الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الاكاديمي التونسي محسن الخوني

نورالدين علوش

2012 / 9 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حوار مع الأكاديمي التونسي الدكتور محسن الخوني (أجرى الحوار نورالدين علوش)
- من هو الدكتور محسن الخوني؟
مواطن تونسي، باحث في الفلسفة ومدرّس في قسم الفلسفة بالمعهد العالي للعلوم الانسانية بجامعة تونس المنار منذ سنة 2000 بعد تجربة تدريس دامت أكثر من عقد بالمعاهد الثانويّة. مهتمّ بتاريخ الفلسفة الحديثة والمعاصرة في جانبها العملي.

- سيدي الكريم أنتم من الباحثين المتميّزين في المدرسة النقدية الألمانية فما هي أسباب ودواعي الاهتمام؟
يمثّل النقد في الفلسفة الألمانية مقولة أساسية في العصر الحديث وقد ارتقى مع كانط إلى مستوى المنهج. ومن مزايا الاطلاع على هذا التيار في مسار تطوره التاريخي مساعدتنا على فهم جانب أساسي من العقلانية الغربية. وتكمن أهمية المنهج النقدي لدى كانط ، وهو محطّ إعجاب منظّري مدرسة فرانكفورت، في عدم طمس التناقضات وفي إظهارها على أنها المصير المحتوم للعقل.

- ما هو موقع فلسفة كانط النقدية في مدرسة فرانكفورت؟
لقد كرست للإجابة عن هذا السؤال بحثا مطوّلا نشرته في كتاب تحت عنوان التنوير والنقد (منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت). نعم تحتل الكانطية مكانة هامة في هذه المدرسة خصوصا في فترة المراجعة الثانية للنظرية النقديّة. إجابتي عن هذا السؤال ليست مذهبية بمعنى أنني بحثت في المسألةدون التسليم بأن الفلسفة قد تخلصت مع كانط من حالة الطبيعة التي أشار إليها في مقدمة الطبعة الثانية من كتابنقد العقل المحضلأنني أعتقد أن الفلسفة ما إن تدخل في حالة سلم حتّى تنشب حرب جديدة تكون تلك الفلسفة بالذات طرفا فيها. الفلسفة تعيش مثل البشرية حالة حرب دائمة تتخللها فترات من الهدنة.
ولم أبحث في المسألة بمسلّمة أن فلسفة مدرسة فرانكفورت خلاصة الفكر الفلسفي الألماني أو الغربي بل هي عيّنة معبّرة عن هذا الفكر.
لقد بحثت في هذه المسألة بالذات مركّزا اهتمامي على حركة تطوّر الفلسفة الألمانية. وعلى ضوء ذلك يكون موضوع السؤال متعلّقا بالفكر الألماني عامة ويمكن صياغته على النحو التالي: كيف أمكن لهذا الفكر التّأمليّ الذي انطلق مع كانط أن يولّد من حركته الذّاتية مراجعة لذاته دون توقّف أو جمود؟ وبتعبير آخر: كيف أمكن للفكر الفلسفي الرّاهن الذي تمثّل النّظرية النّقدية واحدا من فضاءاته أن يتقبّل أصوله ويتعامل مع تراثه نقديا وعلى نحو تطوّري؟
لقد قادني البحث إلى عدّة نتائج أخصّ بالذكر منها:
• رفض المصالحة التي ختم بها هيقل نسقه الفلسفي أدّى بمنظّري جدلية التّنوير إلى إعادة الاعتبار إلى الجدل الكانطي وقد تسنّى لهوركهايمر بواسطة تأويل أنتربولوجي مادّي لفلسفة كانط التّرنسندنتالية إخراج التقابل بين الأمبريقي والتّرنسندنتالي من ميدان العقل ليقذف به في ميدان المجتمع والتّاريخ. ويعود اعتراف فلاسفة مدرسة فرانكفورت بعظمة الفلسفة الكانطية إلى منهجها الذي لا يطمس التّناقضات بل يعتبرها المصير المحتوم للعقل.
• تناول منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت إنما يقصد منه تقصّي مفهوم النقد ومنهجـه عبر أهم أقطابه وذلك خلال القرنين الماضيين. ويستمدالنقد أصوله من الفلسفة ويرمي إلى الكشف عن مصلحـة تحرّرية يلتزم المتفلسف بالعمل علىتحقّقها. فمنذكتابة هوركهايمر لنصّه الذي يميز فيه بين النظرية التقليدية والنظرية النقدية اتضحت الخاصية الجوهرية لهذه الأخيرة وهي التزامها بمصلحة عملية كان كانط رائدا في تحكيمها على نقـد العقل.


- كيف نجعل كانط أكثر راهنية؟
لقد تمّ في الفكر الغربي المعاصر الإجابة عن هذا السؤال من قبل الفلاسفة الذين انتسبوا إلى الكانطية مثل الكانطية الجديدة وفلسفة جون راولس وفلسفة آلان رونو. مع ذلك أعتقد أن البحث يكون أفضل عندما نتساءل كيف نقرأ كانط دون التخلّي عن راهنيتنا؟ إذ لا الحداثة ولا النقد ولا التنوير ولا الذات ولا الفلسفة ولا القيم يمكن أن ننظر إليها الآن كما نظر إليها كانط. فالمفاهيم والمقولات والمناهج تتطوّر تاريخيا ويلعب السياق دورا أساسيّا في توجيه حركة الفكر.
هذا إلى جانب مسألة أساسيّة تتعلق بنا نحن إذ ليس مطروحا علينا أن ندخل في معركة ليست هي بمعركتنا أو أن نفهم واقعنا بفكر يتعلق بواقع آخر. إذ مهما بلغت الكانطية من درجات الكونية فهي في نهاية المطاف فلسفة أوروبية رغم أن التاريخ الأوروبي والثقافة الأوروبية تكوّنا في اتصال مباشر بنا.
راهنيةكانط بالنسبة إلينا تنبني على طرح السؤال التالي : كيف نستفيد من فلسفته في فهم ذواتنا وبناء فلسفتنا وتغيير واقعنا، كل ذلك على ضوء ما حدث لدينا ولدى غيرنا خلال الفترة التاريخية الفاصلة بيننا.


- باعتباركم من الباحثين المتميّزين في الفلسفة ماذا ينقصنا نحن العرب لننتج فلسفة نقدية تطابق زمانها؟
قد أفاجئكم بالقول بأن ما ينقصنا أولا هو ما قبل فلسفي، بمعنى أنه الشروط المادية لتكون لنا فلسفة مترسّخة مؤسساتيا.من ذلك أنّنا لا زلنا لم ننشئ بعد دولة حديثة ذات سيادة وتحكمها المؤسسات.
وإن كانت الفلسفة تقوم على الفكر فيجب بناء مؤسساته عبر القضاء على الأمية وتطوير المؤسسة التعليمية وهذا ما نشكو منه الآن خاصة بعد النّكسة التي ازدادت حدّتها مع العولمة، إذ دخلت المدرسة والجامعة في أزمة عميقة جراء مسار الخوصصة السافرة أو المقنعة للتعليم والبحث، هذا إضافة إلى تدهور المستوى المعيشي للمدرسين وتفشّي ظاهرة البطالة. لا بدّ أن يوجد الفكر لنتحدّث عن النقد. الفكر الذي تبنيه المؤسسات هو الشرط الممهّد للنقد.
ويشترط النقد توفّر حرية الرأي والتعبير في كل المجالات (الفن والعلم والدين والأخلاق) داخل فضاء عمومي مستقلّ بذاته. كما يشترط النقد الاعتراف بأن العقل هو وسيلتنا الوحيدة لمعرفة كل ما يتعلق بالإنسان بما فيه المتعالي عنه. ويقتضي ذلك إيلاء العلم والعقل أهمية في حياتنا اليومية الفردية والجماعية وتكريس ذلك في واقع الحياة. وإيلاء العلم أهمية يختلف عن استعماله مجرّد أداة ويظهر ذلك بشكل أوضح في مواضيع علوم الانسان مثل التاريخ والمجتمع والاقتصاد واللغة والسلوك السياسي والديني..
ما ينقصنا يتعلق بمؤسسات البحث: المدارس والكليات ومراكز البحث تشكو من التفقير وقلة التجهيزات وسوء التنظيم والتصرف في جميع الموارد وخاصة منها البشريّة. وببساطة لا يمكننا انتاج فلسفة نقدية تخصنا إن لم تنفتح جامعاتنا على بعضها وتتبادل الخبرات والتجارب والطلبة والباحثين. فهل هذه مشكلة فلسفية أم اقتصادية وسياسيّة وحضاريّة؟
لقد كانت حركة التحديث في أوروبا تتم وفق جدلية، أوّل من نبّه إليها هيقل، بين التّجربة التاريخية في مجالات عديدة مثل الاقتصاد والصناعة والاكتشافات والاختراعات وحركة الفكر في الفن والدين والسياسة والقانون والعلم والفلسفة. ولئن اعتبر هيقلالعقل محرّك الواقع، وأحيانا باستعمال الحيلة، فإن ما نبهتنا إليه الفلسفاتاللاحقة وأهمها الماركسية هو محدودية الفكر/ الوعي في قيادة حركة الواقع. وهذه مسألة أساسية تنقصنا : انتاج فلسفة نقدية راهنة ليست مهمّة الفلاسفة في المقام الأول، إنها مسألة سياسية واجتماعية واقتصادية.
من هنا تظهر، في نظري، أهمية الفكرة التي تقود النظرية النقدية منذ نشأتها وهي أنها أيضا وفي المقام الأوّل فلسفة اجتماعيّة. لكن من تعود على النظر إلى الفلسفة نشاطا تأمّـليا وتفكّـريا مرتبطا باختيارات ودوافع نظرية يعتقد في كونها خالصة فيفقد من ثمّـة صلته بواقعه الذي هو غير ثابت ويسلم بوجود ضرورة متعالية تتجاوز البشر في تحديد حركة التاريخ. وغالبا ما تؤول الفلسفة لدى هؤلاء إلى مجرد ميدان خاضع لذوق استطيقي أرستقراطي على النمط النيتشوي أو إلى تفكيكيّة لكل بناء أو إلى نظرية خالصة بالشكل الهوسرلي أو أيضا إلى قول في الكينونة مقطوع عن التفكر في استتباعاته العملية إيتيقية كانت أم سياسية.
إن العمل انطلاقا من الحقل الفلسفي الموسوم بالنظرية النقدية يدفعنا إلى تناول القضايا الخاصة بنا وذات البعد التاريخي والاجتماعي. فعلاقتنا بالحضارة الغربية وعقلانيتها تفهم على نحو متميز من منظور الآثار السلبية التي خلفتها المعقولية التقنوية والايديولوجيا المصاحبة لها أو المعقولية الاستراتيجية وتشييئها للبعد الإنساني في حياتنا. ولكن توجه الفهم في هذا المساق لا يعفينا من تحمـل مسؤولية بقائنا، كجزء من البشرية، في شكل دوائر مغلقة على ذواتها في الداخل ومنزلقة في تبعيّة مقيتة لإرادات خارجية على مستوى الأنظمة السياسيّة التي لم تنخرط جديا في نمط من الحياة يجعل من التواصل البينذاتي الإطـار المرجعي لتفضيل إرادة سياسية شرعية وقانونية على إرادة فردية وأبوية متنصلة من كل مراقبة مؤسسة ولم تنخرط أيضا في معقولية جعل الحلول تسوية نسبية وظرفية للخلافات وفق نموذج ديمقراطي.


الجـــزء الثاني

ما يلاحظ على الفلسفة المغاربية بصفة خاصة والفلسفة العربية بصفة عامة هو ضعف الفلسفة السياسيّة. فما هي الأسباب في نظركم؟
الأسباب عديدة ولكن تماشيا مع الأجوبة السابقة أنبّه إلى مسألة جوهريّة تلقي الأضواء على مسألة "ضعف الفلسفة السياسية". لم تنشأ الفلسفة السياسيّة في المجتمعات الحديثة بمعزل عن الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي وعن الاكتشافات الجغرافية والعلمية.ومن ثمّة نشأت الفلسفات السياسية في علاقة مباشرة بهذه السياقات. ولمّا كان تحييد الكنيسة عن السياسة هو الحدث الاكبر الذي ساهم في نشأة الدولة الحديثة المتمركزة بمقوماتها العديدة من الوحدة الترابية والقومية والسيادة والفردانية والتمثيلية على مستوى العلاقات بين الدول. هذا ما يصح على نظريات ماكيافلي وهوبس وسبينوزا وبودان وكانط وفيشته وهيقل وغيرهم.
أمّا لدينا فإن الدولة الحديثة نشأت في ظل صراعات كنّا فيها منفعلين بالأحداث الكبرى التي ظهرت في حركات الاستعمار الحديث وسقوط الخلافة ونشأة أنظمة هجينة يتداخل فيها القديم والحديث والاستقلالية والتبعية. لذلك نشأت الدولة الحديثة لدينا في إطار عدم توازن عالمي وأزمة متفاقمة تكون فيها الأنظمة السياسية في أغلب الأحيان جزءا من المشكل لا طرفا من الحلول. أنظمة تمنع حرية الرأي والتعبير ولا تعير اهتماما إلى ضرورة عقلنة المجتمع والمؤسسات وفق المعايير لحديثة المتعلقة بالعدالة والحرية. وعدم انخراط الفلاسفة في الحراك الاجتماعي والسياسي واكتفاؤهم بالقيام بمهمة الموظّف تحت الضغوط يجعل الفلسفة السياسية لدينا ضعيفة كما قلت. لن تنشأ لدينا فلسفة سياسيّة إلا عندما يتكوّن استعداد عام من قبل الحاكم والمحكومين لتقبّل حلول العقل والعلم في تنظيم حياتنا وأن الحلول ليست مطلقة ولا نهائيّة. كما تقتضي نشأة الفلسفة السياسية انخراط المتفلسفينبالفكر والكتابة في الحراك الاجتماعي ضمن إطار مؤسساتي تتوفّر فيه الحريات بدءا بالدساتير والقوانين ومؤسسات البحث والتدريس.وأخيرا إن الأحداث الأخيرة في المجتمعات العربية من شأنها أن توفّر سياقا لنشأة فلسفة جديدة ولكن ذلك مرتبط بتكريس المطالب التي حركت الأفراد والشعوب مثل الحرية والكرامة والعدالة على أرض الواقع.

نعم هناك عمل كبير في مجال الترجمة، لكن أين نحن من كتابات اغمبيووهابرماسوراولز واكسيل هونيت ونغري؟
هناك جهود في الترجمة ولكنها منقوصة لأنها مرتبطة بإرادات فردية. ولن يكتب النجاح لحركة ترجمة تستجيب لمطالب الساحة العربية إلا بمؤسسات دولية (بين الدول العربية) تعتني أولا باللغة العربية على مستوى تحيين المعاجم وتطويرها ثمّ برسم سياسة كبرى لترجمة أمهات الكتب في الفلسفة السياسية.

سيدي الكريم هناك الكثير من مراكز البحث في العلوم الاجتماعية لكن هناك ضعف كبير في الفلسفة وخاصة الفلسفة السياسيّة. فلماذا؟
يعكس هذا الضعف عدم إيلاء الأنظمة أهمية للفلسفة وخاصة للفلسفة السياسيّة ناهيك أن أنظمة برمتها تخشى من تدريس الفلسفة ومن استعمال هذه التسمية أمّا بقيّة الأنظمة فأغلبها تتبع برامج تعليم غير محكمة لتكوين الأجيال. لو توفّرت الإرادة الشعبية أولا ثمّ الإرادة السياسيّة لوجدنا حلولا ناجعة لترجمة الفلسفة السياسية وإنتاجها. مشاكل الفلسفة السياسيّة كمشاكل الفلسفة عامة ذات بعد سياسي أوّلا وأخيرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟