآخرين , لأنه قد يطلق شرارة حريق لا يمكن التنبؤ بمآله , فمن يكتب عبارات أو يطرح شعارات و خطابات طائفية أو عنصرية مسيئة للآخرين هو جزء أساسي من المشكلة , و إذا كانت حرية الرأي و التعبير حق من حقوق الانسان الاساسية فهي مسؤوليّة مقيّدة ضمن حدود التنوع و الاختلاف و الحوار و بما يخدم الصالح العام , و ليس في اطار التحريض على القتل و العنصرية و نشر ثقافة الكراهية مثلا.
*
المحرّضين على الكراهية و بغض النظر عن معتقدهم , ستكون المجموعات الدينية و العرقية التي ينتمون إليها و يتحدّثون باسمها , أول الخاسرين على المدى القريب و البعيد , فهؤلاء المحرّضون على الكراهيّة يقيمون جدارانا نفسية و اجتماعية تفصلهم عن الآخرين تزيد من انغلاقهم , و تضعف امكانيات تقبّلهم و اندماجهم و مشاركتهم سياسيا في المجتمعات و الدول التي يعيشون فيها .
إنّ التحريض على الكراهية , يذكي روح التعصب عند الطرف الآخر المستهدف بالكراهيّة , فالفلم الأخير ( المسيء للرسول) الذي قام بإنتاجه أقباط متطرّفين في الولايات المتّحدة , سيكون أقباط مصر قبل غيرهم هم من سيعاني من ردود الأفعال الناجمة عنه , مما يضعف مشروع مصر دولة لكل مواطنيها الذي يعوّلون عليه .
و الشيعة المتطرّفون الذين يرفعون بالونات أو لافتات أو يهتفون في شتم الصحابة و عائشة زوجة (النبي الكريم ) هم قبل غيرهم من سيعاني من اشتداد الصراع المذهبي و الحرب الأهلية و الفشل في بناء دولة المواطنة و العدالة التي ينشدها جلّهم .
و السنّة المتطرّفون الذين يفجّرون الحسينيات و مواكب الشيعة هم من سيعاني قبل غيرهم من النتائج السلبية لثقافة الكراهيّة على المدى القصير و البعيد للعنف عبر عمليات انتقام مضاد من متطرّفين شيعة و كذلك تفكّك مشروع الدولة الوطنية و و الخضوع لهيمنة أمراء الحروب و القتل.
*
الأكثر قدرة و الأكثر جدوى على نزع فتيل التطرّف و ثقافة الكراهية هم المنتمين للفئة الدينية و العرقيّة نفسها التي يقوم دعاة التعصب و الكراهيّة بالتحدّث باسمها و تمثيلها , فالنقد الذاتي أكثر فعالية من نقد الآخرين , لأنه أكثر صدقا و أكثر قدرة على التأثير بالآخر المستهدف بالتحريض على كراهيّته.
من هنا واجب أقباط مصر و الكنيسة القبطية في ادانة الفلم المسيء للرسول – و هذا ما فعلوه واقعاً - و التعبير عن وجهات نظر و قناعات مخالفة لما يحتويه الفلم من تصورات مسيئة.
و كذلك واجب الشيعة و مرجعياتهم الدينية و رجال الدين إدانة و نقد خطاب الكراهيّة المنتشر عند فريق منهم , و كذلك عدم تبرير أو الاصطفاف مع الطاغية الأسد الابن في قتله للشعب السوري مثلاً و في هذا ننوّه بالموقف الحيوي لرجال دين شيعة من قبيل : هاني فحص و محمد حسن الأمين.
و كذلك واجب السنّة و مرجعياتهم إدانة خطاب الكراهية الموجود عند القاعدة و مشتقاتها تجاه غير السنّة , فعلى سبيل المثال كان المزاج العام للسنة مؤيد لهجمات 11 أيلول و لم يعتبروها هجمات ارهابية راح ضحيّتها مدنيين ابرياء ؟!
و نفس الفكرة تنطبق على المتطرّفين اليهود في فلسطين و المتطرّفين البوذيين من الرهبان الذين سيّروا مظاهرات تطالب بتهجير أبناء أقلّية الروهانجيا المسلمة في بورما , للأسف! .
*
إنّ ردّة الفعل تجاه حدث ما يتحكّم بها عوامل نفسية و اجتماعية و ثقافيّة متعدّدة و معقّدة , و تخضع لتوظيف سياسي متباين الأغراض في حال كان الحدث وازن .
الحدث : هو عرض فلم (سطحي اختزالي)مسيء للنبي الكريم مُحمد من أيام , و هو حَدَث متوقّع في القرن الواحد و العشرين و متوقّع جدا تكرار وقوعه في المستقبل , و في ظل الانفتاح المعلوماتي و التواصلي في عصرنا من المستحيل على أي جهة محلية أو إقليمية أو دولية منع تقديم هكذا أعمال و مشابهاتها ( رسوم كاريكاتورية – اغاني - رواية - مقال ..الخ) بل يمكن تقييد الانتشار عموما , و لكن ليس منع الانتاج و التداول , و هناك نماذج لقوانين تدين انكار الهولوكست أو تدين التحريض على كراهية السود و المثليين ..الخ . و لكن ذلك لم يمنع تكرار خرق هذه القوانين و بشكل متزايد. بل من المُجدي أكثر تناول طبيعة ردّات الفعل تجاه الحدث , بحيث تكون في حجم الحدث , و بما ينسجم مع المأمول منها إيجاباً.
و سأثبت عدة ملاحظات في هذا الشأن:
-أن لا تتجاوز حدود التعبير عن الرأي إلى التعدّي على حقوق و أملاك و أرواح الآخرين , كما حدث في جريمة قتل الدبلوماسيين الأمريكيين في بنغازي.
-أن تستهدف الاحتجاجات المسئولين عن الحدث المراد الاحتجاج عليه , فما علاقة السفارة الألمانية في الخرطوم بالفلم (المسيء للرسول) حتى يتم اقتحامها و العبث بها ؟! أو ما علاقة مطعم وجبات سريعة لشركة أمريكية في طرابلس لبنان بالفلم ( المسيء للرسول) , و هل الحكومة الأمريكية هي من رعت انتاج و تسويق (الفلم المسيء )أو حتّى أجازته!
-شكل و طبيعة الاحتجاج تعكس ثقافة و وعي المحتجّين , و خاصة أنّهم يرفضون الاساءة كعمل غير أخلاقي فمن الضروري ألا يمارسوا الاساءة و ازدواجيّة المعايير.
-الاحتجاجات على هذا الفلم و ما شابهه , رأس مال عظيم يُغري باستغلاله للسياسيين في العالم العربي , فالسلطات الاستبدادية قد تهتم بهكذا حركات احتجاجية و قد تشجع عليها لتكتسب شرعية الانتصار للإسلام و الرسول في حين أنّها تفتقد للشرعية الدستورية (أمثلة سوريا - السودان) , و كذلك سوف تستثمر السلطات الاستبدادية هكذا احتجاجات لتحشيد الشعوب و خلق مشاعر كراهيّة ليست ضدّها!
و كذلك تشكل هكذا احتجاجات رأس مال رمزي للإسلام السياسي و السلفيين و القاعدة و مشتقاتها , إنها فرصة للمزايدات الانتخابية و حشد الانصار في مواجهة الخصوم الأقل تفاعلا مع الحدث (الاتجاهات العقلانية - العلمانية)
*
يجب التمييز جيدا بين حرية الرأي و النقد من جهة , و بين الاساءة و التحريض على الكراهية , فالأولى مطلوبة و بها تنهض الامم , و الثانية مذمومة و بها تتراجع الأمم. هذا التمييز ضروري و يجب قوننته و تسويقه و حمايته من قبل الدولة و أجهزتها القضائية و التنفيذية , بحيث لا تتحول هكذا احتجاجات أو فتاوى لرجال دين إلى سيف مُسلّط على رقاب المبدعين و الكتاب و المفكّرين.
ففي نقاش مع أحدهم استغربتُ أنه مثلا يعتبر روايات نجيب محفوظ و كتابات فرج فودة و نصر حامد أبو زيد مثلا إساءة للإسلام يجب منعها و محاكمة المسئولين عنها!
*
الرأي يجابه بالرأي و الحجة تقارعها الحجة , أما في حالة التحريض على القتل و الكراهية فنحن في صدد مخالفة و جريمة يجب وقفها و إحالة المسئولين عنها للقضاء, و يجب تدخّل الدولة بآلياتها الضابطة و المنظّمة لحركة للعنف.
*
في العالم العربي : نحن بحاجة لسياسيين أكفاء يمارسون دورهم كرجال دولة , و ليس كسياسيين ضعفاء يرقصون على ايقاع ما يطلبه الجمهور , و يوظّفون الشعور الديني لقطاعات من المجتمع لمصالحهم الفئويّة الخاصة.
*
ماذا بقي من دعاوى التحريض على المخرج السينمائي الراحل (مصطفى العقاد) و و منع عرضه لفلم ( الرسالة ) ؟!
ماذا بقي من دعاوى مقاطعة البضائع الدينماركية ؟!
ماذا بقي من دعاوى متكررة سابقة لمقاطعة البضائع الأمريكية ؟!
ماذا بقي من دعاوى التحريض على مسلسل (الفاروق : عمر بن الخطاب )؟!
&








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل المشكله فى الفيلم ام فى العقول التى تثور للفيلم
حكيم العارف ( 2012 / 9 / 18 - 04:56 )
استاذ حمزه لقد كتبت مندهشا قائلا :
-ففي نقاش مع أحدهم استغربتُ أنه مثلا يعتبر روايات نجيب محفوظ و كتابات فرج فودة و نصر حامد أبو زيد مثلا إساءة للإسلام يجب منعها و محاكمة المسئولين عنها! -

ماذا اذا قلت لك انهم قبضوا على مسيحى فى مصر علشان اتفرج على ال13 دقيقه بتاعة الفيلم ؟؟

اشباه بنى ادمين يتوحشون على الضعفاء

اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت