الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب وشتات ألأفكار ألتي تصنع الشتات

سامي بن بلعيد

2012 / 9 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



قبل الولوج إلى قلب المعاناة ألأبدية سأبدأ بالإشارة الى بعض محاسن العربي لكي لا يتعكّر صفو الحوار , فأنا أدرك إن العربي يميل إلى التبجيل والفخر حتى وإن كان ألأمر فيه من النفاق ما يكفي لإزدرائه ولكن العربي عند سماعة للتبجيل أو عندما تحين له فرصة للظهور ينسى نفسه وتحصل عملية إنفصال نهائي بينه وبين عقله الواعي , والمصيبة إن العربي لا يوجد لديه رابط بالعقل النقدي التقيمي , لذلك لا توجد لديه محطات وقوف ومراجعة ومحاسبة لما مر ويمر عليه من أحداث فهو مستمر في ألإندفاع والحركة إلى ألأمام كما يضن ولا يعلم إنّه تائه لا يمتلك خارطة طريق ولا حتى مرايات عاكسة تساعده على تجنُّب ألإصطدامات , ولكننا ومع كل ذلك لا ننكر إن هناك شذرات من المفكرين والعلماء والقادة والمبدعين على مختلف المجالات ــ لا ضرورة لذكرها مراعاة لمشاعر العربي ــ ولا ننكر إن شعوب وأُمم أستفادت من بعض ألإرث العربي ألإسلامي ــ أعلم إنها مُشكلة ــ ولكننا .. نحن العرب لم نستفد منها شيئ , لأنها في الغالب تقوم على النقائض ولا يوجد لها أي أساس تكاملي جامع

هناك من يعجبنا في مجال الفكر , يحلل ألأحداث بعقلية ألمفكّر الحقيقي ولكن المصيبة فقدان الروابط الفكرية بينه وبين أقرانه من أجل العمل تحت مشروع حضاري إنساني مشترك أو متقارب , قد نقول إن الجابري كان عملاقاً في الفكر ولكن ذلك قد لا يرضي العروي حتى بعد وفات ألأول , وحتى من الرعيل ألأول لوذكرنا المصلح الديني محمد عبده وهو ممن حاول إرساء بعض التغيير ولكن بالنظر الى القادمين بعده لم يأتوا لإستكمال أعماله التجديدية ألإيجابية بل يأتي من يضع ألأشياء على النقيض وكتاب مفهوم العقل للعروي هو أحد الادلة على ذلك , وإن لم يلتقي العروي مع الجابري هل سيلتقي مع أركون أو غيره ,

صحيح إن مناهل العلم والفكر متنوّعة ومصادرها متعددة ولكن ألأمر يقف عند مسألة أساسية ألاَ وهي العقل الجمعي الذي يشكل ألأرضية ألأساسية لبناء ألأفكار الهادفة الى بناء ألشعوب والأُمم , فهناك أُمم تمتلك إستراتيجيات عمل جماعي شامل يهدف إلى بناء ألإنسان على مختلف المجالات , مسلمات لا يوجد عليها غُبار ولا يتعالى عليها أحد ولا تستأثر بها مجموعةً من الناس ولذلك تندفع بشكل مُمنهج وعلمي وعملي بعكس من أصبح عبارةَ عن ظاهرةٌ صوتيةٌ مُزعجة نسمع لها جعجعتٌ ولا نرى لها طحنا

وبالنزول الى مراكز المعرفة الوسطى والدنيا في عالمنا العربي نلتمس الشتات الناتج عن شتات ألأفكار , شتات بين ألأشكال السياسية والفكرية والثقافية والإجتماعية وألإقتصادية المختلفة مع شتات داخل تلك المكونات ذاتها , فإذا كانت النخبة المثقفة المتعلمة التي تشكل وجدان الشعوب وعقليتها لا تربطها طرائق عمل وطني إنساني جامع ... فماذا عسانا أن ننتظر من عامة الناس ؟

هناك موضوع جميل أثاره ألأخ شامل عبدالعزيز تحت عنوان الراية السوداء وثورات الربيع , تطرّق فيه الى واقع الخلل والتصادم العربي من أيام الزمن القديم وحرب داحس والغبراء مروراً بصدر ألإسلام وصولاً إلى التأريخ الحديث والمعاصر , وكأن تلك سمة قد جُبل عليها العربي , وفي السياق طرح بعض المحاورين أسئلة مهمة
’ ما هي ألأسباب ؟ وما هو الحل ؟ ومن أين نبدأ ؟

بالفعل كانت أسئلة قوية توازي ذلك السؤال الكبير والمحُيّر الذي لم يلقى إجابة واقعية مكتملة ومُتّفق عليها إلى حد ألآن
والسؤال هو
لماذا تمشي شعوب ألأقطار العربية عكس حركة التطوّر الحضاري العالمي ؟

هناك من سيأتي ويصمُّ آذانكم بطريقة متعصبة لذاته أو لحزبه أو لقبيلته أو لرئيسه
فإن كان مدّعياً ألعلمانية أتهم ألإسلام والمسلمين
وإن كان مدعياً ألإسلام أتهم العلمانيين
وإن كان من القوى الرأسمالية المحلية والإقليمية ومن لف لفُّهم من النفعيين فأولئك يقفون في مواقع الفتنة ويضربون الشعوب ببعضها مستخدمين الدين والقبيلة والعلمانية وكل الوسائل القذرة الزائفة

فكيف لنا أن نرى النور ؟

أصبحنا لا نُميّز بين ألإختلاف الصحي وبين ألإختلاف المرضي
المتعلمن يقول بالاختلاف تُصنع الحياة وتنتج ألأفكار
والمُتأسلم يقول ستنقسم أمتي إلى بضعٌ وسبعون شعبة كلها بالنار إلاّ واحدة وكأن ألإسلام لا يمتلك من التوجيهات غير هذه
وهناك النائمين على العسل , وهناك المعلقين على ألأحداث وكأنهم أمام مباريات كروية
وهناك من يقرأ جريدة معينة أو يسمع لآخر خبر إعلامي وأتي ليعده على ألأذهان وكأننا أمام تفريخ إعلامي مكرر ومُمِل
وهناك من يستغل كل ألأحداث ويوظفها لمصلحة الحاكم الفاسد وأسياده من القوى الرأسمالية ألإستغلالية

فهل هناك من يجيب على السؤال المطروح أعلاه , لعل وعسى أن نجد بداية السبيل للملمت الشتات ؟ الناتج عن شتات ألأفكار ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيب
عبد الله خلف ( 2012 / 9 / 20 - 16:38 )
شكراً أخي , موضوع هادف .


2 - الى السيد عبدالله خلف المحترم
سامي بن بلعيد ( 2012 / 9 / 20 - 22:25 )
أشكر لك مرورك العطر وإستحسانك للموضوع


3 - تحياتي وتقديري لك
شامل عبد العزيز ( 2012 / 9 / 21 - 05:26 )
شكراً جزيلاً
استطيع أن أقول بأن مقالك هو تكملة قيمة لمقالي وفيه الكثير من الأسئلة المهمة والتي تلتقي مع اسئلتي حتى وإن اختلف الأسلوب
كما قلتُ رأيي سابقاً لا يوجد سبب لما نحن فيه سوى الثقافة - البيئة التي تربينا فيها بكل ما فيها من أعراف وعادات وتقاليد - لا تنسى بأننا بعيدين عن مواكبة العصر منذ زمن طويل بسبب انقطاعنا عن التواصل مع العالم ولعدة أسباب
التراث
الحكام
الصراعات الحزبية
التيارات الإسلامية
ما نحتاجه حكومة علمانية تبدأ من رياض الأطفال وتستمر مكملة وجيلاً بعد جيل سوف يكون هناك تغيير
مجرد رأي
الاحترام لك


4 - إلى ألأستاذ شامل عبدالعزيز المحترم
سامي بن بلعيد ( 2012 / 9 / 21 - 07:44 )
تحية طيبة لجنابك
وبالفعل نحن بحاجة إلى أنطلاقة جديدة تبدأ من الروضة مثل قولك ولكن في إطار تغيير فكري منهجي يدفع العربي من مربعات العنف والصراع والذات الشللية ويخرجه الى ساحات الحرية الفكرية الواسعة والسلمية التي تجعل من العقل سيد الموقف وبذلك تتمكن الشعوب من مغادرت مواطن العاطفة والاعمال النظرية المجرّدة لتنتقل إلى الواقع العملي الملموس الذي يجسّد ألأقوال بالأفعال
وكل ذلك لن يتم إن لم يقم العربي بإنشاء محطّة مراجعة للذات , ويغادر مواقع النرجسية المفرطة , ويعالج بارانويا السلوك والتفكير , ولا يستمر بحساباته القديمة التي تعتبر ألإعتراف بالخطأ ضرب من ألإذلال وقبول الرأي ألآخر نوع من النقص والصراع والعنف مع ألآخر محسوب شجاعة

تحاياي الحارة


5 - التطور والسير قُدما,سارت فيه شعوب واخفقت شعوب اخرى
علاء الصفار ( 2012 / 9 / 21 - 20:08 )
تحيات المحترم استاذ سامي
لو نرجع الى اوربا وبداية تجاوز الخرافة وبداية عهد التنوير والتطور, فالاساس اقيم صحيحا وليكون فوقه البناء المستمر ان البناء صار كالتراكمات التي يتركها غرين النهر وليستمر ظهور الارضية الجديدة للابداع. اما نحن من الكفر الظن ان يوما كانا نعيش في مرحلة علمانية, نحن تحررنا من الاستعمار سياسيا وصارت فورة ولغط وحصل بعض التطور في الانتاج والصناعات الخفيفة وبعض الاحزاب الوطنيةالقومية المشوهة, لكن ابدا لم تتجرأ على قطع الحبل السري مع جذور التخلف المتصلة مع البناء الهيكلي للماضي و ليزحف مع التطور الكسيح.اوربا البرجوازية الصناعية الثورية في حينها استطاعت اجتثاث كل اسباب المعوقات,وايجاد الارضية لتطور مصالحها الاقتصادية مما ادى الى تطور المستوى المعاشي ثم تطور ذهنية الانسان نحو امرالعلم والتحضر مما انحسر دور الاقطاع والرجعية تماما في المجتمع, ليظهر البرلمان ثم لتصبح دول استعمارية تنهب الشعوب ويتضاعف التطور كما حصل لفرنسا فهي ديمقراطية وتذبح الجزائر. فاصبحت تلك حلقة الشيطان في عصرنا الحديث. كما كان اليهود عبيد عنذ الفرعون او عند السومريين. حال تجاوز العبودي والاستغلال نتطور


6 - الى الاستاذ علاء المحترم
سامي بن بلعيد ( 2012 / 9 / 22 - 08:24 )
معاك إن الحبل السري لم ينقطع عن حلقات الماضي المظلم وهو أيضاً لم ينقطع عن التبعية ألإستعمارية وكلاهما مُر
والتحرير من الأمرّين لا بد أن تنجزه ثورة فكرية علمية قيمية إخلاقية شاملة لا تتصدرها نُخبٌ معينة بل تشارك فيها كل فئات الشّعب ونخبها , لإن هدفها لن يكون سياسياً او دينياً ولكنه إنسانياً ثقافياً حتى تصل بالإنسان إلى درجة معينة من الفهم الذي يؤهلة لرؤية ألأشياء من حوله بطريقة بصرية واضحة لا عليها ألوان ولا أضواء ويستطيع التعامل مع الاشياء من حوله بشكل إنساني واعي , فإن حصل ذلك نستطيع القول إن لدينا إنسانٌ قادر
على تعاطي السياسة وقادر على أختيار ما يريد منها ويحميها, وقادر على تحديد موقفه من كل ألأشياء من حوله ويكون ذلك أفضل من أن يظل تبعياً ومُشتت الفكر بين هذا وذاك
الاستاذ علاء : أطيب تحية

اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر