الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في العراق الجديد: محنة المسيحيين.. محنة وطن

كمال يلدو

2012 / 9 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يصعب على المواطن العراقي المسيحي ، او من الديانات غير الأسلامية ان يجد نفســه في مواجهة دولة وقوانين تقنن هويته الوطنية ، وتدخلها من ثقب ابرة اسمها – الخمرة ، أو الخمر .
فكلما ضاقت الأمور برجال السياسة ، وأستعصى حل معضلات البلاد الكثيرة ، والرقي بمستوى شعبها ، يلجأون الى رفع شعار ( محاربة الخمر والخمارين) ، ووضع المسيحين في خانة المتهم ، وتحميلهم المسؤلية عن "الرذيلة" و " التسكع " و " العربدة" ان جاز التعبير ، في المجتمع العراقي . في الوقت الذي يتغاضى هذا البعض عن حقيقة الأرقام التي تفصح عن ماهية شراب ( الراح) في العراق . فأستنادا الى اكثر الأحصائيات تواضعا ، فأن نسبة ابناء الديانات غير الأسلامية في العراق لا تتجاوز 3% ، وأن معظمهم يعمل في مجال الخدمات ، اذن ، من الذي يرتاد البارا ت، ومن يحتسي الخمر في العراق؟ ناهيك بأن علاقة العراقي بالخمر ، هي اقدم بكثير مما يتصور البعض ، وحتى قبل تأسيس كل الأحزاب العلمانية والقومية والأسلامية ، فلم هذه المزايدات اليوم ؟ الخمر كانت موجودة ، وكانت الناس تحتسيها منذ ايام السومريين والبابليين وصولا للدولة الأموية والعباسية وحتى العثمانية والى يومنا هذا ، فكان هناك من يستمتع بها ، وكان هناك من يناطح الحيطان !
لكن ، ايا من تلك الدول او الحضارات والأنظمة ، لم تتحطم او تنهار ( كما يقول كتاب التأريخ) بســبب الخمر! بل انها انهارت وتحطمت وتلاشت ، بســـبب الفساد الأداري ، وعدم الأيفاء بوعودها تجاه شعبها ، وأزدياد الفوارق الأجتماعية ، وخيانة المصلحة الوطنية ، وتغليب مصالح الأجنبي على مصلحة الوطن ، اي بمعناه الحديث ، العمالة للأجنبي ، اقليميا كان او من دول الجوار!!
يغفل العديد من ساسة اليوم وتجار الدين ، حقيقة تأريخ بلادهم والدور المشرف لكل مكوناته ، وخاصة ابناء الطائفة المسيحية ، وأنهم سليلو ارقى الحضارات الأنسانية في المنطقة ،و شاركوا ابنائه في السراء والضراء ، وكان لهم مثلما لغيرهم دور في العلوم والأقتصاد واللغة والطب والتعليم والسياسة، في العمل والبناء ، وانهم شاركوا العراقيين في محاربة الدكتاتورية، وأقتسموا معهم القبور الجماعية ، وأختلطت دماء وأجساد شهدائهم سوية ، رغما على كل من يريد تزوير الحقائق ووضعها بغير نصابها ، وتنسيب القبور الجماعية الى طائفة بعينها زورا وبهتانا .

ان وقفة متأنية امام السياسة التي اتبعها ويتبعها قادة معظم احزاب الأسلام السياسي في العراق تجاه المسيحين وأبناء الديانات الصغيرة الأخرى من المندائيين والأزيدية ، تكشف حقيقة خيبة الأمل التي اصابت هذه المكونات بعد التغيير ، واليأس الذي يضرب اطنابه في صفوفها ، من جراء تكرار الأعتداءات ، وتدمير دور العبادة والمضايقات اليومية وعلى كل الأصعدة ، ومحاربتهم بأرزاقهم وحرمانهم من العيش الكريم . ان هذه السياسات لا يمكن ان ينظر اليها بأعتبارها احداثا منفردة او طارئة ، بل هي سلسلة مترابطة لها غايات صارت معروفة لمعظم العراقيين ، بقصد اخلاء العراق من هذه المكونات ، تنفيذا لمشروع ظلامي حاقد ومعاد للعراق تشترك فيه جهات عراقية وبأسناد ودعم من دول الجوار ،جنبا لجنب مع الميليشيات المنفلته ، وتجار العقارات العطاشى للأستيلاء على املاك وعقارات المسيحيين بأرخص الأثمان .
تجري هذه الأحداث ، التي لا يبدو ان لها نهاية قريبة ، في ظل اوضاع عراقية صعبة ، يحتاج فيها الوطن الى قدرات وأختصاصات كل ابنائه ، وليس الى تشتيتهم ودفعهم للهجرة ومغادرة العراق . فيما تؤسس هذه الثقافة – الفاشلة – لعلاقة غير متوازنة بين الحاكم والمحكوم ، وتعيد المشهد مرة تلو الأخرى ، لصورة النظام الدكتاتوري الذي كان يرفع الشعارات القومية والوطنية بينما يقتل ويهجر ابنائه باليد الأخرى .

قد تكون المصائب التي تضرب العراق ، وتهدد كيانه السياسي والأجتماعي ، دافعا للقوى الوطنية ، اليسارية والعلمانية والقومية وممثلي الطوائف والأديان الصغيرة ، للتأكيد على أن تحالفها حتمية تأريخية لتجاوز هذه المرحلة ، عبر البديل الوطني الديمقراطي الداعي لبناء الدولة المدنية ، وفصل الدين عن الدولة ، قبل ان يكتب النجاح للمشروع التدميري القائم اليوم .ان الموقف من حقوق وحرية هذه المكونات ، وخاصة المكون المسيحي، اضحى الميزان الذي يمكن من خلاله الحكم على طبيعة هذا النظام او ذاك . فالأغلبية لا تتكامل حقوقها بأستعداء الأقلية ، بل العكس ، اذ ان الأغلبية تتكامل حقوقها حينما تتمكن الأقليات من ممارسة حقوقها وواجباتها كأغلبية في وطنها .
اما للسادة الذين تهمهم التقوى ، ومحاربة الرذيلة ، فربما محاربة الفساد الأداري ، وكشف السراق وأصحاب الشهادات المزورة ، وتوفير مواد الحصة التموينية ، والعيش الكريم للفقراء ، ومحاربة البطالة ، وحماية الطفولة ، والحفاظ على حقوق الأرامل والأيتام ، ربما ترضي الخالق اكثر من محاربة " الخمر" ! اما التظاهر بالتعبد والتدين على حساب حياة ودماء ودموع المسيحين وغيرهم ، فلن يجلب لصاحبه الا اقذع الأوصاف .

في النهاية ، لقد مـرّت على هذا الوطن جيوش وأحتلالات ومآس وفيضانات وحروب وأوبئة وأمراض ، لكنه عاد وتعافى ، وأملي بأن يجتاز هذا الوطن الغالي ، حملة الطاعون والجراد ، التي تنهش به اليوم ، ويعود لأبنائه نظيفا ومتعافيا وخاليا من هذه الأمراض الفتاكة !

الولايات المتحدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المهاجر لا يعود عادةً ، فقط الطيور تعود
الحكيم البابلي ( 2012 / 9 / 18 - 11:42 )
الصديق كمال يلدو
كلنا يُبحر في نفس السفينة كما يقول المثل الأميركي
أفهم كل التداعيات عبر عوالمك الداخلية ، وأسمع إنهياراتها ، ولكن لنحاول مواجهة الحقيقة بكل شجاعة ومعقولية وبعيداً عن الحلم الذي توجدهُ لنا محبتنا وعشقنا لهذا الوطن الذي تمتد جذورنا فيه لأكثر من سبعة آلاف سنة
هذا الوطن لن ينصلح ، وعندما نقول الوطن فنكون قد عنينا : الناس ، فمن هو الوطن بلا ناس ؟ ، هل هو المدينة والحارة والشارع والمدرسة والنهر ؟ حتماً لا
هجرتنا جعلتنا نتواجه مع ظروف حياتية -من كل نوع- مختلفة جداً عما كان في الوطن ، وأغلب تلك الظروف إيجابية ، ونحنُ كأفراد وعوائل وجاليات ومجتمع نعيش اليوم في مهاجرنا أمتن وأجمل وأسعد ظروف عاشها مسيحيو الشرق عبر كل تأريخهم
لهذا تبقى مسألة العودة للوطن الذي طُردنا منه -نعم طُرِدنا- فنتازيا وهاجس بعيد الحدوث والتحقيق
هناك مثل عراقي يقول : إبلبنهة إبصوفهة إلكُم
تتمنى في نهاية مقالك أن تجتاز حملة الطاعون والجراد هذا الوطن ويعود لأبنائه نظيفاً معافى خالي من الأمراض الفتاكة
وسؤالي .. ومتى كان وطننا خالياً من كل ذلك منذ 1400 سنة ولحد الأن ؟
خلينا في مهاجرنا متنعمين
تحياتي ، طلعت


2 - السعيد من اتعظ بغيره
زرقاء العراق ( 2012 / 9 / 18 - 18:34 )
لا يستطيع مسيحيو العراق الا لوم انفسهم , ومحنة الخمر ما هي الا اشارة على ما هو آت من اهوال عليهم
لم يتعظ مسيحيو العراق بما حلَّ بيهود العراق حين اعدموا بتهم ملفقة وصودرت كل املاكهم وطردوا اشر طردة
وبما ان التاريخ يعيد نفسه, فسيجد المسيحيين انفسهم بنفس حالة يهود العراق ان لم تكن اسوأ منها
على المنظمات الامريكية والاوربية تشجيع مسيحيو العراق على تركه وايوائهم في دولهم قبل ان تحل بهم كارثة , وهي قادمة لا محالة


3 - سفينتنا
كمــال يلدو ( 2012 / 9 / 19 - 13:52 )
صغارا كنا حينما اطل المرحوم (عزيز علي) برائعته - يا جماعة والنبي ، عدنه والله بستان ، جنة من هالجنان ، طامعين الناس بيها من زمان الرومان ...الخ - وربما ما زال البعض يحلم بذلك البستان الذي يشبه ( دلمون) ..والحلم حق شرعي ، فأذا كنت تحلم ، فلم لا يكون حلمك اجمل الأحلام ! نعم عزيزي الحكيم البابلي ، يزخر تأريخ البشرية بصفحات كان ابطالها اوغادا ليس الا ، لكن تعلم في اي مكان من التأريخ انتهو! ، اما الثمرة الصالحة فتبقى لأنها هي من تشبع الأنسان . محبتي لك ولمرورك الجميل .


4 - لزرقاء العراق
كمــال يلدو ( 2012 / 9 / 19 - 13:57 )
أشكر لك مرورك على الموضوع ، ولكن اختي الفاضلة ، انت تحدثت بأسهاب عن الضحية ، والضحية والضحية ويبدو ان قلمك قد نسى شيئا اسمه ووصفه وشكله ( الجلاد) . هذا الذي يفتك بكل العراقيين ومن كل مذاهبهم ودياناتهم . نعم ربما يكون الجهل والتخلف والطغيان والدكتاتورية والأنغلاق الفكري والتعصب الديني ووو الكثير ..اتمنى ان تضعيه امامك وتوجهي له كل اتهاماتك ولعناتك ، قبل ان تطلبي من اوربا وأمريكا تخليص مسيحي العراق ، رغم حقهم الطبيعي بحياة هانئة كريمة معززة وآمنة .

اخر الافلام

.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟